.

اليوم م الموافق ‏15/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

بمناسبة نهاية عام 1425هـ

4232

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

اغتنام الأوقات, التربية والتزكية

عبد العزيز بن محمد القنام

وادي الدواسر

25/12/1425

جامع النويعمة القديم

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تساؤلات مع نهاية العام. 2- وقفة محاسبة مع الوقت. 3- وقفة محاسبة مع الصدقة والإنفاق. 4- وقفة محاسبة مع الصلاة. 5- حالك مع القرآن. 6- وقفة محاسبة مع صلة الرحم. 7- وقفة محاسبة مع التفكر والتدبر.

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ على كل حال وفي كل مكان، أمركم بذلكم ربكم بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

عباد الله، ونحن على أبواب نهاية عام هجري، فدعني ـ يا عبد الله ـ أسائلك أسئلة:

يا عبد الله، هل تعلم أنك أمضيت في العام الماضي أكثر من ثلاثمائة وستين يومًا؟ أي: أكثر من ثمانية آلاف ساعة وما يزيد على خمسمائة ألف دقيقة. فيا عبد الله، كم ـ بربك ـ من هذا الوقت قضيته في لهو مباح، ناهيك عن غير المباح؟! وكم قضيته في تراخ وكسل ونوم واسترخاء ودنيا محضة؟! ثم كم تبقى منها لله ورسوله ؟!

يا عبد الله، هل تعلم أن قلبك قد نبض في العام المنصرم نحو أربعين مليون نبضة بانتظام لا مثيل له ودقة متناهية؟ فمن ذا الذي صانه؟! ومن ذا الذي حفظه حتى أدى تلك المهمة؟! إنه الله، فهل تضمن أن تؤدى المهمة في العام القادم بنفس الكفاءة والأداء أم أنه قد يتوقف وتتوقف الحياة؟! فهل أعددت للحظة التوقف تلك آخر لحظة في حياتك والتي قد تكون في أي لحظة؟!

يا عبد الله، هل تعلم أنك قد شهقت في العام المنتهي نحو أحد عشر مليون شهقة، وزفرت مثلها, في كل واحدة منها أخذت من الهواء أوكسيجينه النافع الذي أودعه الله فيه، وأخرجت إليه كل ضار، ولم يتوقف التنفس لحظة واحدة، ولم تضطرب عملياته المنظمة الموقوتة، ولو حدث هذا ـ لا قدر الله ـ لتوقف المخ والسمع والبصر والكلام والعلم، ثم قد يتوقف القلب وتنتهي الحياة. فيا عبد الله، من ذا الذي منَّ عليك براحة التنفس بينما هناك الكثير يعاني من ضيق النفس؟! إنه الله المنعم المتفضل، فهل شكرت ـ يا عبد الله ـ تلك النعمة العظيمة؟! هل كانت تلك الأنفاس تتردد في صدرك وأنت على طاعة الله أم أنها كانت تتردد في صدرك وأنت عياذًا بالله على معصية الله؟ هل كان يدخل مع تلك الأنفاس عبير ذكر الله أم كان يدخل معها نتن الدخان وعفنه؟!

يا عبد الله، لقد أكلت في ذلك العام نحو نصف طن من الطعام، وربما يزيد، ولم يتوقف الجهاز الهضمي كذلك، ولم يعترض على هذه المعاملة القاسية، فهلاّ حمدت الله، وسجدت له شكرًا على هذه النعم وهذه الأجهزة المسخرة لخدمتك بلا صيانة ولا توقف ولا كلل.

يا عبد الله، لقد حصلت في العام الماضي على آلاف الريالات كلّ حسب دخله، فبالله عليك كم ريالاً أنفقته في سبيل الهوى؟! وكم للشهوات والملذات؟! وكم إرضاء للزوجة والأولاد؟! وكم لمسايرة متطلبات العصر؟! ثم كم أنفقت لله ورسوله ؟! ليعُد كل منّا إلى بيته، وليمسك ورقةً وقلمًا، وليحسب، ثم لينظر النتيجة. يا عبد الله، لن يبقى لك إلا ما أنفقته لله ورسوله، فهذا حبيبنا ورسولنا يذبح شاة ويتصدقُ بها، ثم يسأل زوجته في تربية بديعة لها: ((ما بقي منها؟)) قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: ((بقي كلها غير كتفها)) رواه الترمذي.

فلله درّ الرعيل الأول الذين فقهوا قوله فيما أخرجه الإمام مسلم عن مطرّف عن أبيه قال: أتيت النبي وهو يقرأ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] قال: ((يقول ابن آدم: مالي مالي))، قال: ((وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت؟!))، فادّخروا عند الله أكثر مما أنفقوا على ذواتهم وشهواتهم، فهذا أبو بكر الصديق ينفق جميع ماله، وهذا الفاروق ينفق نصف ماله، وهذا عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة، وأمثلة كثيرة خيّرة قدمت نماذج لذلك الفهم السديد.

يا عبد الله، لقد أطلّت عليك الشمس هذا العام أكثر من ثلاثمائة وخمسين مرة، وحبيبك يقول فيما أخرجه الإمام مسلم: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقةٌ، فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) رواه مسلم؛ إذًا عليك في هذا العام نحو مليون وثلاثمائة ألف صدقة، فهل أديت ووفّيت، أو سدّدت وقاربت، أو حتى عزمت ونويت؟! إن كنت كذلك فاحمد الله واسأله الثبات والمزيد، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وإن كانت الأخرى فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

يا عبد الله، لقد كان عليك في العام المنصرم ألف وثمانمائة صلاة فريضة، فكم ضيعت منها بعذر وغير عذر؟! وكم صليت منها في المسجد في جماعة بخشوع وتدبر؟! وكم نقرتها كنقر الديكة على عجالة والبال مشغول؟! يا عبد الله، إن الطمأنينة ركن لا تصح الصلاة إلا به، والله ينظر إليك في الصلاة، يسمعك ويجيبك، فإذا انصرفت عنه بقلبك أو بنظرك انصرف الله عنك.

يا عبد الله، هل قرأت القرآن في العام الماضي بتدبر اثنتي عشرة مرة، في كل شهر مرة، أو على الأقل ست مرات في العام؟! إن لم تكن كذلك فنخشى أن تكون من الذين يشكوهم الحبيب إلى مولاه يوم القيامة ويقول: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:40].

يا عبد الله، هل وصلت رحمك؟! فمن وصلهم وصله الله، ومن قطعهم قطعه الله، هل قمت ببرّ والديك؟! هل دعوت لهما؟! هل تصدّقت عليهما ومن أجلهما؟! هل بلغت عن رسول الله ولو آية؟! هل كنت ممن ذكر الله على جميع حاله فتكون ممن قال الله فيهم: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]؟!

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى:47].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، يجزي أهل الوفا بالتمام والوفا، وسلام على عباده الذين اصطفى، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى ولا ندّ له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا النبي المصطفى والحبيب المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفا.

أما بعد: فيا عبد الله، هل تفكرت في ملكوت السماوات والأرض وفي دقتهما؟! هل فكرت في نفسك وأرجعت الأمر كله لله إذ لا عبادة مثل التفكر؟! إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران: 190]، هل فكرت في المسلمين الجياع وأنت تحضر الفاكهة وأنواع الطعام لأبنائك؟! هل تذكرت الأرامل وأنت تبيت إلى جوار أهلك؟! هل تذكرت يتامى المسلمين وأنت تلاعب ولدك؟! هل تذكرت المعوقين وأنت تجري خلف طفلك؟! هل تداعت لك صور المقتولين ظلمًا وعدوانًا هنا وهناك عندما أغمضت عينيك انطلاقًا من تمثيل الحديث النبوي الكريم: ((مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى)) رواه مسلم؟!

وأخيرًا أخي الحبيب، تذكر قوله : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره: فيم أفناه؟ وعن علمه: فيم فعل؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟)) رواه الترمذي، وقال: "حسن صحيح".

يا عبد الله، لقد طويت صفحات بخيرها وشرّها إلى غير رجعة حتى يوم الدين، ربح فيها من ربح، وخسر فيها من خسر، فهلاّ عاهدت الله على أن يكون حالك في العام المقبل أجدى وأنفع حتى تأتي في مثل هذا اليوم لتجد صحائفك أبهى وأجمل، حين الحصاد نهاية العام.

أخي الحبيب، إني أحذر نفسي وإياك من السين وسوف، فهما سبب ما نحن فيه من تأخر وضياع، فلنشمر عن سواعد الجد، ونعقد العزم، ولنبدأ من الآن، نسأل الله العظيم أن يجعل عامنا الجديد خيرًا من ماضيه، وأن يجعله عزًّا للإسلام والمسلمين، آمين.

وصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً