.

اليوم م الموافق ‏19/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

الأشهر الحرم ويوم عاشوراء

5198

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأزمنة والأمكنة, فضائل الأعمال

سليمان بن عبد الله الشتوي

شقراء

7/1/1427

جامع الربيعة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل الأشهر الحرم. 2- تلاعب المشركين بالأشهر الحرم. 3- قصة التاريخ الهجري. 4- فضل الصيام في الشهر المحرم. 5- فضل صيام عاشوراء. 6- من البدع المنتشرة في يوم عاشوراء. 7- الحث على التوبة والإنابة إلى الله تعالى.

الخطبة الأولى

أما بعد: عباد الله، فقد أظلنا شهر عظيم مبارك، هو شهر الله المحرم، أول شهور السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ الآية، وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ : ((السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

فلأجل أداء مناسك الحج والعمرة حرّم قبل الحجّ شهرا وهو ذو القعدة، لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحُرّم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحجّ وينشغلون فيه بأداء المناسك، وحُرّم بعده شهر آخر وهو المحرّم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا.

وعن ابن عباس في قوله تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ أي: جميع الأشهر، ثم اختصّ من ذلك أربعة أشهر، فجعلهن حراما وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم، وقال قتادة في قوله: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها"، وإن كان الظلم على كلّ حال عظيما، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، وقال: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه؛ اصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكرَه، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظيم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل".

وقد كان مشركو العرب يتلاعبون بحرمة هذه الأشهر، فيؤخرون حرمة شهر الله المحرم إلى صفر إذا أرادوا فيه قتالا، ويسمونه النسيء، وقد أبطل الله نسيئهم هذا، وبيّن أنه إمعان في الكفر وإيغال في الضلالة بقوله سبحانه: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ، وأخرج الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ قال: (النسيء أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام، وكان يكنى: أبا ثمامة، فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يجاب ولا يعاب، ألا وإن صفَرَ العام الأول هذا العام حلال، فيحله للناس، فيحرّم صفرًا عامًا ويحرم المحرم عاما). وقال ‏ كما في الصحيحين: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض))، فأبطل بإعلانه هذا كل نسيء نسأه المشركون.

عباد الله، وإن من رحمة الله أن جعل الحساب الشرعيّ العربي مبنيًا على الشهور الهلالية؛ لأن لها علامة حسية يفهمها الخاص والعام، وهي رؤية الهلال، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ، ولقد كان ابتداء التاريخ الإسلامي منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، حيث جمع الناس سنة ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة، فاستشارهم: من أين يبدأ التاريخ؟ فقال بعضهم: يبدأ من مولد النبي ، وقال بعضهم: يبدأ من بعثته، وقيل: يبدأ من هجرته، وقيل: من وفاته، ولكنه رجّح أن يبدأ من الهجرة؛ لأن الله فرّق بها بين الحق والباطل، فجعلوا مبتدأ تاريخ السنين في الإسلام سنة الهجرة؛ لأنها هي التي كان فيها قيام كيان مستقلّ للمسلمين، وفيها تكوين أول بلد إسلامي يحكمه المسلمون، ثم شاور عمر الصحابة: من أيّ شهر يبدؤون السنة؟ فقال بعضهم: من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبيّ مهاجرًا إلى المدينة، وقال بعضهم: من رمضان، واتّفق رأي عمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم على ترجيح البداءة بالمحرم؛ لأنه شهر حرام ويلي ذا الحجة، ويلي الشهر الذي بايَع فيه النبيّ الأنصار على الهجرة، فكان أولى الشهور بالأولوية شهر المحرم.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه واتباع سنة نبيه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.

وبعد: عباد الله، أنتم في شهر الله المحرم، أحد الأشهر الأربعة الحرم، وهذا الشهر فيه من الفضائل ما ليس في غيره، ومن ذلك فضل الصيام فيه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)).

ومن خصائص هذا الشهر أن فيه فضيلة صيام عاشوراء، وهو العاشر من المحرم، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه، فترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء أفطره.

ولقد كان الرسول يتحرى ذلك اليوم، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاّ هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. ومعنى (يتحرى) أي: يقصد صومَه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

ولصيام هذا اليوم المبارك فضل عظيم، كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي : ((صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله)) رواه أحمد ومسلم. وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

وروى عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع))، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ . رواه مسلم.

ويجوز صيام عاشوراء وحده ويحصل به تكفير الذنوب بإذن الله، لكن الأفضل صيام يوم قبله، قال الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا; لأنه صام العاشر ونوى صيام التاسع، أما صيام يوم بعده فلم يثبت عن النبي فيه شيء، لكن من فاته صيام يوم التاسع وصام الحادي عشر جاز له ذلك، أو من صامه على أنه من النفلِ المطلق أيضا جاز له ذلك.

ويوم عاشوراء يوافق يوم الاثنين القادم بناء على الرؤية الشرعية.

تزود من الدنيـا فإنـك لا تدري       إذا جنّ عليك الليل هل تعيش إلَى الفجر

فكم من فتى يمسي ويصبح لاهيًـا       وقد نسجـت أكفانـه وهو لا يـدري

وكم ساكن عند الصبـاح بقصره       وعند المسـاء قد كان مـن ساكني القبر

وهناك من خصَّ يوم عاشوراء ببعض البدع، ومنها تخصيص ليلة عاشوراء أو يومها بقيام معيّن أو الاجتماع للصلاة أو اغتسال أو اكتحال أو التطيّب أو المصافحة، وبعض النّاس يتّخذه عيدا يحتفل به، وهذا لا يجوز، وبعضهم يتّخذه مأتما وعويلا ونياحة ولطما للصدور وضربا بالسيف على الرؤوس وإسالة للدماء ووضعا للسلاسل في الأعناق، وهذه بدعة قبيحة محرّمة ليست من الإسلام في شيء، والإسلام بريء منها وممّن ابتدعها، والله أرحم بعباده من أن يأمرهم بتعذيبِ أنفسهم بمثل هذه الأفعال الشّنيعة القبيحة، نسأل الله السّلامة والعافية.

على المسلم أن لا يتّكل على صيام هذا اليوم مع مقارفَته للكبائر؛ إذ الواجب التوبة من جميع الذنوب، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكاغترار بعضهم بصوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر، ولم يدر هذا المغترّ أن صومَ رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجلّ من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر"، ولتكن عبادتنا ـ عباد الله ـ كما يحبّ ربنا ويرضى ووفق سنة نبيه المصطفى .

نسأل الله أن يهدينا سبل السّلام، وأن يرزقنا العمل بما يُرضيه، وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم وفقنا لكل خير واصرف عنا كل شر، اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وأن تغفر لنا وترحمنا.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً