.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

عاشوراء بين اتباع السنة وهوس الرافضة

5163

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأعمال

عبد الله بن محمد البصري

القويعية

7/1/1428

جامع الرويضة الجنوبي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نصر الله تعالى لموسى عليه السلام. 2- سوء عاقبة الباطل وأهله. 3- الفرح بانتصار الحق على الباطل. 4- شكر الله تعالى على نعمه. 5- المسلمون أولى بجميع الأنبياء. 6- فضل صوم عاشوراء. 7- بدع الرافضة في عاشوراء. 8- عداء الرافضة لأهل الإسلام.

الخطبة الأولى

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنهيَهُ وَلا تَعصُوهُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَفي هَذَا الشَّهرِ العَظِيمِ شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ الَّذِي يُذَكِّرُنَا بِهِجرَةِ المُصطَفَى مِن مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ وَبَدءِ ظُهُورِ الدَّعوَةِ الإِسلامِيَّةِ وَانتِصَارِ الإِسلامِ وَانتِشَارِهِ نَتَذَكَّرُ انتِصَارًا عَظِيمًا آخَرَ حَدَثَ في يَومٍ مِن أَيَّامِ اللهِ لِعَبدٍ مِن عِبَادِ اللهِ، ذَلِكُم هُوَ نَصرُ اللهِ لِعَبدِهِ وَكَلِيمِهِ مُوسَى عليه السلامُ وَخُذلانُ عَدُوِّهِ المُتَعَالي فِرعَونَ رَأسِ الطُّغَاةِ وَإِمامِ المُتَكَبِّرِينَ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لهم رَسُولُ اللهِ : ((مَا هَذَا اليَومُ الذِي تَصُومُونَهُ؟)) فَقَالُوا: هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ أَنجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَومَهُ وَغَرَّقَ فِرعَونَ وَقَومَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكرًا فَنَحنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : ((فَنَحنُ أَحَقُّ وَأَولى بِمَوسَى مِنكُم))، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

وَفي هَذَا الحَدَثِ وَالحَدِيثِ فَوَائِدُ وَوَقَفَاتٌ يَجِبُ أَن لاَّ تَغِيبَ عَنِ البَالِ، خَاصَّةً وَالأُمَّةُ تَعِيشُ مَا تَعِيشُهُ مِن وَهَنٍ وَضَعفٍ وَذُلٍّ وَتَفَرُّقٍ، وَالأَعدَاءُ تَسُومُهَا سُوءَ العَذَابِ تَقتِيلاً وَتَشرِيدًا وَتَمزِيقًا، بَعدَ أَن تَدَاعَت عَلَيهَا تَدَاعِيَ الأَكَلَةِ عَلَى قَصعَتِهَا.

الوَقفَةُ الأُولى: أَنَّ البَاطِلَ مَهمَا عَلا زَبَدُهُ وَارتَفَعَ دُخَانُهُ وَمَهمَا كَانَت مَوَازِينُ القُوَّةِ رَاجِحَةً في يَدِهِ والأُمُورُ في الظَّاهِرِ تَسِيرُ لِصَالِحِهِ إِلاَّ أَنّهُ وَاهٍ مَهمَا نَفَشَ وَانتَفَشَ، وَأَهلُهُ ضُعَفَاءُ مَهما نَفَخُوا وَانتَفَخُوا، فَذَلِكُم فِرعَونُ أَطغَى الطُّغَاةِ في عَصرِهِ الَّذِي قَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى، وَقَالَ: مَا عَلِمتُ لَكُم مِن إِلَهٍ غَيرِي، وقال: أَلَيسَ لي مُلكُ مِصرَ وَهَذِهِ الأَنهَارُ تَجرِي مِن تَحِتي، وقال: أَمْ أَنَا خَيرٌ مِن هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ، وَقَتَلَ مَن قَتَلَ مِن رِجَالِ بَني إِسرَائِيلَ، كَانَ هَلاكُهُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِن بَني إِسرَائِيلَ الَّذين حَاوَلَ إِبَادَتَهُم وَاستِئصَالَ شَأفَتِهِم، رَجُلٍ تَرَبَّى في بَيتِهِ وبِمَالِهِ وَتَحتَ رِعَايَتِهِ، وَمَشى بَينَ يَدَيهِ وَتَحتَ عَينَيهِ، وَلم يَكُنْ أَحَدٌ أَقرَبَ مِنهُ إِلَيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لم يُسَلَّطْ عَلَيهِ، إِذْ أَلقَى اللهُ عَلَيهِ مَحَبَّةً مِنهُ وَصَنَعَهُ عَلَى عَينِهِ، فَكَانَ هَلاكُ هَذَا الطَّاغِيَةِ عَلَى يَدِهِ وَبِسَببِهِ بَعدَ أَن دَعَاهُ إِلى اللهِ فَكَذَّبَ وَعَصَى، قَالَ اللهُ عنِ فِرعَونَ وَجُنُودِهِ: وَاستَكبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُم إِلَينَا لا يُرجَعُونَ فَأَخَذنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذنَاهُم في اليَمِّ فَانظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ، وقال تعالى: فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولى إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لمَن يَخشَى. وَكَمَا أَخَذَ اللهُ فِرعَونَ وَجُنُودَهُ وَأَهلَكَهُم فَسَيَأتي اليَومُ الَّذِي يَأخُذُ فِيهِ فَرَاعِنَةَ هَذَا العَصرِ الَّذِينَ أَبَوا وَعَصَوا، وَطَغَوا في البِلادِ فَأَكثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ، وَعَمِلُوا عَلَى حَربِ الإِسلامِ وَطَارَدَوا المُسلِمِينَ، مِن لَدُنْ دَولَةِ الكُفرِ وَالطُّغيَانِ، إِلى كُلِّ مَن سَانَدَهَا وَنَاصَرَهَا وَدَارَ في فَلَكِهَا، وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، لَكِنَّهَا مَسأَلَةُ وَقتٍ لا أَقَلَّ وَلا أَكثَرَ، حَتَّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُم قَد كُذِبُوا جَاءَهُم نَصرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنَا عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ.

الوَقفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ أَعظَمَ الأَيَّامِ وَأَحَقَّهَا بِأَن يُحتَفَى بِهِ وَيَحتَفَلَ اليَومُ الَّذِي يَرتَفِعُ فِيهِ عَلَمُ الإِسلامِ وَتَعلُو رَايَةُ العَقِيدَةِ، فَيَومَ أَن يَنتَصِرَ الحَقُّ وَيُخذَلَ البَاطِلُ يَفرَحُ المُؤمِنُونَ بِنَصرِ اللهِ، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدنى الأَرضِ وَهُم مِن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ في بِضعِ سِنِينَ للهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ وَيَومَئِذٍ يَفرَحُ المُؤمِنُونَ بِنَصرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ.

الوَقفَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ مِن حَقِّ اللهِ عَلَى عَبدِهِ كُلَّمَا تَجَدَّدَت عَلَيهِ مِنهُ نِعمَةٌ أَن يُقَابِلَهَا بِالشُّكرِ لِلمُنعِمِ سُبحَانَهُ، وَأَفضَلُ الشُّكرِ مَا كَانَ بِالقَلبِ اعتِرَافًا وَبِاللِّسَانِ تَحَدُّثًا وَبِالجَوَارِحِ عَمَلاً وَتَطبِيقًا، وَهَذَا مَا فَعَلَهُ مُوسَى عليه السلامُ حِينَ صَامَ عَاشُورَاءَ شُكرًا للهِ على نَجَاتِهِ وَهَلاكِ عَدُوِّهِ، وَفَعَلَهُ نَبِيُّنَا محمدٌ امتِدَادًا لِذَلِكَ الشُّكرِ، وَيَفعَلُهُ المُؤمِنُونَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ اقتِدَاءً بِنَبِيِّهِم وَطَلبًا لِلأَجرِ مِن رَبِّهِم.

وَقَد يَقُولُ قَائِلٌ وَيَتَسَاءَلُ مُتَسَائِلٌ: إِنَّ في الإِسلامِ أَيَّامًا عَظِيمَةً كَانَ فِيهَا لِلإِسلامِ نَصرٌ وَعِزٌّ، كَالأَيَّامِ التي انتَصَرَ فِيهَا النبيُّ في غَزَوَاتِهِ، وَكَيَومِ مِيلادِهِ وَهِجرَتِهِ، وَكَحَادِثَةِ الإِسرَاءِ وَالمِعرَاجِ وَغَيرِهَا، فَلِمَاذَا لا نَصُومُهَا أَو نُحدِثُ فِيهَا مِنَ العِبَادَاتِ مَا يَكُونُ بِهِ شُكرُ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ فِيهَا؟! فَيُقَالُ: إِنَّ مَبنى الدِّينِ عَلَى التَّأسِّي وَالاستِسلامِ وَالاتِّبَاعِ، لا عَلَى الاستِحسَانِ وَالإِحدَاثِ وَالابتِدَاعِ، لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ، وَنحنُ حِينَمَا نَصُومُ عَاشُورَاءَ فَإنَّما نَصُومُهُ اتِّبَاعًا لَهُ عليه الصلاةُ والسلامُ فِيمَا شَرَعَهُ لَنَّا وَسَنَّهُ، لا استِحسَانًا مِن عِندِ أَنفُسِنَا، قَالَ : ((مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)).

الوَقفَةُ الرَّابِعَةُ: مَعَ قَولِهِ : ((نحنُ أَحَقُّ بِمَوسَى مِنكُم))؛ إِذ فِيهِ أَعظَمُ الدَّلالَةِ عَلَى أَنَّ رَابِطَةَ الإِيمَانِ بِاللهِ هِيَ أَقوَى رَابِطَةٍ، وَأَنَّ صَلِةَ الإِسلامِ هِيَ أَعظَمُ صِلَةٍ، وَأَنَّ نَسَبَ الدِّينِ هُوَ أَعظَمُ النَّسَبِ، فَمُحَمَّدٌ عليه الصلاةُ والسلامُ وَأُمَّتُهُ بِتَمَسُّكِهِم بِدِينِهِم وَثَبَاتِهِم عَلَى الإِيمانِ أَولى بِمَوسَى وَأَقرَبُ إِلَيهِ مِنَ اليَهُودِ المُحَرِّفِينَ لِشَرِيعَتِهِ النَّاكِبِينَ عَن طَرِيقَتِهِ، بَل إِنَّ أُمَّةَ الإِسلامِ أَحَقُّ بِكُلِّ نَبيٍّ وَأَولى بِهِ مِن قَومِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوهُ، وَرُسُلُ اللهِ دِينُهُم وَاحِدٌ، جَاؤُوا بِالتَّوحِيدِ وَعِبَادَةِ اللهِ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ، قَالَ سُبحَانَهُ: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُم فَاعبُدُونِ، وقال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبّهِ وَالمُؤمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائكتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِن رُّسُلِهِ، وقال جل وعلا: إِنَّ أَولى النَّاسِ بِإِبراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلىُّ المُؤمِنِينَ، وقال عليه الصلاةُ وَالسَّلامُ: ((أَنَا أَولى النَّاسِ بِعِيسَى ابنِ مَريمَ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، لَيسَ بَيني وَبَينَهُ نَبيٌّ، وَالأَنبِيَاءُ أَولادُ عَلاَّتٍ؛ أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ))، ولمَّا أَهلَكَ اللهُ قَومَ نُوحٍ في الطُّوفَانِ وَفِيهِمُ ابنُهُ الكَافِرُ فَدَعَا رَبَّهُ: رَبِّ إِنَّ ابنِي مِن أَهلِي وَإِنَّ وَعدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحكَمُ الحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسأَلْنِ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ يَومَ عَاشُورَاءَ يَومٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ، وَصِيَامُهُ عَمَلٌ صَالحٌ وَسُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ كَرِيمَةٌ، سُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَن صِيَامِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا عَلِمتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَامَ يَومًا يَطلُبُ فَضلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا اليَومَ. وَقَد بَيَّنَ عليه الصلاةُ والسلامُ أَنَّ صِيَامَ هَذَا اليَومِ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ، فَقَالَ: ((صِيَامُ عَاشُورَاءَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبلَهُ)).

وَلأَنَّ الإِسلامَ قَد جَاءَ بِمُخَالَفَةِ أَهلِ الكِتَابِ فَإِنَّ مِنَ السُّنَّةِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أَنْ يُصَامَ مَعَ عَاشُورَاءَ يَومٌ قَبلَهُ أَو بَعدَهُ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَومٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : ((فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقبِلُ إِن شَاءَ اللهُ صُمنَا اليَومَ التَّاسِعَ))، قَالَ: فَلَم يَأتِ العَامُ المُقبِلُ حتى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ، وعنه رَضِيَ اللهُ عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ : ((صُومُوا يَومَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ اليَهُودَ؛ صُومُوا قَبلَهُ يَومًا أَو بَعدَهُ يَومًا)).

أَلا فَاقتَدُوا بِنَبِيِّكُم وَصُومُوا عَاشُورَاءَ، والَّذِي سَيوافِقُ الاثنينَ القَادِمَ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ بِصِيَامِ التَّاسِعِ وَهُوَ يَومُ الأَحَدِ، أَو الحَادِيَ عَشَرَ وَهُوَ يَومُ الثُّلاثَاءِ، أَو بِصِيَامِهِمَا كِلَيهِمَا مَعَ عَاشُورَاءَ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، وَأَوحَينَا إِلىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُتَّبَعُونَ فَأَرسَلَ فِرعَونُ في المَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخرَجنَاهُم مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَورَثنَاهَا بَني إِسرائِيلَ فَأَتبَعُوهُم مُشرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ فَأَوحَينَا إِلى مُوسَى أَنِ اضرِبْ بِعَصَاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظِيمِ وَأَزلَفنَا ثَمَّ الآخَرِينَ وَأَنجَينَا مُوسَى وَمَن مَعَهُ أَجمَعِينَ ثُمَّ أَغرَقنَا الآخَرِينَ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تعالى حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ يَومَ عَاشُورَاءَ الَّذِي هُوَ مُنَاسَبَةٌ لِلذِّكرِ وَالشُّكرِ وَالعِبَادَةِ قَدِ ارتَبَطَ عِندَ الرِّافِضَةِ مَجُوسِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِضَلالاتٍ وَخُرَافَاتٍ وَخُزعبلاتٍ، وَأَحدَثُوا فِيهِ بِدَعًا وَأَوهَامًا وَمُنكَرَاتٍ، وَاعتَادُوا فِيهِ عَلَى مُمَارَسَاتٍ مَا أَنزَلَ اللهُ بها مِن سُلطَانٍ، إِذ تَرَاهُم يَلطمُونَ فِيهِ خُدُودَهُم وَيَصِيحُونَ، وَيَخمِشُونَ وُجُوهَهُم وَيُوَلوِلُونَ، وَيَعلُو بُكَاؤُهُم وَيَرتَفِعُ عَوِيلُهُم، وَيَكثُرُ نَحِيبُهُم وَيُعَذِّبُونَ أَجسَادَهُم، وَتَسِيلُ مِنهُمُ الدُّمُوعُ وَالدِّمَاءُ، وَيَختَلِطُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَرَبُّمَا هُتِكَتِ العَورَاتُ وَارتُكِبَتِ الفَحشَاءُ، يَفعَلُونَ ذَلِكَ بِاسمِ الحُزنِ عَلَى مَقتَلِ الحُسَينِ رضي اللهُ عنه، وَادِّعَاءً لِحُبِّ آلِ البَيتِ رضوَانُ اللهِ عَلَيهِم، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّهُم مِن أَضَلِّ النَّاسِ فِيمَا يَفعَلُونَ وَأَكذَبِهِم فِيمَا يَدَّعُونَ، قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه اللهُ: "وَمِن حَمَاقَتِهِم إِقَامَةُ المَأتَمِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى مَن قَد قُتِلَ مِن سِنِينَ عَدِيدَةٍ، وَمِنَ المَعلُومِ أَنَّ المَقتُولَ وَغَيرَهُ مِنَ المَوتَى إِذَا فُعِلَ مِثلُ ذَلِكَ بهم عَقِبَ مَوتِهِم كَانَ ذَلِكَ ممَّا حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَقَد ثَبَتَ في الصَّحِيحِ عَنِ النبيِّ أَنَّهُ قَالَ: ((لَيسَ مِنَّا مَن لَطَمَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعوَى الجَاهِلِيَّةِ))، وَهَؤُلاءِ يَأتُونَ مِن لَطمِ الخُدُودِ وَشَقِّ الجُيُوبِ وَدَعوَى الجَاهِلِيَّةِ وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ المُنكَرَاتِ بَعدَ مَوتِ المَيِّتِ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ مَا لَو فَعَلُوهُ عَقِبَ مَوتِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِن أَعظَمِ المُنكَرَاتِ التي حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ، فَكَيفَ بَعدَ هَذِهِ المُدَّةِ الطَّوِيلَةِ؟! وَمِنَ المَعلُومِ أَنَّهُ قَد قُتِلَ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَغَيرِ الأَنبِيَاءِ ظُلمًا وَعُدوَانًا مَن هُوَ أَفضَلُ مِنَ الحُسَينِ، قُتِلَ أَبُوهُ ظُلمًا وَهُوَ أَفضَلُ مِنهُ، وَقُتِلَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ وَكَانَ قَتلُهُ أَوَّلَ الفِتَنِ العَظِيمَةِ التي وَقَعَت بَعدَ مَوتِ النبيِّ ، وَتَرَتَّبَ عَلَيهِ مِنَ الشَّرِّ وَالفَسَادِ أَضعَافُ مَا تَرَتَّبَ على قَتلِ الحُسَينِ، وَقُتِلَ غَيرُ هَؤُلاءِ وَمَاتَ، وَمَا فَعَلَ أَحَدٌ لا مِنَ المُسلِمِينَ وَلا غَيرِهِم مَأتَمًا وَلا نِيَاحَةً عَلى مَيِّتٍ وَلا قَتِيلٍ بَعدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مِن قَتلِهِ إِلاَّ هَؤُلاءِ الحَمقَى" اهـ.

إِنَّ هَؤُلاءِ الرَّافِضَةَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ حُبَّ الحُسَينِ وَأَهلِ البَيتِ هُم وَاللهِ أَشَدُّ النَّاسِ لِلصَّحَابَةِ بُغضًا وَلِقَدرِهِم تَنَقُّصًا، وَبِمَكَانَتِهِم جَهلاً وَلِفَضِيلَتِهِم تَضيِيعًا، إذْ يُكَفِّرونهم إِلاَّ نَفَرًا قَلِيلاً، وَيَلعَنُونَ أَشيَاخَهُم أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ، وَيَتَّهِمُونَ بِالزِّنَا أَطهَرَهُم الصِّدِّيقَةَ بِنتَ الصِّدِّيقَ زَوجَةَ رَسُولِ اللهِ، وَهُم في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ أَلَدُّ أَعدَاءِ أَهلِ السُّنَّةِ وَأَشَدُّ خُصُومِهِم، لا يَقِلُّ عَدَاؤُهُم عَن عَدَاءِ أَخبَثِ خَلقِ اللهِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَفعَالُهُمُ المَشِينَةُ مَعَ أَهلِ السُّنَّةِ وَتَخطِيطُهُم لِخُذلانِِهِم مِن الشُّهرَةِ بِحَيثُ لا تُنكَرُ، وَمَا قَامَت لِليَهُودِ أَوِ النَّصَارَى دَولَةٌ إِلاَّ كَانُوا مَعَهُم عَلى أَهلِ السُّنَّةِ، وَالوَاقِعُ المُشَاهَدُ في العِرَاقِ الآنَ خَيرُ دَلِيلٍ، وَمَاذَا يُنتَظَرُ مِن قَومٍ كَفَّرُوا الصَّحَابَةَ الِّذِينَ هُم خَيرُ الأُمَّةِ بَعدَ نَبِيِّهَا؟! مَاذَا يُنتَظَرُ ممَّن يَلعَنُونَ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَيَسُبُّونَهُمَا؟! مَاذَا يُنتَظَرُ ممَّن يَرمُونَ أُمَّ المُؤمِنِينَ الصِّدِّيقَةَ بِنتَ الصِّدِّيقِ بِالزِّنَا؟! يُؤذُونَ رَسُولَ اللهِ في أَحَبِّ نِسَائِهِ إِلَيهِ، ثم يَدَّعُونَ حُبَّ آلِ البَيتِ، أَلا فَمَا أَحرَاهُم بِقَولِ اللهِ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَابًا مُهِينًا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسألُكَ أَن تُرِيَنَا في الرَّافِضَةِ يَومًا أَسوَدَ، اللَّهُمَّ أَحصِهِم عَدَدًا وَاقتُلهُم بَدَدًا، وَلا تُغَادِرْ مِنهُم أَحَدًا، اللَّهُمَّ لا تَرفَعْ لهم رَايَةً، وَلا تُبَلِّغْهُم هَدَفًا وَلا غَايَةً، وَاجعَلْهُم لِمَن خَلفَهُم عِبرَةً وَآيَةً، اللَّهُمَّ خُذْهُم أَخذَ عَزِيزٍ مُقتَدِرٍ، لا تُبقِ مِنهُم وَلا تَذَرْ، اللَّهُمَّ وَعَليكَ بِجَمِيعِ أَعدَاءِ دِينِكَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمَن هَاوَدَهُم وَنَاصَرَهُم، اللَّهُمَّ وَأَبرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمرًا رَشَدًا، يُعَزُّ فِيهِ أَهلُ طَاعَتِكَ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهلُ الإِشرَاكِ بِكَ، وَيُؤمَرُ فِيهِ بِالمَعرُوفِ وَيُنهَى عَنِ المُنكَرِ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً