الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يجب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإسلام، لقد استمعتم إلى هذه القصة، وهي مذكورة في كتاب ربكم في أكثر من موضع، قصّها الله في القرآن ليعلم رسوله، وليثبت فؤاده، وليزيد المؤمنين إيمانًا.
فإن هذه القصة العظيمة توحي وتؤكد أن العاقبة للمتقين، وأن الدائرة على الظالمين، وأن امتداد الباطل يسير مهما طغى وتجبر وساد وتعاظم.
وفي القصة بيانٌ بأن القوة لله جميعًا، وأن قدرته نافذة في كل شيء، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [يس: 82].
وفيها عناية الله تعالى بعباده المؤمنين وكلاءته لهم وتأييده لهم بالخوارق والمعجزات.
وفيها أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.
وفيها تقرير سنة الابتلاء في هذه الحياة، وأنّ الله لا يزال يبتلي عباده؛ ليمحصهم ويطهرهم ويحفظ جماعتهم، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المُنَافِقِينَ [سورة العنكبوت: 11].
وفيها فضل التوحيد والاستسلام في الملمات وتفويض الأمر إلى الله وحده، قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 62]. فمهما حمل لنا العدو من دبابات وقاصفات ومدمرات فإن الله معنا يسمع ويرى ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًا [مريم: 84].
وفيها هوان الإنسان وضعفه وضياعه بلا إيمان واستسلام، فإن سلامة الإنسان في هذه الدنيا وصلاحه بخضوعه للدين بحق، وليس للطواغيت أو اللذائذ والشهوات.
ومنها أن الحياة وزينتها لا تنفع بلا إيمان، وأن مصير اللذة الزوال والذهاب، فلقد أورث الله نعم آل فرعون القوم المؤمنين، ولم تغن القوم المجرمين نعمتهم من الله شيئًا، وفي ذلك إشارة إلى حقارة الدنيا وفنائها.
أيها الإخوة، لقد كانت آية البحر الباهرة لنبي الله موسى عليه السلام ومعه بنو إسرائيل الذين قضوا مع فرعون وملئه عنتًا وذلاً ومهانة، كانت انشقاق البحر آية عجيبة لهم، ومع ذلك لقد لقي موسى منهم بعد هلاك آل فرعون الألاقي والشدائد، كفروا وكذبوا واستكبروا. وقد قال النبي : ((رحم الله أخي موسى؛ لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)). وفي حديث الإسراء قال موسى عليه السلام لنبينا في تخفيف الصلاة: (إني عالجت بني إسرائيل قبلك أشدّ المعالجة). وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب: 69].
وفي هذا العصر يتسلط بنو إسرائيل اليهود على المسلمين في فلسطين يسومونهم سوء العذاب، ويبيدون خضراءهم بمرأى ومسمع المسلمين أجمعين، والمشتكى إلى الله.
ولا يردّ عدوان هؤلاء الأوباش إلا أطفال الحجارة الذين هم مبنى العزّ ومعدن الشرف.
هل من فلسطين مكتوب يطمئننـي عمن كتبت إليه وهو ما كتبـا
وعن بساتيـن ليمـونٍ وعن حُلمٍ يزداد عني ابتعادًا كلما اقتربـا
فيـا فلسطيْن من يهديـك أفئدةً ومن يعيد لك البيت الذي خربا
تلفّتـي تجدينـا فـي مبـاذلنـا من يعبد اللهو أو من يعبد الذهبا
ولكننا لن نيأس ولن نذل، ومعنا الميثاق المؤكّد والوعد المبرم، قال : ((تقاتلون اليهود، فتسلَّطون عليهم، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر: يا عبدَ الله، يا مسلم، هذا يهوديّ خلفي، تعال فاقتله)).
اللهم انصرنا ولا تنصر علينا...
|