عباد الله، لقد ذكرت الصحف المحلية الأسبوع الماضي أن أحد زعماء المتطرفين قام بزيارة استفزازية لساحات المسجد الأقصى، وعقب زيارته أعلن أنه قد أعد خرائط لبناء كنيس في ساحات الأقصى.
عباد الله، إن هذا الإعلان الخطير الحاقد يبين لكم وللعالم أجمع أنهم يتربصون بكم، وأنهم لن يكفوا عن محاولاتهم للنيل من قدسية الأقصى.
عباد الله، إن الرد على هذا المتطرف وأمثاله لا يكون إلا بالرباط والثبات والتواجد وشد الرحال من أنحاء فلسطين إليه، فعاهدوا الله أن تبقوا الأمناء الأوفياء لهذا المسجد، واصلوا حضوركم وعمروه بهذه الوجوه النيرة النضرة، شدوا الرحال إليه كل يوم حتى تثبتوا أنكم أهله وأصحابه.
يا أبناء شعبنا المسلم، يا من قدّمتم في سبيل وجودكم في هذه الأرض المقدسة ما يربو على نصف مليون شهيد على امتداد أيام الاحتلال، وها أنتم تقدمون قوافل الشهداء يوما بعد يوم، أناشدكم الحفاظ على وحدة العقيدة ووحدة الدم ووحدة الصف ووحدة الكلمة والهدف، فما يجري على الساحة الفلسطينية اليوم من تفاقم للأوضاع وتزايد حالات الاحتقان وتبادل الاتهامات وإغلاق مؤسسات رسمية والامتناع عن صرف رواتب الموظفين وإغلاق المدارس وأماكن التعليم وبشكل متعمد إنما ينذر بمخاطر لا يحمد عقباها.
عباد الله، لا يمكن لهذا الشعب المسلم الأبي أن يتحول إلى معسكرين متحاربين، فتقام الحواجز والمتاريس وتشيع حالة الفوضى وعدم الاستقرار ونكتوي بنار حرب أهلية لا تبقي ولا تذر لا سمح الله. وإذا كانت كل القوى والفعاليات والتجمعات تحرم سفك الدماء فإن المعطيات على أرض الواقع خلاف ذلك للأسف الشديد.
عباد الله، إن الشقاق والنزاع والخصام يضعف الأمم القوية، ويميت الأمم الضعيفة، فالعدو لا يتمكن منا ما دمنا متحدين، ما دمنا مجتمعين، يد واحدة. واعلموا ـ يا عباد الله ـ أن أعداءكم لا ينامون ولا يغفلون، وأن سياسة الغرب في احتلال الشرق تقوم على قاعدة: "فرق تسد".
فهلا اعتصمنا بحل الله وتمسكنا بكتاب الله؟! ألم تسمعوا قوله تعالى: وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ .
تنبه ـ يا شعبنا العظيم ـ من مخاطر الإعلام المعادي التي تحمل الفلسطينيين مسؤولية تدهور الأوضاع وعدم الاستقرار ومعاناة الناس وإغلاق دور العلم، دون أن تتحدث عن جوهر الصراع، والسبب الرئيسي المباشر هو الاحتلال. فبعد فشل الوساطة القطرية والمصرية وتقريب وجهات النظر بين الحكومة والسلطة أصبحت الأضواء تتسلط على النفق المظلم الذي لا يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، اسمعوا ماذا قال القنصل الأمريكي الأسبوع الماضي، قال بالحرف الواحد: "ليس مهمًّا من يشكل الحكومة الفلسطينية، المهمّ هو الاعتراف بإسرائيل تمهيدا لقبول الحوار والتعامل معها"، إذًا فأمريكا وإسرائيل لا يفرّقان بين هذا الفصيل وذاك إلا بمدى الاعتراف أو عدم الاعتراف بها.
أمريكا تعتبر إسرائيل هي الحليف الإستراتيجي الوحيد والذراع العسكري لها في المنطقة، ولا تعطي اهتماما للتحالف مع بعض الأنظمة العربية، فهذه تحالفات مرحلية، أما مع إسرائيل فتحالفها أبدي، لأن الشعوب الإسلامية والعربية تمقت المواقف والسياسة الأمريكية المناهضة لآمال وتطلعات الشعوب.
لقد تجاهل القنصل الأمريكي كما تجاهل معه الوسطاء العرب التصعيد العسكري المبرمج الذي تشنه إسرائيل ضد الفلسطينيين برا وبحرا واستمرار عمليات القتل والتدمير والحصار وما يقوم به المستوطنون من اعتداءات واستفزازات سيما هذه الأيام مع موسم قطف الزيتون.
يا أبناء فلسطين، المؤامرة خطيرة، المؤامرة تستهدف الأرض وتستهدف الإنسان الفلسطيني بغَضِّ النظر عن انتمائه، فوّتوا الفرصة على الأعداء، اعلموا أننا الخاسرون في أية مصادمات، ليضع كلّ فلسطيني صادق غيور على مصلحة الأمة وحرمة الدم الفلسطيني قول الله تعالى بين عينيه: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28].
فاحذورا من الاقتتال الداخلي، واعلموا أن الله يقول في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3]. فالله سبحانه وتعالى يمقت أن تكون الأفعال مغايرة للأقوال، ويمقت المؤامرات، ويمقت الخيانة.
وتذكوا ـ يا أحباب المصطفى ـ خطبة الرسول عليه السلام عند فتح مكة حيث قال: ((إن أموالكم ودماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)).
عباد الله، علينا أن نبرهن للعالم أجمع أننا شعب واحد فوق الجراح، وشعب على قدر من الوعي والمسؤولية واحترام الذات والإيثار، وشعب متمسك بالعقيدة الإسلامية ولا يفرط بأرض فلسطين والأقصى...
|