.

اليوم م الموافق ‏15/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الصدقة وفضلها

4789

فقه

الزكاة والصدقة

سعد بن عبد الله السبر

الرياض

11/9/1426

جامع الشيخ عبد الله الجار الله

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- كمال الدين الإسلامي. 2- الإسلام دين التكافل والتراحم. 3- وجوب الزكاة. 4- فضل الصدقة في القرآن الكريم وفي أحاديث النبي وآثار السلف. 5- وصف حال المساكين والمحتاجين. 6- الحث على الإخلاص لله تعالى.

الخطبة الأولى

أما بعد: فأوصيكم ونفسي ـ أيها الناس ـ بتقوى الله عز وجل؛ فهي الحصن المكين والثبات وقت تطاير الدواوين، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

أيها المسلمون، إن الله شرع لنا الدين فأكمله ورضيه لنا، فجعله مكينا وحصنا حصينا لمن تمسّك به، وخسرانا مبينا لمن نبذه وراء ظهره، أقامه الله فجَعل له أركانا وبنيانًا، فقوامه المحافظة على أركانه، وثباته ودوامه تحقيق واجباته، وصحته تكميل شرائطه.

ديننا دين شمَل الحياة بجميع جوانبها، ما مات رسول الله وطائر يقلب جناحيه إلا وعلمنا منه علما، علمنا كيف نتعبّد ونصلي، وكيف نحجّ ونتصدّق، وكيف نزور ونتقرّب، وكيف نهدي ونتحبّب، رغب في احترام الصغير وأمر به وعطفِ الكبير على الصغير، ورغّب في رفق الغنيّ بالفقير، وشدّد على حق المحتاج والسائل والمسكين، وجعله من وصف المؤمنين: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، وأمر بحفظ مال اليتامى حتى يصبحوا مميزين.

فديننا دين التكامل والتكافل والتعاطف والتوادّ والتراحم، قال في الحديث الصحيح: ((مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).

عباد الله، ديننا صالح لكل الأماكن والعصور، من ميزاته أنه أوجب الزكاة وتوعّد تاركها بالكيّ في النار: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، ورغّب في الصدقات رحمة بالفقراء والضعفاء والمحاويج والمساكين: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، ومدح المتصدقين وذم المقترين: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265].

بل إن الله حث على الإنفاق والتصدق في كثير من آي القرآن الكريم، ووصف المنفِقين أنهم يطعمون ابتغاء مرضاة الله وخوفا من عقاب الله، لا رجاءَ الجزاء ممّن يطعمون: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان:9، 10]، فكانت نتيجة خوفهم: فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:11]. جعلني الله وإياكم منهم.

جعل المتصدقين من المقربين الفائزين الناجين يوم الدين، في ظلّ صدقتهم يتظللون، ومن خيرها ينهلون، وليسوا يتحسّرون، فهم الفرحون المسرورون المضعفون، وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ [الرم:39]. المنفقون هم المسارعون للخيرات، يسارعون للعقبة ويفكّون الرقبة: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:12-16]. يطعمون البعيد والقريب والصديق والحبيب، يعطون من منعهم، ويصِلون من حرمهم.

أيها الإخوة، لقد أمر الله بالإنفاق في سبيله، وبيّن فضله وتضعيف الأجر للمنفقين: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]. قال ابن القيم رحمه الله معلّقا على هذه الآية: "صدّر الله سبحانه وتعالى هذه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمن معنى الطلب، وهو أبلغ في الطلب من صيغة الأمر، والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن فيجازى عليه أضعافا مضاعفة؟!".

أيها المؤمنون، لقد حثّ نبينا على الصدقة والإنفاق في أغلب مجالسه وأحاديثه، بيّن حق الفقير المسكين وفضل المنفقين وأثر المزكّين في مجتمعهم، أخبرنا عن دعاء الملَكَين للمنفقين في كلّ يوم يقولان: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفًا. وقال صلوات ربي وسلامه عليه فيما يرويه عدي بن حاتم قال: قال رسول الله : ((من استطاع منكم أن يستتِر من النار ولو بشق تمره فليفعل)) رواه مسلم. قال عمر رضي الله عنه: (إن الأعمال تباهت فقالت الصدقة: أنا أفضلكن)، وقال أنس رضي الله عنه: (باكِروا بالصدقة؛ فإنّ البلاء لا يتخطّى الصدقة)، وقال عمر بن العزيز رحمه الله: "الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه".

أيها الناس، الصدقة تكامل وتكافل ودرع لصاحبها تقيه غضب الديان ومصارع السوء، بها نماء المجتمع وألفته وتعاطفه، قال ابن أبي الجعدِ: "إن الصدقة لتدفعُ سبعين بابًا من السوء"، فهي لك ـ أنت أيها المتصدق ـ دفعًا وحفظًا من البلاء والمحن، بل إنها رفعة لك وزيادة في مالك، ((ما نقص مال من صدقة)).

الصدقة والإنفاق شهادة لك بالإيمان وبراءة لك من البخل والنفاق. الصدقة بناء للأمة وتوثيق للصِّلات وأفضل شيء تخرجه، قال يحيى من معاذ: "ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة". الصدقة لباس لك وكساء يوم التّعرّي، قال عبيد بن عمير رحمه الله: "يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قطّ وأعطش ما كانوا قطّ وأعرى ما كانوا قطّ، فمن أطعم لله عز وجل أشبعه الله، ومن سقى لله عز وجل سقاه الله، ومن كسا لله عز وجل كساه الله"، قال الحسن رحمه الله: "لو شاء الله لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم، ولكنه ابتلى بعضكم ببعض".

عباد الله، المسلم يعلم أنه محتاج لأجر صدقته أكثر من احتياج الفقير إليها، قال الشعبي رحمه الله: "من لم ير نفسه إلى ثواب صدقته أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضُرب بها وجهه".

المؤمن يبكي ويتحسّر عندما يرى من هو مشرّد جائع محتاج ضائِع بائسٌ، المسلم لا يشبع وأخوه جائع، ولا يرتاح وأخوه ضائع. كيف ننام فرحين وبين أظهرنا فقراء محاويج؟! تدخل امرأة على عائشة رضي الله عنها ومعها بنات، فتعطيها تمرة، فتقسمها بينهنّ. ونحن قبل أسابيع تدخل امرأة ببناتها فلا يجدون لقمة يأكلونها، بيتهم خاوي، ليس به زاد إلا رحمة ربّ العباد، أبناؤهم وبناتهم لا يلبسون للعيد والدراسة، فضلاً أن يكتسوا من البرد والحرارة. ذرّيّتنا لهم أدوات للدراسة وذرياتهم لا يستتِرون من الحرارة، أمهاتهم يضعن الماء في علَبِ الزبادي الفارغة حاوِيات لأبنائهم وبناتهم، والأخرى زوجها مسجون وقلبها مكلوم، فهي مطرودة منبوذة، الحسرة كساؤها ودثارها، والبكاء بعد الله عزاؤها، فهل تجد من يحفظ وكاءها؟! أيعقل وجود هذا أم يصدق؟! فمن أراد فليأتِنا ليتأكّد. والأخرى أرمله مغمومة مهمومة، يتلوّى صغارها، ويتقطع خمارها، ولكن هيهات أن تجد مغاثها إلا من الرحمن الرحيم، ونحن متفرّجون ولها مكذّبون، نظنّ حالهم أعلى من حالنا، والله أعلم بما تخفي وتكِنّ من فقرها. وتلك نبذها أهلها ومعها أبناؤها لأنهم من غير بَلدهم وأصلهم، فهل ربهم يبعدهم ويأمر بنبذهم لأصلهم وفصلهم أم لدينهم؟! إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]. وهؤلاء أيتام مَن لهم؟! فقدوا أباهم وأخوهم الأكبر أصمّ أبكم، لا يكدّ ولا يعمل، فمن لهم إلا ربهم؟!

أينَكم أيها المسلمون؟! هل يهنأ لكم عيش وتفرحون وهم يتجرّعون غصص الجوع؟! انظروا المحاويج والمعسرين، ما أكثر من أثقلته الديون، فأصبح سجينا طريدا حسيرا كسيرا، لا يأويه بيتٌ، ولا يسعه حيٌ، فأين نحن منه؟! ألا نستحي من الله؟! أعطانا الكثير وأمرنا بإخراج القليل، كسانا وعافانا وآوانا، وهم يستجدون ولا مجيب.

كم متعفّف بات خاليًا، وكم من آيسة ضائِقة بائسة استهواها الشيطان وحزبُه لفقرها وحاجتها وبكاء صغارها، والذئاب يريدون أن يفتكوا بعرضِها، أينكم يا مسلمون؟! بيوتهم أوهى من بيت العنكبوت، الرياح تسقطها والمطر مصدَر بؤسها. لا يفرحون بالغيث لأنه زوال بيوتهم، وأنتم في الصحاري عن الغيث تَبحثون لتفرحوا وتلهوا.

أينكم ممن أحرقت ابنتَها من فقرها؟! فهل ترعَوون؟! أينكم يا من بالملذات تفتخرون وتتنعمون ولها تنوِّعون؟! موائدكم متعدّدة، وبطونهم متيبّسة من خواها، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88، 89].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والبيان، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، والعاقبة للتقوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون.

أيها الأحبة، المنفق يعيش في فرح ولذة ببيعه ماله مرضاةً لربه، إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ [التوبة:111].

المنفق لا يبطل صدقته بالمن والأذى، قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263].

المنفق يعلم أن الشيطان في طريق الصدقة، كلما أراد أن يتصدق وقف له الشيطان بالمرصاد، الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268].

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً