عباد الله، ومن الأحداث العظيمة التي وقعت في عهد علي رضي الله عنه موقعتا الجمل وصفين، وأحداث هاتين الواقعتين طويلة، ذكرها أهل التاريخ كابن كثير في البداية والنهاية، فمن أراد معرفتها كاملة فليراجعها، ولكن سأذكرها على سبيل الاختصار؛ لأن بعض أعداء السنة صاروا يذكرون مثل هذه الحوادث فيزيدون وينقصون ويكذبون لينالوا من أصحاب رسول الله .
وسبب هاتين الواقعتين أنه لما قُتل عثمان وتولى علي رضي الله عنه قرر أن يرسِّخ قواعد دولته ويختار القادة والولاة والأمراء لبلاده وجيشه أولاً، ثم يأخذ بدم عثمان من كل من شارك في قتل عثمان، ولكن هناك من الصحابة من طالب أولاً بقتل قَتَلَة عثمان، فقال لهم علي: أنا أريد قَتَلَة عثمان، قتل الله من قتل عثمان، ايتوني بقَتَلَة عثمان وأنا أقتلهم، لأنه يعلم أن هؤلاء القتلة اندمجوا في الجيوش ولهم عزة وجماعة، ولا يمكن أخذهم إلا بعد ترسية قواعد الدولة ومؤسساتها التنفيذية، وإلا أصبحت القضية ثارات وغارات تذهب بالصالح والطالح.
وإن مما يجب معرفته أن معتقد أهل السنة والجماعة فيما حصل بين الصحابة من اجتهادات أنَّا نصون ألسنتنا عن الخوض فيه مع اعتقاد حبنا لهم جميعًا رضي الله عنهم أجمعين، وأنهم مجتهدون فيما حصل بينهم وخطأهم مغفور.
وبالمناسبة فإن ما يقال عن التحكيم بين أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنهما غير صحيح، قيل: إن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أنا أخلع عليًا مثل ما أخلع خاتمي هذا، وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: وأنا أثبت صاحبي ـ أي: معاوية ـ مثل ما أضع خاتمي هذا. فهي قصة مختلقة ليس لها أساس من الصحة.
ومن المواقف العظيمه موقفه من الخوارج ومن الشيعة، فأما الشيعة فكان رئيسهم المنافق عبد الله بن سبأ، فقد وصل بهم الحال إلى أن قالوا: أنت إلهنا، أنت ربنا، فخدّ لهم علي الأخاديد وأشعل فيها النار، وقال: من لم يرجع عن قوله ألقيته فيها، فردوا عليه بقولهم: الآن ازداد يقيننا أنك ربنا، ولكنه تراجع عن حرقهم بالنار ، وأخذ يقتلهم بالسيف.
أما الخوارج الذين كفّروا الصحابة وكفَّروا بالذنوب فقد ناجزهم وقاتلهم قتالاً شديدًا، وكان له شرف قتل قائدهم وقتل جمعٍ غفير منهم، ولقد بيّن النبي فساد هذه الفرقة، وأن من قتل هؤلاء المبتدعة له أجر عظيم كما قال : ((إن في قتلهم أجرًا عظيمًا لمن قتلهم يوم القيامة))، وقال : ((لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود))، وفي رواية: ((لأقتلنهم قتل عاد)).
فكانوا في عهد علي ، فتحقق قول النبي ، ولكن المنافقين المتربصين بأهل الخير أشباه النمل الأبيض (الأرضة)، قتلوا أبا الحسن غدرًا قبل أن يقتل من بقي من قَتَلة عثمان ، وقد قُتلوا جميعًا، آخرهم قتله الحجاج، وهم يبلغون ما يقرب من ألفي رجل تقريبًا.
|