.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

العداوة والهجران بين الأفراد والجماعة سلوك ممقوت

5060

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب

الآداب والحقوق العامة, قضايا المجتمع

محمد بن علي المسعودي

تاوريرت

5/10/1427

مسجد خالد بن الوليد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- دعوة الإسلام لتمتين عرى المحبة والأخوة. 2- إبداء العداوة وإغراؤها انحراف نفسي وخلقي إلا في ما أذن فيه الشرع. 3- الصلح بين الناس خلق الأنبياء والصالحين.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، لقد دعا الإسلام إلى تمتين العرى وتقوية الصلات بين أفراد المجتمع، وشرع لذلك شرائع تهدف لتحقيق هذا الخلق العظيم الذي به تستقيم الحياة الاجتماعية للأفراد والجماعات. ومما شرعه الإسلام في هذا المجال:

1- وجوب المحبة بين المرء وأفراد مجتمعه، سواء أكانوا من الأقارب بالنسب أو المصاهرة أو الرضاع أم كانوا أجانب، والنصوص في هذا المجال كثيرة، عن أنس أن رسول الله قال: ((والذي نفس محمد بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير)) رواه النسائي، وعن أنس عن النبي قال: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)) رواه البخاري.

2- مبدأ الأخوة: ومما شرعه أيضا مبدأ الأخوة وهي مبدأ عظيم، ورابط ديني أساسي في تقوية العلاقات البشرية الاجتماعية، وتحقيق المصالح العاجلة والآجلة، قال تعالى: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10]. عن عبد الرحمن بن شماسة أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول: إن رسول الله قال: ((المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر)) رواه مسلم.

أيها الإخوة المؤمنون، العداوة والهجران بين أفراد المجتمع المسلم خلق قبيح وتصرف مشين، حذر الإسلام من الوقوع فيه، والعداوة سلوك ينم عن أمراض قلبية خطيرة كالبغض والكراهية والحقد والحسد، عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي قال: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام))، وذكر سفيان أنه سمعه منه ثلاث مرات. رواه البخاري. فالعداوة كراهية تصدر عن صاحبها: معاملةٌ بجفاء أو قطيعة أو إضرار؛ لأنّ العداوة مشتقّة من العدو وهو التجاوز والتباعد، فإنّ مشتقّات مادة (ع د و) كلّها تحوم حول التفرّق وعدم الوئام.

أيها الإخوة المؤمنون، العداوة بين أفراد المجتمع لا تأتي إلا بالشر، فهي تنشأ عن البغض والكراهية الشديدة، وتؤدي إلى الفرقة وتعطيل المصالح وتفويتها، وإلى قطيعة الرحم التي أمرنا الشرع بوصلها، وإلى الظلم وهضم الحقوق والتفريط في الواجبات، وإلى محق الحسنات وإحباط أعمال الخير، عن أبي الدرداء عن النبي قال: ((ألا أنبئكم بدرجة أفضل من الصلاة والصيام والصدقة؟)) قالوا: بلى، قال: ((صلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة)) رواه البخاري في الأدب المفرد. فالمقصود بفساد ذات البين العداوة والبغضاء، والمقصود بالحالقة إزالة الحسنات وإحباطها.

والعداوة والهجران سببان في عدم رفع الأعمال وقبولها، ففي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)) رواه مالك.

اللهم طهر قلوبنا من البغض والكراهية، وأصلح ذات بيننا، والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون، إن كثيرا من الأمراض التي ظهرت في مجتمعنا التي أضرت بعلاقاتنا سببها العداوة والهجران، لذلك اعتبر الإسلام صلاح ذات البين من أهم العبادات، بل أفضل من الكثير منها كما ورد في الحديث السابق عن النبي قال: ((ألا أنبئكم بدرجة أفضل من الصلاة والصيام والصدقة؟)) قالوا: بلى، قال: ((صلاح ذات البين)) الحديث، فالمسلم الحق من يصلح علاقاته مع الناس، ويعتذر عما صدر منه من أذى أو خشونة في المعاملة أو فظاظة في القول أو غلظة في القلب. وصلاح ذات البين يتطلّب جهدا كبيرا وصبرا جميلا وغضا للطرف عما صدر عن الخصم من سوء المعاملة، وربما في بعض الأحيان يستوجب التنازل عن بعض الحقوق، قال تعالى: وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يلقاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34، 35].

والصلح بين الناس قيمة خلقية عالية، باشرها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأهل الخير من هذه الأمة والأمم السابقة، قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَاءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:14]، قال الإمام الرازي رحمه الله: "هذه الآية وإن نزلت في مناجاة بعض قوم ذلك السارق مع بعض إلا أنها في المعنى عامة، والمراد: لا خير فيما يتناجى فيه الناس ويخوضون فيه من الحديث إلا ما كان من أعمال الخير. ثم إنه تعالى ذكر من أعمال الخير ثلاثة أنواع: الأمر بالصدقة، والأمر بالمعروف، والإصلاح بين الناس، وإنما ذكر الله هذه الأقسام الثلاثة وذلك لأن عمل الخير إما أن يكون بإيصال المنفعة أو بدفع المضرة، أما إيصال الخير فإما أن يكون من الخيرات الجسمانية وهو إعطاء المال، وإليه الإشارة بقوله: إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ، وإما أن يكون من الخيرات الروحانية وهو عبارة عن تكميل القوة النظرية بالعلوم أو تكميل القوة العملية بالأفعال الحسنة، ومجموعها عبارة عن الأمر بالمعروف، وإليه الإشارة بقوله: أَوْ مَعْرُوفٍ، وأما إزالة الضرر، فإليها الإشارة بقوله: أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، فثبت أن مجامع الخيرات مذكورة في هذه الآية"، وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا)) رواه ابن حبان.

وللصلح مجالات مختلفة، قال القاضي أبو الوليد بن رشد: وهذا عام في الدماء والأموال والأعراض وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين.

ومن صور الصلح:

1- الصلح بين الزوجين اللذين وقع بينهما نشوز أو خصومة، وهذا النوع من الصلح أصبح مُلِحًّا وضروريا لكثرة وقوع الخصومات والمشاكل في الحياة الزوجية، مشاكل قد تؤدي إلى الفراق وحلّ العصمة الزوجية، فينتج عن ذلك أضرار ومخاطر أسرية ومجتمعية، قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوِ اعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يَّصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 127].

2- الصلح في الحقوق المالية، وهذا النوع هو الذي عنون له الفقهاء في كتبهم وخصصوه بالحديث، وعرفه ابن عرفة بأنه انتقال عن حقّ أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه.

3- الصلح في الجنايات.

4- الصلح في النيل من العرض أو الطعن في الشخصية.

وهناك أنواع أخرى من الصلح، كالصلح بين الدول والصلح بين المسلمين وغير المسلمين.

أيها الإخوة المؤمنون، قد تبين لنا جميعا ما ينتج عن العداوة والفرقة والشقاق والخصومات من الضرر الديني والنفسي والاجتماعي والاقتصادي؛ لذلك حرم الإسلام تلك السلوكيات الذميمة كلها، كما تبين لنا أيضا فضل إصلاح ذات البين والصلح بين الناس، وما له من ثمار ونتائج كريمة؛ كرفع الضرر ولمِّ الشمل.

فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا ذات بينكم، والحمد لله رب العالمين.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً