.

اليوم م الموافق ‏23/‏ذو القعدة/‏1446هـ

 
 

 

ولا تنازعوا

5036

العلم والدعوة والجهاد

العلم الشرعي, المسلمون في العالم

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

القدس

28/9/1427

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الحث على اغتنام ما بقي من رمضان. 2- حث العلماء على عمارة الأقصى ونشر العلم والدعوة إلى الله. 3- من صور الفساد المنتشرة في المجتمع. 4- التحذير من الإعلام الفاسد. 5- الحث على الوحدة والائتلاف. 6- الاستفزازات الإسرائيلية. 7- التحذير من الفرقة والتناحر. 8- أمريكا حليفة إسرائيل.

الخطبة الأولى

أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أيتها الجموع المؤمنة التي شدّت رحالها إلى هذا المسجد الأقصى المبارك الذي تشدّ الرحال إليه، يا من أتيتم لتشهدوا الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، شهر المغفرة والرضوان، يا من تتوجهون إلى الله العلي القدير التواب الرحيم السميع المجيب بأكف الضراعة ودموع التوبة وصدق الدعاء، ليسبل عليكم رحمته، ويتقبل منكم الصلاة والصيام والقيام والصدقة وصالح الأعمال، ويعتقنا من النار، ويفرج كربة أمة الإسلام، يا أبناء هذه الأرض المباركة الطيبة، يا من شرفكم الله بشرف الرباط دون سائر الأمم في هذه البقعة المباركة، أعلمكم أن جمعكم هذا هو الضمان الأوحد لسلامة وطهارة مسجدكم من أن يدنسه المحتلون، اعقدوا العزم على الاستمرار بهذا الزخم وهذا الزحف وهذا الجمع ما خفقت القلوب وجرت الدماء في العروق، فوِّتوا الفرصة على أعدائكم الذين يتربصون بكم للنيل من هذا المسجد المبارك، مسرى رسولنا الأكرم ومعراجه إلى السموات العلى.

عباد الله، نحن اليوم في الثامن والعشرين من أيام شهر رمضان المبارك، ولم يبق منه إلا اليسير، فاغتنموا ما بقي منه، فهي نفحات إلهية طيبة وعطرة. رمضان انفرط عقده، وتناثرت حبات لياليه وأيامه، وهو الآن يجهز نفسه ليصعد إلى الله تعالى، ربح من ربح، وخسر فيه من خسر.

وبعدك ـ أيها الشهر الكريم ـ تحزن المساجد وتطفأ المصابيح وتنقطع صلاة التراويح، والمساجد تشكو إلى الله تعالى ويقل فيها الساجد والعاكف والراكع، تقل فيها دروس العلم ووجود العلماء.

فيا أيها العلماء، اعمروا الأقصى، اعمروه بالعلم وحلقاته، اعمروه بالذكر والعبادة وتعليم القرآن وتفسيره والحديث وتأويله. فأنتم ـ أيها العلماء ـ سرج الدنيا التي تضيء لأهل الجهل، أنتم من يدلّ الناس على الله، فكونوا مع الله ولا تخشوا في الله لومة لائم، كونوا على قدر المسؤولية في هذه الأيام الصعبة التي تمر فيها الأمة، نريد منكم أمثال العز بن عبد السلام الإمام الكبير الذي وقف مواقفه المشهورة أيام الزحف التتري على أرض الإسلام والمسلمين، نريد منكم أمثال الإمام المجاهد ابن تيمية الذي وقف أمام الغزو التتري الذي اكتسح بلاد المسلمين، نريد منكم أمثال أبي الحسن الدراوردي الذي كان لا تسكن شفتهاه من ذكر الله عز وجل، وإن مُزَينا جاء ليقص شاربه ويحلق رأسه فقال: أيها الإمام، يجب أن تسكن شفتيك، فقال: قل للزمان حتى يسكن.

هذا الإمام دخل عليه يوما نظام الملك، وتواضع معه غاية التواضع، فلم يزده على أن قال: أيها الرجل، إن الله سلطك على عبيده، فانطر كيف تجيبه إذا سألك عنهم. فهل في علمائكم اليوم أمثال هؤلاء؟! إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا بهم، إن التشبه بالكرام فلاح.

عباد الله، أين العلماء يحاربون الفساد الذي نعيشه هذه الأيام؟! بعض المدارس في بلادنا يمنعون بنات المسلمين من لبس الحجاب، ويوقعون أولياء الأمور على كتب رسمية يتعهدون فيها أن لا يلبس البنات الحجاب، فيا لله! ويا للعجب! أيحصل هذا في بيت المقدس؟! يريدون من بناتنا أن يسرن في مهاوي الردى وإلى هدم كيان الأسرة الإسلامية.

فيا أيها المسلمون، صونوا أعراضكم، وكفوا عن مظاهر الفساد نساءَكم، وأمروهن بالحشمة في اللباس، فالمرأة يجب أن تكون مستورة، فلا يجوز بأي حال من الأحوال لأي مدرسة أن تمنع بنات المسلمين من اللباس الإسلامي، ولا يجوز لأولياء الأمور الرضا بذلك والتوقيع على أمر محرم.

أيها المسلمون، راقبوا البيوت، راقبوا أجهزة الإعلام في البيوت، أصبحت بيوتنا دورا للسينما بعد أن كانت يذكر فيها اسم الله كثيرا، إنه تدمير للأخلاق، وإنه تدمير للبيوت. اتقوا الله أيها الناس، قد اهتزت البيوت من أعماقها، بيوتنا قد خربت، أولادنا تركوا تعاليم ربنا، احرصوا على أولادكم فالتيار جارف، والغرب يحاربنا في أخلاقنا وديننا.

أيها المسلمون، عندما أنظر إلى الفساد الاجتماعي في أمتنا اليوم أعجب كل العجب، نحن في أيام مباركات طيبات، في أيام شهر رمضان، الأعمال تضاعف، الصيام يضاعف، القيام يضاعف، كل الأعمال الطيبة يضاعفها الله. ولقد جلس النبي ذات يوم مع أصحابه فقال لهم: ((إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها))، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لمن أفشى السلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام)).

حسنوا أخلاقكم أيها المسلمون، حسنوا معاملاتكم مع الله ثم مع الناس، أظهروا أنفسكم بتطبيقكم لمنهج الله في الحياة، كونوا وحدة واحدة، صفا واحدا، لا نريد خلافا، ما لي أرانا في خلاف؟! ما لي أرانا في شقاق؟! هم يتحدثون ونحن نختلف. إن مصائبنا لم تأت إلا منا، وأنا لا أخشى على الإسلام من أعدائه، إنما أخشى على الإسلام من أدعيائه، فتوبوا إلى الله أيها المسلمون.

عباد الله، تذكروا دائما أن الله معكم إذا كنتم معه، وتذكروا أنه نصركم يوم بدر وأنتم قلة، وفتح مكة المكرمة، ونصركم في مواطن كثيرة، في يوم حنين، وفي عمورية وعين جالوت، وفتح عليكم بيت المقدس، وجعلكم قادة العالم يوم تمسكتم بدينكم ورسالتكم، أعزكم الله بنصره وأيدكم بجنده، وأنزل السكينة عليكم، فكنتم خير أمة أخرجت للناس. أقيموا ـ أيها المسلمون ـ دولة الإسلام تعد لكم عزتكم وكرامتكم، وسوف تحكمون الدنيا بعدلكم وسماحة دينكم وعقيدتكم وعلوِّ همتكم وإيمانكم.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، لقد ذكرت الصحف المحلية الأسبوع الماضي أن أحد زعماء المتطرفين قام بزيارة استفزازية لساحات المسجد الأقصى، وعقب زيارته أعلن أنه قد أعد خرائط لبناء كنيس في ساحات الأقصى.

عباد الله، إن هذا الإعلان الخطير الحاقد يبين لكم وللعالم أجمع أنهم يتربصون بكم، وأنهم لن يكفوا عن محاولاتهم للنيل من قدسية الأقصى.

عباد الله، إن الرد على هذا المتطرف وأمثاله لا يكون إلا بالرباط والثبات والتواجد وشد الرحال من أنحاء فلسطين إليه، فعاهدوا الله أن تبقوا الأمناء الأوفياء لهذا المسجد، واصلوا حضوركم وعمروه بهذه الوجوه النيرة النضرة، شدوا الرحال إليه كل يوم حتى تثبتوا أنكم أهله وأصحابه.

يا أبناء شعبنا المسلم، يا من قدّمتم في سبيل وجودكم في هذه الأرض المقدسة ما يربو على نصف مليون شهيد على امتداد أيام الاحتلال، وها أنتم تقدمون قوافل الشهداء يوما بعد يوم، أناشدكم الحفاظ على وحدة العقيدة ووحدة الدم ووحدة الصف ووحدة الكلمة والهدف، فما يجري على الساحة الفلسطينية اليوم من تفاقم للأوضاع وتزايد حالات الاحتقان وتبادل الاتهامات وإغلاق مؤسسات رسمية والامتناع عن صرف رواتب الموظفين وإغلاق المدارس وأماكن التعليم وبشكل متعمد إنما ينذر بمخاطر لا يحمد عقباها.

عباد الله، لا يمكن لهذا الشعب المسلم الأبي أن يتحول إلى معسكرين متحاربين، فتقام الحواجز والمتاريس وتشيع حالة الفوضى وعدم الاستقرار ونكتوي بنار حرب أهلية لا تبقي ولا تذر لا سمح الله. وإذا كانت كل القوى والفعاليات والتجمعات تحرم سفك الدماء فإن المعطيات على أرض الواقع خلاف ذلك للأسف الشديد.

عباد الله، إن الشقاق والنزاع والخصام يضعف الأمم القوية، ويميت الأمم الضعيفة، فالعدو لا يتمكن منا ما دمنا متحدين، ما دمنا مجتمعين، يد واحدة. واعلموا ـ يا عباد الله ـ أن أعداءكم لا ينامون ولا يغفلون، وأن سياسة الغرب في احتلال الشرق تقوم على قاعدة: "فرق تسد".

فهلا اعتصمنا بحل الله وتمسكنا بكتاب الله؟! ألم تسمعوا قوله تعالى: وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

تنبه ـ يا شعبنا العظيم ـ من مخاطر الإعلام المعادي التي تحمل الفلسطينيين مسؤولية تدهور الأوضاع وعدم الاستقرار ومعاناة الناس وإغلاق دور العلم، دون أن تتحدث عن جوهر الصراع، والسبب الرئيسي المباشر هو الاحتلال. فبعد فشل الوساطة القطرية والمصرية وتقريب وجهات النظر بين الحكومة والسلطة أصبحت الأضواء تتسلط على النفق المظلم الذي لا يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، اسمعوا ماذا قال القنصل الأمريكي الأسبوع الماضي، قال بالحرف الواحد: "ليس مهمًّا من يشكل الحكومة الفلسطينية، المهمّ هو الاعتراف بإسرائيل تمهيدا لقبول الحوار والتعامل معها"، إذًا فأمريكا وإسرائيل لا يفرّقان بين هذا الفصيل وذاك إلا بمدى الاعتراف أو عدم الاعتراف بها.

أمريكا تعتبر إسرائيل هي الحليف الإستراتيجي الوحيد والذراع العسكري لها في المنطقة، ولا تعطي اهتماما للتحالف مع بعض الأنظمة العربية، فهذه تحالفات مرحلية، أما مع إسرائيل فتحالفها أبدي، لأن الشعوب الإسلامية والعربية تمقت المواقف والسياسة الأمريكية المناهضة لآمال وتطلعات الشعوب.

لقد تجاهل القنصل الأمريكي كما تجاهل معه الوسطاء العرب التصعيد العسكري المبرمج الذي تشنه إسرائيل ضد الفلسطينيين برا وبحرا واستمرار عمليات القتل والتدمير والحصار وما يقوم به المستوطنون من اعتداءات واستفزازات سيما هذه الأيام مع موسم قطف الزيتون.

يا أبناء فلسطين، المؤامرة خطيرة، المؤامرة تستهدف الأرض وتستهدف الإنسان الفلسطيني بغَضِّ النظر عن انتمائه، فوّتوا الفرصة على الأعداء، اعلموا أننا الخاسرون في أية مصادمات، ليضع كلّ فلسطيني صادق غيور على مصلحة الأمة وحرمة الدم الفلسطيني قول الله تعالى بين عينيه: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28].

فاحذورا من الاقتتال الداخلي، واعلموا أن الله يقول في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3]. فالله سبحانه وتعالى يمقت أن تكون الأفعال مغايرة للأقوال، ويمقت المؤامرات، ويمقت الخيانة.

وتذكوا ـ يا أحباب المصطفى ـ خطبة الرسول عليه السلام عند فتح مكة حيث قال: ((إن أموالكم ودماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)).

عباد الله، علينا أن نبرهن للعالم أجمع أننا شعب واحد فوق الجراح، وشعب على قدر من الوعي والمسؤولية واحترام الذات والإيثار، وشعب متمسك بالعقيدة الإسلامية ولا يفرط بأرض فلسطين والأقصى...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً