.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم

5276

الإيمان, العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم, الولاء والبراء

صالح بن عبد الله الهذلول

البدائع

26/11/1420

جامع الدهامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تفسير قول الله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). 2- استحالة رضا اليهود والنصارى عن المسلمين مهما بذلوا وقدموا. 3- العداوة بين أمم الكفر والمسلمين عقائدية. 4- تفرق أهل الكتاب فيما بينهم واتحادهم على الإسلام والمسلمين. 5- اللعب بالمصطلحات. 6- تفسير قول الله تعالى: (قل إن هدى الله هو الهدى). 7- اعتراف الغرب بأن حرب الصرب لم تكن أهلية وإنما تطهيرية. 8- دور المسلمين في مواجهة الكفر وأهله. 9- شواهد عصرية تفسر قول الله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). 10- ضرورة استبانة سبيل المجرمين.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسلمون، فيقول الله تعال: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]. قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: "يعني: وليست اليهود ـ يا محمد ـ ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدعْ طلبَ ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعوتهم إلى ما بعثك الله به من الحق". ونقل ابن كثير عند تفسير هذه الآية عن قتادة رحمهما الله تعالى، قال قتادة: بلغنا أن رسول الله كان يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)) والحديث مخرج في الصحيح. ثم يقول ابن كثير عن معنى الآية: وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:120]: "فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعدما علموا من القرآن والسنة عياذًا بالله من ذلك، فإن الخطاب مع الرسول والأمر لأمته"، ثم يقول رحمه الله: "وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله: حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ حيث أفرد الملة مع أنهم جمع، يعني ذلك أن الكفر ملة واحدة".

أيها المسلمون، إن العِلّةَ الأصليّة في عدم رِضا اليهود والنصارى عنا هي أننا لم ندخل في دينهم، ليس الذي ينقصهم هو البرهان، ولا الاقتناع بأننا على حق، فهم يعرفون محمدًا كما يعرفون أبناءهم، ويعلمون أنّ ما جاء به من عند الله تعالى هو الحق، لكنهم لن يرضوا ولو قدّمنا إليهم ما قدّمنا، ولو تودّدنا إليهم ما تودّدنا، لن يرضيهم من هذا كله شيء، إلا أن نتبع ملتهم ونترك ما معنا من الحق. وهذه الحقيقة ثابتة في زمن الرسول ومن بعده، فـ(لن) هنا تأبيدية.

وهذه حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت على المسلمين، ولن تهدأ، ولن تتوقف على الإطلاق، فليخْتَرِ المسلمون لأنفسهم ما يرونه مناسبًا.

إنها معركة العقيدة هي المشبوبة بين المعسكر الإسلامي وهذين المعسكرين اللذين قد يتخاصمان فيما بينهما، بل قد تتخاصم شيع الملة الواحدة فيما بينها كما وقع في كوسوفا من قريب بين طوائف البروتستانت والكاثوليك من جهة وهم يشكلون معظم حلف الأطلسي، وبين طائفة الأرثوذكس وهم الصرب، مع أن الطرفين يجمعهم دين النصرانية، ومع ذلك تقاتلوا، إلا أنهم يلتقون دائمًا في المعركة ضد المسلمين، كما هي الآن تدور رحاها في الشيشان، حيث اجتمع اليهود مع الأرثوذكس النصارى، وبمباركة وتأييد ومعونة النصارى البروتستانت والكاثوليك في أوربا وأمريكا، وكما هي قائمة منذ أكثر من خمسين سنة في فلسطين حيث يحتلها اليهود بدعم من شتى طوائف النصارى في العالم. فهي معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها، ولكن المعسكرين العريقين في العداوة للإسلام والمسلمين: اليهود والنصارى يُلونانها بألوانٍ شتى، ويرفعان عليها أعلامًا شتى في خبثٍ ومكرٍ وتورية.

 إنهم قد جربوا حماسة المسلمين لدينهم وعقيدتهم حين واجهوهم تحت راية العقيدة، فولّى اليهود والنصارى على أدبارهم منهزمين، ولذا استداروا فغيروا أعلام المعركة، ولم يعلنوا، ولم يعلونها حربًا باسم العقيدة على حقيقتها خوفًا من حماسة العقيدة وجيشانها، إنما أعلنوها باسم مكافحة التطرف أو الإرهاب، وباسم الحق الموروث لهم تاريخيًا، وباسم مطاردة قطّاع الطرق، وباسم الاقتصاد، وباسم السياسة، وباسم المراكز العسكرية، وباسم فرض الديمقراطية، وباسم الدفاع عن حقوق الإنسان، وما إلى ذلك، وربما تسمعون فيما بعد باسم فرض العولمة وإحقاق الشرعية الدولية. وألْقَوا في رَوْع المخدوعين الغافلين منا أن حكاية العقيدة قد صارت حكاية قديمة لا معنى لها، ولا يجوز رفع رايتها وخوض المعركة باسمها، بينما هم يخوضون المعركة أولاً وقبل كل شيء لتحطيم هذه الصخرة العظيمة العاتية صخرة الإسلام، والتي نطحوها طويلاً، فأدمتهم جميعًا.

ثم يقول سبحانه: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى [الأنعام: 71] على سبيل الحصر والقصر، هدى الله هو الهدى، وما عداه ليس بهدى، فلا براح منه، ولا فِكاك عنه، ولا محاولة فيه، ولا ترضية على حسابه، ولا مساومة في شيء منه قليل أو كثير، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وحذار ـ يا محمد ويا أمة محمد ـ أن تميل بكم الرغبة في هدايتهم وإيمانهم أو صداقتهم ومودتهم عن هذا الصراط الدقيق، وإِن مِلتم عن الهدى فهي الأهواء، وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:120]، تهديد مفزع، وقطع جازم بأن مصيرهم إلى الضعف والفرقة والخلاف، وليس لهم من الله ولاية، ولن ينصرهم الله. وحالنا في هذا العصر تفسير عملي لآخر الآية.

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية

الحمد لله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا وسيدنا محمد رسول الله وعلى من والاه، واتبع هديه حتى يلقى الله.

أما بعد: أيها المسلمون، فلو قلنا نحن المسلمين: إن حرب البوسنة وكوسوفا وكشمير والفلبين والآن في الشيشان وغيرها، لو قلنا: إنها ليست حربًا أهلية البتة، بل عُدوان وحشيّ على المسلمين ولأنهم مسلمين لرُفض قولنا، واتُهمْنا بالتمييز الطائفي. لكن ما بالكم إذا ورد مثل هذا القول في تقرير سري لإحدى أكبر وكالات استخبارات عالمية نشر في إحدى أكبر الصحف العالمية، قالت الصحيفة: "إن الزعم أن ما حدث في البوسنة حرب أهلية هو كذبة كبيرة، فما اقترف الصربُ مختلفٌ تمامًا، وأكثر من ذلك فهناك أدلة ثابتة لدى الأمريكيين على وجود سياسة صربية واعية ومتماسكةٍ ومستمرةٍ للتخلص من المسلمين بالقتل والتعذيب والسجن" اهـ.

ويؤكد هذا محاولة الغرب الآن التعامل مع الرئيس الصربي كداعية سلام، يقدم بين حين وآخر أحد كبارِ ضباطه الضالعين في الحرب قربانًا للغرب، ليؤكّد لهم حسن نيته وأن قصده القضاء على المسلمين وليس تحدي الغرب. ونحن المسلمين ندرك أن الغرب لو أرادوا رأس الرئيس الصربي وأمثاله لأتوا به حيًا أو ميتًا، إلا ما شاء الله.

أيها المسلمون، إن قضية الشيشان أوضح كثيرًا من قضية البوسنة، ولو من زاوية أنها لا يمكن أن توصف بأنها حرب أهلية، فالشيشان شعب مستَعمر منذ مائتي سنة، وقد ثار على روسيا القيصرية، كما ثار على الاتحاد السوفيتي، ونال منهما أشد أنواع الاضطهاد؛ لكن الشيشان أقلّ حظًا من البوسنة لاعتبارات أخرى، فهم يموتون الآن من دون جنازة ولا تعزيةَ كما حدث في البوسنة وكوسوفا. ولعل البعض يقولون: نحن نعلم كل هذه الحقائق وربما أكثر، ولم يعد اليوم شيء خافيًا، فما يقصر فيه الإعلام المحلي تكمّله القنوات الفضائية، وما تخفيه القنوات الفضائية وتتعامى عنه تسارع إليه مواقع الإنترنت لتعرضه على من يبحث عنه ويريدهُ، لكن ما الحل؟ وما العمل؟ وما دورنا نحن المطالبين به ويمكن القيام به؟ وماذا عساه أن نفعله بعجزنا المعلوم لدى كل أحد؟ والجواب على ذلك:

أولاً: أن ندرك أن الكفار مهما كانوا هم أعداءٌ لنا، وخاصةً منهم من ظهرت عداوته جهارًا نهارًا للمسلمين، سواءً باشر العدوان بنفسه أو حرّض أو عاون وبارك وأيّد وأعطى مساعدات على شكل قروض، ومهما أظهر الغرب من دعاوى حيادية فهو كاذب، كيف يصدّق ودعم البنك الدولي قائم لروسيا في أشد أوقات المعارك الدائرة وأحلكها، ويتم ذلك بموافقة هيئة الأمم وحلف الأطلسي؟!

وكيف يصدق وتقارير حقوق الإنسان التي يدعيها لا يظهرها، ولا يعلن عن الانتهاكات الفاضحة لها إلا بعد التأكد من أن روسيا أجهزت على كل من تستطيع إبادته؟! ثم إذا أعلنت تقريرًا يندّد بروسيا فهو مسلوب الفاعلية، ولا يترتب عليه كبير عمل!

وكيف نصدق وعدد من مدن الشيشان وقُراها أصبحت أطلالاً نتيجة القصف الروسي المتواصل بكافة أنواع الأسلحة وأفتكها، ويقيم الروس معسكرات اعتقال للمدنيين وللمجاهدين يصبّ عليهم فيها ألوان العذاب، أم أن هذا شأن روسي داخلي كما يزعم الكافر، وليس لأحد حق التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى؟!

أين هذا المنطق الغربي من قضية تيمور الشرقية وجنوب السودان؟! أين عويلهم وصراخهم الذي غصت به حناجرهم يوم أحداث تيمور الشرقية قبل أشهر، فلم يتمالكوا أنفسهم حتى استصدروا قرارًا يخولهم تسيير جيوش إليها حتى نالت استقلالها وانفصالها عن أندونيسيا؟! ولماذا يسمح لجورجيا وأرمينيا النصرانيتين بالاستقلال عن موسكو ويمنع هذا الحق عندما يكون طرفه مسلمًا؟! كل هذه الشواهد تصديق لقول الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120]، وهو كلام الله تعالى يجب الإيمان به واليقين. وجلاء هذا المفهوم مطلب شرعي يستطيعه كل أحد، وهو من الدور الذي تستطيع القيام به أيها المسلم.

ثانيًا: أن استبانة سبيل المجرمين واتضاح طريقهم بحيث لا يعود خافيًا على أحد هدفٌ شرعي، المسلمون مكلفون بفهمه ووعيه، حتى لا يذوب الشعور الإسلامي، وتنمحي الهوية الإسلامية، ويذوب تديّن المسلمين بين ثنايا ودعاوى تقارب الأديان والشرعية الدولية ومحاربة التطرف والإرهاب والعولمة وما إلى ذلك من مصطلحات.

واتضاح هذا المفهوم وتقريره في قلوب المسلمين مطلب شرعي وضرورة عقدية يجب الدعوة إليها وتنحية ما يخالفها، وهذا يمكن أن يناله من يريده. وهو من الدور الذي أنت مطالب به أيها المسلم، ومن هنا نعلم كم يخطئ الذين يقرّبون الكفار، ويختارونهم عمالاً وموظفين في مؤسساتهم، ويقدمونهم على المسلمين؛ بحجة أنهم أتقن عملاً وأحرص على الإنجاز والإنتاج، ويتناسى أولئك الكفلاء ماذا يبيّت أمثال أولئك للأيام السوداء لو سنحت لهم الفرصة، واختيار المسلمين وتقريبهم أمرٌ يستطيعه الجميع، وهو دور مؤثر.

اللهم أعز المسلمين والإسلام، ودمّر المشركين وأعداء الدين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء في دينهم ودنياهم وأوطانهم فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره في تدميره...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً