.

اليوم م الموافق ‏27/‏ذو القعدة/‏1446هـ

 
 

 

آثار الذنوب على المجتمع

592

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

آثار الذنوب والمعاصي, الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, الكبائر والمعاصي

عاصم بن لقمان يونس الحكيم

جدة

4/10/1424

جامع جعفر الطيار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أقسام الذنوب. 2- آثار الذنوب الدنيوية الخاصة. 3- آثار الذنوب الدنيوية العامة. 4- آثار المجاهرة بالمعاصي.

الخطبة الأولى

أما بعد: إن للذنوب آثارًا عظيمة ومخاطر كبيرة في الدنيا والآخرة، والذنوب تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر، ولقد سمى نبينا الكبائر بالموبقات والمهلكات، وهن كل ذنب توعد الله مرتكبه بعذاب أو لعن أو حد في الدنيا، ولقد ذكر لنا نبينا أصناف العذاب المختلفة التي يلقاها مرتكبو الكبائر، كشاربي الخمر ومن يزني ويسرق ويتكبر على الخلق ويعرض عن كتاب الله ودينه.

أما الصغائر فقد حذر منها نبينا إذ يقول: ((إياكم ومُحَقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود وذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقّرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه)).

ومن رحمة الله تعالى بنا أنه من اجتنب الكبائر غفر له الصغائر، يقول الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]. ولكن من يستطيع أن يقول: إنه من أهل هذه الآية؟! فالكذب كبيرة، وكذلك الغيبة، والإصرار على الصغائر والمداومة على فعلها كبيرة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أما آثار الذنوب الدنيوية فهي آثار عامة وخاصة، فأما الآثار الخاصة فهي كثيرة جدا، فمنها محق البركة في العمر والرزق، ومن آثار المعصية أنها تجلب غيرها من المعاصي فتتوالد وتتكاثر، وكم من متهاون بصغيرة من الصغائر لم تزل به حتى أوقعته في الكبائر. ومنها هوان العاصي على ربه وعلى الناس، كما يقول تعالى: وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18]، فليس العاصي بكريم على ربه وإلا لعصمه الله من الوقوع في المعصية. ومنها ذهاب الغيرة والحياء، وأنها تورث صاحبها الذل والغم والهم، وتوقع الرعب والخوف والقلق والضيق في القلوب، فلا يهنأ العاصي أبدا، إنما هي سعادة مؤقتة لحظة المعصية، كتأثير المسكن مع الألم، وسببها الغفلة التي يلقيها إبليس في قلبه، فإذا ما انقضت وانتهت تلك المعصية رجع ما كان يجده من ضيق وقلق، ولا يذهب ما به من ضيق وقلق إلا بجرعة تلو الأخرى من تلك المعاصي إلى أن يلقى ربه على تلك الحال والعياذ بالله، أو يوفقه الله تعالى إلى التوبة، ومثاله الذين ابتلوا بمشاهدة الأفلام أو سماع الأغاني، فإن أحدهم لا طاقة له بمفارقة تلك الأجهزة التي تكون حائلا بينه وبين التفكر والتدبر. وكفى بالذنوب إثما أنها تُنسي صاحبها الله تعالى فلا يذكره، وإن ذُكر عنده رغب عن ذكره إلى الاشتغال بمعاصيه، فهذا شيء من الآثار الخاصة.

أما الآثار العامة وهي التي يظهر آثارها على المجتمع فمثالها انعدام الأمن وكثرة الجرائم وانتشار الفواحش والفقر والجهل والأوبئة والأمراض وذل الشعوب وتسلط الكفار عليهم وظهور ما يسمونه بالكوارث الطبيعية؛ كالزلازل والفيضانات والأعاصير وغير ذلك من الآثار المدمرة التي هي من كسب الناس أنفسهم، يقول الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].

ولقد شبه نبينا هذا المجتمع الذي نعيش فيه بسفينة تقاسمها أصحابها، فأقام بعضهم أسفلها والبعض الآخر أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَن فوقَهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، يقول النبي : ((فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)). وما تلك السفينة إلا مجتمعنا نحن عباد الله، لذلك لو أراد شخص أن يرتكب جريمة أو يجاهر بمعصية وجب علينا منعه ووقفه عن فعل منكره، وليس لأحد أن يجاهر بمعصيته صغرت أم كبرت ثم يحتج بالحرية الشخصية؛ لأن شؤم المعصية العلنية يعم المجتمع كله كالخرق في أسفل السفينة، ونحن ـ عباد الله ـ لمَّا سكتنا ورضينا بالمنكرات تُرتكب جهارا نهارا وصل مجتمعنا إلى ما هو عليه الآن من تفكك أسري وارتفاع في نسبة الطلاق والعنوسة وحدوثِ جرائم القتل والسرقة بسبب ضعف الدين في القلوب وبسبب الظلم الذي يظهر في تعاملات الأفراد والجماعات والمؤسسات وظهور الزنا واللواط والخمور والمخدرات، سواء في الداخل أو في الخارج. نسأل الله أن يعافينا وإياكم منها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: كثيرًا ما نقرأ لبعض كتاب المجلات والصحف تبريرًا لظهور المنكرات، وأن ذلك أمر طبيعي، محتجين بأنه قد كان في عصر النبي من الصحابة مَن زنى وسرق وقتل، ونحن لسنا بأفضل منهم، وهذه كلمة حق أُريد بها باطل، لقد كان في الصحابة مَن زنى كماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه، وهنالك من سرق كالمخزومية رضي الله عنها، إلا أنها حالات تُعد على أصابع اليد الواحدة، وفي مدة تقارب العشر سنوات، ثم إن تلك الذنوب لم تكن طبيعية ولا علنية، بل كانت مخفية وشاذة بين المسلمين، ولم يكن المجتمع الإسلامي يعظم العصاة ويُجِلُّهُم كما هو الحال الآن مع الفنانين والمرتشين والمرابين وآكلي الحرام؛ لأن الأصل في المجتمع الإسلامي أن لا تظهر فيه الذنوب ولا يُجاهر بها، فإن حصلت المجاهرة ولم يقم المسلمون بواجبهم من الإنكار فهذا نذيرٌ بنهاية المجتمع، فإن سنة الله أن تنزل العقوبة على ذلك المجتمع، ولا عبرة بوجود الصالحين والعلماء إذا لم ينهوا عن المنكر، يقول تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].

فواجبنا نحن ـ عباد الله ـ أن نقاوم انتشار المنكر بكل ما أوتينا من قوة، وبحسب ما يسمح لنا به ديننا من غير عنف ولا إضرار، وبالموازنة بين المفاسد والمصالح، وأول ما يجب عليك البدء به أهلك، فابدأ بنفسك وبمن تعول، ولو أصلح كل منا نفسه وأهله وجيرانه وأصدقاءه لصلحت الدنيا كلها.

فاتقوا الله عباد الله، وانهوا عن المنكر، ولكم في من حولكم عبرة وعظة، ممن سلط الله عليهم الحروب والزلازل والفواحش والعياذ بالله.

اللهم احفظنا بحفظك، واسترنا بجميل سترك يا أرحم الراحمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً