.

اليوم م الموافق ‏20/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الشباب والزواج (2)

5050

الأسرة والمجتمع, فقه

النكاح, قضايا الأسرة

سامي بن عبد العزيز الماجد

الرياض

جامع الرائد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- التريث والتأني في طلب الزوجة. 2- وصايا للأزواج. 3- حكم النظر للمخطوبة.

الخطبة الأولى

أيها الأحبة في الله، من صفات الناجحين في الإدارة والتجارة التخطيطُ للعمل قبل التنفيذ، والدراسة قبل الممارسة، والتأني قبل الإقدام، واستشراف المستقبل بمُعْطَيات الحاضر، حتى إذا أقدموا أقدموا بخطى راسخةٍ ورؤيةٍ واضحة، وينفرد مؤمنهم بتوكّلٍ على الله متينٍ يمده بالثقة والطُمأنينة واليقين.

فإذا كان كل هذا التخطيط والاحتياط والاهتمامِ في مشروعاتٍ قد لا تمتدُّ مُدّةَ بقيةِ العمر، فكيف إذا كان المشروعُ هو مشروعَ العُمُرِ، المشروعَ الذي يُبنى فلا تُراد له نهايةٌ إلا نهاية العمر نفسِه؟! ذاك المشروع الذي يتجاوز غنمه وغرمه المال والمادة إلى ما هو أعظم وأعمق، إلى النفس وما ينشأ عنها ويتولد منها. أليس أحقَها بكل هذا الاجتهاد والاحتياطِ هذا المشروعُ الذي يتغيّر به مسارُ الحياةِ ويختلف به نمطُها، فيُدلف بصاحبه إلى حياةٍ جديدةٍ لم يَعِشْها إلا في عالم الخيال، إلى حياة لها مذاقها الخاصُ وطبيعتُها الخاصة؟!

إنه مشروع الزواج، سنةُ الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]. إنه المشروع الذي ينسلخ به الشاب من حياةٍ ليلبس حياةً جديدة تستغرق حياته الباقية، فيبني فيها الشاب علاقتَه الخاصةَ ولكن على طريقٍ مباحة، والتي هي أعمق وأخص من كل علاقة، علاقةٌ تقتحم الخصوصيات، وترتفع فيها الكلفة، ويزول فيها الحرج؛ وهذا يتقاضاه أن تكون بدايتها صحيحة، لا يخطو فيها خُطوةً إلا وقد فكّر وقدّرَ، واتَّأدَ وتأنّى، وعرف أين تتوجّه به خُطاه.

ولا يتطلب هذا الاهتمام والتأني أن يستغرق الشاب في تحريه لصاحبته سنواتٍ تذهب فيها زهرةُ شبابه دون أن يقع على طِلبته، ولا يستدعي هذا الاهتمام أن يشترط شروطًا تعِزُّ عند الطلب وقد لا توجد إلا في خياله. كما لا ينحصر الاهتمام المطلوب في الاجتهاد في البحث عن طلب أفضل النساء فحسب، فمن الاهتمام المطلوب أن يستعدَّ للزواج بالقراءة في ثقافتِه وآدابِه وأحكامِه الشرعية الخاصة، وأن يتعرف على طبيعة العلاقة فيه، وعلى ما لكل زوج على صاحبه من حق، وأن يكون مدركًا لأهدافه الرفيعة، والتي يضمن إدراكُها والطموحُ إلى تحقيقها أن يتسامى الشاب في معاملةِ زوجه عن كل ما لا يليق من خُلُقٍ وسلوك.

فهذه القضايا هي أولى ما يجب أن يهتم له الشاب، وأحرى أن تتوجّه إليه نصائحُ الوالِدَين أكثرَ من أيِّ قضيةٍ أخرى.

إن لهذه القضايا المهمة أوثقَ العلاقة بصلاح الحياة الزوجية أو فسادها، ولا نحسب الجهل بهذه القضايا إلا عاملاً مهمًا في فشلها، يجب أن يُذكرَ إذا ذُكِرتْ أسبابُ فشلِ الحياةِ الزوجية.

وإذا إقيمتْ دوراتٌ تدريبية في فن التعامل مع الناس فلتُقَمْ من باب أولى دوراتٌ في فن التعامل مع الزوجة ومع الزوج. وإذا دُعي الشباب إلى دورات تأهيلية في بعض العلوم والفنون فما أحراهم أن يُدعوا إلى ما يؤهلهم إلى حياة زوجية كريمة، يعيش في كنفها زوجان متوادّان متراحمان.

وهذه جملة وصايا نوصي بها كل مدلفٍ إلى حياته الأخرى إلى الحياة الزوجية، عسى أن تنفعه فتكونَ له كالنبراس الذي يهتدي به السُّراة.

اعلم ـ أيها الشاب ـ وأنت على أشرافِ هذه الحياة أنك مقبلٌ على عمل لك فيه أجرٌ عظيم لو أحسنت النية، فأحسن النية تُوفّق إلى حُسن العمل والمعاملة، ويُيسَّر لك مبتغاك، وتذلَّل لك صِعابُه.

صحيح، إنه لمن المستبعد أن يكون لأحد في ذلك نية خبيثةٌ، ولكن من الوارد جدًا أن يذهل الشاب عن احتساب النية الصالحة في زواجه، فلا تذهلنّ عنها، فقصد الاستعفافِ بالحلال عن الحرام نيةٌ صالحةٌ، وابتغاءُ الولد من المنبت الحسن نية صالحة، وإحصانُ المرأة وإعفافُها نية صالحة، وكل قصد صالح فهو نية صالحة تؤجر عليها ولو وجدت فيها لذّتَك ومُتعتك، فذلك من واسع فضل الله ورحمته.

أيها الشاب، إن في كل أمة عظماء تفتخر بهم، وتتبنَّى منهجهم ودعوتهم، وتصدرُ عن آرائهم وحِكَمِهم، وتتخذ منها معيارًا تحتكم إليه وميزانًا تزِن به. وفي أمتنا عظماءُ، أعظمُهم وأشرفُهم هو أشرفُ البشر كلهم وأزكاهم وأتقاهم، فأين نحن من وصاياه ؟! وأين نحن من فيض حكمته وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى؟!

هذه وصاياه مبثوثةٌ في كتب الصحاح والسنن، محفوظةٌ معصومةٌ لم تخرج إلا من مشكاة النبوة، فهل استقرّت في أذهانِنا واستودعناها في صدورنا فجعلناها منطلقًا لنا في ابتغائنا لأم أولادنا وسكنِ نفوسنا؟!

فتذكّر ـ أيها الشابُّ ـ وأنت تلتمسُ من بين النساء رفيقةً لدربك أنك تبحث عن أمٍّ لأولادك ورفيقًا لدربك وراعيةٍ لبيتك؛ فلتكن حاضرةً في ذهنك وصيةُ رسول الله : ((تُنكح المرأة لأربع: لجمالها ولمالها ولنسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبتْ يداك)). ورسول الله لم يُلغِ المطلوبات الأخرى حين رغّبك في ذات الدين، وإنما جعلها مطالب لا يجوز أن تتقدمَ هذا المطلب المهم، ولا أن يُتغاضى عنه لأجلها.

إن لك ـ أيها الشاب ـ أن تبتغي الجميلة، ولكن اطلبها بشرطها، وشرطها أن تكون ذات دينٍ وخُلق، فهذا هو المطلب الوحيد الذي لا مجال فيه للإغضاء أو التنازل.

وكثيرًا ما تطيش بالخُطَّابِ الرغباتُ وتستبدُ بهم الشهوات؛ فتجرفُهم في ويلاتها بسبب جمالٍ فاتن أو مالٍ وافر أو جاهٍ بازٍّ لا يكون وراء ذلك حصانة من دين أو خلق، فتكون الحياة الزوجية شرًا ونارًا تنفذ جمراتُه في جوانح الزوجين، ثم ينتقل أثره إلى الذرية، فتتصدع أواصر الزوجية، وتتقطع روابط الأسرة، ويتسع الشقاق والنزاع، ثم يحصل أبغض الحلال؛ لأن الأساس الذي قام عليه الزواج كان طمعًا دُنيويًا لم يُراعَ فيه وازعُ الدين.

إذًا فالاختيار الصحيح سياجُه الدين والخلق الكريم الذي هو أعظم العواصم من قواصم المشاكل الزوجية؛ لأن ركيزةَ الدين هي القاعدة السليمة لحل أيّ خلاف بعد نشوئه، ولاجتنابه قبل وقوعه، ولا أمان لمن لا إيمان له.

أيها الشاب، من حقك أن تعرف حقوقك التي منحك إياها نبيك ، وأن تأخذها كاملةً غيرَ منقوصة، ولا غضاضة عليك أن تطالب بها.

فمن حقك أن ترى مخطوبتك، فالحاجة إلى النظر إليها داعيةٌ، والتوكيلُ في مثل هذا لا يجدي جدواه المرجوة؛ فالأذواق تختلف، والوصفُ لا يبلغ مبلغَ الرؤية، وما يعجب غيرَك قد لا يعجبك، وقد يستحسن ما لا تستحسنه، والجمال أمر نسبي، وللنظر وقعه في النفس، فقد تنقبضُ النفس من شخص بمجرد رؤيته، كما تنشرح لآخر برؤية مجردة، فالأرواح جنود مجندة.

أيها الشاب، إن النظر إلى المخطوبة رخصةٌ مستحبةٌ، وليست مباحةً فحسب؛ فقد حث عليها رسول الله غير مرة، فهذا رجل يخبره أنه قد خطب امرأة من الأنصار، فيقول له: ((هل نظرت إليها؟))، فقال: لا، فقال: ((اذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا))، ويقول لآخر: ((اذهب فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)).

والرخصة أن ينظر إلى ما يظهر منها غالبًا عند محارمها؛ كالوجه والشعر والجِيدِ والساق والذراع، وله أن يكرر النظر، وأن تجلس معه يسيرًا فيحادثها من غير خضوع بالقول ولا مسّ، بشرط حضور وليها، ولا تجوز الخلوة ولا المصافحة ولا المضاحكة؛ لأنها لا تزال أجنبيةًً عنه.

أيها الآباء والأولياء، اقبلوا من نبيكم رخصته، ولا خير لنا في التشديد في أمر وسّع فيه، كما لا خير لنا في التساهل في شيء شدد فيه. ولنعلم أن التشديد في هذه الرخصة أو منعَها قد يحمل الخاطب على سلوكِ طرقٍ غير مشروعة ليرى خطيبته ويتعرف عليها.

والغيرة على الأعراض ممدوحة محمودة ما لم تأبَ رخصة رسول الله وترفضْ ما رضيه لنساء أمته. والذي يفخر بغيرته هذه فيرفض رؤية الخطاب لبناته إنما يتمدح بأمر ذمه الشرع ورخص بخلافه. ولا يجوز للولي أن يتخذ موقفَه هذا من حجب نسائه عن الخطاب دينًا يدين الله به ويحتسبه قربة عنده.

على أن محل هذه الرخصة هو بعد الخِطبةِ التي تتضمن القبول المبدئي؛ حتى لا تصبح نساء المسلمين فرجةً للمتشهِّين والمتلاعبين.

إن ذمنا للتوسع في الرخصة يجب أن يقابله ذمٌ وإنكارٌ لكل تشديد في أمر جاءت الرخصة فيه ووسع فيه الشرع.

ينبغي أن ندركَ أن من الخير لنا ولنسائنا أن ينظر إليهن الخُطّابُ؛ فلأَن ينظر الخاطب إليها ثم يصرف النظر عن نكاحها ويترك خطبتها أهونُ من أن يُحرمَ النظرَ إليها فلا تعجبه إذا دخل بها فيطلِّقها ويردها حسيرةً حزينة.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: فإن ضرورةَ الاستعداد للنكاح تقتضي من الشاب استعدادًا نفسيًا وثقافيًا وأخلاقيًا. أما الاستعداد الجسدي فشيءٌ دون هذه المطالب، فالشاب لا يخوض معركة تتطلب بسطةً في الجسم، ولا يطلب مجرد شهوة.

إن الشاب يبني بالنكاح أسرةً ويقيمُ به بيتًا، وهو في ذلك يعامل إنسانًا له روحه وعقلُه اللذان كُرِّم بهما عن الحيوان؛ فالاستعداد لبناء العلاقة بهذا الإنسان بقوة الجسد وكثرة المال لا يكفي ولا يغني. فيكفيك ـ أيها الشاب ـ من هذين أن تكون معافىً في بدنك، عندك قوتُ يومك، لا تستدعيك الحاجة أن تسأل الناس.

إن الأمر في المال أهون، وحاجةُ الشاب إليه أقل من حاجته إلى نضج العقل وسداد الأخلاق، فقد قال الله: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].

أيها الشاب، إن لكل جديد لذة، ولكل داخلٍ رهبة؛ وحتى تكتمل اللذة وتذهبَ الرهبةُ لا بد من الحكمة وضبط النفس والسيطرة عليها وإعدادِها الإعدادَ المناسبَ لما هي مُقدِمةٌ عليه.

ولتعلمْ أن الحلم هو سيدُ الأخلاق، فمن لم يكن حليمًا بطبعه فليتحلّم بترويض نفسه عليه، وإذا كان العلم بالتعلم فإن الحلم بالتحلم. إن التحلم يعني ضبط النفس أن تُستفَزَّ لأدنى شيء، وهو يفضي إلى الصبر، وحينها يملك المرءُ في ساعة المغاضبة لسانَه ويدَه، فلا يقول سوءًا ولا يبطش بظلم.

ولتعلمْ ـ أيها الشابُ ـ أن سرعة الغضب هو مادة الحمق، وهو وئيدُ الصبر والحكمة، فامْلكْ نفسك عند الغضب تكن شديدًا مسددًا، فليس الشديد بالصُرَعَةِ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.

ولو تأملت ـ أيها الشاب ـ نزاعاتِ الأزواج لوجدت مردَها إلى العناد وسرعة الغضب في غياب من الحكمة والحلم والصبر، فتسلّح بسلاح الصبر والحلم يَسْلمْ لك بيتك بإذن ربك.

واعلمْ أنك واجدٌ في حليلتك مناقصَ وعيوبًا، وليس من تسديد النقص ولا من إصلاح العيب أن تلمِزَها بنقصها وتعيِّرَها بعيبها، وتذكر قبل أن ينطلق في ذلك لسانُك أنك ذو عيوبٍ ومناقصَ، ومن كان بيتُه من زجاج فلا يرمِ غيرَه بالحجر.

فاهدفْ ـ يا رعاك الله ـ إلى أن تكمل نقصَك بما لديها من كمال في جانبه، وأن تكمل نقصها بما لديك من كمال في بابه، فالرجل غالبًا ما يكون نقصُه في الجانبِ العاطفي، وسيجد كمال هذا النقص في عاطفتها الفياضة، والمرأة غالبًا ما تكون ناقصةً في عقلها، وستجد كمال هذا في رجحان عقل الرجل، فلتكن العلاقة بينكما علاقةَ تكاملٍ لا علاقة تضادٍ وتماثلٍ.

ثم اعلم أنك لو فتّشتَ في البيوت لوجدت المشكلات قد دخلت كلَّ بيت، وإنما اختلافها في القلة والكثرة؛ حتى بيوتَ النبي ، ولكن كانت أسبابُها في زوجاته بما ركب فيهن من نقص فطري، وعلاجها في كماله.

إن المشكلات لا تحل إلا بسلاح الحكمة والصبر والحلم، والتعاملِ معها بواقعية تراعي طبيعة المرأة وضعفها، فهذا رسول الله يأتيه غلامٌ بطعام من إحدى نسائه وهو عند عائشة، وكانت صغيرةً لا تحسن الطهي، وربما عجنت عجينها فنامت عنه حتى أكلته الداجن، فلما رأته عائشة غارت وأسرعَ إليها الغضبُ، فقامت ورمت بالإناء فانكسر وتناثر الطعام. فانظر كيف تعامل النبي مع هذا الموقف، كان موقفُه موقفَ الحكمة والأناة والحلم، لقد تعامل مع الموقف بواقعية تستحضر طبيعةَ المرأة وما ركب فيها من غَيرةٍ، فحَلم وما زاد عن أن قال: ((لقد غارت أمكم، إناء بإناء وطعام بطعام)).

هذا نزر يسير من معين سيرة النبي ، إنما هي إشارات وإيماءات من دلالة القليل على الكثير، فإن شئت المزيد فقلب ناظريك في سيرة حبيبك ونبيك محمد .

اللهم أصلح أحوالنا...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً