.

اليوم م الموافق ‏09/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

غدا الامتحان

5251

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب

الموت والحشر, قضايا المجتمع

خالد بن عبد الله الحمودي

جدة

مسجد الرحمة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وظيفة المنبر. 2- انشغال البيوت بقضية الامتحانات. 3- التذكير بامتحان الآخرة. 4- الهدف من الدراسة. 5- التحذير من الغش. 6- وقفات مع قضية الامتحانات. 7- ضرورة الاهتمام بما ينجي ذريتنا في الآخرة.

الخطبة الأولى

معاشر المؤمنين، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، أسال الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المتقين ومن حزبه المفلحين.

أيها الكرام، المنبر جعل لتعليم الناس، لتعليم المسلمين وتثقيفهم وزيادة إيمانهم والدفاع عن قضياهم، وسوف يمرّ بنا غدا حدث أُثير إعلاميا، ولسنا بصدد بيان هل أعطي هذا الحدث حجمه أم لا، لكنه حدث يهتم له بعض الناس، بل كثير من البيوتات المسلمة ممّن نصَعت وتلألأت بيوتاتهم بالبنين والبنات.

إنه وباختصار الامتحانات وما أدراك ما الامتحانات، قد يقول البعض: الأمة الآن تغرق في أحداث عصيبة مهيبة وخطيبنا اليوم يتحدّث عن الامتحانات! فأقول: نعم، ستعلمون أهمّية هذا الموضوع في ثنايا هذا الحديث، وأنه ليس يختصّ بطالب أو طالبة، وإنما يعني الأمة بكاملها.

سأتحدث عن الامتحانات، لكن ليس من باب تشجيع الأبناء على المذاكرة لأنهم بدون تذكير قد فعلوا، وليس من باب أيّ المواد أصعب: الرياضيات أو الكيمياء أو المواد الإنجليزية أو غيرها، كلا، لكنني في هذا اليوم سأتحدث عن الامتحانات من زاوية أخرى قد تسمى واقعية أو منطقية أو إيمانية، أترك الاختيار لكم، ولكن قبل أن أبدأ عِدوني ـ أيها الأحباب ـ أن توسِّعوا صدوركم عليّ وأن تحتَملوني، فإني والله أحبّكم في الله وأحبّ لكم الخير والتذكير، وقد أمر الله به فقال سبحانه: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55]، ما قال: تنفع الناس، وإنما قال: تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ، وقال سبحانه: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى: 9].

غدا يكون الامتحان، غدا يكرم فيه المرء أو يهان، يوم يعلم فيه المجتهد نتيجة جهده، كما يعلم الكسول نتيجة كسله، وهذه سنة كونية قضاها الله؛ أن العامل يجد نتيجة عمله، وكما قيل: من جدّ وجد ومن زرع حصد، سنقف مع الامتحانات في وقفات أربع، أسال الله التوفيق والسداد لي ولكم.

الوقفة الأولى: أبناؤنا غدا تفتح لهم أبواب قاعات الامتحانات، ويجلس الواحد منهم يُسأل وحيدا فريدا، لا معين له ولا مسدِّد إلا الله، ثم ما بذله من جهد في الاستذكار. غدا يوم الامتحان، يسأل فيه التلميذ عمّا حصله في العام الدراسي، وحاله في وجل واضطراب عمّا تخفيه له ورقة النتيجة من مفاجآت ربما لم يكن متوقعا لها، يخاف من عدم النجاح، يخاف من الفضيحة بين أقاربه وأهله، يخاف من العقوبة لو لم ينجح في الامتحان، يخاف من ذلّ الخسارة، وليس بملام في كل ذلك، لكنني من هذا المكان أبشر كلّ طالب اجتهد وثابر وترك الراحة والكسل والدّعة، أبشره بالنجاح، وأقول: أبشر أخي المبارك، أبشر أيها الابن البار، أبشر بالسرور في يوم إعلان النتائج واستلام صحائف الدرجات.

أيها المسلمون، ما أشبه اليوم بالغد! أترون أيّ غد أعني؟ إنه يوم الامتحان الأكبر، يوم السؤال عن الصغيرة والكبيرة، السائل ربّ العزة سبحانه، والمسؤول أنت يا عبد الله، ومحل السؤال وهو كل أنت ما عليك في حياتك من صغير وكبير. يا له من امتحان! ويا له من سؤال! يا له من يوم يجعل الولدان شيبا. عند مسلم في الصحيح عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال : ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشقّ تمره)). نعم، إنه امتحان مهول، يدخله كل الخلائق في يوم مهول.

عباد الله، تذكروا وأبناؤكم في قاعات الامتحانات الفسيحة، تذكروا عرصَات يوم القيامة والناس شاخصة أبصارهم، قد ألجمهم العرق من هول يوم السؤال ورعب يوم الحساب، قال : ((إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس)) أو قال: ((غالى أنافهم)) أو قال: ((إلى مناخرهم)).

تذكروا عند إلقاء السؤال في الامتحان سؤال الملكين في تلك الحفرة الضيقة، تذكروا إذا وضع الواحد منا في قبره وتولى وذهب عنه أصحابه حتى وإنه ليسمع قرع نعالهم، ثم بعد ذلك جاء الممتحنون وما أدراك ما الممتحنون، من هما؟ هما الملكان، يقعدانه فيقولان له من ضمن الأسئلة: من هذا الرجل محمد ؟ فيقول ذلك الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقولان له: انظر يا عبد الله، انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا في الجنة. وهذا حال الفائز الناجح، أما الراسب الذي لم يستعدّ للامتحان فيقول: ها ها ها لا أدري، كنت أقول كما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة من بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين الإنس والجن.

تذكر ـ يا عبد الله ـ عند إلقاء السؤال في قاعة الامتحان سؤالَ الله يوم القيامة يوم يدنيك ربّ العزة فيقرّرك بذنوبك ويقول: عبدي، أتذكر ذنبَ كذا في يوم كذا؟ تذكر ـ يا عبد الله ـ يوم توزيع الشهادات على الطلاب، تذكر ذلك اليوم العظيم الذي توزّع فيه الصحف، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ [الحاقة: 19-27]. نسألك ـ يا رب ـ أن تعاملنا بعفوك لا بعدلك، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.

الوقفة الثانية: سؤال مهم: لماذا ندرس؟ ولماذا يمتحن هذا الطالب؟ لماذا كل هذا العناء؟ أليس الذي الشوارعُ نزهتُه والأرصفة مَسمَرُه والطرَب منتهى أحلامه، أليس في راحة من هذا الامتحان؟! إذًا فلِمَ كل هذا العناء؟! دراسة وجهد وسهر، ثم امتحان، ثم نتيجة، ثم ماذا؟ هل الهدف من الدراسة هي مجرد تلك الشهادة لتعلّق على الجدار، أم أن الهدف أن يفخر المرء بأنه درَس وتفوّق، أم أن الأمر مجرّد ملء للفراغ وإشغال للوقت، أم أن الهدف وظيفة مرموقة وكرسي دوار، أم أنّ الهدف منصب نسعى له فنلبس تلك العباءة المزركشة بالذهب المعروفة بالبشت؟ ما الهدف؟ ما هذا الهدف؟ إني لأتساءل: ما تلك الأهداف التي يبتغيها أبناؤنا من هذه الدراسة والتي نزرعها في أفئدتهم طيلة سنواتهم الدراسية؟

أيها المسلمون، إن الواجب على كل أب أن يزرع في ابنه حب التفوق؛ لأنها لبنة بإذن الله صالحة في بناء مجد الأمة، لأنه مصدر الإنتاج في الأمة الإسلامية، لأنه مشعل نستضيء به وتستضيء به الأمة في هذا الظلام الدامس الذي طال ليله الذي نسأل الله أن ينيره بصبح قريب.

أيّها الكرام، نتعلّم لنعلم كيف نبني وكيف نصنع وكيف نعلّم ونطبّب ونهندِس وكيف نخطط وننتج، نتعلم لكي نعلَم كيف نستغني عن الاستعانة بالخبير الأجنبي الذي ليس همّه إسلام ولا أمّة بل همّه تدمير الأمة ورجالاتها، إذا لم يتربَّ أبناؤنا على حمل هذا الهمّ فكأننا لم نصنع شيئا.

ثم علينا ـ أيها الكرام ـ أن نحيي في نفوس أبنائنا أنهم بناة المجد، ثم بعد ذلك نغرس فيهم أنهم هم الشباب الذين ينتظر منهم هذا الدين الكثير والكثير، ليس الهدف مجرّد شهادة ووظيفة وراتب ومنصب أشد رفعة من سموّ الجبال الراسيات. إذًا ندرس ـ أيها الطالب وأيها الابن المبارك وأيها الأب الكريم ـ من أجل الإنتاج، من أجل أن يكون الواحد منا بنّاء لمجد أمة الإسلام، لا يكن هم الواحد من الآباء والطلاب مجرّد تحصيل الدنيا ونيل نعيمها وأجرها، فإن الله قد تكفّل بالرزق، نعم أيها الأب وأيها الابن المبارك، إن اللقمة التي ترفعها إلى فيك قد كتبها الله لك قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف سنة، عند الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ((من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)).

الوقفة الثالثة: عند مسلم في الصحيح قال : ((من غشنا فليس منا))، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: ((من خادع الله يخدعه الله)).

نعم، إن الغش في الامتحان تزوير ممقوت وخلق سمج، بل إن الغش جريمة في حقّ المجتمع كلّه؛ لأننا نخرج طلابا زورا وبهتانا، لأننا سنخرج أطباء مزوّرين ومهندسين مزوّرين بل ومعلمين مزورين، فيموت الإبداع في كلّ مجال، ويؤول الأمر إلى غير أهله، فتشيع الخيانة وينتشر الضعف في كلّ مجال، فيُعلَى علينا ولا نعلو، ونُهزَم ولا ننتصر؛ لأن مراكز العلوّ ومراكز الإبداع قد تولاّها غشّاشون ومزوّرون لا كفاءةَ لديهم ولا إبداعَ. نعم، هذا هو مآل التزوير، ولا تقل: إنك تبالغ في ذلك، فإن نتيجة هذا الطالب أن ينجح ثم يوظَّف ثم يولَّى منصبا قد تولاّه بغش وتزوير، فنقول: إن هذا الغاشّ سيكون لبنة سيّئة في بناء هذا المجتمع والأمة المجيدة.

الوقفة الرابعة الأخيرة، لكني أرجئها في الخطبة الثانية إن شاء الله.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

معاشر المؤمنين، وقفتنا الأخيرة نقف فيها مع ذلك الأب الكريم ومع تلك الأم الرؤوم الرحيمة، اللذين أجهدا أنفسهما من أجل هذا الابن، فكأن كلّ واحد منهما هو الذي سيمتحن، نعم كأنه هو الذي سيمتحن غدا وليس هذا الابن، فلا يرتاح له بال حتى يغادِر ابنه إلى قاعة الامتحان، ويا للهول يا للهول لو نام الابن عن الامتحان، مصيبة عظيمة وذنب لا يمكن اغتفاره، وقد يكون ذلك، ولكن السؤال هنا: هل عملت أيها الأب، وهل عملت أيتها الأم،  هل عملتما مع هذا الابن لامتحان الآخرة ما تعمَلونه الآن لامتحان الدنيا؟ هل سعيتما لإنقاذه من فشل امتحان الآخرة كما تسعيان الآن لإنقاذه من فشل امتحان الدنيا؟ هل بذلتم جهدكم المتواصل في تعليمِه وتفهيمه ما يعينه على امتحان الآخرة كما تفعلون ذلك الآن لامتحان الدنيا؟ اسألوا أنفسكم بصدق وإخلاص وبجد، اسألوا أنفسكم: هل توقظون أبناءكم لصلاة الفجر؟ وهذا الابن شاب بالغ عاقل، هل يكون هذا الحرص بنفس الحرص الذي توقظ به ابنك لحضور الامتحان؟ هل تعتني ـ بالله عليك ـ لتوجيهه وإرشاده إذا أخطأ في أمر شرعي كما تعتني بتوجيهه وتصحيح خطئه في مذاكرته؟ بل اسأل نفسك: هل أنت حريص على أن ينال الفوز في الآخرة بنفس الحرص والحماس الذي تسعى له في نجاح ابنك في الامتحانات الدراسية بتفوّق؟

أيها الأب الكريم، أيها الأب المبارك، وأيتها الأم الحنون، تذكروا جميعا أنكم مسؤولون عن هؤلاء الأبناء، ليس فقط من أجل نجاحهم في امتحان الدنيا، بل أنت والله مسؤول عنهم في امتحان الآخرة، اسمع إلى قول حبيبك ونبيك في الحديث المتفق على صحته قال : ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))، إلى أن قال: ((والرجل راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية ومسؤولة في بيت زوجها)). إذًا اعلم ـ بارك الله فيك ـ أنّ الفوز الحقيقيّ الذي تبحث عنه لابنك هو والله فوز الآخرة، فاحرص عليه، يقول الله جل جلاله: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ، هذا هو الفوز، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران: 185].

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً