.

اليوم م الموافق ‏09/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

تأملات في الامتحانات

4817

الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد

العلم الشرعي, قضايا المجتمع

حمزة بن فايع الفتحي

محايل

2/3/1422

جامع الملك فهد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حال الناس وقت الامتحانات. 2- من فوائد الامتحانات. 3- الفوز الحقيقي يكون في الآخرة. 4- العناية بربط الطلاب بالتوكل والاعتماد واللجوء إلى الله. 4- رسالة إلى العقلاء من العلماء والمفكرين والباحثين.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].

أيها الناس، في هذه الأيام تشتعل العزائم وتتوقد الهمم وتتضافر الجهود؛ استعدادًا لما يسمى بالامتحانات. تتهيأ المدارس والمؤسسات العلمية بجميع مرافقها وأعضائها، ويهتم الآباء بتوجيه أبنائهم وتشجيعهم، وينشط الطلاب للمذاكرة سهرًا وجدًا واجتهادًا.

العقول الخاوية تصبح بالامتحانات واعية، والنفوس الباردة تصير بالامتحانات جادة، والهمم الفاترة تتحول لتكون عالية صامدة. إن الامتحانات تحدث نقلة في حياة الناس عجيبة؛ فتجد أكثر الناس مهتمين بها، معظمين لها، حريصين عليها.

لماذا كل هذا الاهتمام بالامتحانات؟! لقد آمن الجميع أنه اجتياز طريقٍ للمستقبل، أو ضمان الوظيفة، أو نافذة للرزق، أو كسب السمعة وحسن الصيت، لذلك فإن تحطيم أستار الكسل والضعف والبرود في الامتحانات لم يعد غريبا في حياة الناس، بل قل: حتى في حياة الكسالى والباردين.

أيها الإخوة الكرام، لقد باتت النظرة التربوية للامتحانات مفرطة عندما بالغت في الاهتمام بها وحشد الطلاب لها، حتى صار الشغل الشاغل هو الامتحانات، وغدا المتفوق والمهمل والجاد والكسول يدركون شدة وطأة الامتحانات وعظيم الخيبة عند إهمالها أو عدم الاستعداد لها.

فأصبحت الامتحانات حينئذ قضية كبرى وغاية منشودة، أربت على الرسالة التربوية الجادة من إصلاح الجيل وبناء العقول وتوثيق عُرى الدين ومكارم الأخلاق.

فيجب علينا كمسلمين ـ متعنا الله بالعقول والبصائر ـ أن نعتدل في نظرتنا للامتحانات، ونوصي أبناءنا والتلاميذ بالجد والاجتهاد فيها، دون إغفال جوانب الإصلاح والتربية، التي هي مقصود المدارس والمؤسسات التعليمية.

نحن لا نريد أن ترتفع المعدلات والدرجات مع انخفاض التديّن والأخلاق في حياة هؤلاء الناجحين. ولربَّ حائزٍٍ على تقدير عالٍ ويوضع في لوحة الشرف وهو لا يمتّ للخير والخلق بصلة.

في الامتحانات يدخل طلابٌ المساجد، لم يكونوا يعرفونها من قبل، مظهرين النسك والخير والضراعة لله، ابتغاء النجاح والتفوق، وهذه فرصة مهمة للمعلمين والمربين وأئمة المساجد، أن يزيدوا في إيمان هؤلاء ويحرصوا على تعليقهم بالله، وربط مستقبلهم بتوفيق الله ورعايته وتأييده، وأنهم فقراء إليه، محتاجين لفضله وإنعامه.

إذا لم يكن عون من الله للفتى   فأوّل ما يقضي عليه اجتهادهُ

وفي ظلّ انفِتاح هذا العصر تتناءى طوائف غير قليلة عن المساجد، ولا تبالي بأهمية التوكّل على الله وسؤاله التوفيق والنجاح.

وهؤلاء هم في أمسّ الحاجة إلى النصح والتذكير، وحين نذكر قبيل الامتحان بأهمية الامتحان وضرورة التهيؤ له نذكر بأهمية الصلاة واللجوء إلى الله، فمنه يُستمد النجاح والتفوق والتميز، فهو أهل الفضل والمن تبارك وتعالى: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:53].

أيها الإخوة، إن المتأمّل لمسألة الامتحانات يدرك لها فوائد كثيرة غير النجاح والشهادة، والتحرر من الدراسة ورهق المذاكرة، فمن فوائدها: إقبال التلاميذ على المساجد، ودعاؤهم الله كثيرا بالنجاح والتوفيق، وفي ذلك تربية إيمانية لا تخفى، جدير بنا أن نستثمرها وننميها.

ومن فوائدها: استيقاظ الهمم والعقول، وتحولها إلى منابع تفيض بالجد والاهتمام والاستبصار.

ومنها: تفجر الطاقات عن مظاهر من العمل والنبوغ والصمود؛ من أجل نيل رمز النجاح ووسام التفوق.

ومن فوائدها: العزوف عن اللعب واللهو، فتقلّ العناية بالكرة على سبيل المثال عند كثيرين أيام الامتحان.

ومن فوائدها: استطعام الحياة الجادة، وترك حياة الكسل والنوم والبطالة، وفي ذلك تربية للإنسان على الدأبَ والصبر ومقاومة شدائد الحياة.

ومنها: إيقان الجميع بأن لكل ثمرة ولذة نصَبًا وجهدًا، وأن الأمنيات لا تنال بالأحلام والتخيلات، وإنما بالهمم العالية والنفوس الدائبة.

وما نيلُ المطالـب بالتمني      ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا

فمن استطاب الراحة واستلذَّ بالنوم وارتاح للفراغ فهذا لا يصعد عَلما ولا يحقّق أملا. يقول أحد الأدباء الفضلاء: "لو أن همم أبنائنا للعلم كهمهم في الامتحانات لأخرجت الأمة علماء كثيرين، ولا نريد في كل أسبوع عالما، بل في كل شهر فحسب".

أيها المسلمون، إن قضية الامتحانات لا تعدو أن تكون قضية دنيوية، فما ينبغي إعطاؤها أكثر من حجمها، أو التهويل من شأنها على حساب قضايا جليلة في حياة الناس، ولا يليق بمؤمن بالله واليوم الآخر أن تنسيه الدنيا الدارَ الآخرة وفيها الفوز والفشل والنجاح والخسارة، وقد كان من دعاء النبي المأثور: ((اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا)). وكم من ممتحن لم يدخل الامتحان حتى وافاه الأجل، وكم من ناجح متفوّق حُرِم لذة التفوّق ولم يرَ الشهادة. فينبغي علينا كمسلمين أن نعطي الأمور حجمها، وأن لا تنسينا دنيانا أخرانا، فإن النجاح الحقيقي هو النجاح في امتحان يوم القيامة، حينما تسودّ وجوه وتبيض وجوه، وتعلو أنفس وتسقط أنفس، فهنالك الحياة الحقيقية والفرح الدائم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الفائزين بجنات عدن، الناجين من النار، إنه على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة الفضلاء، ومن فوائد الامتحانات: أن أهلها يعظمون الوقت فيها، ويحرصون على حفظه وعدم إضاعته، فيسابقونه ويتقلّلون من الطعام والزيارة والخروج من أجله، فليت هؤلاء الشباب يحفظون الأوقات دائما كحفظهم لها في الامتحانات. فالوقت هو عمر الإنسان، وفيه شقاوته وسعادته، وسوف يسأل عنه يوم القيامة، وقد ذمّ الله تعالى أقواما بتضييعهم الوقت وعدم الانتفاع به، فقال تعالى: أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر:37].

أيها الإخوة، لا يزال الترهيب من الامتحانات يورث صورًا من الخوف والقلق وتغيرا في النفس وشحوبا في الوجه وتدهورا في الصحة، فيجب علينا تعميق النفوس بالإيمان، وزرع الثقة في الطمأنينة فيها، والاستعداد للامتحان دون مبالغة وتهويل وتخويف، وتربية الأبناء على التوكل على الله وسؤاله الفتح والتوفيق والنجاح، فإنه المنعم المتفضل سبحانه وتعالى، بيده مفاتيح الفرج ومنابع اليسر والرزق والتوفيق. فما يذكَر تعالى في عسر إلا يسَّره، ولا كربة إلا فرَّجها، ولا مخافة إلا أمنها، ولا صعب إلا هونه تبارك وتعالى، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ [فاطر:2]

وكان كثير من الأئمة إذا تعسّرت عليه الأمور أو أشكلت عليه المسائل يكثر الدعاء والذكر والاستغفار إلى من هو على كل شيء قدير، الذي لا تعجزه الحاجات، ولا تشق عليه الملمات، فما هو إلا وقت يسير فينحل الإشكال وتزول الملمة وينقشع الهم. وبقدر صدق العبد وإخلاصه وكثرة توجهه تنزل عليه البركات وتغشاه الرحمات، ويلازمه التوفيق والنجاح في كل شؤونه وأموره.

إخواني الكرام، لا تزال كلمة العقلاء من العلماء والمفكرين والباحثين تتفق أن النجاح في الحياة وتحقيق الأماني مرهون بالهمة العالية والكفاح الدائب، ومن شروطه ترك الكسل ومجانبة البطالين وهجر الراحة والرفاهية، قال الإمام يحيى بن أبي كثير رحمه الله: "لا يُستطاع العلم براحة الجسد".

خرج أحد العلماء وهو القفَّال الشافعي يطلب العلم وعمره أربعون سنة، بينما هو في الطريق جاءته نفسه فقالت له: كيف تطلب العلم وأنت في هذا السن؟! متى تحفظ؟! ومتى تعلّم الناس؟! فرجع، فمرّ بصاحب ساقية يسقي على البقر، وكان الرّشاء ـ أي: الحبل ـ يقطع الصخر من كثرة ما مرّ، فقال: أطلبه وأتضجّر من طلبه!

اطلبْ ولا تضجر من مطلبٍ    فـآفة الطالـب أن يضجرا

أما ترى الحبل بطول الْمدى    على صليب الصخر قد أثَّرا

وكان هذا الموقف عظةً له، واصل من خلاله طلب العلم، وجدَّ واجتهد، حتى بلغ المنزل، وصار من أئمة الشافعية ومن العلماء الكبار رحمه الله.

فهنيئا لمن أخذ بأسباب علو الهمة وكبر النفس، فرُزق نفسًا تواقة، تطلب العلا وتأنف من الأقذاء، وتتجرأ على الصعاب والمضايق، إنها لقمّة الفرح والسعادة وقد قيل: "بقدر ما تتعنّى تنال ما تتمنَّى".

اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً