أما بعد: إن للذنوب آثارًا عظيمة ومخاطر كبيرة في الدنيا والآخرة، والذنوب تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر، ولقد سمى نبينا الكبائر بالموبقات والمهلكات، وهن كل ذنب توعد الله مرتكبه بعذاب أو لعن أو حد في الدنيا، ولقد ذكر لنا نبينا أصناف العذاب المختلفة التي يلقاها مرتكبو الكبائر، كشاربي الخمر ومن يزني ويسرق ويتكبر على الخلق ويعرض عن كتاب الله ودينه.
أما الصغائر فقد حذر منها نبينا إذ يقول: ((إياكم ومُحَقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود وذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقّرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه)).
ومن رحمة الله تعالى بنا أنه من اجتنب الكبائر غفر له الصغائر، يقول الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]. ولكن من يستطيع أن يقول: إنه من أهل هذه الآية؟! فالكذب كبيرة، وكذلك الغيبة، والإصرار على الصغائر والمداومة على فعلها كبيرة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أما آثار الذنوب الدنيوية فهي آثار عامة وخاصة، فأما الآثار الخاصة فهي كثيرة جدا، فمنها محق البركة في العمر والرزق، ومن آثار المعصية أنها تجلب غيرها من المعاصي فتتوالد وتتكاثر، وكم من متهاون بصغيرة من الصغائر لم تزل به حتى أوقعته في الكبائر. ومنها هوان العاصي على ربه وعلى الناس، كما يقول تعالى: وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18]، فليس العاصي بكريم على ربه وإلا لعصمه الله من الوقوع في المعصية. ومنها ذهاب الغيرة والحياء، وأنها تورث صاحبها الذل والغم والهم، وتوقع الرعب والخوف والقلق والضيق في القلوب، فلا يهنأ العاصي أبدا، إنما هي سعادة مؤقتة لحظة المعصية، كتأثير المسكن مع الألم، وسببها الغفلة التي يلقيها إبليس في قلبه، فإذا ما انقضت وانتهت تلك المعصية رجع ما كان يجده من ضيق وقلق، ولا يذهب ما به من ضيق وقلق إلا بجرعة تلو الأخرى من تلك المعاصي إلى أن يلقى ربه على تلك الحال والعياذ بالله، أو يوفقه الله تعالى إلى التوبة، ومثاله الذين ابتلوا بمشاهدة الأفلام أو سماع الأغاني، فإن أحدهم لا طاقة له بمفارقة تلك الأجهزة التي تكون حائلا بينه وبين التفكر والتدبر. وكفى بالذنوب إثما أنها تُنسي صاحبها الله تعالى فلا يذكره، وإن ذُكر عنده رغب عن ذكره إلى الاشتغال بمعاصيه، فهذا شيء من الآثار الخاصة.
أما الآثار العامة وهي التي يظهر آثارها على المجتمع فمثالها انعدام الأمن وكثرة الجرائم وانتشار الفواحش والفقر والجهل والأوبئة والأمراض وذل الشعوب وتسلط الكفار عليهم وظهور ما يسمونه بالكوارث الطبيعية؛ كالزلازل والفيضانات والأعاصير وغير ذلك من الآثار المدمرة التي هي من كسب الناس أنفسهم، يقول الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
ولقد شبه نبينا هذا المجتمع الذي نعيش فيه بسفينة تقاسمها أصحابها، فأقام بعضهم أسفلها والبعض الآخر أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَن فوقَهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، يقول النبي : ((فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)). وما تلك السفينة إلا مجتمعنا نحن عباد الله، لذلك لو أراد شخص أن يرتكب جريمة أو يجاهر بمعصية وجب علينا منعه ووقفه عن فعل منكره، وليس لأحد أن يجاهر بمعصيته صغرت أم كبرت ثم يحتج بالحرية الشخصية؛ لأن شؤم المعصية العلنية يعم المجتمع كله كالخرق في أسفل السفينة، ونحن ـ عباد الله ـ لمَّا سكتنا ورضينا بالمنكرات تُرتكب جهارا نهارا وصل مجتمعنا إلى ما هو عليه الآن من تفكك أسري وارتفاع في نسبة الطلاق والعنوسة وحدوثِ جرائم القتل والسرقة بسبب ضعف الدين في القلوب وبسبب الظلم الذي يظهر في تعاملات الأفراد والجماعات والمؤسسات وظهور الزنا واللواط والخمور والمخدرات، سواء في الداخل أو في الخارج. نسأل الله أن يعافينا وإياكم منها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه.
|