أما أسباب الزنا ـ يا عباد الله ـ فمن المعلوم أنه ما من خطأٍ أو معصية إلاً ولها سبب، ونحن سنضع أيدينا على تلك الأسباب التي أدّت أو تؤدي إلى الوقوع في تلك الفاحشة، ومن ثمّ فيجب علينا السعي في الابتعاد عنها والتحذير منها وتقليلها، ولهذا فتأمل ما في قول الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء: 32]، لماذا قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ولم يقل: "لا تزنوا"، قال أهل التفسير: لأن قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى أبلغ من قوله: "لا تزنوا"؛ لأن قوله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى أي: لا تقربوا الزنا ودواعيه ومقدماته وأسبابه، فيجب أن تعرف أسباب الزنا أعاذنا الله وإياكم منه، ثم تبتعد عنها وتذَرها وتحذر منها.
وكثير من الناس اليوم يتحدّثون عن الأخطاء ويعيبون على من يقع فيها؛ ولكنهم لا يتحدثون عن أسبابها وذلك لأمرين: أولاً: الجهل بتلك الأسباب، ثانيًا: أن الكثير يعلم بذلك ولكنه يعلم أنه شريك في تلك الأسباب وشريك في الوقوع فيها.
وإن من أعظم دواعي الزنا وأسبابه ما يلي:
أولاً: ضعف التوحيد والإيمان بالله تعالى، إن توحيد الله والإيمان به هو صمام الأمان، وهو الضامن للعبد أن يقع في المعاصي ومنها هذا الفعل القبيح، ودعني أضرب لك مثالاً على ذلك؛ لأن بعض الناس يظن أن التوحيد والإيمان لا علاقة له بذلك.
انتبه معي، أليس من التوحيد في الربوبية والأسماء والصفات أن تعلم أن الله قادر وبيده كل شيء وأنه شديد العقاب وأنه سميع يسمعك ويراك؟! هل نؤمن بهذا؟ الجواب: نعم؛ لكن الواقع يقول: إن عند الكثير منا ضعفًا شديدًا في هذا الجانب، وإلا كيف يؤمن الواحد بهذا ثم يتحرّى أن يعصي الله وهو يسمعه ويراه ويقدر على أخذه والبطش به لأنه أغضبه؟! بل كيف يتحرّى البعض أن يفعل هذه الفعلة أو غيرها من القبائح وهو يعلم أن الله يراه وهو لا يستطيع أن يفعلها أمام طفل لا يعقل أو أمام بهيمة تنظر إليه؟! فلا إله إلا الله.
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل: خلوتُ ولكن قل: عليّ رقيبُ
ولا تَحسبنّ الله يغفـلُ سـاعـةً ولا أنّ ما تُخفي عليه يغيـبُ
ولهذا فتأمل في قصة أصحاب النار الثلاثة حينما اشتد عليهم الحر، فقال أحدهم: اللهم إنه كانت لي ابنة عم... إلى أن قال: فلما قدرت عليها، وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه. ماذا حصل؟ هنا تحرك الإيمان فقال: فانصرفت عنها وهي من أحب الناس إليّ. والحديث في الصحيحين.
إذًا فاحرص على تعلم التوحيد ودراسته، واحرص على زيادة الإيمان عن طريق مجالس أهل الإيمان والدروس والمحاضرات وقراءة القرآن، وإلا فأنت على خطرٍ عظيم، ولا يتعظ بعقوبة إلا هالك؛ لأن بعض الناس إذا قلت له: تُب إلى الله، حافظ على الصلوات، جدِّد إيمانك، قال لك: ليش أنت تراني أسكر؟! أنا أفضل من فلان، وهكذا يجيبك بتزكية نفسه وثقته بها، يقول النبي : ((إن الإيمان ليَخْلَق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم))، فالله اللهَ بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، فإنه غفار لمن تاب ثم اهتدى.
ثانيًا: من الأسباب أيضًا الغفلة عن العقوبة، وهذه المصيبة بحدّ ذاتها كما يقول ابن القيم رحمه الله أن يكون قلب العبد غافلا عن عقوبة الله؛ فترى الواحد يعصي الله؛ لا يصلي ويعقّ الوالدين، وربما وقع في هذه المعصية الشنيعة، ومع ذلك هو لا يخشى من أن يعاقبه الله أو يأخذه أخذ عزيز مقتدر، وهو مع ذلك يسمع ويرى تلك القصص التي أُخذ أصحابها وأتاهم ملك الموت وهم في حالة لا ترضِي الله تعالى، فمنهم من أُخذ وهو يغني أو وهو في مرقص أو بيده كأس خمر نسأل الله السلامة والعافية .
ثالثًا: من أعظم الأسباب النظر المحرم، وهذا من أعظم أسباب الوقوع في الزنا حمانا الله جميعًا، ولهذا يقول تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور: 30]، فتأمل كيف قدّم حفظ البصر على حفظ الفرج؛ لأن النظر سبب للوقوع في المحرم، وأصل معظم المعاصي هو النظر.
كـل الْحوادث مبداهـا من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كـم نظرة بلغت من قلب صاحبها كمبلغ السهم بيْن القوس والوتر
ومن ذلك ما ابتلي به كثير من الناس من التساهل بالنظر إلى وسائل الإعلام المرئية، ومن أشدها النظر إلى شاشات الفضائيات، أو ما يسمى بالدش. وخذها مني صريحة يا عبد الله: إن من أعظم أسباب الزنا واللواط والجرائم هي تلك الدشوش، إن واقع كثير من الشباب والفتيات وأنا أقول هذا من واقع معرفة وسؤال وزيارات، إن الشباب والفتيات يعيشون في جحيم لا يطاق من جرّاء تلك المناظر التي تعرض عبر تلك القنوات الفضائية، سبحان الله! بعض الناس ما زال يجادل عنها، وما زال يصرّ على بقائها في بيته وينظر إليها الأولاد والبنات، وما هي النتيجة حينما يرى الشباب تلك المرأة التي ظهرت بأجمل صورة بل ربما ظهرت عارية أو شبهها ماذا يفعل؟! وماذا تفعل البنت حينما ترى شابًا في مسلسل أو شاشة وقد ظهر بأجمل صورة؟! ألا تتحرك الشهوات؟! ألا تقع المنكرات؟!
عجيب أيها الناس! هل غادرت من النفوس الغيرة؟! إعلان للفحشاء بوقاحة، وإغراق في المجون بتبجح، أغانٍ ساقطة وأفلام آثمة وسهرات فاضحة وقصص داعرة وملابس خالعة وعبارات مثيرة وحركات فاجرة، ما بين مسموع ومقروء ومشاهد في صور وأوضاع يندى لها الجبين في كثير من البلاد والأصقاع إلا من رحم الله، على الشواطئ والمنتزهات وفي الأسواق والطرقات، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
حسبنا الله من أناس يهشّون للمنكر، ويودون لو نبت الجيل كله في حمأة الرذيلة، وحسبنا الله من فئات تودّ لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة، ما هذا البلاء؟؟! كيف يستسيغ ذوو الشهامة من الرجال والعفة من النساء لأنفسهم ولأطفالهم لفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاء المدمّر من ابتكارات البثّ المباشر وقنوات الفضاء الواسع؟! ومن المسؤول عن هذا كله؟! ولهذا قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنّة))، وأي غش أعظم من هذا؟! ولكن إلى متى الغفلة؟! نسأل الله السلامة.
رابعًا: ومن الأسباب أيضًا المعاكسات الهاتفية، إنّ من أعظم أسباب الزنا والوقوع في الفواحش مكالمة عبر الهاتف، إن هناك ذئابًا بشرية تتصيّد بنات المسلمين، وتحاول النيل من أعراضهن باسم الحب والعشق العفيف، وكذبوا والله. ومما زاد الأمر سوءًا والشر بلية غفلة كثير من الأولياء عن الفتيات، فتجد أن كلّ فتاة تحمل معها جوالها، ووالله لو قدر لك أن تتطلّع على بعض رسائل جوالات الشباب أو الفتيات لرأيت أمرًا خطيرًا، وأنا لا أدعو إلى نزع الثقة، لكن أقول: لماذا لا نحذر ونراقب؟! ثم لماذا وما الحاجة أن تتّخذ كل فتاة جوالاً يخصها؟! ثم نزع هذه الأشياء لا يعني عدم الثقة أبدًا، بل هو من أسباب الوقاية، وقد صدق من قال: "نظرة ثم مكالمة ثم موعد ثم لقاء ثم جريمة"، نسأل الله السلامة.
خامسًا: ومن أسباب الوقوع في هذه الفاحشة السفر إلى بلاد الكفر، إنه باب من الأبواب الكبرى للوقوع في هذه الجريمة، وكل من يسافر إلى تلك البلاد الكافرة أو البلاد التي تدّعي أنها إسلامية بلا هدف بيّن لا بد أنه يقع في الفاحشة إن لم يكن يقصدها إلا من رحم الله، وإلا ما معنى أن يأتي الواحد إلى بلده وأهله وعشيرته ثم يجلس بكل وقاحة وصفاقة وجه ويقصُّ قصصه ومخازيه في المجالس دونما حياء؟!
سادسًا: التبرج والسفور، ومن نظر في الأسواق والمستشفيات والأماكن العامة يعرف هذا، ولكن المصيبة أن بعض الناس لا يعرف من التبرج إلا أن تمشي المرأة عارية، أما أن تُظهِر يديها أو قدميها أو تلبس نقابا أو تتعطر أو عباءة كتافية أو مخصّرة فهذا لا شيء فيه، وكل من سمح لامرأته سواء كانت زوجة أو ابنةً أو أختًا أن تظهر أشياء من مفاتنها ساهم في ذلك سواء اقتنع أم لم يقتنع.
سابعًا: الاختلاط، والذي يهمنا هنا هو تساهل البعض في أشياء وهي شديدة الخطر، ومن ذلك كشف المرأة وجهها لأقارب زوجها كابن أخيه أو أخته أو نحو ذلك، ومنه دخول الحمو على الزوجة، ولعظم هذا قال الرسول : ((الحمو الموت)). وكذلك مصافحة المرأة للرجل الأجنبي، ويزعمون أنه لا شهوة في ذلك، سبحان الله! ولا يعني هذا أني أشك أو أنزع الثقة من الأخ أو الزوجة، وإنما المسألة حرام وحلال.
ثامنًا: الغناء بريد الزنا ورسوله، قال يزيد بن الوليد: "إياكم والغناء؛ فانه ينقص الحياء ويزيد الشهوة".
تاسعًا: المجلات الخليعة والشهرية، فالحذر الحذر من شرائها وتداولها، بل ويجب علينا أن ننكرها على من باعها لأنه يفسد أولادنا وبناتنا، والعجب ممن يحملها إلى بنته وفيها صور النساء والشباب، فأين الغيرة على المحارم؟!
عاشرًا: وهو عندي من أهم الأسباب، ويجب أن ننتبه له ونهتم له، بل نبحث الحلول في الكلام عنه، ولو سألنا الشباب والفتيات عن أعظم الأسباب لقالوا جميعا وبصوت واحد: غلاء المهور، فكيف ننشر المنكر من الفضائيات وتبرج نساء وصور عارية ونزيد في مهور النساء ثم نطالب الشباب بالعفاف؟! هذا أمر لا يقبله عقل.
الحادي عشر: ضعف الأمن، وهذا من أعظم الأسباب؛ فإن الواجب علينا أن لا نتساهل في مثل هذه القضايا، وأن نبترها ونقطع دابر من يفعلها عن طريق الأحكام الشرعية، أما إذا قمنا كما يفعله البعض بالتستر لا بالستر، فإن هناك فرقا بين التستر والستر، فإذا وصلت القضية إلى السلطان أو من ينيبه كالمراكز فإن هناك من يخون الأمانة فيشفع في مثل هذه القضايا، أو يتستر على أصحابها لمصلحة دنيوية ومكانة، وهذا ملعون كما في الحديث، وهو داء بني إسرائيل، وهو سبب للعقوبة الإلهية، فلينتبه لهذا المسؤولون، وليعلموا أنهم مسؤولون أمام الله أشد المسؤولية. والأسباب كثيرة، ولكن خشية الإطالة أكتفي بما ذكرت سائلاً الله أن ينفع بذلك المسلمين، إنه سميع مجيب. ومن اعتصم بالله عصمه، وإذا تعاونّا جميعا على تقوى الله وتقليل الأسباب سلمنا من هذا الشر بإذن الله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد...
|