جماعة المسلمين، يقول نبينا محمد : ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)). حقا إنه ليوم عظيم يفرح فيه العبد الطائع بأدائه لشعيرة من شعائر الإسلام وركن من أركانه وهو الصوم، فالحمد لله الذي وفق عباده للصيام والقيام وقراءة القرآن. فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، فمن أعانه الله فهو الموفق، ومن خذله الله وترك إعانته فهو المخذول، ولذلك فنحن نسأل الله الإعانة على العبادة في كل صلاة في قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ؛ لأن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات وترك المحظورات، فاحتاج إلى عون مولاه وخالقه له في دينه ودنياه.
وأنت ـ أيها المسلم ـ محتاج للعون من ربك لأنك مأمور بعبادة ربك على الوجه الذي أمر به، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، ولأجل العبادة خلقك الله، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، ولأجل العبادة أرسل الله الرسل كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فما خلقك الله عبثا في هذه الدنيا، قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].
فإذا علمنا هذا فالواجب على العاقل الذي يبتغي الفوز في الدارين أن يوحد الله ويخلص له في جميع أفعاله الظاهرة والباطنة كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
وتوحيد رب العالمين حق على العبد لربه، لا يسقط عنه بحال من الأحوال، فروى البخاري ومسلم عن معاذ رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي فقال: ((يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده؟)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حقه أن يعبوده ولا يشركوا به شيئا. أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حقهم عليه أن لا يعذبهم)).
فإن لم توحد الله وتخلص له فأنت في خسارة عظمى ومحنة كبرى؛ إذ ستقع في الذنب الذي لا يغفر وهو الشرك بالله كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وبالتالي لا تقبل أعمالك بل تصير أدراج الرياح، وقد توعد الله أنبياءه بأن تحبط أعمالهم إن هم أشركوا بالله ـ وهم أولو عصمة من الوقوع في الشرك ـ فقال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65، 66].
ومن الشرك بالله دعاء غير الله سواء كان صنما أو شجرا أو ملكا أو نبيا أو وليا صالحا، فكل من دعاهم من دون الله فقد وقع في الشرك؛ لأن الله قد أبطل نفعهم للخلق، بل هم لا يملكون لأنفسهم جلب الخير ولا دفع الضر، فكيف بك أيها العبد ترجو منهم ذلك وهم عاجزون عن ذلك؟! قال تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13، 14].
والله قد أرشدنا إلى دعائه مباشرة ودون واسطة فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، ثم توعد الذين يتركون دعاءه ويتوجهون إلى غيره بالعذاب فقال في تتمة الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].
ومن الشرك الحلف بغير الله كالحلف بالوالدين أو الكعبة أو الأمانة وغيرها، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. ومن الشرك تعليق التمائم والحروز والتعاويذ والأحجبة المصنوعة من الجلد أو النحاس أو العظام وغيرها، وتعليقها على البيوت والمركبات والمزارع وعلى جسد المريض أو الطفل لدفع الحسد والعين وجلب الخير. ومن الشرك الذهاب إلى السحرة والكهان والعرافين وتصديقهم.
كل ذلك يدفعنا إلى الخوف من الوقوع في الشرك والحذر منه، كيف لا وقد خافه نبي الله إبراهيم عليه السلام الذي كسر الأصنام وحارب قومه لأجل التوحيد وتبرأ منهم ثم يقول: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، قال إبراهيم التيمي رحمه الله: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟!".
ولا يمكن للعبد أن يعرف كيف يعبد ربه ويوحده ويعرف الشرك ويحذر منه إلا بالعلم الشرعي، أن يتعلم ما أمر الله به فيفعله، ويتعلم ما نهى الله عنه فيجتنبه، وهذا العلم إنما يؤخذ من العلماء الربانيين الذين يعلمون الناس صغار العلم قبل كباره، يعلمون الناس كيف يتطهرون وكيف يصلون وكيف يعبدون الله على الطريقة التي جاء بها نبينا محمد .
ولا يؤخذ العلم عن أصحاب القصص، ولا عمن يخالف قوله فعله فيدعو إلى اتباع السنة وهو من أبعد الناس عنها قولا وعملا، ولا يعلمهم أحكام العبادة ولا توحيد رب العالمين، وإنما يجذب الناس بالقصص والحكايات، وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عوف بن مالك أنه دخل مسجد حمص فإذا الناس على رجل فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا: كعب يقص، قال: يا ويحه! ألا سمع قول رسول الله : ((القصاص ثلاثة: أمير أو مأمور أو محتال)).
ألا فأقبلوا على تعلم أحكام دينكم، تعلموا كيف تصلون الصلاة الصحيحة، فرب رجل يصلي ستين سنة لا يقبل الله له صلاة بسبب الإخلال بأركانها، تعلموا أحكام زكاتكم وصومكم وحجكم وسائر أمور دينكم تفلحوا في الدنيا والآخرة.
|