الحمد لله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا وسيدنا محمد رسول الله وعلى من والاه، واتبع هديه حتى يلقى الله.
أما بعد: أيها المسلمون، فلو قلنا نحن المسلمين: إن حرب البوسنة وكوسوفا وكشمير والفلبين والآن في الشيشان وغيرها، لو قلنا: إنها ليست حربًا أهلية البتة، بل عُدوان وحشيّ على المسلمين ولأنهم مسلمين لرُفض قولنا، واتُهمْنا بالتمييز الطائفي. لكن ما بالكم إذا ورد مثل هذا القول في تقرير سري لإحدى أكبر وكالات استخبارات عالمية نشر في إحدى أكبر الصحف العالمية، قالت الصحيفة: "إن الزعم أن ما حدث في البوسنة حرب أهلية هو كذبة كبيرة، فما اقترف الصربُ مختلفٌ تمامًا، وأكثر من ذلك فهناك أدلة ثابتة لدى الأمريكيين على وجود سياسة صربية واعية ومتماسكةٍ ومستمرةٍ للتخلص من المسلمين بالقتل والتعذيب والسجن" اهـ.
ويؤكد هذا محاولة الغرب الآن التعامل مع الرئيس الصربي كداعية سلام، يقدم بين حين وآخر أحد كبارِ ضباطه الضالعين في الحرب قربانًا للغرب، ليؤكّد لهم حسن نيته وأن قصده القضاء على المسلمين وليس تحدي الغرب. ونحن المسلمين ندرك أن الغرب لو أرادوا رأس الرئيس الصربي وأمثاله لأتوا به حيًا أو ميتًا، إلا ما شاء الله.
أيها المسلمون، إن قضية الشيشان أوضح كثيرًا من قضية البوسنة، ولو من زاوية أنها لا يمكن أن توصف بأنها حرب أهلية، فالشيشان شعب مستَعمر منذ مائتي سنة، وقد ثار على روسيا القيصرية، كما ثار على الاتحاد السوفيتي، ونال منهما أشد أنواع الاضطهاد؛ لكن الشيشان أقلّ حظًا من البوسنة لاعتبارات أخرى، فهم يموتون الآن من دون جنازة ولا تعزيةَ كما حدث في البوسنة وكوسوفا. ولعل البعض يقولون: نحن نعلم كل هذه الحقائق وربما أكثر، ولم يعد اليوم شيء خافيًا، فما يقصر فيه الإعلام المحلي تكمّله القنوات الفضائية، وما تخفيه القنوات الفضائية وتتعامى عنه تسارع إليه مواقع الإنترنت لتعرضه على من يبحث عنه ويريدهُ، لكن ما الحل؟ وما العمل؟ وما دورنا نحن المطالبين به ويمكن القيام به؟ وماذا عساه أن نفعله بعجزنا المعلوم لدى كل أحد؟ والجواب على ذلك:
أولاً: أن ندرك أن الكفار مهما كانوا هم أعداءٌ لنا، وخاصةً منهم من ظهرت عداوته جهارًا نهارًا للمسلمين، سواءً باشر العدوان بنفسه أو حرّض أو عاون وبارك وأيّد وأعطى مساعدات على شكل قروض، ومهما أظهر الغرب من دعاوى حيادية فهو كاذب، كيف يصدّق ودعم البنك الدولي قائم لروسيا في أشد أوقات المعارك الدائرة وأحلكها، ويتم ذلك بموافقة هيئة الأمم وحلف الأطلسي؟!
وكيف يصدق وتقارير حقوق الإنسان التي يدعيها لا يظهرها، ولا يعلن عن الانتهاكات الفاضحة لها إلا بعد التأكد من أن روسيا أجهزت على كل من تستطيع إبادته؟! ثم إذا أعلنت تقريرًا يندّد بروسيا فهو مسلوب الفاعلية، ولا يترتب عليه كبير عمل!
وكيف نصدق وعدد من مدن الشيشان وقُراها أصبحت أطلالاً نتيجة القصف الروسي المتواصل بكافة أنواع الأسلحة وأفتكها، ويقيم الروس معسكرات اعتقال للمدنيين وللمجاهدين يصبّ عليهم فيها ألوان العذاب، أم أن هذا شأن روسي داخلي كما يزعم الكافر، وليس لأحد حق التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى؟!
أين هذا المنطق الغربي من قضية تيمور الشرقية وجنوب السودان؟! أين عويلهم وصراخهم الذي غصت به حناجرهم يوم أحداث تيمور الشرقية قبل أشهر، فلم يتمالكوا أنفسهم حتى استصدروا قرارًا يخولهم تسيير جيوش إليها حتى نالت استقلالها وانفصالها عن أندونيسيا؟! ولماذا يسمح لجورجيا وأرمينيا النصرانيتين بالاستقلال عن موسكو ويمنع هذا الحق عندما يكون طرفه مسلمًا؟! كل هذه الشواهد تصديق لقول الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120]، وهو كلام الله تعالى يجب الإيمان به واليقين. وجلاء هذا المفهوم مطلب شرعي يستطيعه كل أحد، وهو من الدور الذي تستطيع القيام به أيها المسلم.
ثانيًا: أن استبانة سبيل المجرمين واتضاح طريقهم بحيث لا يعود خافيًا على أحد هدفٌ شرعي، المسلمون مكلفون بفهمه ووعيه، حتى لا يذوب الشعور الإسلامي، وتنمحي الهوية الإسلامية، ويذوب تديّن المسلمين بين ثنايا ودعاوى تقارب الأديان والشرعية الدولية ومحاربة التطرف والإرهاب والعولمة وما إلى ذلك من مصطلحات.
واتضاح هذا المفهوم وتقريره في قلوب المسلمين مطلب شرعي وضرورة عقدية يجب الدعوة إليها وتنحية ما يخالفها، وهذا يمكن أن يناله من يريده. وهو من الدور الذي أنت مطالب به أيها المسلم، ومن هنا نعلم كم يخطئ الذين يقرّبون الكفار، ويختارونهم عمالاً وموظفين في مؤسساتهم، ويقدمونهم على المسلمين؛ بحجة أنهم أتقن عملاً وأحرص على الإنجاز والإنتاج، ويتناسى أولئك الكفلاء ماذا يبيّت أمثال أولئك للأيام السوداء لو سنحت لهم الفرصة، واختيار المسلمين وتقريبهم أمرٌ يستطيعه الجميع، وهو دور مؤثر.
اللهم أعز المسلمين والإسلام، ودمّر المشركين وأعداء الدين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء في دينهم ودنياهم وأوطانهم فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره في تدميره...
|