.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

التحذير من التفرق والاختلاف والتكفير

5158

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

الآداب والحقوق العامة, المسلمون في العالم

حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

المدينة المنورة

23/12/1427

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فتنة التفرق والاختلاف. 2- فريضة الاجتماع والوئام. 3- النهي عن التفرق والاختلاف. 4- وجوب الاجتماع على الكتاب والسنة. 5- مصيبة الاستجابة لمخططات الأعداء. 6- نداء لرجال الإعلام والفكر والثقافة. 7- التحذير من الاستهانة بأعراض المسلمين. 8- فتنة التكفير. 9- حرمة التقاتل بين المسلمين.

الخطبة الأولى

أمَّا بعد: فيا أيُّها المسلمون، اتَّقوا الله حقَّ التّقوى تفوزوا دنيا وأخرى.

أيُّها المسلمون، تمرُّ أمّتُنا بأحوال عصيبةٍ وظروف شديدة، فتنٌ شتّى ومِحَنٌ عظمى. وإنَّ من أخطرِ مَا تُعانيه الأمة اليومَ تفرّقَ الصفِّ وتنافر القلوب واختلافَ التوجُّهات؛ حتّى تحقَّق للأعداء ما يرمونه منذ قرونٍ من جعلِ المسلمين أحزابًا متعدِّدَة ودويلاتٍ متفرّقَة وطوائف مختلفة؛ ولذا فما أحوجَ المسلمين اليومَ إلى الاستنارةِ بضوء الوحيَين والتأصيلِ بأصول الهديَين والالتزامِ بمنهج النورَين؛ ليكونوا من المفلحين ومن جندِ الله الغالبين، وتكونَ الأمّة بمَنأى عن عبثِ العابثِين وإفسادِ المفسِدينَ، وذَلِك لن يَكونَ إلاّ بأن تتَّجِه الأمّةُ الإسلاميّة بقلُوبها وأبدانها في صغيرِها وكبيرِها في أقوالِها وأَفعالِها في سِياسَاتِها واقتِصادها وعَلاقَاتِها وسَائِرِ شُؤونها إلى الاعتِصام بالقرآنِ والسنّة وطاعة الله جلّ وعلا وطاعةِ رسولِه ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: 59]، عن أبي هريرةَ أنَّ النبيَّ قال: ((تركتُ فيكم أَمرَين لن تضلّوا ما تمسَّكتم بهما: كتابَ الله وسنتي)) حديث إسناده حسَن.

أمّةَ القرآن، من الأصول الكبرى في الإسلامِ فريضةُ الاجتماع والوئامِ على منهج الوحيَين والتَّواصي بالحقِّ والتسليمِ لأمر الله وأمرِ رسوله والتعاوُن على البرِّ والتّقوى والتكاتف فيما يخدِم مصالحَ الدين والدنيا، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 102، 103]، وقال عزَّ شأنُه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]، ونبيُّنا يقول: ((المؤمِنُ للمؤمِنِ كالبنيانِ يشُدُّ بعضُه بعضا)) وشبَّكَ بين أصابعه، ويقول : ((مثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطُفهم كمَثَل الجسدِ الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمّى)) متفق عليهما.

أيّها المسلمون في كلِّ مكان، مِن قواعِدِ الإسلام ومقاصِدِه العظامِ النهيُ عن التفرُّق والاختلاف في شؤونِ الدِّين والدّنيا معًا، يقول سبحانَه: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 31، 32]. الفُرقَةُ عذابٌ، والشِّقاقُ ذلٌّ وهوان، والتنازع فشَلٌ وخَسَار، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46].

إنَّ المسلمين طريقُهم الأوحَدُ للسلامَةِ والنجاةِ والعِزّةِ والرِّفعةِ هو اتباعُ السنّة والجماعة والبُعدُ عن الشذوذ والخلاف والفُرقة، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 105]، إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام: 159].

أيّتُها الأمّة المسلِمَة في كلِّ مَكان، اسمَعي لوصايَا سيِّد الأوَّلين والآخرين ونبيِّ الثَّقَلين أجمعين، أنصِتِي لهذهِ الوَصَايَا العظيمَةِ التي يَكفَل العملُ بها السعادةَ والأمن والعزَّةَ والمجدَ في الدارَين معًا: عن العرباضِ بنِ سارية قال: وعظَنا رسول الله موعظةً ذَرَفَت منها العيونُ ووَجِلَت منها القلوبُ، فقال قائل: يا رسول الله، كأنَّها موعظة مودِّع فأوصنا، فقال : ((أوصِيكُم بتقوَى الله والسَّمعِ والطاعةِ وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، فإنّه من يعش منكم بعدِي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسنّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإنَّ كل بدعة ضلالة)) صححه ابن حبان والحاكم ووافقَه الذهبي، وعن عمرَ بنِ الخطاب أنَّ النبيَّ قال: ((عليكم بالجماعةِ، وإيّاكم والفرقةَ؛ فإنَّ الشيطان مع الواحدِ، وهو من الاثنين أبعَدُ، من أراد بحبوحةَ الجنة فليزَمِ الجماعة)) صحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.

أيّها المسلمون، مِن أعظم ما رُزِئت به أمّةُ الإسلام استجابةُ بعض أبنائِها لمخطَّطات الأعداء، تلك المخطّطاتُ التي تتلوَّن بأساليبَ شتى وصُوَرٍ لا تُحصَى؛ لتصلَ بأمّة الإسلام إلى تفريق صفِّها وتمزيق شملِها وتحطيم كيانها، على حدِّ قاعدتهم المشؤومة: "فرِّق تسُد".

فتارةً تسودُ الفُرقة ويحصل الاختلاف بسَبَب الابتعادِ عن منهج الوحيَين والبعدِ عن فهمِ الصحابةِ رضي الله عنهم لهذا الدين، فنشأت في الأمّةِ بسبَبِ ذلك فِتَنٌ كبرَى، تفرَّقت بسببها الأمة وتشعبَّت بها السبل بما حدثَ مِن ابتداعٍ في الدين وبُعدٍ عن كلامِ ربِّ العالمين وسنّة سيّد الأنبياء والمرسلين وعُدولٍ عن منهَج الصحابةِ والتابعين، فالله جلّ وعلا يقول: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: 153]، ويَقولُ عزَّ شأنُه: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص: 50]. قال الشاطبيّ في كلامٍ له حسن: "إذا ابتدَعوا تجادَلوا وتخاصموا وتفرَّقوا وكانوا شِيَعًا".

وتارَةً ـ أيّها المسلِمون ـ يجرّ الأعداءُ أبناءَ الأمّةِ الإسلاميّة إلى التفرُّق والاختلاف بسبَب الدعواتِ المقيتة التي تحمِل أفكارًا مسمومَة ودعواتٍ مشؤومةً لا زالت تَفُتّ في عضُد الإسلام وأهله وتحطِّم مصالحَ المسلمين وتجعَلهم في الذلّة والهوان، وإلا فهل وَجَد المسلمون من الشعاراتِ القوميّة والدعواتِ الحزبيَّة والتيَّارات العنصريَّة إلاّ كلَّ ذلٍّ وعارٍ وهوان، فللَّه كم جرَّت تلك الشعاراتُ على المسلمين من فتنٍ كبرَى ومَصائب عظمى عاشها الكبار وأدركَها الصغار، ويلاتٌ وقودُها النفوس والأموال والأعراض، وعاقِبَتها تمزيقُ الشَّمل وغرسُ العداوَة والشحناء في القلوب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كلُّ ما خَرَج عن دعوَى الإسلامِ والقرآن مِن نَسَب أو بلدٍ أو جِنس أو مذهَب أو طريقةٍ فهو من عَزاءِ الجاهِليّة، بل لما اختَصَم مهاجريٌّ وأنصاريّ قال المهاجري: يا لَلمهاجرين، وقال الأنصاريّ: يا لَلأنصار، قال النبيُّ : ((أبِدعوى الجاهلية وأنا بين أظهرِكم؟!))، وغضب لذلك غضبًا شديدًا" انتهى كلامه رحمه الله.

يا رجالَ الإعلام، يا رِجال الفكر والثقافة، يا مُلاّك القنواتِ الفضائيّة، اتَّقوا الله في أنفسكم، واحذروا من ربكم، احذَروا أن تكونوا بما تسطِّره أقلامُكم أو تعرِضه قنواتكم أن تكونوا وسيلةً لتفريق الأمّة المحمديّة وإِذكاء الفرقةِ والخلافات والصراعاتِ الثقافيّة والسياسيّة والعسكريّة وشيوع الأحقاد والبغضاء، الزَموا الصدقَ في نشر المعلومات السليمةِ والحقائق الثابتة، وكونوا محاطين بتقوَى الله ومخافتِه، فلَتُسألُنّ يومئذٍ عمّا تقولون وما تَفعلون، ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيَّته)).

أيّها المسلمون، من أقبح صُوَر التفرّق في الأمة الاستهانةُ بأعراض المسلمين، ونبيُّنا يقول: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم.

ومِن ذلك الاستهانةُ في التسارُع في الطامّة الدَّهياء، وهي التساهل في التكفير، تلك المسألةُ التي زلَّت بها أَقلامٌ وضلَّت بها أَفهام وزلَّت بسبَبِها خلائق وأمَمٌ، قال النبيّ : ((مَن قال لأخيه: يا كافر فقد باءَ بها أحدُهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه)) متفق عليه.

قال الغزّالي رحمه الله: "والذي ينبغي الاحترازُ من التكفير ما وُجِد إليه سبيلاً، فإنَّ استباحةَ الدماء والأموال من المصلِّين إلى القبلة المصرِّحين بقول: لا إله إلا الله محمّد رسول الله خطَأٌ، والخطأ في ترك ألفِ كافر في الحياةِ أهوَنُ من الخطأ في سفك محجمةٍ من دم مسلم" انتهى.

ويقول الشوكانيّ رحمه الله: "اعلَم أنَّ الحكم على الرجل المسلِم بخروجِه من دين الإسلام ودخولِه في الكفر لا ينبغي لمسلمٍ يؤمن بالله واليومِ الآخر أن يقدمَ عليه إلا ببرهانٍ أوضح مِن شمسِ النهار"، ثم ساق جملةً من الأحاديث وقال: "وفي هذه الأحاديثِ وما ورَد مَورِدَها أعظمُ زاجرٍ وأكبرُ واعِظٍ عَن التسرُّع في التكفير".

ويقول الشيخُ عبد الله بن محمد بنِ عبد الوهّاب رحمه الله: "وبالجملةِ فيجِب على من نصَح نفسَه أن لا يتكلّم في هذه المسألة ـ أي: التكفير ـ إلا بعلم وبرهانٍ من الله، وليحذر من أخرجَ رجلاً من الإسلام بمجرَّدِ فهمه واستحسانِ عقلِه؛ فإن إخراجَ رجل من الإسلام أو إدخالَه من أعظمِ أمور الدّين، وقد استزلَّ الشيطان أكثرَ الناس في هذه المسألة" انتهى.

وإنَّ مما يُؤسَف له ويحزَن له كلُّ مسلِم غَيورٍ على هذا الدينِ أن يرفعَ المسلم السلاحَ على أخيهِ المسلم في مواطنَ شتى من بلدانِ المسلمين، وقد نادانَا إلهُنا محذِّرًا ومرهِّبًا بقوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]، ورسولُنا يقولُ محذِّرًا أمّتَه من التهاونِ بقتلِ مسلمٍ: ((من مرَّ في شيء من مساجدِنا أو أسواقِنا ومعه نَبلٌ فليُمسِك ـ أو: ليقبِض ـ على نِصالها بكفِّه؛ أن يصيبَ أحدًا من المسلمين منها بِشيءٍ)) متفق عليه.

يا إخوانَنا المسلمين في كلِّ مكان، إيّاكم من أن يستزلَّكم الشيطانُ وتَدعوَكم المصالح الآنيّةُ إلى الوقوعِ في فتنةٍ تُغضِب الرحمنَ وتفرِح الشيطانَ، فقد حذَّر الرسولُ أمّتَه من ذَلك فقال: ((لَزوالُ الدّنيا أهونُ على الله من قتلِ مؤمنٍ بغير حقّ)) رواه النسائي، وفي صحيح البخاريّ عن النبيّ أنه قال: ((لا يزال المؤمِنُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا))، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: (إنَّ من ورطات الأمورِ التي لا مَخرجَ منها لمَن أَوقَع نفسَه [فيها] سَفكَ [الدّم] الحرام بغير حله) أخرجه البخاري.

وإن الأمّةَ اليوم في حاجةٍ إلى العَمل بتلك الوثيقةِ العظيمةِ التي تركها لهم نبيُّهم في حجّة الوداع حينما قال: ((يا أيّها النّاس، إنَّ دماءَكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حَرام كحرمةِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بَلَدِكم هذا)).

يا إخوانَنَا في العراق الحبيبةِ وفي فِلسطِين الغالِية وفي الصّومال المسلِمة، يا أهلَ الإيمان في كلِّ مكان، من منبرِ رسول الله نناديكم، ومن مسجد سيِّدنا وقدوَتِنا نناشدكم أن تعمَلوا بهذه الأصول الإيمانيّة، وأن تلتزِموا بهذه المبادئ القرآنيّة والوصايا النبويّة، اجتمعوا على كلمةِ القرآن ومنهَج سيّد ولد عدنان، اتَّحدوا واجمعوا صفَّكم فيما يخدِم دينكم ودنياكم، فوِّتوا الفرصةَ على الأعداء المتربِّصين لتفريقِ صفِّكم وتمزيقِ شملكم، اعتَصِموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، قدِّموا مرضاةَ الله على أهواء النفوس ورَغَباتها، قدِّموا منطقَ العقل والحكمة، واعمَلوا بالرّوِيّة والتحلِّي بالصّبر والرِّفق ومقاصِد الشريعة؛ فدرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، والمصالح العامّة مقدَّمَة على المصالح الخاصّة، ولا ضرَرَ ولا ضِرار في الإسلام، عظِّموا الدماء، واحترِموا الأموالَ والمقدَّرات، وصونوا الأعراضَ والحُرُمات.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبَغِي لجلالِ وجهه وعظيم سُلطانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له في ربوبيّته وألوهيّته وأسمائه وصِفاته، وأشهَد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبده ورسوله، اللّهمّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

أمّا بعد: فيا أيَّها المسلمون، أوصيكم ونفسِي بتقوى الله جلّ وعلا، فهي وصيّةُ الله اللازمة للأوَّلين والآخرين.

أيّها المسلمون، إنَّ على المؤمنِين أتباعِ محمدٍ وهم يعانون تحزُّب الأعداء وتكالُبَ الحاقدين عَليهم أن يكرِّسوا جهودهم للدّعوة إلى الإسلام وتعظيمِه في القلوب والعَمَل به في الواقع، كما أنَّ أوجبَ واجب وأعظَمَ فرضٍ التوبةُ إلى الله جل وعلا والتمسّك بدينه والتواصِي بالحق وتحكيم الشريعةِ في كلّ شأن والاستقامة على ذلك؛ فبذلك وحدَه يحصل النصر وتتحقَّق العزة ويندحِرُ العدوّ ويحصُلُ التمكين، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ الآية [النور: 55]، والله جل وعلا يقول أيضًا: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات: 171-173]. وإنَّ على المسلمين حُكّامًا ومحكومين وهم يُعانون أخطارًا محدقة أن يأخذوا الحذرَ من الأعداء، وأن يعدّوا العدّة لهم ما استطاعوا من القوّة مع التوكُّل الصادق على الله وصِدقِ الاعتماد عليه والأخذِ بالأسباب المادّيّة وَفقَ ما تقتضيه ظروف العصر، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: 71]، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60].

ثمّ إنَّ الله جلَّ وعلا أمرَنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.

اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك وأنعِم على سيّدنا ونبيّنا وحبيبنا محمد، وارض اللّهمّ عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن سائر الصحابة أجمعين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً