قال النبي : ((إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظمَ فتنة من الدجال)).
عباد الله، لقد أخبرنا نبينا عن حال المسلمين وقت خروج الدجال، وأنهم يكونون في قوة وعزة ومنعة، وإن من قوتهم أنهم يتصالحون مع النصارى ويقاتلون معا عدوا مشتركا فينتصرون عليه، يقول النبي : ((ستصالحون الروم صلحا آمنا، ثم تغزون أنتم وهم عدوا فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم تنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجل من أهل النصرانية صليبا فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم ويجتمعون للملحمة))، وفي رواية: ((فيثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة)).
عباد الله، إن النصارى ينصبون صليبهم افتخارا بما صنعوا واعتقادا منهم أنهم ما انتصروا إلا بفضل الصليب، وهم ما أعلنوا ذلك إلا لينقضوا حلفهم مع المسلمين، أو ليغيظوا المسلمين على أقل تقدير، والمسلمون في ذلك الزمان أقل عددا من النصارى كما أخبر بذلك نبينا ، إلا أن المسلمين على قلتهم أعزة على الكافرين، فما كان من ذلك العبد الصالح إلا أن قام فكسر الصليب؛ لأن سكوته وسكوت من معه ذل للإسلام والمسلمين وقبول بوضع الصليب في أعناقهم، وهكذا في كل زمان يُعرض المسلمون فيه عن الافتخار بدينهم وإظهار العزة، لأن المسلم إذا تخاذل وخنع وخضع ركب اليهود والنصارى ظهره واتخذوه دابة من دوابهم، ومن لم يكن معهم فهو ضدهم، وصدق الله تعالى إذ يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]؛ لذا كان لزاما على ذلك العبد الصالح أن يدق الصليب ولو كان في ذلك هلاكه.
ولعزة الإسلام في ذلك الزمان قام المسلمون الذين كانوا معه غيرة وحمية للدين وانتصارا لأخيهم الذي استشهد، فقاتلوا حتى أكرمهم الله تعالى بالشهادة، والملاحظ أن أحدا لم يصف هذا المؤمن بالإرهاب والتطرف والتشدد لكسره الصليب، لقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة أن النبي لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه، وجاء في الصحيحين أن النبي قال: ((والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد))، فالصليب وثن كما قال ذلك نبينا لعدي بن حاتم رضي الله عنه إذ قال له: ((اطرح هذا الوثن من عنقك))، فإزالة الأوثان والأصنام والتصاليب كل ذلك من واجبات المسلم بحسب مكانته وقدرته؛ لذا بعد أن قتل الصليبيون ذلك المسلم لكسره صليبهم لم يطالب المسلمون بالسلام والمعاهدات، بل هبوا جميعا لأسلحتهم وقتال الصليبيين الذين غدروا بالمسلمين كما أخبرنا نبينا ، وآنذاك تقوم الملحمة الكبرى بين الصليبيين والمسلمين، حيث يكون في صفوف المسلمين عدد كبير من النصارى الذين أسلموا وحسن إسلامهم، ولقد أخبرنا نبينا أنهم يأتون ويجتمعون تحت ثمانين غاية، مع كل غاية عشرة آلاف مقاتل، جاء في صحيح مسلم أن النبي قال: ((لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج لهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، يقول المسلمون: لا والله، لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللّهِ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشّهَدَاءِ عِنْدَ اللّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثّلُثُ لاَ يُفْتَنُونَ أَبَدا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينيّةَ)).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم...
|