عباد الله، لنلقي وإياكم نظرة على حال المرأة في مجتمعنا اليوم، وكلنا يعلم أن للمرأة دورا كبيرا في تربية الأجيال، والمرأة إذا استقامت على منهج الله ربّت وأنجبت رجالا لقيادة الأمم، وإذا اختل توازنها اختل كيان المجتمع، وإذا دخلت المرأة أبواب الفساد وابتعدت عن جادّة الصواب انتشر البلاء وعمّ وملأ البلاد طولا وعرضا. ومن هنا أمرنا الإسلام بالمحافظة على المرأة، وقد أوصانا بها رسولنا الأكرم فقال: ((استوصوا بالنساء خيرا)).
عباد الله، إن سبب انحطاط الأخلاق في البلاد تبرّج النساء وإظهار الزينة وزخرفة الثياب والمساحيق المستعملة اليوم من تبييض الوجه وتحمير الشفتين وتوريد الخدّين وترقيق الحاجبين وتسويد الأهداب وتقصير الثياب وتعرّي بعض الجسم من الظهر وتحت العنق ولبس الضيق وغير ذلك، كل هذه الأنواع وغيرها هي شباك الفتنة وحبال الشيطان، وتجرّ إلى مهاوي الانحطاط والانحلال الخلقي الذي حرمه الإسلام، وهو يهوي إلى هدم كيان الأسرة والمجتمع.
عباد الله، بعض النساء والفتيات يخرجن في الطرقات والأسواق وهنّ على مظهر غير مقبول، فالمرأة المسلمة امرأة محتشِمة وملتزمة، تلتزم أدب الإسلام في زيّها ولباسها، في مشيها وحركاتها، في كلامها إذا تكلمت، في نظرتها إذا نظرت، في حركاتها إذا تحركت. هذه المرأة لا يمكن أن يطمع فيها أحد من الناس، ومن هنا يقول المولى عز وجل: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:32، 33]. فالخضوع بالقول هو التكسّر والتمييع وتعمّد الإغراء للرجل بطريقة الكلام، والخضوع بالفعل أن تمشي مشية متكسّرة، ومثله الإغراء باللباس والزيّ أو الملابس الرقيقة الشفافة أو الملابس المحدِّدة لمفاتن الجسم، وأن تتعمد إظهار شيء مما يجِب ستره من جسمها. كل هذا إغراء لأولئك المفسدين، وقد قال الله عز وجل: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31]. إنها حركة بالأرجل للَفت الأنظار وجذب الانتباه، وهذا لا يجوز من امرأة مسلمة تخشى الله تعالى.
تعلّمن ـ أيتها النساء ـ من ابنة الرجل الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة القصص حيث وصف الله تعالى مشيتها بقوله: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25]، مشيتها على استحياء، وكلامها على استحياء، فقد كلّفها أبوها المشي إلى رجل أجنبي، فكلُّها حياء في حياء، كيف وقد تربت في بيت الصلاح والعفاف والطهارة؟! ومن هنا أمر الله تعالى المؤمنات أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا، ولا يكون على وجه يحدِث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المطمِع للسامع، وأن يكون قولهن معروفا.
عباد الله، ومن المفاسِد التي نراها في هذه الأيام ذهاب النساء إلى مصفّف الشعر وعمل التسريحة، وقد يكون المصفّف من الرجال، وهذا كله من الأمور المحرّمة شرعا، فإذا كان النظر قد نهانا الله تعالى عنه فما بالكم ـ يا عباد الله ـ بلمس شعرها وظهور مفاتنها؟! ما بالكم بلمس وجهها؟! أين الحياء؟! أين العفة والشرف؟!
يا نساء المسلمين، جمال الخلاَّق أجمل وأعظم من جمال الحلاق.
يا نساء المسلمين، إن وضع الأصباغ على الأظافر يمنع من وصول الماء إلى الجسم، ومتى كان ذلك كذلك فالوضوء باطل، اسمعن قول رسول الله : ((لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة))، والواصلة التي تصل شعرها بشعر غيرها تريد بذلك أن يظنّ بها طول الشعر، أو يكون شعرها أصهب فتصِله بشعر أسود، فهذا من باب الزور والكذب. والواشمة من الوشم في اليد، وكانت المرأة تغرز مِعصم يدها بإبرة حتى تدميه ثم تحشوه بالكحل ليخضرّ. والمستوشمة هي التي تسأله وتطلب أن يفعَل ذلك بها. وفي رواية أخرى يقول رسول الله : ((والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن المغيِّرات خلق الله))، وفي رواية: ((النامصة والمتنمصة))، والنامصة التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمّصة هي التي تَفعل ذلك بنفسها، وبنفس الوقت تقوم المرأة بترفيع الحاجبين أو إزالتهما ثم تضَع بدلهما خطّين بالقلم. وفي رواية: ((لعن الله الواشرة والمؤتشرة))، والوشر أن تحدّد المرأة أسنانها وترققها، والمؤتشرة التي تأمر من يفعل بها ذلك.
عباد الله، نريد المرأة الصالحة التي تبني المجتمع، نريد المرأة العابدة القارئة لكتاب الله تعالى، نريد المرأة الفاعلة في تربية الأجيال.
انظروا ـ أيها المؤمنون ـ واستمعوا بآذان صاغية لهذا المشهد الذي أصبح عرضيا في هذه الأيام، يقول ابن العربي المالكي رحمه الله في كتابه أحكام القرآن عند هذه الآية: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ما نصه: "ولقد دخلت ضيفا على ألف قرية، فما رأيت نساء أصون عيالا ولا أعفّ نساء من نساء نابلس، فإني أقمت فيها شهرا، فما رأيت امرأة في طريق نهارا إلا يوم الجمعة؛ فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهنّ، فإذا قضِيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى، وسائر القرى ترَى نساءها متبرجات بزينة وغفلة، متفرقات في كل فتنة، وقد رأيت في المسجد الأقصى عفائف ما خرجنَ مِن معتكفهنّ حتى استشهدن فيه". فكيف حالنا اليوم يا عباد الله؟! كيف لو زارنا هذا الإمام في هذه الأيام، ماذا سيكتب عن نساء بيت المقدس؟! ماذا سيكتب عن نساء فلسطين؟! أين ذهب الحياء؟! أين المروءة؟! وصدق الشاعر بقوله:
مررت علـى المروءة وهي تبكـي فقلت: علام تنتحب الفتـاة؟
فقـالت: كيف لا أبكـي وأهلي جميعـا دون خلق الله ماتـوا
عباد الله، نريد المرأة القانتة العابدة الصالحة التي يستجيب الله دعاءها.
انظروا إلى هذا المشهد الحي، مشهد صادق يملؤه الإيمان والمحبة لله تعالى ولرسوله ، تعلموا ـ يا عباد الله ـ من هذه المرأة المسلمة، إنها أم الإمام البخاري العالم الذي نشر علم الحديث الشريف في بقاع الأرض، ما من عالم إلا ويقول: روى الإمام البخاري في صحيحه كذا وكذا.
اسمعوا أيها المؤمنون: ولد الإمام البخاري ضريرا فاقدَ البصر، وقد حزنت أمه أشدّ الحزن، ونامت أمه وهي حزينة، نامت داعيةً الله تعالى متوجّهةً بالقلب المنكسر الخاشع إلى رافع السماء بلا عمد، وإذا بها ترى رسول الله في منامها ويقول لها: أبشري يا أم محمد، أبشري فإن الله سيرد له بصره. وقامت من المنام يتطاير قلبها من السرور، ورفعت اللثام عن وجه ابنها فرأته قد ردّ الله عليه بصره. إنه الإيمان، إنه الصدق، إنها الصلة القويّة بالله تعالى. لم تذهب إلى المشعوذين والدجالين، لم تذهب إلى من يدّعون علم الغيب، لم تذهب إلى الفتّاحين والسحرة ومن يجعلون أيديهم مصانع الشّفاء، وإنما توجهت إلى الله، رفعت يديها إلى السماء وقالت: يا رب، رد بصرَه عليه، وصعدت دعوتها إلى عنان السماء، دعوة الأم لولدها مستجابة إذا خرجت من قلب صادق سليم. فهلاّ تعلمن نساء اليوم من هذه المرأة الصالحة، من هذه المرأة القانتة العابدة؟! نريد المرأة القوية التي تقول كلمة الحق ولا تخشى في الحق لومة لائم.
عباد الله، جاءت الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وتكلمت معه وقد أطالت الوقوف وأغلظت في القول وقالت: هيه يا عمر، عهِدتك وأنت تسمَّى عُمَيرا حتى صِرت عمر، ثم لم تذهب الأيام إلا وسميتَ أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أن من خالف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفَوت، فقيل لها: قد أكثرت ـ أيتها المرأة ـ على أمير المؤمنين، فقال: دعوها، أفلا يسمعها ابن الخطاب وقد سمع الله مجادلتها للرسول من فوق سبع سماوات؟!
عباد الله، إن المسؤولية خطيرة، وإن الأمر خطير، وإن أجهزة الإعلام لا تنام عن بثّ الفساد، أولادنا وبناتنا في الامتحانات وفي الشهر القادم امتحان الثانوية العامة، فكيف يكون حالهم؟! إعلام يخرب، وإغراءات تدمر، وكتاب الله مهجور، وفساد في البيوت، انحلال في الأخلاق والتربية، فاعملوا ـ يا عباد الله ـ على تربية الشباب التربية الإسلامية الصحيحة، اتقوا الله في نسائنا، اتقوا الله في أطفالنا، علّموهم في المساجد، فهي تربي رجالا أطهارا، لا يسرقون، ولا يختلسون، فأياديهم متوضّئة نظيفة، لا تعرف التخريب والتدمير والإلحاد، وإنما يعرفون الله وحده.
|