.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

محبة النبي

4814

الإيمان

الإيمان بالرسل

عبد المجيد بن غيث الغيث

الرياض

جامع الدرعية

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- مظاهر حب الصحابة للنبي . 2- فداء الصحابة للنبي . 3- حب الجماد للنبي . 4- وجوب حب النبي .

الخطبة الأولى

أما بعد: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ إذ بها النجاة يوم يبعثون، وبها الفوز يوم التغابن، وبها تنصرون وترزقون، وكل نبي قال لقومه: فَاتَّقُوَا اللهَ وَأَطِيعُونِ، فاتقوا الله أيها المؤمنون، فإن للذين اتقوا عند ربهم جنّات وعيونا.

أيها المسلمون، منظرٌ عجيب وتصرفٌ فريد، لا يمكن أن يحدّد كنهه، هو صورةٌ مرسومةٌ في خيال المؤمن فحسب، فلنتأمل كيف كان أصحاب محمد رضي الله عنهم يحسبون محمدًا .

أيها المحبون لنبيهم، في حديث طويل عند البخاري في صحيحه في قصة الحديبية: قال: ثم إنّ عروة بن مسعود جعل يرمق أصحاب النبي فقال: فوالله، ما تنخّم محمد نخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم، فدَلك بها وجهته وجِلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروه، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت مليكا قطّ يعظمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمدٍ محمدًا... الحديث.

الله أكبر، محبة تترجمها الأفعال قبل أن تُقال، ووالله لقد صدق عروة؛ فما أحد في الدنيا قد أحبّه أصحابه مثل هذا الحبّ، حتى الأم مع رحمتها وحبها لوليدها وعطفها عليه فإنها أبدا لا تدلك جسدها بنخامَته ولا تحتفظ بشعره. ولم نرَ محبّا أو عاشقا في سجلّ التاريخ قد دلك نخامة حبيبه على جسده، أو بادر إلى فضلة ما اغتسل به فاغتسل به أو شربه.

أيها المؤمنون، هذه صور من صور محبة أصحاب نبينا له، كأنها الأساطير، وهي والله حق اليقين، لكنها فاقت في حقيقتها واسع الخيال، ولا عجب؛ فإن جبلاً أصم أحبه بأبي هو وأمي ، ففي الصحيحين من حديث أنس أن الرسول بدا له أحد فقال: ((هذا جبل يحبنا ونحبه))، فلا غرو إن أحبه الحصى أن تُحِبَه القلوب المتدفّقة دما وروحا.

ويوم أحد بأبي هو وأمي ، فقد اشتدّ العراك بين يديه، واشتد الحصار عليه، ولم يكن حوله إلا تسعة نفر، فناداهم: ((هلموا إليَّ أنا رسول الله))، فسمع المشركون صوته، فكرّوا إليه وهاجموه، ومالوا عليه بثقلهم، فجرت بينهم وبين النفر التسعة ما أظهَر نادرَ الحب وعظيم التفاني.

روى مسلم في صحيحه أنه انفرد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: ((من يردّهم عنا هو رفيقي في الجنة؟)) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فما زال هكذا حتى قتِل السبعة، فقال الرسول لصاحبيه أي: القرشيين: ((ما أنصفنا أصحابنا)). والقرشيان هم طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، فقد قاتلا مع رسول الله وهما اثنان، فلم يستطع أحدٌ من المشركين مع كثرتهم الوصول للرسول ، فقد شلّت يد طلحة وهو يقِي النبي ، وقال الرسول عنه: ((من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله)).

ولما علم الصحابة بعدَم وفاة النبي في أُحُد وسمعوا صوتَه فاؤوا وأسرعوا إليه، وأقاموا السياج حوله بأجسادهم، وفي مقدمهم صاحبه في الغار، ولقد رُمي حتى غابت حلقتان من حِلَق المغفر في وجنته، قال أبو بكر: فذهبت لأنزعهما عن النبيّ ، فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني، قال: فأخذ بفيه فأخذ ينضضه كراهية أن يؤذي رسول الله . ثم استلّ السهم بفيه حتى ندرت ثنيةُ أبي عبيدة، ثم نزع أبو عبيدة الحلقة الأخرى التي كانت في وجنة النبي حتى ندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى.

وممن اجتمع عليه يوم أحد عمر وعلي وحاطب بن أبي بلتعة ومالك بن سنان وأبو دجانة. كما أن أبا دجانة قام فترّس على النبي بظهره، والنبل يقع عليه فلا يتحرّك. وقاتلت دونه حتى النساء مثل نسيبة بنت كعب المشهورة بأم عمارة.

وامتصّ مالك بن سنان والدُ أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، امتص الدّم من وجنة الرسول ، فقال له الرسول : ((مُجّه))، فقال: والله لا أمُجّه، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي : ((من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا))، فقتل شهيدا رضي الله عنه وأرضاه.

أيها المحبون لرسول الله ، ومن صور الحب له أن بكى أبو طلحة بكاءً شديدًا من شدة الفرح حين أعطاه رسول الله نصف شعره بعد أن حلقه.

وللنساء أيضا موقفهن للتعبير عن عظم المحبة له ، فإن رسول الله لما فرغ من غزوة أحد ودَفن الشهداء ورجع إلى المدينة لقيته امرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها في المعركة، فلما نعوا إليها ما صرخت ولا بكت ولا ذرفت الدمع من عينيها بل قالت: ما فعل رسول الله ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير إليه حتى رأته، ثم هدأت وسكنت ثم قالت: كل مصيبة بعدك جلل. فلم تبكِ زوجا ولا أبا ولا أخا، فكلهم عندها فداء للحبيب .

وأما الصديق رضي الله عنه فلقد كانت محبّته له عجبا، وما قصة الغار عن أذهاننا ببعيدة، ولا بكاؤه يوم الهجرة، ولا مواقفه العظام كذلك.

ولما غدر المشركون بخُبيب وبإخوانه من القراء فأسروه ثم أعطي لأهل مكة ليقتلوه، ووضعوه على الخشبة وقالوا له: أتحب أن محمدا مكانك؟ فقال: والله، ما أحب أن محمدا في مكانه وتصيبه شوكة وأنا جالسٌ في أهلي.

وفي صلح الحديبية بعث الرسول عثمانَ بن عفان رسولاً إلى قريش ليفاوضهم، قال المسلمون: هنيئا لعثمان لعلّه طاف بالكعبة، فلما رجع عثمان قال: والله، ما كنت لأقدم على ذلك قبل أن يطوف رسول الله .

وكان الرسول يقيل ببيت أم أنس بن مالك رضي الله عنهما، فَعَرِقَ فجاءت بقارورة فجعلت تأخذ العرق فيها، فاستيقظ عليه الصلاة والسلام فقال: ((يا أم سليم، ما هذا الذي تصنعين؟)) قالت: عرقك نجعله في طيبنا، وهو أطيب عندنا من الطيب.

أيها الناس، وإن المسلم وإن عجز عن أن يستوعِب حبّ الصحب لنبيّهم حتى إن نخامته لا تقع على الأرض كما مرّ بنا فإن أعجب من هذا قد حصل، فإن صنيعهم هذا لم يكن بأعجب من صنيع الجذع وهو جماد إذ بكى الجذع الذي كان يخطب عليه قبل أن يتخذ المنبر، فلما تركه واتخذ المنبر سمع للجذع حنينٌ وبكاء، وما سكت حتى أتاه النبي ، فضمه فسكت الجذع وسكن، قال جابر راوي الحديث: فصاحت النخلة صياح الصبيّ، ثم نزل النبي فضمّها إليه، تئن أنين الصبي الذي يسكَّن. والحديث في البخاري. وكان الحسن البصري رضي الله عنه إذا حدث بهذا الحديث قال: "يا معشر المسلمين، الخشبة تحن إلى رسول الله شوقًا إلى لقائه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه".

اللهم إنا قد حرمنا رؤياه في الدنيا فلا تحرمنا رؤياه في الجنة، اللهم واسقنا يوم القيامة من حوضه، وأدخلنا في شفاعته، واحشرنا في زمرته.

 

الخطبة الثانية

يقول تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ، وفي هذا حضّ وتنبيه ودلالة على وجوب محبة النبي .

وثبت عنه أنه قال: ((لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبّ من ولده ووالده والناس أجمعين)) أخرجاه من حديث أنس، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) الحديث، وعند البخاري من حديث عمر: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه))، قال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب، لأنت أحب إليّ من نفسي التي بين جنبيّ، فقال الرسول : ((الآن يا عمر)).

أيها المسلمون، جاء رجلٌ إلى النبي فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ فقال له : ((ماذا أعددت لها؟)) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال له النبي : ((أنت مع من أحببت)).

فأبشروا وأمّلوا، فإن المحبة من أكبر دوافع العمل والترك، ودليل المحبة الاتباع، كما امتحن الله المدعين لها بذلك فقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فمن أحب الرسول كان من أتباعه له مقياسا لهذه المحبة، وإعراضه عن أمره دليلاً قاطعا على نقصها أو انعدامها.

فلنكن كأصحاب المصطفى رضي الله عنهم الذين إذا نيل من النبي نيلاً زادهم ذلك يقينا به وحبا ونصرة له باتباع هديه عليه الصلاة والسلام.

وما يفعل الأعداء ذلك إلا لزعزعة الدين في قلوب المسلمين، فلنزدهم غيظا، لا بسبهم ولا بشتمهم، إنما نزيدهم غيظا وخنقا بالتثبّت بسنة رسول الهدى وهدي سيد الخلق والورى، ونزيدهم غيظا بالصلاة والسلام عليه امتثالاً لأمره سبحانه وحبا له : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً