.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

أسباب آفة ضعف الإيمان ووسائل علاجها

5203

الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

أمراض القلوب, التربية والتزكية, خصال الإيمان

محمد بوهو

آزرو إقليم إفران

13/10/1425

مسجد الراحة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- علامات ومظاهر ضعف الإيمان. 2- أسباب آفة ضعف الإيمان. 3- الاستشفاء من هذه الآفة ممكن وبحاجة لمجاهدة. 4- ذكر بعض الوسائل لعلاج آفة ضعف الإيمان.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي أولاً بتقوى الله جل وعلا، اتقوا الله حق التقوى، فقد أمرنا ربنا بذلك في كتابه الكريم حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]. فتقوى الله نورٌ في القلب وذخرٌ في المنقلَب، وهي خير شيء نلقى به الله تعالى يوم لا ينفع مال وبنون إلا من أتى الله بقلب سليم. واعملوا جاهدين لنيل رضاه، وتذكروا أنكم بين يديه موقوفون وسوف تحاسبون، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واتقوا يوما ترجون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون، فكل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.

أيها المسلمون، عنوان خطبة هذا اليوم الأغر السعيد: أسباب آفة ضعف الإيمان ووسائل علاجها.

تناولنا في الخطبة السابقة علامات ومظاهر آفة ضعف الإيمان، واليوم نتمم هذا الموضوع الخطير، سائلين المولى عز وجل أن يجعلنا من الذي يستمِعون القول فيتبعون أحسنه.

وخلاصة ما قلناه هو أن لضعف الإيمان علامات ومظاهر هي: الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات، ومنها الشعور بقسوة القلب وخشونته، ومنها عدم إتقان العبادات، ومنها التكاسل عن الطاعات والعبادات وإضاعتُها، ومنها ضيق الصدر وتغير المزاج وانحباس الطبع، ومنها عدم التأثر بآيات القرآن، ومنها الغفلة عن الله عز وجل في ذكره ودعائه سبحانه وتعالى، ومنها عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله عز وجل، ومنها حب الظهور، ومنها الشح والبخل، ومنها أن يقول الإنسان ما لا يفعل، ومنها السرور والغبطة بما يصيب إخوانه المسلمين من فشل أو خسارة أو مصيبة أو زوال نعمة، ومنها النظر إلى الأمور من جهة وقوع الإثم فيها أو عدم وقوعه فقط وغض البصر عن فعل المكروه، ومنها احتقار المعروف وعدم الاهتمام بالحسنات الصغيرة، ومنها عدم الاهتمام بقضايا المسلمين ولا التفاعل معها، ومنها انفصام عرى الأخوة بين المتآخين، ومنها الفزع والخوف عند نزول المصيبة أو حدوث مشكلة، ومنها كثرة الجدال والمراء المقسي للقلب، ومنها التعلق بالدنيا والشغف بها والاسترواح إليها... إلى غير ذلك من المظاهر التي تعبر إذا ظهرت في صاحبها عن ضعف في الإيمان وخلل في رسوخه.

فما هي يا ترى أسباب ضعف الإيمان؟ وما السبيل لعلاج هذه الآفة الخطيرة في نفوسنا؟

عباد الله، إن لضعف الإيمان أسبابًا كثيرة، منها ما هو مشترك مع الأعراض، مثل الوقوع في المعاصي والانشغال بالدنيا وغيرها، وهذا ذكرٌ لبعض الأسباب مضافًا إلى ما سبق:

1- الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة، وهذا مدعاة لضعف الإيمان في النفس، يقول الله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16]. فدلت الآية الكريمة على أن طول الوقت في البعد عن الأجواء الإيمانية مدعاة لضعف الإيمان في القلب، يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: "إخواننا أغلى عندنا من أهلينا؛ فأهلونا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا بالآخرة".

2- الابتعاد عن القدوة الصالحة، ولا يخفى أثر وجود قدوة صالحة بالنسبة للفرد.

3- ومن الأسباب وجود الإنسان المسلم في وسط يعجّ بالمعاصي، فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها، وآخر يترنم بألحان أغنية وكلماتها، وثالث يدخن، ورابع يبسط مجلة ماجنة، وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم وهكذا، أما القيل والقال والغيبة والنميمة وأخبار المغنين والمغنيات فمما لا يحصى كثرة، فبعض الأوساط لا تذكّر إلا بالدنيا كما هو الحال في كثير من مجالس الناس ومكاتبهم اليوم، فأحاديث التجارة والوظيفة والأموال والاستثمارات ومشكلات العمل والعلاوات والترقيات والانتدابات وغيرها تحتل الصدارة في اهتمامات كثير من الناس وأحاديثهم، وأما البيوت فحدث ولا حرج، حيث الطامات والأمور المنكرات، مما يندى له جبين المسلم وينصدع قلبه، فالأغاني الماجنة والأفلام الساقطة والاختلاط المحرم وغير ذلك مما تمتلئ به بيوت المسلمين، فمثل هذه البيئات تصاب فيها القلوب بالمرض وتصبح قاسية ولا شك.

4- ومن الأسباب الإغراق في الاشتغال بالدنيا حتى يصبح القلب عبدًا لها، والرسول يقول: ((تعس عبد الدينار وعبد الدرهم)) رواه البخاري. وهذه الظاهرة واضحة في هذه الأيام التي عمَّ فيها الطمع المادي والجشع في الازدياد من حطام الدنيا، وصار الناس يركضون وراء التجارات والصناعات والمساهمات، وهذا مصداق ما أخبر به : ((إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد لأحبّ أن يكون إليه ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب)) رواه أحمد.

5- ومن الأسباب أيضًا الانشغال بالمال والزوجة والأولاد، يقول الله عز وجل: اعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال: 28]. ويقول عز وجل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: 14]. ومعنى هذه الآية أن حب هذه الأشياء ـ وفي مقدمتها النساء والبنون ـ إذا كان مقدمًا على طاعة الله ورسوله فإنه مُستقبح مذموم صاحبه، أما إن كان حب ذلك على وجهه الشرعيّ المعين على طاعة الله فهو محمود صاحبه، وقد قال النبي : ((حبب إليّ من الدنيا النساء والطيب، وجعل قُرة عيني في الصلاة)) رواه أحمد.

وكثير من الناس ينساق وراء الزوجة في المحرمات، وينساق وراء الأولاد منشغلاً عن طاعة الله، وقد قال النبي : ((الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة)) رواه الطبراني. فقوله: ((مبخلة)) إذا أراد الإنسان أن ينفق في سبيل الله ذكره الشيطان بأولاده؛ فيقول: أولادي أحق بالمال أبقيه لهم يحتاجونه من بعدي، فيبخل عن الإنفاق في سبيل الله. أما قوله: ((مجبنة)) أي: إذا أراد الرجل أن يجاهد في سبيل الله يأتيه الشيطان فيقول: تقتل وتموت فيصبح الأولاد ضياعًا يتامى، فيقعد عن الخروج للجهاد. وقوله: ((مجهلة)) أي: يشغل الأب عن طلب العلم والسعي في تحصيله وحضور مجالسه وقراءة كتبه. وقوله: ((محزنة)) أي: إذا مرض حزن عليه، وإذا طلب الولد شيئًا لا يقدر عليه الأب حزن الأب، وإذا كبر وعق أباه فذلك الحزن الدائم والهم اللازم.

وليس المقصود ترك الزواج والإنجاب، ولا ترك تربية الأولاد، وإنما المقصود التحذير من الانشغال معهم بالمحرمات.

وأما فتنة المال فيقول عليه الصلاة والسلام: ((إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال)) رواه الترمذي. والحرص على المال أشد إفسادًا للدين من الذئب الذي تسلط على زريبة غنم، وهذا معنى قول النبي : ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)) رواه الترمذي؛ ولذلك حث النبي على أخذ الكفاية دون توسّع يشغل عن ذكر الله، فقال رسول الله : ((إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله)) رواه أحمد.

6- طول الأمل، قال الله تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر: 3]. وقال علي رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل؛ فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة)، وجاء في الأثر: (أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا). ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة والتسويف، والرغبة في الدنيا والنسيان للآخرة والقسوة في القلب؛ لأن رقته وصفاءه إنما يقع بتذكّر الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال القيامة، كما قال تعالى: فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد: 16]. وقيل: "من قصُر أمله قلّ همه وتنور قلبه"؛ لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة.

7- ومن أسباب ضعف الإيمان وقسوة القلب الإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة وكثرة الضحك، فكثرة الأكل تبلد الذهن وتثقل البدن عن طاعة الرحمن، وتغذي مجاري الشيطان في الإنسان، وكما قيل: "من أكل كثيرًا شرب كثيرًا، فنام كثيرًا، وخسر أجرًا كبيرًا". أما الإفراط في الكلام فيُقسِّي القلب، والإفراط في مخالطة الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في تدبير أمرها، وكثرة الضحك تقضي على مادة الحياة في القلب فيموت، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((لا تكثروا الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب)) رواه ابن ماجه. وكذلك الوقت الذي لا يملأ بطاعة الله تعالى ينتج قلبًا صلدًا، لا تنفع فيه زواجر القرآن ولا مواعظ الإيمان.

عباد الله، إن أسباب ضعف الإيمان كثيرة ليس بالوسع حصرُها، ولكن يمكن أن يسترشد بما ذكر على ما لم يذكر منها، والعاقل يدرك ذلك من نفسه.

روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه عن النبي أنه قال: ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فأسالوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم))، يعني بذلك أن الإيمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب إذا اهترأ وأصبح قديمًا، وتعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحابة من سحب المعصية فيظلم، وهذه الصورة صورها لنا رسول الله بقوله في الحديث الصحيح: ((ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء)) رواه أبو نعيم في الحلية. فالقمر تأتي عليه أحيانًا سحابة تغطي ضوأه، وبعد برهة من الزمن تزول وتنقشع فيرجع ضوء القمر مرة أخرى ليضيء في السماء، وكذلك قلب المؤمن تعتريه أحيانًا سحب مظلمة من المعصية، فتحجب نوره، فيبقى الإنسان في ظلمة ووحشة، فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله عز وجل انقشعت تلك السحب، وعاد نور قلبه يضيء كما كان.

ومن المرتكزات المهمة في فهم قضية ضعف الإيمان وتصور علاجها معرفة أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة، فإنهم يقولون: إن الإيمان نطق باللسان واعتقاد بالجنان ـ أي: القلب ـ وعمل بالأركان ـ أي: الجوارح ـ، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان. وأثر الطاعة والمعصية في الإيمان زيادة ونقصانًا أمر معلوم مشاهد ومجرّب؛ فلو أنّ شخصًا خرج يمشي في السوق ينظر إلى المتبرجات ويسمع صخب أهل السوق ولغوهم ثم خرج فذهب إلى المقبرة فدخلها فتفكر ورق قلبه، فإنه يجد فرقًا بينًا بين الحالتين، فإذًا القلب يتغير بسرعة. يقول بعض السلف: "من فِقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما ينقص منه، ومن فِقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه أو ينقص، وإن مِن فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه".

ومما ينبغي معرفته أن نقص الإيمان إذا أدّى إلى ترك واجب أو فعل محرم فهذا فتور خطير مذموم، يجب عليه التوبة إلى الله والشروع في علاج نفسه، أما إذا لم يؤدّ الفتور إلى ترك واجب أو فعل محرم وإنما كان تراجعًا في عمل مستحبات مثلاً فعلى صاحبه أن يسوس نفسه ويسدّد ويقارب حتى يعود إلى نشاطه وقوته في العبادة، وهذا مما يستفاد من قوله : ((لكل عمل شرة ـ يعني نشاط وقوة ـ، ولكل شرة فترة ـ يعني ضعف وفتور ـ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)) رواه أحمد.

نسأل الله أن يطهر قلوبنا ويقينا شر أنفسنا، اللهم ارزقنا إيمانا صادقا، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واجعلنا من عبادك الصالحين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأجارني الله وإياكم من عذابه المهين، وغفر الله لي ولكم لسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفارا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله تتمّ الصالحات بنعمته، وتكفّر السيئات وتُقال العثرات بمنَّته، وتضاعَف الحسنات وترفع الدرجات برحمته، سبحانه، يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيّئَاتِ [الشورى: 25]، أحمده تعالى وأشكره على جزيل العطايا والهبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بارئ النسمات، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده المصطفى ورسوله المجتبى أفضل البريات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والمكرمات، ومن اقتفى أثرَهم ما تجدَّدت المواسم ودامت الأرض والسماوات.

عباد الله، قبل الشروع في الكلام عن العلاج يحسن ذكر ملاحظة أساسية، وهي أن كثيرًا من الذين يحسون بقسوة قلوبهم يبحثون عن علاجات خارجية يريدون الاعتماد فيها على الآخرين، مع أن بمقدورهم ـ لو أرادوا ـ علاج أنفسهم بأنفسهم، وهذا هو الأصل لأن الإيمان علاقة بين العبد وربه.

وفيما يلي أذكر عددًا من الوسائل الشرعية التي يمكن للمرء المسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه، ويزيل قسوة قلبه بعد الاعتماد على الله عز وجل وتوطين النفس على المجاهدة:

1- الاتصال بالقرآن العظيم وتدبر آياته، القرآن الكريم الذي أنزله الله عز وجل تبيانًا لكل شيء، ونورًا يهدي به سبحانه من شاء من عباده، ولا شك أن فيه علاجًا عظيمًا ودواء فعالاً، قال الله عز وجل: وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]. أما طريقة العلاج فهي التفكر والتدبر.

2- استشعار عظمة الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها وعقل معانيها، واستقرار هذا الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح، لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب، فهو ملكها وسيدها، وهي بمثابة جنوده وأتباعه، فإذا صلح صلحت، وإذا فسد فسدت.

3- لزوم حلق الذكر، وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان لعدة أسباب؛ منها ما يحصل فيها من ذكر الله وغشيان الرحمة ونزول السكينة وحف الملائكة للذاكرين وذكر الله لهم في الملأ الأعلى ومباهاته بهم الملائكة ومغفرته لذنوبهم كما جاء في الأحاديث الصحيحة، ومنه قوله : ((لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) صحيح مسلم.

ومما يدل على أن مجالس الذكر تزيد الإيمان ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن حنظلة الأسَدي قال: لقيَني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله يذكّرنا بالنار والجنّة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ـ يعني المعاش من مال أو حرفة أو صنعة ـ فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فو الله، إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله : ((وما ذاك؟)) قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كانا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله : ((والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن ـ يا حنظلة ـ ساعة وساعة)) ثلاث مرات. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمونه إيمانًا، قال معاذ رضي الله عنه لرجل: (اجلس بنا نؤمن ساعة).

4- ومن الأسباب التي تقوي الإيمان الاستكثار من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها، وهذا من أعظم أسباب العلاج، وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير، وقد ضرب الصديق في ذلك مثلاً عظيمًا لما سأل الرسول أصحابه: ((من أصبح منكم اليوم صائمًا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن تبع منكم اليوم جنازة؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟)) قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله : ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)) رواه مسلم.

فهذه القصة تدل على أن الصديق رضي الله عنه كان حريصًا على اغتنام الفرص وتنويع العبادات، ولما وقع السؤال من النبي مفاجئًا دل ذلك على أن أيام أبي بكر رضي الله عنه كانت حافلة بالطاعات. وقد بلغ السلف رحمهم الله في ازديادهم من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها مبلغًا عظيمًا، ومثال ذلك عبارة كانت تقال عن جماعة من السلف منهم حماد بن سلمة، قال فيه الإمام عبد الرحمن بن مهدي: "لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا".

5- تنويع العبادات، من رحمة الله وحكمته أن نوع علينا العبادات، فمنها ما يكون بالبدن كالصلاة، ومنها ما يكون بالمال كالزكاة، ومنها ما يكون بهما معًا كالحج، ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء. وحتى النوع الواحد ينقسم إلى فرائض وسنن مستحبة، والفرائض تتنوع وكذلك السنن، مثل الصلاة فيها رواتب ثنتي عشرة ركعة في اليوم، ومنها ما هو أقل منزلة كالأربع قبل العصر وصلاة الضحى، ومنها ما هو أعلى كصلاة الليل، وهو كيفيات متعددة، منها مثنى مثنى، أو أربع ثم أربع ثم يوتر، ومنها خمس أو سبع أو تسع بتشهد واحد، وهكذا من يتتبع العبادات يجد تنويعًا عظيمًا في الأعداد والأوقات والهيئات والصفات والأحكام، ولعل من الحكمة في ذلك أن لا تمل النفس ويستمر التجدد، ثم إن النفس ليست متماثلة في انجذابها وإمكاناتها، وقد تستلذ بعض النفوس بعبادات أكثر من غيرها، وسبحان الذي جعل أبواب الجنة على أنواع العبادات، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان.، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)) رواه البخاري.

6- ومن علاجات ضعف الإيمان الإكثار من ذكر الموت والخوف من سوء الخاتمة وقصر الأمل مع التفكر في حقارة الدنيا، فذكر الموت يدفع المسلم إلى الطاعة ويجدد الإيمان في القلب، يقول الرسول : ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات)) يعني الموت. رواه الترمذي. وتذكر الموت والخوف من سوء الخاتمة يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي، ولا يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه، ومن أعظم ما يذكر بالموت زيارة القبور، ولذلك أمر النبي بزيارتها فقال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرًا)).

أما قصر الأمل مع التفكر في حقارة الدنيا فهذا مهم جدًا في تجديد الإيمان، يقول ابن القيم رحمه الله: "ومن أعظم ما فيها هذه الآية: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء: 205-207]، كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ [يونس: 45]، فهذه كل الدنيا، فلا يطول الإنسان الأمل يقول: سأعيش وسأعيش، قال بعض السلف لرجل: صلِّ بنا الظهر، فقال الرجل: إن صليت بكم الظهر لم أصل بكم العصر، فقال: وكأنك تؤمل أن تعيش لصلاة العصر، نعوذ بالله من طول الأمل". ويصاحب هذا التفكر في حقارة الدنيا حتى يزول التعلق بها من قلب العبد، قال الله تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران: 185]، وقال النبي : ((إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلاً، فانظر ما يخرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه، قد علم إلى ما يصير)).

7- ومن الأمور التي تجدد الإيمان بالقلب تذكر منازل الآخرة، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "فإذا صحت فكرته أوجبت له البصيرة، فهي نور في القلب، يبصر به الوعد والوعيد والجنة والنار، وما أعد الله في هذه لأوليائه وفي هذه لأعدائه، فأبصر الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق، وقد نزلت ملائكة السماوات فأحاطت بهم، وقد جاء الله وقد نصب كرسيه لفصل القضاء، وقد أشرقت الأرض بنوره ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء، وقد نصب الميزان وتطايرت الصحف واجتمعت الخصوم، وتعلق كل غريم بغريمه، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب، وكثر العطاش وقلّ الوارد، ونصب الجسر للعبور ولز الناس إليه، وقسمت الأنوار دون ظلمته للعبور عليه، والنار يحطم بعضها بعضًا تحته، والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجين، فينفتح في قلبه عين يرى بها ذلك، ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يريه الآخرة ودوامها والدنيا وسرعة انقضائها".

8- ومن الأمور التي تجدد الإيمان التفاعل مع الآيات الكونية، روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله كان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف ذلك في وجهه، فقالت عائشة: يا رسول الله، أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية، فقال: ((يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف: 24])) رواه مسلم. وكان يقوم فزعًا إذا رأى الكسوف كما جاء في صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: خسفت الشمس فقام النبي فزعًا يخشى أن تكون الساعة. فتح الباري. ولا شك أن تفاعلَ القلب مع هذه الظواهر والفزع منها يجدد الإيمان في القلب، ويذكر بعذاب الله وبطشه وعظمته وقوته ونقمته.

9- ومن الأمور بالغة الأهميّة في علاج ضعف الإيمان ذكر الله تعالى، وهو جلاء القلوب وشفاؤها، ودواؤها عند اعتلالها، وهو روح الأعمال الصالحة، وقد أمر الله به فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب: 41]، ووعد بالفلاح من أكثر منه فقال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة: 10].

وذكر الله أكبر من كل شيء، قال الله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45]. وهو وصية النبي لمن كثرت عليه شرائع الإسلام فقال له: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)). وبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان. قال بعض السلف كما في مدارج السالكين: "إذا تمكن الذكر من القلب فإذا دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع الإنسان، فيجتمع عليه الشياطين ـ أي: يجتمعون على الشيطان الذي حاول أن يتقرب من قلب المؤمن ـ فيقولون: ما لهذا؟ فيقال: قد مسه الإنسي". وأكثر الناس الذين تمسهم الشياطين هم من أهل الغفلة الذين لم يتحصنوا بالأوراد والأذكار، ولذلك سهل تلبس الشياطين بهم.

10- ومن الأمور التي تجدد الإيمان مناجاة الله والانكسار بين يديه عز وجل، وكلما كان العبد أكثر ذلة وخضوعًا كان إلى الله أقرب، ولهذا قال رسول الله : ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)) رواه مسلم؛ لأن حال السجود فيها ذلة وخضوع ليست في بقية الهيئات والأوضاع، فلما ألزق العبد جبهته في الأرض ـ وهي أعلى شيء فيه ـ صار أقرب ما يكون من ربه. يقول ابن القيم رحمه الله في كلام جميل بلسان الذلة والانكسار للتائب بين يدي الله: "فلله ما أحلى قول القائل في هذه الحال: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المساكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه وذلّ لك قلبه"، فعندما يأتي العبد بمثل هذه الكلمات مناجيًا ربه فإن الإيمان يتضاعف في قلبه أضعافًا مضاعفة. وكذلك إظهار الافتقار إلى الله مما يقوي الإيمان، والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بفقرنا إليه وحاجتنا له فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15].

11ـ من الأمور المجددة للإيمان في القلب تعظيم حرمات الله، يقول الله تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32]. وحرمات الله هي حقوق الله سبحانه وتعالى، وقد تكون في الأشخاص وقد تكون في الأمكنة وقد تكون في الأزمنة، فمن تعظيم حرمات الله في الأشخاص القيام بحق الرسول مثلاً، ومن تعظيم شعائر الله في الأمكنة تعظيم الحرم مثلاً، ومن تعظيم شعائر الله في الأزمنة تعظيم شهر رمضان مثلاً، وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج: 30]. ومن التعظيم لحرمات الله عدم احتقار الصغائر، وقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)). وإن رسول الله ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادًا، فأججوا نارًا وأنضجوا ما قذفوا فيها. رواه أحمد.

12- ومحاسبة النفس مهمة في تجديد الإيمان، يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر: 18]، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)، ويقول الحسن: "لا تلقى المؤمن إلا وهو يحاسب نفسه"، وقال ميمون بن مهران: "إن التقيَّ أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح". وقال ابن القيم رحمه الله: "وهلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها". فلا بد أن يكون للمسلم وقت يخلو فيه بنفسه، فيراجعها ويحاسبها وينظر في شأنها، وماذا قدم من الزاد ليوم المعاد.

13- وختامًا فإن دعاء الله عز وجل من أقوى الأسباب التي ينبغي على العبد أن يبذلها، كما قال النبي : ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)).

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.

ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على خير البرية أجمعين ورسول رب العالمين، نبي الهدى والرسول المجتبى، كما أمركم بذلك المولى جل وعلا بقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن كافة الصحابة من المهاجرين والأنصار...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً