.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

أزمة الأمة وانتظار فرجها من الله عز في علاه

5172

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

الفتن, المسلمون في العالم

فهد بن محمد القرشي

مكة المكرمة

20/12/1423

العمودي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- المحن والبلايا أقدار من الله تعالى ترفع بالتوبة والاستغفار. 2- حال المسلمين في غزوة الأحزاب. 3- قصة موسى عليه السلام وانتظار الفرج. 4- ثقة النبي بنصر الله تعالى له وهو في الغار. 5- أمور لا بد من تحقيقها في الفتن والأزمات.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، إنّ ما تبتلَى به الأمة الإسلامية اليوم من بلايا ومحنٍ ورزايا لهو من باب سنّة الله تعالى في خلقه، سنة المدافعة، قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، إن تلك البلايا والرزايا التي قدرها الله تعالى على هذه الأمة ابتلاءً واختبارا قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ليميز خبيثها من طيبها، كما قال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْب، وكل تلك البلايا والمحن والرزايا ـ عباد الله ـ من جنس أقدار الله تعالى الكونية وآياته العظيمة في هذا الكون كالخسوف والكسوف ونحوِها، تلك الآيات العظيمة التي يخوف الله تعالى بها عباده ليتوبوا ويرجعوا إليه، قال : ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذاك فصلوا وادعوا حتى يُكشفَ ما بكم)) متفق عليه.

فكذلك هذه المحن التي ابتليت بها الأمة الإسلامية، لا يرفعها الله تعالى عنها إلا بالتوبة والأوبة إليه، فهو سبحانه الذي يكشف السوء ويرفع البلاء، وهو سبحانه الذي يجير ولا يجار عليه، وقد تقرر سلفًا أنه ما نزلت عقوبة إلا بذنب، ولن ترفع إلا بتوبة، وأي عقوبة أعظم ـ أيها المسلمون ـ من إحاطة الكفار بديار المسلمين إحاطة السوار بالمعصم؟! فهم يجوسون خلال الديار ليفسدوا فيها ويهلكوا الحرث والنسل، وها هم قد جَمَعُوا أمرهم، وجاؤوا صفًا للقضاء على الإسلام والمسلمين.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فإن هذا التجمعَ والتحزبَ يُذَكِرُنَا بيوم الأحزاب، عندما جاء الكفار ليستأصلوا شأفة الإسلام ويقتلوا الرسول عليه الصلاة والسلام على حد زعمهم، وقد قال تعالى واصفًا حالهم في استعدادهم لذلك: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا. ونسي أولئك الكفار أن مدبر الأمر في السماء، فهو الذي يقول للشيء: كن فيكون، عندها سلط الله تعالى عليهم ريحًا هوجاء في ليلة مظلمة باردة، فقلبت قدور المشركين، واقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، ودفنت رحالهم، فما كان من أبي سفيانَ قبل إسلامه رضي الله عنه بعد أن ضاق بها ذرعًا إلا أن نادى في الأحزاب بالرحيل، فكانت تلك الريح من جنود الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا. وختم الله تعالى ذلك الامتحان الرهيب العصيب بنهاية سعيدة، وجنب الله تعالى المسلمين فيها القتال، قال تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا، فانقلبوا خاسرين خائبين.

وها هم الكفارُ اليوم يقعون فيما وقع فيه إخوانهم من قبل، ناسين أن مدبر الأمرِ في السماء، وهو سبحانه الذي يطفئ نار حربهِمِ كما قال تعالى: كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، ولكن الغرور والغطرسة والظلم والفجور جعلهم يقولون كما قالت عاد من قبلهم: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً، قال الله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ. والله تعالى هو الذي يُذهب كيدهم، ويأتي بنيانهم من قواعده، قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. وهو سبحانَهُ الذي يخرجهم من ديارهم لحتفهم: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ.

لذا عباد الله، فإن انتظار الفرج من الله تعالى المقرونِ بالعمل والاستعداد وتعليق الآمال عليه وحده من أجلّ عباداتكم، قال علي رضي الله عنه: (رأيت انتظار الفرج من أجل عباداتكم). وصدق الشاعر عندما قال:

ضـاقت فلما استحكمت حلقاتُها       فرجت وكنت أظنهـا لا تفرج

وهذا المعنى في كتاب الله تعالى قبلَ ذلك، قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. ولعلنا نتذاكر شيئًا من فرج الله تعالى فيما مضى وفيما هو واقع، مع التعريج على بعض ما ينبغي الاستعداد به لمواجهة هذه الفتنة العظيمة، ونبدأ بقصة عظيمة كررها الله تعالى في كتابه العزيز مرات وكرات، مختصرةً تارة ومطولةً أخرى، وما ذلك إلا لما فيها من العظة والعبرة، تلك القصة هي قصة موسى عليه الصلاة والسلام، والعبرة التي نعتبرها اليوم هي في أم موسى عليه السلام، وكيف انتظرت فرج الله تعالى في سلامة ابنها مع اتخاذها للأسباب والعمل بها.

ونبتدئ قصتَهَا من إخبار السحرة والكهان فرعون بأن زوال ملكه يكون على يد غلام يُولد في بني إسرائيل، عندها قرر ذلك الطاغية بأن يقتل الأبناء ويستحيي النساء، وكان ذلك بلاءً عظيمًا على بني إسرائيل كما قال تعالى: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.

وفي تلك الظروف العصيبة وُلد موسى عليه الصلاة والسلام، فضاقت به أمه ذرعًا، كل ذلك خوفًا عليه، فألهما الله تعالى بأن تضعه في تابوت فتلقيه في اليم: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فوضعته في ذلك اليم الذي كان سلاح نجاة موسى عليه السلام، وهو نفسه كان سلاح هلاك فرعون عليه غضب الرحمن. وكان كل همها عندما ألقته في اليم أن لا يصل إليه فرعونُ وجنودهُ، وما كانت تخشاه وقع، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وقال تعالى: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ.

وإتمامًا لوعد الله تعالى بإرجاعه إلى أمه ألقى عليه محبةً منه سبحانه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، وعندما رأته امرأة فرعون قالت: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، فأخذ موسى عليه السلام بالبكاء والصراخ، وقد تعلق قلب امرأة فرعون به، فأخذت تبحث عما يسكته، وتبحث له عن مرضعٍ، ولكن الله تعالى حرم عليه المراضع ليعود موسى عليه السلام إلى أمه تحقيقًا لوعد الله تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ.

وقالت أم موسى لأخته: قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، عندها قالت أخته لهم: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فتم وعد الله تعالى، فعاد موسى عليه السلام إلى أمه في آخر النهار، قال تعالى: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

كل ذلك تم ـ عباد الله ـ من غير حول ولا قوة لأم موسى، ولكنه تدبير العزيز الحكيم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

أيها المسلمون، ما أشبه حال أمتنا المغلوبة على أمرها بأم موسى، وما أحوج هذه الأمة إلى انتظار الفرج من خالقها ورازقها، وقد تقطعت بها أسباب الأرض، ولم يبق لها إلا أسبابُ السماء.

فاللهم إنا نسألك يا منزل الكتاب، ويا مجري السحاب، ويا هازم الأحزاب، أن تهزم اليهود والنصارى المتحزبين ضد الإسلام.

بارك الله لي ولكم في السنة والكتاب، ونفعني وإياكم بما فيهما من الحكمة والبيان، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: عباد الله، فمن المواقف التي تجلى فيها فرج الله تعالى وانتظره الرسول وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ما حصل لهم في الهجرة عندما كانوا في الغار، وأخذت قريش تبحث عنهما في كل وجهةٍ، وجعلوا لمن يأتي به أو يدل عليه الجُعل العظيم، وفجأةً وإذا بهم فوق ذلك الغار، وسمع النبي وأبو بكر أصواتهم، فأشفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله، وأقبل عليه من الهم والخوف والحزن ما الله به عليم، وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه. وهنا لفت رسول الله نظره إلى مدبر الأمر، إلى الله عز في علاه، وكأنه يقول له: انتظر الفرج من الله، بعد أن عملوا كل الاحتياطات، فقال : ((ما ظنك باثنين الله ثالثُهما؟!)) متفق عليه، وفي هذا نزل قوله تعالى: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. وهكذا حمى الله تعالى نبيه وصاحبه في الغار من كل سوء ومكر وكيد، وجاءهم فرج الله تعالى الذي يتولى المؤمنين ويدافع عنهم، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ.

وتأملوا ـ أيها المسلمون ـ كيف كان فرج الله تعالى على الصحابة رضي الله تعالى عنهم في ذلك المَلِك الذي لا يظلم عنده أحد، النجاشي رحمه الله تعالى ورضي عنه، الذي كان متنفسًا لأصحاب رسول الله عندما اشتد عليهم الأذى من قومهم في مكة، فما كان منهم إلا الهجرة إلى الحبشة، ولكم أن تتأملوا ـ عباد الله ـ من الذي هيأ ذلك الملك، إنه الله عز في علاه.

وعندما ظن الغرب الكافر أنه على الفضاء قادر، حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، أرسلوا مكوكهم الفضائي "كولمبيا" الذي جمعوا فيه ديانات الأرض الكافرة، من وثنية تمثلها المرأةُ الفضائية الهندية الهندوسية، ويهوديةٍ يمثلها الرائد اليهودي الإسرائيلي، ونصرانية يمثلها الرائد الأمريكي، معلنين بذلك العداوة للإسلام والمسلمين، وأثناء عودتهم وبعد أن استكبروا في أنفسهم ودخل عليهم البطر والأشر أتاهم الله تعالى من حيث لم يحتسبوا وفجر مكوكهم، فسُقط في أيدهم، وليتهم قالوا كما قال أصحاب البستانِ قبلَهم: فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أو قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ، ولكن طمس الله تعالى على بصائرهم فهم لا يفقهون.

والأمثلة في هذا الباب كثيرة ومتعددة، ولكنها مرهونةٌ بالرجوع إلى الله والتوبة والأوبة من ذنوبنا وآثامنا ومهرجاناتنا.

عباد الله، أما ما يتعلق بالاستعدادات المهمة للمرحلة القادمة فتكمن في أمور: -

أولها: أن تعرف الأمةُ عدوها من صديقها، ولا ينبئك عن ذلك مثل خبير، وهو الله تعالى الذي خلقنا ورزقنا وبين لنا عدونا من صديقنا، فهو سبحانه الذي يعرف أعداءنا كما قال تعالى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا. وبناء عليه فقد بين لنا سبحانه وتعالى أن اليهود والنصارى أعداء لنا، قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، وقال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، فأمة لا تعرف عدوها من صديقها أمة لا تستحق النصر ولا التمكين.

ثانيها: أن ترجع الأمة إلى ثوابتها والمحكمات من شريعة ربها، والالتفاف حولَها والعملِ بها، وترك الفرقة والاختلاف حتى لا يذهب ريحها، قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وقال تعالى محذرًا من التنازع والاختلاف لأن فيهما ذهاب الريح: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. ولا يمكن أن تجتمع الأمة أو لا شيء يجمع الأمة إلا كتابُ الله تعالى وسنة رسوله ، ففي هذه المحن والبلايا لا عاصم للأمة ولا ناصر لها إلا باجتماعها تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي هذه الفتن وفي غيرها لا بد أن تسقط كل الشعارات الوطنية والقومية والعلمانية ونحوها، لترتفع راية الإسلام وينضوي المسلمون تحتها.

ثالثها: دعم الجهاد ورفعُ رايته، فما ذلت الأمة ولا طمع فيها أعداؤها إلا بعد أن تنكبت طريق الجهاد، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا تبايعتم بالعينة ـ وهي نوع من أنواع الربا ـ وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع ـ كنايةً عن الدنيا ومتاعها ـ وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) رواه أبو داود.

رابعها: الاستعداد والإعداد بكل ما تعنيه هذه الكلمة، سواء كان على مستوى الأفراد أو الحكومات.

خامسها: الإكثار من العبادة، فقد قال : ((العبادة في الهرج ـ وهو القتل ـ كهجرة إلي)) رواه مسلم. لينطرح العبد بين يدي خالقه ومولاه سائلاً إياه أن يجنبه الفتن ما ظهر منها وما بطن، فقد أخبر النبي عن فتنٍ في آخر الزمان، يصبح الرجل فيها مسلمًا ويمسي كافرًا، ويمسي مسلمًا ويصبح كافرًا، وأخبر أيضًا عن فتنٍ كقطع الليل المظلم تدع الحليم حيرانا، وقد كان السلف الصالح كما يقول ابن عيينةَ عن خلف بن حوشب: كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن:

الحـربُ أولُ مـا تكـون فتيـةً       تسعـى بزينتها لكل جهـولِ

حتّى إذا اشتعلـت وشب ضِرامُها       ولـت عجوزًا غيرَ ذاتِ حليلِ

شَمطـاء يُنكـرُ لونُهـا وتغيَّرت        مكروهـة للشـم والتقبيـل

هذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله ومن ولاه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك باليهود ومن هاودهم...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً