.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

فلسطين

4915

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

ماجد بن بلال شربة

الحوية

18/6/1427

جامع الأبرار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أهمية فلسطين والقدس عند المسلمين.2- خذلان المسلمين لإخوانهم في فلسطين. 3- بذل وتضحية إخواننا في فلسطين. 4- دعم الغرب لإسرائيل. 5- رفض مبادرات السلام. 6- معركتنا مع اليهود معركة عقيدة. 7- ما يفعله اليهود بحكومة حماس لتحرير أسير واحد.

الخطبة الأولى

أما بعد، فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى.

كثير منا يطالع الأخبار كل يوم في الإذاعات والصحف والقنوات، وكثيرة هي التساؤلات ونحن نرى ما تتقلب فيه الأمة من نكبات خلال سنوات، قرن مضى بل أكثر، نذهب ونعود، ونتكلم ونصمت، لكنما هو حديث واحد، وهي قضية القضايا، قضية تجمعت فيها كل المصائب، قضية أرتنا كلَّ عيوبنا، ووضحت خللنا وتناقضنا، قضية مصيرية ارتبطت بها كل القضايا، نشأت قضايا المسلمين بعدها على شاكلتها، رأينا فيها دماءنا التي أهدِرت، رأينا فيها كرامتنا التي مرّغت، رأينا بيوتنا تحرق وتهدم وأشجارنا تجتث، رأينا نساءنا تهان كرامتهن، إنها الأرض المقدسة، قبلة الأمة الأولى وبوابة السماء ومهد الأنبياء وميراث الأجداد، مسؤولية الأحفاد، معراج محمّدي وعهد عمري، إلى مسجدها تشدّ الرحال، ومن قبله تشدّ الأبدان والنفوس والأفئدة، فتحها المسلمون بعد وفاة الرسول بست سنوات، وحكموه قرونًا طويلة، ثم احتله الصليبيون تسعين عامًا، فأخرجهم صلاح الدين رحمه الله، وإن احتله اليهود هذه الأيام فإنهم لن يخرجوا إلا بأمثال عمر وصلاح. إنها فلسطين المشرفة وقدسها المقدسة.

ونمنا عن القدس حتى تحدر      دمع الرجـولة منا دمـاء

وأغضى عن القدس أبطالنا      فزلزل خنزيرُ منها الإبـاء

فلا عمـر يستشير الإخاء      ولا خالد أسد الكبْريـاء

ولا من صلاح يقينا البلاء      ويحمي حمى موطنِ الأنبياء

أيها الأحبة، حديثنا يتجدد عن فلسطين، فلسطين التي يدمي جرحها كل يوم، فماذا فعلنا لها؟! ماذا قدمنا من تضحيات؟! وماذا حققنا من التنازلات؟! وهل أدينا أقل الواجبات أمام صيحات أمهاتنا وأخواتنا المكلومات؟! نداءات استغاثة يقدّمها إخواننا كلَّ يوم في أرض الإسراء والمعراج، قدّموا دماءهم، وبذلوا أرواحهم، وهدمت منازلهم، وحوصروا في ديارهم، فهل قمنا بأبسط أدوار النصرة لهم؟! بل هل بحثنا في أسباب خسائرنا وهواننا ونحن أعز الأمم أشرفها؟! هل ساهم في هزائمنا عوج خلقي أو خلل سياسي أم غش ثقافي أو انحراف عقدي أم جبن وتجاهل يؤخر يوم النصر؟!

تأتينا قضية فلسطين الدامية بعشرات الضحايا هذه الأيام لتكون محطة امتحان وكشفًا لقوة المسلمين وغيرتهم على دينهم وأوطانهم وحرماتهم. لقد أبانت لنا قضية فلسطين مقدار ما استودعت هذه الأمة من خير في شبابها وشيوخها ونسائها حين ترى أولئك الأبطال الذين وقفوا في وجه أعدائهم لا سيما الصهاينة، يقاومونهم بالحجر أمام أسلحتهم ومجنزراتهم، يسارعون إلى ملاقاة ربهم، دماؤهم على ثيابهم وأبدانهم لم ترفع، لتبقى وسامًا فوق صدورهم، يقدمون أنفسهم شهداء في سبيل الله لقتل الصهاينة اليهود في محلاتهم وسياراتهم.

وفلسطين التي أبانت لنا هذه العزة أوضحت مقدار خذلاننا وخورنا وكثير منا يرى ما يقع فلا نحير جوابًا، ولا يحرك بعضنا ساكنا، تقع أمامهم الحوادث وتدلهم الخطوب فلا يألمون لمتألم، ولا يتوجَّعون لمستصرخ، ولا يحنون لبائس، بل أعظم من كل ذلك أنه في ذات الوقت الذي يذبَح فيه المسلمون ترى كثيرًا منا لاهين عن مصابهم بإقامة مهرجانات سياحية تسوِّق للعهر والفجور، أو دورات وبطولات رياضية، أو رقص على جراح الأمة بحفلات غنائية، فإلى الله المشتكى، وبه وحده المرتجى.

أيها الإخوة المؤمنون، لقد أتى على مسلمي فلسطين قرابة قرن من الزمن مرابطين في ثغور الإباء، مدافعين بأموالهم وأنفسهم عن أراضي المسلمين في بلاد الشام، عن البلاد التي كُتِبَ تاريخُها بدماء الصحابة، وسُطِّرَ بعد فضل الله بسيوفهم. تسلَّمها أبو حفص عمر الفاروق رضي الله عنه، ثم تتابعت حكومات الإسلام في أرضها وتعالت رايات الإيمان في ساحاتها، حاول الصليبيون كسرها فجاسوا خلال الديار، لكن المسلمين وقفوا لهم بالمرصاد، وقفوا لهم حين كان العلماء يحدثونهم عن الجهاد ويحثونهم عليه، ويوضحون لهم كيف يَفْتَحُ الجهادُ أبوابَ الجنان، وكيف يوصد أبواب المذلة والهوان، ومقدار ما يضخّ من دماء الكرامة والعزة في الجسد الإسلامي، فيطيرون شوقًا إلى الجنان ولسان حالهم:

يستعذبون الْمـوت قبـل لقائـه       وهم إذا حمي الوطيس تدفقـوا

ضمّوا المصاحف للصدور وأسرعوا       ووجوههم فيها الشهادة تشرق

ثم ترى الأسخياء من الأغنياء وقفوا وراء العلماء ليسخّروا المال في حماية العقيدة، متتبعين بأموالهم بعد عون الله تعالى سبل العزة وطرائق الحكمة، أما الحكام فكانوا بُدُورًا من المناقب وكواكبَ من المكرمات، كان من بدورها عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي، الذين بذلوا جهودهم وغرسوا في الأمة روح الجهاد والمجاهدة، فوقفوا درعًا أمام الصليبيين حتى أخرجوهم.

وتمر الأيام وتتعاقب السنون ليتمالأ الكفر مرة أخرى، وتآمر الصليبيون وحملة التلمود لوضع فلسطين في قبضة اليهود في جريمة من أعظم جرائم العصر، بإخراج شعب من أرضه وإقامة شعب آخر محتل مكانه، ويستمر الصهاينة اليهود في القتل والإيذاء إمعانًا في النكاية في إخواننا هناك؛ أسالوا الدماء، وأزهقوا الأرواح، ودنسوا المقدسات، وبعثوا المؤامرات، اعتداءات وانتهاكات في صور مرعبة تجعل من حق المظلوم أن يستخدم كل سلاح لحماية نفسه. عدو صهيوني في أرضنا المباركة في فلسطين يقاتله أطفال وشباب أحداث ليس لهم حيله إلا العِصِيّ والحجارة والصراخ، ليدفعوا عن أنفسهم ومقدساتهم ومنازلهم وحرماتهم ومدنهم، قدموا لنا أروع الأمثلة بتلك التضحيات. ويعزم أبناء فلسطين على التسابق إلى قتال اليهود والإثخان فيهم حين علموا حقًا أنه لا مقاومة للصهاينة إلا بالقتال، وأن قذيفة من حديد أو حجر تساوي آلاف القذائف من الكلمات.

وبدأت ولله الحمد والمنَّة قوائم القتلى تتصاعد في أوساط اليهود، أخذ الأمن ينحسر، والهجرة اليهودية إلى فلسطين تتراجع، بل هرب كثير ممن أتوا إليها ينشدون السلام في أرض الميعاد، واقتصادياتهم إلى مزيد من الانهيار، وتذوَّق المسلمون حلاوة النصر ورحيق الكرامة بدلاً من ذل الهزيمة وعفن السلام المزعوم، ولكن ما حال إخوانهم من العرب والمسلمين؟ هل وقفوا درعًا لحمايتهم وكانوا سببًا لنصرتهم؟! هل أدّوا واجبهم؟! لقد رأينا غفلة وتغافلاً وصمتًا مريبًا مرة وعجزًا مرات ومرات؛ إلا عن بعض المساعدات التي تُبعث من هنا وهناك، ويكون فيها خير ودعم على قلتها. وكان ذلك الدعم من شعوب بلاد المسلمين على قلته سببًا في إذكاء روح الجهاد والصبر والمجاهدة لإخواننا هناك، فامتدت انتفاضة الأقصى المباركة أشهرًا، كانت على اليهود نارًا وجحيمًا، وبدأ يهود وجيوشهم وحكوماتهم يفرَقون، لكن أطواق النجاة امتدت لهم من دول تدعي ظلمًا وجورًا أنها ترعى السلام وتحارب التطرف والإرهاب، يدَّعون التسامح ويزعمون الديمقراطية، ويدعون الاهتمام بحقوق الإنسان في قرن التحضر والمدنية وقرن المواثيق الدولية، فأين كلامهم هذا عن دماء تراق وحصد للأرواح من أماكن العبادة وقتل للأطفال في مهدهم ومع أمهاتهم بعد مدارسهم وحرب من الأرض والبحر والسماء؟! يتحدثون عن السلام بألسنتهم ويباشرون الحرب في خططهم واستعداداتهم وأفعالهم، أفعال شنيعة وتجاوزات رهيبة، لا تثير لدى تلك المجالس والهيئات أي تحرك منصف، لم يسأل اليهود عن جريمة ارتكبوها، ولم تحجب عنهم مساعدات طلبوها، ولم يتأخر عنهم مدد سألوه، و لم يوجه إليهم لوم ولا عتاب لجرم اقترفوه، بل يتوافد رؤساء تلك الدول الكافرة ونوابهم ومندوبوهم لتأييدهم وبعث العزاء في قتلاهم، أما إخواننا في فلسطين فيقتل منهم خمسون قتيلاً في يوم واحد فقط والأسرى بالآلاف وهدم للبيوت وهم لا بواكي لهم، فأين العدل؟! وأين الإنصاف؟! وأين حقوق الإنسان من شعب يعيش منذ سبعين عامًا في احتلال وفي مخيمات لجوء، تغلق مدارسهم ومتاجرهم، تحاصر مدنهم ومنازلهم، عدو يقتل من يشاء ويعتقل من يشاء، ينشئ المستوطنات ويقيم الحواجز ويغلق المدن ثم يزعم بعد ذلك أنه يريد السلام.

أيها المؤمنون، إن كل هذه التناقضات ليست غريبة على عدوٍ تكالب على الإسلام والمسلمين منذ بزوغ فجر دعوته، فاليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ونسيرَ في ركابهم ونخضع لقراراتهم، كلُّ ذلك لا يُستغرب على من أضله الله وغضب عليه ولعنه وجعل منهم القردة والخنازير، لكن المستغرب ـ إخوتي ـ حين ينبري ممن ينتسبون إلى الإسلام مَن يدعو إلى السلام ويبادر إليه إجهاضًا لانتفاضة الأقصى المباركة وإنقاذًا لوضع الصهاينة الحرج في فلسطين، وبعضهم بعيد كل البعد عن القضية، فأين هم عن علماء ذكرهم لنا التاريخ، سطر لنا أمجادهم، قدموا السنان قبل اللسان والسيف قبل القلم، فكانوا ملجًأ للناس بعد الله عندما تدلهم الأزمات؟! أين دَوْرُ التجار وأصحاب الأموال من دعم قضية فلسطين وقد امتلأت أرصدتهم، والله سائلهم عن أبسط أدوار المناصرة لإخوانهم، وقد قدروا على ذلك ثم قصروا، أين هم من كفالة أسر أولئك الأبطال الذين قدموا أرواحهم فداء لدينهم ووطنهم؟! أين دور كثير من قنواتنا الفضائية في نقل أخبار إخواننا وليعيش المسلمون مصاب أمتهم بدلاً من مسلسلات العهر والفجور والأغاني المائعة بصورها الفاضحة التي تبث ليل نهار ومسابقات القمار الهاتفية المرئية والمسموعة ذات المبالغ الهائلة؟! أين دَوْرِي ودَوْرُكَ من النصرة في بيوتنا ومقرات أعمالنا ومساجدنا وفي قُنُوتِنَا ودعائنا؟! واللهِ إنه لا عذر لأحد منا اليوم يرى تلك المصائب ثم لا يحدد لنفسه دورًا.

أيها المؤمنون، إننا يجب أن نعلم أنّ من أسباب هزيمتِنا أمام اليهود أن الأمة لم تُمَكَّن أصلاً من مواجهة اليهود مواجهة حقيقية، ولم تمكن إظهار حقيقة جبن اليهود وأعوانهم كما وصفهم الله تعالى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14]، وكذلك أنهم أحرص الناس على الحياة وكما قال عنهم: لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ [الحشر:14].

لا بد لأمّتنا أن تعلَم أن هزائمنا مع اليهود كانت هزائم أنظمة لم ترفع راية الإسلام، بل كل راية رفعتها إلا الإسلام، فكانت هزائم لرايات الجاهلية. وإذا عُلم السبب بطل العجب.

إخوتي الكرام، إن ما يسمى مشروع السلام إنما هو فرصة لإنقاذ الصهاينة اليهود بعد أن عجَزت عن المقاومة الباسلة لنشر تجارتهم في دول المنطقة وكذلك أخلاقهم عبر التطبيع، وكما أتى في صحافاتهم أن الكونكرس يحاول الضغط على رئيسهم لمقاطعة بلاد الحرمين لمقاطعتها لإسرائيل، فأي سلام هذا؟! أي سلام يكون بعد أكثر من ألف وثلاثمائة قتيل خلال سبعة عشر شهرًا أكثرهم من الأطفال والنساء بلا ذنب؟! أي سلام بعد أكثر من عشرة آلاف جريح نصفهم قد أصيب بإعاقة دائمة؟! أي سلام بعد هدم بيوت المسلمين فوق أهلها وما كان قبلها من محاصرة شعب العراق بعقوبات غبية أماتت حوالي مليون طفل عراقي ثم تركتهم في مستنقع الفتن الداخلية؟! وكيف تهاجم جمعياتنا وجامعاتنا وتقتحم تلك المكاتب وتهجم عليها وهي تجمد الأرصدة الخيرية ويقتلون أبناءنا في معتقلات زعَموها ثم يأتوننا بدعوى الحوار والحرية؟! أي سلام نتحدث عنه وهم يتوغّلون ليل نهار في مدننا ومخيماتنا ويدنّسون مقدّساتنا؟! أي سلام نبيع فيه أرضنا المباركة وقدسنا المعظّم؟! هذا سلام الخانعين.

وعندنا شجـر الشهادة كلّ يـوم يورق، أيـن السـلام

وما تزال مساجدي في كل يوم تستباح وتحرق، أين السلام

وهذه أرواحنا من دون ذنب كل يوم تزهق، أيـن السلام

وأمتي مغلولةُ ودمي على كل الخناجر يهرق، أيـن السلام

- - - - -

وهـا همُ أطفالنـا قبل الفطا  م تكسّـروا وتـمـزّقـوا

شُدُّوا الوثاق أيا رجالَ عقيدتي  فالنصـر آت والرجاء محقَّق

لا يرهبنكـم الظلام وجيشه    فالسيف أولى بالظلام وأخلقُ

وإذا ضعف الإسلام في النفوس ضعفت معه روابط الحقوق واستنقاذ المغتصبات في أي مكان وعلى أي أرض إلا حين يعتصمون بحبل الله، ويكونون جميعًا ولا يتفرقون، يصطفون عبادًا لله إخوانا، يجمعهم نداء واحد لا نداء غيره: يا مسلم يا عبد الله. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)) متفق عليه.

عباد الله، وإن تفوق اليهود سيظل خنجرًا في خاصرة الغافلين عن دينهم حتى يؤوبوا إلى القرآن شرعةً ومنهاجًا، فإذا عادوا إلى الحق عاد اليهود بإذن الله إلى ذلتهم ومسكنتهم المضروبة عليهم، وينقطع بهم حبل الناس، ويبطل السحر والساحر، ويأتي وعد الحق، فلا ينفع اليهودي شيء، ولا ينصره اتقاء خلف حصى ولا يقيه حجر، ولا يحميه سلاح ولا شجر.

هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لّلْمُتَّقِينَ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:138-142].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.

أيها المؤمنون، إنَّ إخوانكم في فلسطين ينتظرون منكم الدعم والدعاء والمساندة والنصرة. إنّ من يرى منظر الشهداء والأطفال الأبرياء يجب أن يقدّم ما يستطيع لهم.

أيها المسلمون، من منا لا يتفطّر قلبه حزنا ودما على منظر تلك الطفلة الفلسطينية هدى عليّ أبو غالية ذات السبعة أعوام وهي تدور على أسرتها التي ماتت بأكملها بغارة جوية إسرائيلية بينما كانوا يقضون أمتع الأوقات في نزهة عائلية، تطوف عليهم واحدا تلو الآخر وهم قتلى مضرَّجين بدمائهم، تبكي وتنكث التراب على رأسها وتصيح، إلى من تشتكي، إلى الله المشتكى، ثم إلى الله المشتكى.

وقبلها في ذلك محمد الدرة والطفلة إيمان حجو وسارة، والله ثم والله إنها لمسؤولية على عاتق كل واحد منا سمع بكاءها، عليه أن يقدّم ما يستطيع من مال ودعم لقضيّتهم، أين القنوت لطلب نصرتهم في المساجد وقد أمر به علماؤنا حفظهم الله؟! نحن قصرنا فيه، أين تذكير أولادنا بمقاطعة بضائع اليهود والنصارى؟!

إننا ـ إخوتي ـ مطالبون بإبراء ذمتنا بنصرتهم وعدم خذلانهم، ومن نصر مسلمًا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته، ومن خذل مسلمًا خذله الله.

ولنتصور ـ أيها الإخوة ـ أن هؤلاء الأطفال هم أولادنا، وأن تلك العجائز هم أمهاتنا، ثم لنقدم لهم الدعم. ثم لننظر ـ أيها الإخوة الكرام ـ ولنقارن بين ما يسميه اليهود عدوانًا وبين أفعالهم الشنيعة، انظروا ما فعلوا لأجل عِلج كافر واحد لآثم معتدي يدّعون أنه أسير، والمسلمون القتلى والجرحى والمعتقلون بالمئات بل بالآلاف، وإليكم هذه التقارير الموجزة: اعتبرت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان أن الشهر الماضي كان الأكثر دموية بالنسبة لإسرائيل منذ عام ونصف، حيث قتلت 53 فلسطينيا واعتقلت 350، وقال تقرير للمؤسسة أن من بين القتلى 15 قضَوا في عمليات اغتيال، إضافة إلى 11 طفلا دون سن 18، أصغرهم الشهيد هيثم علي أبو غالية عام واحد، و7 من النساء، وأوضح التقرير أن إسرائيل لا تزال تستهدف المواطنين الفلسطينيين بالقتل المتعمّد، وهو ما يتنافى مع المادة الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن الحق في الحياة هو الحق الإنساني الأسمى. ودعا رئيس الوزراء الصهيوني الجيشَ إلى استخدام كل الوسائل المتاحة لضرب الفلسطينيين واستعادة الجندي المختطف. كما أنهم قصفوا مقرّ رئيس الوزراء لحكومة حماس. وقامت قوات الاحتلال تدمّر مبنى وزارة الداخلية الفلسطينية. وقامت محكمة صهيونية باعتقال وزير وأربعة من نواب حماس وتمديد سجنهم. كما قصفت إسرائيل مقرّ الجامعة الإسلامية بغزة. كما قصفت أحد مراكز الإصلاح الطبي. ثم قاموا بإقصاء مفتي القدس بسبب مواقِفِه المعادية لإسرائيل. ثم يخرج الاحتلال بجريمة نكراء فيقتل مقاومًا فلسطينيًا بأريحا بعد اعتقاله حيًا. ثم تكون النتيجة أن مليون وأربعمائة ألف فلسطيني ينتقلون إلى دائرة الفقر وتقطع رواتبهم أشهرا متوالية. كيف بنا ـ أيها الإخوة الأعزاء ـ لو انقطعت رواتبنا شهرا واحدا؟! وهذا ما فعله أولئك لتحرير علج واحد، فماذا فعلنا نحن تجاه آلاف القتلى والمأسورين؟! وإنه من لم يهتم بأمر المسلمين فلس منهم. هل استشعرنا القضية؟!

اللهم ربنا، عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك، اللهم لا يرد أمرك ولا يهزم جندك، سبحانك وبحمدك، اللهم انصر جندك وانصر إخواننا المستضعفين في فلسطين وأفغانستان وفي كشمير والفلبين والعراق وفي كل مكان، اللهم بارك في حجارتهم واجعلها سجيلاً على رؤوس اليهود الغاصبين، اللهم اجعل قتلهم لليهود إبادة، واجعل جهادهم عبادة، واجعل موتهم شهادة، اللهم سدد رميهم، وكن لهم ولا تكن عليهم، واحفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم، اللهم وطهر المقدسات من دنس اليهود الحاقدين والصليبيين المتآمرين ومؤامرات المنافقين المتخاذلين.

عباد الله، صلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً