.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

مآسي ومآسي

5175

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

آثار الذنوب والمعاصي, المسلمون في العالم

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

القدس

7/1/1428

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الأحوال الأخلاقية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها إخواننا في فلسطين. 2- أثر الذنوب والمعاصي. 3- صرخة للمسؤولين والغيورين على إسلامية بيت المقدس. 4- وجوب إنقاذ الأسرى والمعتقلين. 5- المشردون وحلم العودة إلى أرض الوطن.

الخطبة الأولى

ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن جرير بن عبد الله البجلي قال: بايعت رسول على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.

عباد الله، إن النفس تسيل مرارة، وإن الكبد ينفطر حزنا، وإن القلب ينخلع كمدا عندما نقرأ قوله تعالى في القرآن الكريم على لسان نبي الله صالح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو يقول عن قومه: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79].

عباد الله، سر البلاء كله إذا كره الناس الناصحين، إذا كره الناس من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقد تودع منهم. وسر ما نحن فيه اليوم من ألوان البلاء أننا قرّبنا الأعداء وأبعدنا الأصدقاء، قربنا أهل الدنيا وابتعدنا عن أصحاب الدين، قربنا كل غشاش منافق وأبعدنا كل مؤمن مخلص صادق. أقول هذا لما نعانيه اليوم في زمن نشعر فيه أن الغراب أعقل منا، الغراب أعقل لأنه علم ابن آدم كيف يواري سوأة أخيه، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ [المائدة: 31].

عباد الله، أصبحنا اليوم في عصر لا أمان علينا في حياتنا ولا بعد مماتنا، في حياتنا مهددون بالسرقة والخيانة والسجن والإبعاد والتشريد، فلا أمن ولا أمان، والخوف يلاحقنا من كل مكان، الفقر وضيق الحال، الضرائب باهظة ولا أحد يستطيع أن يدفع قيمتها، إجارات المحلات التجارية والمساكن غالية، فلا رحمة بين المستأجر والمؤجر.

أصبحنا مقطَّعي الأوصال، جدار عنصريّ بغيض فرّق الناس وقطع الأرحام، فإذا أردت أن تسافر فهيهات هيهات أن تصل، وفي العودة تقف خلف الطوابير في المعابر التي كتب عليها: "أيها المواطن مزيدا من الصبر"!. وهل بقي هناك صبر؟! من منا يصبر كصبر أيوب عليه السلام؟! من منا يصبر كصبر إسماعيل عليه السلام؟! من منا يصبر كصبر يعقوب عليه السلام؟!

طلابنا يتخرجون من الجامعات ولا يجدون أماكن للعمل، المدارس أصبحت لا تقوم بواجبها في مجال التربية والتعليم، أولادنا في الشوارع يتسكعون ويعاكسون الفتيات ويدخّنون السجائر، وبعضهم يطلب من أستاذه أن يعطيه سيجارة، وبعضهم يشرب البيرة، والنتائج في نهاية العام الدراسي سيئة للغاية، ومعدَّلات ونسب الرسوب كبيرة لا يعلمها إلا الله.

أين التربية الإسلامية في بيوتنا ومدارسنا ومعاهدنا وجامعانتا؟! نريد علماء من أهل العلم والصلاح والتربية، نريد طلبة يحملون العقيدة الإسلامية حتى يتحقق الهدف من طلب العلم، نريد من يقوم بإصلاح المجتمع ويعمل لرقي الأمة ويعيد لها مجدها وعزتها وكرامتها، نريد من يعمل لفك أسر المسجد الأقصى المبارك.

عباد الله، إن القائد الملهم صلاح الدين الأيوبي كان جالسا مع هيئة أركان حربه، فدارت بينهم فكاهة، فضحكوا ولم يبتسم، فقالوا: لم لم تبتسم؟! ماذا قال؟ أتدرون ماذا قال؟! قال: أستحي أن يراني الله مبتسما والمسجد الأقصى في أيدي الصليبيين. فمال بال حكام الأمة يبتسمون ويضحكون والمسجد الأقصى في قبضة الاحتلال؟! كفانا غفلة، غيرنا يخطط ونحن نيام، غيرنا يعمل ونحن غافلون.

أيها المؤمنون، ها هو منبر الأقصى قد وصل ولكن أين صلاح الدين؟! أين الفتح المبين؟! المنبر الأول الذي أمر بصنعه نور الدين زنكي في حلب الشهباء سنة أربع وستين وخمسمائة للهجرة، وكنا نقرأ على خشبه الكلمات التالية: "بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته، الذاكر لنعمته، المجاهد في سبيله، المرابط لأعداء دينه، الملك العادل نور الدين ناصر الإسلام والمسلمين، منصف المظلومين من الظالمين، أعز الله أنصاره، وأدام اقتداره، وأعلى مناره، ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه، وأعز أولياء دولته، وأزال كفار نعمته، وفتح له وعلى يديه".

وقد أحرقت يد الغدر هذا المنبر الذي يعتبر رمز العلا للمسلمين بعد أن تقدم بحمله صلاح الدين، وصاح به محراب الأقصى، وظهر سر الكرامة في فوز الإسلام بالسلامة، وتناصرت الألسن بالدعاء لنور الدين بالرحمة والكرامة، ولصلاح الدين بالنصرة والنعمة.

وكما ذكرنا فقد وصل هذا المنبر الشريف ولسان حال بعض الناس يقول: هيهات أن يعود القدس إلى الإسلام، وأهل الإيمان واليقين يعرفون أن الله قد تكفل بنصرة الدين ونصر هذه الأمة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عباد الله، الإمام الشافعي الذي حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحفظ موطأ الإمام مالك وهو ابن عشر، وهو الذي ملأ الدنيا علما وأدبا ومعرفة يقول:

شكوت إلى وكيـع سوء حفظـي       فأرشدني إلى ترك المعاصـي

وأخبـرنـي بـأن العلـم نـور       ونور الله لا يهدي لعاصـي

أتدرون ـ يا عباد الله ـ ما المعصية التي تكلم عنها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى؟! رأى ذات يوم كعب امرأة، كيف لو حضر الإمام في عصرنا اليوم ورأى النساء وما هم عليه من الفساد وارتكاب المعاصي والآثام؟! لقد انتشر الزنا وعم، وظهرت آثاره في مجتمعنا، المرأة في الإسلام لها مكانتها ولها رسالتها، فلتحافظ المسلمة عليها، فلتحافظ على كرامتها وعفتها وحيائها، فلتحافظ على بيتها وأسرتها.

عباد الله، اسألوا عن بيوت المسلمين لماذا خربت؟! لماذا انتشرت الخلافات الزوجية؟! أين تربية أبناء المسلمين؟! أبناؤنا لا يعرفون شيئا عن ديننا وعقيدتنا، بينما يعرفون كل شيء عن أنواع الفساد واللف والدوران.

أعداء الإسلام نجحوا في مخططاتهم لهدم الأسرة المسلمة وإبعادها عن دينها، لقد أبعدونا عن قرآننا، أبعدونا عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن هنا فالواجب على المسلم أن يكون يقظا، وأن يعلم علم اليقين أن أعداء الإسلام قد اجتمعوا على حربنا، فاحترسوا ـ أيها المسلمون ـ من أعداء الملة، احترسوا من أعداء الإسلام.

عباد الله، متى يرفع الله البلاء والوباء عنا؟! يوم نصطلح مع الله، يوم نطبق شرع الله، يوم نعمل لمصلحة الإسلام والمسلمين. أما ما دمنا في بعد عن الله تعالى بل في حرب مع الله عز وجل فلا نجاة ولا خلاص ولا مناص ولات ساعة مندم، وسنبقى في بحر لجي يغشاه موج من فرقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور.

 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، يا أبناء فلسطين المسلمة، ثلاث قضايا مركزية هامة تتعلق بالقضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني في الداخل والشتات.

القضية المركزية الأولى: قضية القدس:

الأرض المقدسة التي حباها الله بالخير والبركة، والتي ترنو وتهفو إليها أفئدة المسلمين في مشارق الله ومغاربها، والتي حوى ترابها الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين من أبناء هذه الأمة المؤمنة، فلا يخلو شارع من شوارعها ولا حارة من حاراتها إلا وفيه ما لا يعلمه إلا الله تعالى من أهل الخير والبركة والصلاح، هذه الأرض المقدسة تضيع اليوم من أيدي المسلمين، والكل يرى ويسمع، ولكن لا حياة لمن تنادي. ففي غزة الاحتقان والإحباط والانقسام والتأطير البغيض وإحراق المؤسسات والمحال التجارية وعمليات النهب والسرقة، والسماسرة الذين لا يخافون الله تعالى ويقومون بعمليات التزوير وبيع الأراضي وأكل أموال الناس بالباطل والاعتداء على الممتلكات والأعمال الإجرامية الدامية، والتي لم تشهد الساحة الفلسطينية أياما مظلمة مثل هذه الأيام.

وفي ظل غياب المسؤولين والغيورين على إسلامية بيت المقدس تستغل الجماعات المتطرفة وبدعم من الحكومة الإسرائيلية هذا التشرذم وهذا الضياع، وتعتزم تكثيف الاستيطان داخل البلدة القديمة وحولها، فقد ذكرت الصحف الإسرائيلية أن هذه الجماعات تعتزم بناء ستمائة وحدة سكنية مقابل الجهة الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى المبارك، وتقوم جماعات متطرفة أخرى بالعمل على بناء كنيس فوق أحد المنازل، بالقرب من سوق القطانين في الناحية الغربية من المسجد الأقصى المبارك.

إنهم ماضون في تهويد القدس الشريف، ونحن نلهث خلف السراب، منشغلون فيمن يتولى هذه الوزارة أو تلك، وحالنا يدور في حلقة مفرغة، وكأننا في حوار الطرشان، وحوار من وُجِد أولا، ونسي الجميع منا أن الله سيحاسبنا، نسينا أن الله يراقب كل واحد منا.

القضية الثانية والتي لا تقل أهمية عن القضية الأولى: قضية الأسرى والمعتقلين، قضية مشاعل النور ورموز العطاء:

إن قضية الأسرى لا يمكن أن تكون في أي حال من الأحوال موضع مزايدات ومساومات، ولا يجوز التغاضي عنها أو إغفالها أو القفز عليها مهما كلف الثمن، فالمساومة في حقهم مرفوضة من الجميع، ولا يمكن أن تكون رهنا للمساومات السياسية للحصول على تنازلات محلية أو إقليمية. فقد طال الأسر وطال ليل الظلم والظلام، والمهم أن نعمل بجد من أجل إطلاق سراحهم وعدم التمييز بين معتقل وآخر وفقا لانتمائه السياسي أو الجغرافي، فأبناء فلسطين أبناء أمة واحدة وعقيدة واحدة وقضية واحدة.

وأنتم ـ أيها الأسرى ـ تذكروا أنكم قد دخلتم السجن ظلما وعدوانا، بلا جناية أو جريمة، تذكروا أن نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام قد دخله، ولكنه صبر وقال الله في حقه: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90].

القضية الثالثة: وهي قضية الوجود الفلسطيني في الشتات:

والذين يحملون مفاتيح العودة، ويحلمون بالرجوع إلى أراضيهم وديارهم، وللأسف فأحلامهم اعتلاها الصدأ لما يجري في الداخل. انظروا إلى إخواننا وأبناء جلدتنا في عراق الرافدين، في العراق يهدّدون بالطرد والتشريد تارة، ويقتلون تارة أخرى من قبل فئات مجرمة حاقدة طائفية.

عباد الله، أليس من الأجدر بالمسؤولين أن يرفعوا أصواتهم عاليا لوقف المجازر بحق إخوتنا؟! الشهداء تجاوز عددهم الستمائة، والمشردون عشرات الآلاف، ويقيمون على الحدود السورية العراقية والأردنية أوضاع صعبة ومزرية.

أيها المسلمون، هذا واقعنا اليوم، فهل نفيق من سباتنا؟! هل نتوقف عن الصراع الذاتي أو صراع السلطة والاحتلال جاثم على صدورنا والقدس تضيع والأسرى يعانون القهر والإذلال وشعبنا في العراق يتعرض للإبادة والذبح والرحيل والتهجير؟!

وحدوا صفوفكم، انبذوا خلافاتكم، بيضوا وجوهكم أمام الله تعالى، أليس منكم رجل رشيد؟! هل هناك معتصم الآن ينجد أصحاب الصرخات من الأمهات الثكالى من الأطفال اليتامى، من الزوجات والأرامل، ومن المشردين في الأرض؟!

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً