أما بعد: أيها الناس، إن الأمراض التي تُصيب الإنسان إما عضوية وإما نفسية، والنفسية يكون لها تأثير وانعكاسات بحيث يتألم المريض عُضويًا، فإذا زال السبب النفسي سكن المرض تلقائيًا. والأمراض النفسية أنواع، منها ما يكون بسبب الحسد، ومنها بسبب السحر، ومنها بسبب العين، ومنها ما يُسمى في عيادات الطب الحديث بالأمراض النفسية، وهذه الأخيرة معناها أن الإنسان يتألم ويتضايق من وضعٍ من الأوضاع أو المواقف والمصائب التي تنزل في نفسه أو في أهله أو ولده أو ماله، فيُصاب بصدمة تظهر أعراض آلامها على أحد أعضائه، ويكون نتيجتُه أَرَقًا وقلقًا وضيقَ صدر واكتئاب، فيتوهم أن مرضه عضوي، وليس كذلك، وإنما الذي فيه ما يُصطلح عليه بالمرض النفسي، فإذا زال ذلك المؤثر شُفِي من مرضه بإذن الله تعالى.
أيها المسلمون، خطبة هذا اليوم تدور حول السحر: ما أسباب انتشاره؟ ولماذا هو بازدياد الآن؟ وما الفرق بينه وبين الشعوذة؟ وما أنواع السحر باعتبار نتائجه؟ ولماذا يعمد بعض العُمّال والخادمات في البيوت إلى سحر كفلائهم؟ وما أضرار السحر؟ وهل هناك جهودٌ على الصعيد الرسمي في مكافحته ومكافحة المشعوذين؟ وهل من مَخْرجٍ لمن ابتلي به؟ وكيف يُقاوم ويُتوقَّى؟ وأخيرًا ما حكم الساحر؟
عباد الله، لئن كان السحر في السنين الماضية لا يُذكر إلا قليلاً والحالاتُ المسحورة تكاد تُعدُّ بالأصابع، إلا أن أعداده أخذت تتزايد مؤخرًا، ولم يعد ضررُه قاصرًا على فئةٍ من الناس، بل تجاوز ذلك ليشمل أعدادًا أكبر. وصار السحر مع العين والحسد ومع الشعوذة تشكل ثالوثًا يهدد خطرها أغلب شرائح مجتمعنا الآمن المطمئن.
إن الإعلام المهترئ والصحافة المشوّشة والإلحاد المنتشر من خلال قنوات السحر سببٌ مباشر وقويٌ من أسباب رواج سوق السحرة، كما أن ضعف الإيمان بالله وقلة اليقين بقدرته ثم الإعراض عن ذكره وقلة الدعاء والتضرع وكثرة الصور والتماثيل في البيوت وضجيج الموسيقى والغناء وأكل الربا فتحت الباب على مصراعيه لدخول الشياطين، فجملة من البيوت متلبّسة بالمعاصي من كل جانب؛ مأكلاً ومشربًا وملبسًا ومركبًا، ليلاً ونهارًا، وهذه الفئة من الناس غدت بيوتهم مسرحًا للشياطين، وهم زبائن السحرة والمشعوذين؛ لأن الساحر لا يمكن أن يكون ساحرًا ويؤثّر سحره إلا إذا قرّب قُربانًا للشيطان وخرج عن ملة الإسلام، فإذا انصاع لأمر الشيطان تمامًا دلَّه الشيطان على المواقع الملائمة لممارسة نشاطه السحري، وهي تلك البيوت الخرِبة الغافلة اللاّهية، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن أسباب ازدهار سوق السحر ـ عباد الله ـ الجهل بشرع الله، فإذا مرض ذلك الإنسان التمس العلاج من أي جهة كانت ولو بالوسائل المحرمة؛ لأنه لا يعلم الآثار المترتبة عليه، لم يعلم قول النبي : ((من أتى عرّافًا فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) رواه مسلم، والعراف من يدعي معرفة الأحوال في المستقبل، وهذا الوعيد من الرسول فيمن أتى العرّاف وسأله، وأما إن صدقه بما يقول فهو كافرٌ بدين محمد لما ثبت في الصحيح قال : ((من أتى عرّافًا أو كاهنًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) رواه أهل السنن. والكاهن من يدّعي معرفة الأحوال الماضية. وفي مسند البزار بسند صحيح قال : ((من أتى كاهنًا أو ساحرًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد ))، وجاء في حديث عمران بن حصين أنه قال: ((ليس منّا من تَطيرَّ أو تُطيرِّ له، أو تكهن أو تُكهّن له، أو سحَرَ أو سُحِر له، ومن أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول لم تُقبل له صلاةٌ أربعين يومًا)) أخرجه البزار بإسناد جيد.
أيها المؤمنون بالله ورسوله، إن من أوسع القنوات التي تنقل السحر وتروجه في مجتمعنا قناة العمالة الأجنبية، وخاصة الخادمات داخل البيوت، ليسوا كلهم، وإنما أعني منهم الكفار أو فسقة المسلمين ممن لا يشهدون الصلاة ولا يذكرون الله إلا قليلاً، يأوي الواحد منهم إلى منزله بعد كَدِّ النهار كاملاً من أجل لقمة العيش، وبراتب متواضع وفيه ما فيه، فيستفتح ليله ويختتمه بالعكوف أمام شاشات القنوات الفضائية، لا يخرج إلى الصلاة مع الجماعة، بل إن بعضهم يجمع الصلوات الخمس في وقت واحد، أو ربما أخّر ذلك أيضًا إلى يوم الجمعة، وصنفٌ رابع يتركون بعض الفروض أو لا يصلون أبدًا، فماذا يُظنُّ بمثل هؤلاء؟!
بعض الخدم أو الخادمات كافر، وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة: 254]، انطوت نفسه على كره المسلمين وحبِّ الإضرار بهم حتى لو أُحسن إليه. وقد حذر النبي من إبقاء الكفّار في جزيرة العرب، فكيف بمن يجلبهم ويستقدمهم بمحض إرادته؟! قال وهو يودع هذه الدنيا ويلفظ أنفاسه الأخيرة: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)).
وثمة سببٌ بليغٌ من أسباب وقوع السحر من العمال والخادمات، المظالم التي تقع عليهم من عنف الكفيل أو ربة البيت والقسوة التي يلاقونها، والنظرُ إليهم وكأنهم ليسوا من بني البشر، وعدم رحمة غربتهم وبُعدهم عن أوطانهم وأهلهم وأولادهم، وتأخير رواتبهم أو إنقاصها، وتكليفهم من الأعمال فوق ما يطيقون، والسخرية بهم واحتقارهم. هذا اللون من المعاملة لا يوجِد حقدًا واحدًا فقط لديهم، بل خزّانًا من الأحقاد ومشاعرِ الكُره وحب الانتقام، يلجأ حينها إلى أسهل وسيلة لإيقاع الضرر بكفيله أو ربة البيت أو أحد الأولاد، فلا يجد أمامه إلا السحر، فإما أن يسحر هو بنفسه، أو يذهب إلى سوق السحرة ليجد تجَّاره فاتحين دكاكينهم على مدار الساعة.
والسبب الثالث من أسباب وقوع السحر من خادمات البيوت ما يقوم من الصِّلات الحميمة بين ربة المنزل وبين الخادمة، فتقوم الخادمة بعمل السحر بغية الإبقاء على هذه العلاقة واستمرارها، أو أن يقع من خادمة أخرى غيرة من زميلتها لتُوقِع الخلاف بين المرأة وخادمتها ونحو ذلك.
وسببٌ هامّ أيضًا من أسباب كثرة السحر والسحرة الخلافات الزوجية، وظلم الزوج لزوجته أو إحدى زوجاته، فمع ضعف إيمانها بالله تعمد إلى الانتقام منه عن طريق السحر. أو أن يتزوج أحدهم زوجة ثانية، فيلعب الشيطان بالأولى ويوغِر صدرها على ضرّتها الجديدة، فتقصد أحد السحرة ليصرف محبته عن الثانية، أو ليتعلق بالأولى، وربما وقع العكس بأن يأتي السحرُ من الجديدة لتستأثر بمحبة زوجها.
|