.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

سلاح الحجارة

4866

العلم والدعوة والجهاد

القتال والجهاد, المسلمون في العالم

حمزة بن فايع الفتحي

محايل

7/8/1421

جامع الملك فهد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- كفاح الحجارة. 2- استمرار الانتفاضة. 3- دروس الانتفاضة. 4- قوة الإيمان. 5- نماذج من أبطال السلف.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

معاشر المسلمين، في خضم النكسة العربية أمست الحجارة أقوى سلاح وأفتك مدفع وأسرع صاروخ. لقد شقَّت آفاق الهزيمة، وشيدت البطولة، ودكت الباطل، وأرعبت اليهود. أصبحت الحجارة المسلحة حجارة كالحجارة تحمل التيار، وتشعل الفخار، وتمسح العار، وتأبى الذلة والشنار. حجارة فلسطين حجارة حُشيت بالبارود، وغصت بالمتفجرات، فصنعت ما لم تصنعه المحافل والقرارات.

كانت الحجارة الفلسطينية حاملةً لهيب الأقدام وبطش الجلاد، فأثمرت ثمارًا هي بطولة في زمن الخيبة والنكسات. كانت بطولةً صنعت النخوة الإسلامية والإباء العربي والحماية الدولية، وأعادت للأمة عزها ومجدها وفخارها.

دُمتِ لنا أيتها الحجارة، وجزاك الله من أخٍ وعشيرة خيرًا.

إن الحجارة هذه الأيام لتصنع مجدًا كان مدروسًا، وتُعيد عزّة باتت عروسًا، وتربي لنا أنَفًا شَموسًا.

دعِ للحجارة أن تَخُـطَّ سطـورًا        ما دام سيـفُ الكبْرياء أسيـرا

ناب الصغارُ عن الكبـار وخيلهم        واسترخصوا باسم الجهاد صدورا

جزت نواصيـها الكرامةُ واستحى       من يومنـا مـاضٍ أضاء دهورا

يستصرخ الشرف الرفيع مكبِّـرا       لا خائفًا بـاسم السلام كسيرا

أيها المسلمون، هنيئًا للأمة الإسلامية استمرار الانتفاضة الفلسطينية، التي أرهبت العالم وأعادت النخوة، وأزعجت اليهود وأذناب اليهود.

لقد أعلنت الانتفاضة المباركة أن الجهاد والمجابهة لإخوان القردة والخنازير هو خيارها الإستراتيجي وضمانها الأمني ومسلكها الموضوعي. لقد سئمت فلسطين أكاذيب السلام المزعوم الذي سلبها حقوقها وأسال دماءها وقتل أطفالها.

إن الانتفاضة لتعود من جديد متينة قوية صلبة متوهّجة، لتحكي لنا قصة الشرف الرفيع والإباء المفقود والشجاعة الغائبة. لقد أورثت الانتفاضة قلقا إسرائيليًا، أفشل التقدم وأسقط القاصفات واجتاح المخططات، فالحمد لله.

إخوة الإسلام، إن هذه الانتفاضة بمثابة الزحف الخطير الذي لا يُرهب اليهود فحسب، بل يرهب العالم أجمع. إنهم يخشون من يقظة إسلامية تغير مجرى التاريخ. إنهم يخافون استيقاظ العملاق النائم الذي نام كثيرًا وغاب طويلاً، قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 165].

والإخوة المسلمون إنما أرعبوهم (بحجر ضعيف) بالنسبة لقواتهم وقاصفاتهم، لكن هذا الحجر يحمل هيبة الإيمان وصدق المبدأ والحنق الشديد للكفر وأهله، ولكي تعلموا أن المؤامرة على فلسطين ليست يهودية فحسب بل عالمية [حسبكم أن تعلموا] أن الإدارة الأمريكية أدانت الفلسطينيين تجاه الحرب الحالية، وأن العنف المصبوب هو من فلسطين، وأن القتل سار في إسرائيل، فيا للعجب!! ما هذا التلاعب وهذا الاستخفاف؟! كأننا وصلنا إلى مرحلة من الغفلة والسذاجة، لا يمكن أن نعي فيها الأحداث، ولا ندرك الحياة، ولا نميز العدوّ من الصديق.

فصبرًا ـ يا أبطال الانتفاضة ويا حماة الأقصى ـ على خفّة العقول والسذاجة المتناهية والذلة الفاشية.

هـل من فلسطين مكتوب يطمئنني       عمّن كتبت إليه وهو ما كتبـا

وعن بساتـين ليمونٍ وعن حُلـمٍ        يزداد عنِّي ابتعادًا كلّما اقتربـا

فيـا فلسطيْن مـن يهديك زنبقةً        ومن يعيد لك البيت الذي خربا

أيـن الشعارات أيـن المالئون بها       الدنيا لكَم زوَّروا التاريخ والكُتُبا

فلا خيـول بني حَمـدان راقصة        زهـوًا ولا المتنبِّي مالئ حلبـا

إنّ هذه الانتفاضة لتشعّ فوائد وتنشر دروسًا وعظات منها:

أن فلسطين لن تعود إلا بالجهاد في سبيل الله الذي يرفع راية التوحيد، وليست الرايات القومية أو الشعارات الإقليمية.

أن مجابهة اليهود هو خيار الفلسطينيين والمسلمين أجمعين، وأن السلام مع إسرائيل مرفوض من جميع صوره.

أن هذه الانتفاضة لتذكي الحماسة الإسلامية، وتمحو بعض ألوان الذلة والهوان.

أن هذه الانتفاضة لتؤكّد لنا أن أمة الكفر واحدة، وأن العالم يهوديًا ونصرانيًا ووثنيًا يسعى في إبادة المسلمين إبادة شاملة، فها هو يقف متفرّجًا مستأنسًا ربما يصير ويحدث، والله المستعان.

أن هذه الانتفاضة تقف حجر عثرة ضدّ انحراف الأمة لمستنقع المذلة والتبعية.

أن هذه الانتفاضة لتبعث الأمل من جديد، كي تعود الأمة لدينها، وتتطلع لعزها ومجدها. وهذه الانتفاضة تبرهن المسلك الموضوعي تجاه الظلم والعدوان، وأنها ليست بحاجة لخطب رنانة، ولا أحداث مدوية، لا ثمن لها ولا رصيد في واقع التحديات والبطولات.

فلقد طرحت الأقوال، واستعصمت بالأفعال، وسارت على بركة الله، مستعينة بنصره، تجلجل بالتكبير، وتهدّ صفوف المعتدي المغير، فيا لله كم دفعت من نقمة وأحيت من بسمة وقابلت التحديات والمؤامرات؟! فلله الحمد والمنة.

عباد الله، وإن هذه الانتفاضة الميمونة لتعطي درسًا عظيمًا، وهو أن القوة قوة إيمان قبل أن تكون قوة عدة وسلاح، إذ إن قوة الإيمان تأوي إلى ركن شديد، يدبر الأمور سبحانه وتعالى، ويقلب التحديات، وينصر الفئة الضعيفة، ويقهر الفئة الكافرة والمغيرة، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ.

إنَّ عدة الإيمان لتمتلك قوةً لا نظير لها، فهي تجعل من الأحجار راجمات نار ومضادات للصواريخ وناسفات للقاصفات. وإنها لتجعل من القلة كثرة، ومن الضعف عزة، ومن الجبن تقدمًا وشجاعة. وإنها لترهب المدافع، وتشوش العقول، وتقيم الاضطرابات، وتفسد المخططات.

إن مؤمنًا واحدًا ليزلزلُ عشرات بل مئات بل آلاف من الكفار والملحدين، فها هم المسلمون في غزوة بدر، فئة قليلة مستضعفة لا تملك عُدة ولا عتادًا، تسحق فئة كثيرة جبارة، لماذا؟! لأن أولئك قوم تسلحوا بالإيمان، فنزلوا الميدان متوكلين على الله، معتمدين على نصره، ولم تخفهم كثرة الأعداء ولا قوة السلاح، قال تعالى: إِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأحزاب:12]، ويقول النبي في أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه: ((لَصوتُ أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل)) أخرجه الحاكم عن جابر وهو حديث صحيح، وأخرج أحمد والحاكم والخطيب عن أنس رضي الله عنه أن النبي قال: ((لصوتُ أبي طلحة في الجيش خير من فئة)) وسنده صحيح.

فهذا رجل غشيته سحابة الإيمان، فصيرت منه حسامًا، ينكأ المشركين، ويُرعبهم بصوته، فكيف فتك زنده وضربة سيفه؟! إن ذلك لعجيب!! مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].

اللهم قو ضعفنا، واجبر كسرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين, ولا عدوانَ إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاعلموا ـ يا مسلمون ـ أن قوة الإيمان تعلو علوًا شامخًا، لا يُطال ولا يُنال، وإنها لتفلُ وتهد الصعاب وتصنع الأعاجيب، فذلكم أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه ـ تمامًا لحديثه وأخباره ـ كان إذا بقي مع النبي في المعركة جثا بين يديه، وقال: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء.

وفى سنن أبى داود بسند صحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال يوم حُنين: ((من قتل قتيلاً فله سلبه))، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم.

وعن أنس أيضًا أن أبا طلحة قرأ: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فقال: استخرنا الله وأمَرَنا شيوخَنا وشبابنا، جهِّزوني، فقال بنوه: يرحمك الله، إنك قد غزوتَ على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر، ونحن نغزو عنك الآن، قال: فغزا البحر فمات، فلم يجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، فلم يتغيّر رضي الله عنه.

وهذا عمرو بن الجَموح الخزرجى سيد بني سلمة رضي الله عنه، أخرج البخاري في الأدب المفرد بسند قوي عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال: ((يا بني سِلمة، مَنْ سيدكم؟)) قالوا: الجد بن قيس، وإنا لنبخله، قال: ((وأي داءٍ أدوى من البخل؟! بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجَموح)).

وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي قتادة بسند حسن قال: أتى عمرو بن الجموح على رسول الله فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلتُ في سبيل الله حتى أُقتل أأمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عَرجاء، فقال رسول الله: ((نعم))، فقُتِلوا يومَ أحد هو وابن أخيه ومولى له، فمر رسول الله فقال: ((كأني أنظر إليك تمشى برجلك هذه صحيحة في الجنة))، فأمر بهم فجعلوا في قبر واحد. وقد كان عمرو هذا ـ يا مسلمون ـ أعرج، ولما خرج يوم أحد منعه بنوه، وقالوا: عذَرَك الله، فأتى رسول الله يشكوهم، فقال: ((لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله يرزقه الشهادة)). قالت امرأته أخت عبد الله بن حرام: كأني أنظر إليه قد أخذ درقته وهو يقول: اللهم لا تردّني. فلما كان يوم أحد قال رسول الله : ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين))، فقام وهو أعرج، فقال: والله، لأتقحَّمنَّ عليها في الجنة، فقاتل حتى قُتل رضي الله عنه.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً