الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: إن الذين أصابوا القسم السفلي من أصحاب المنكرات كانت حجتهم في خرقهم السفينة أنهم يخرقون نصيبهم لا نصيب غيرهم، وهذا هو ما يعرف اليوم باسم الحرية الشخصية، فالفساق في أيامنا هذه يجاهرون بالمعصية في كل مكان، وإذا أنكر عليهم غيور قالوا: هذه من الحرية الشخصية التي كفلها الإسلام لأفراده، وهذا كذب وزور وبهتان، قال تعالى: وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:28].
إن الإسلام لم يبح الحرية الشخصية بالمعنى الذي يفهمه الفساق وإخوانهم، ففي الإسلام باب عظيم من أبواب الفقه وهو باب الحَجْرِ، وفيه يتمّ الحجر على السفيه الذي يبذّر أمواله بغير حق، بل إنه ليس هنالك في الإسلام وغيره من الأديان بل ولا حتى في الدول الغربية الكافرة حرية شخصية كاملة، بمعنى أن لك أن تفعل ما تشاء، فليس لمن أراد الانتحار وقتل نفسه فعل ذلك بحجة الحرية الشخصية، بل يمنع بحكم القوانين الوضعية ويحاكم ويسجن، وليس لأحد في تلك البلاد الكافرة أن يخرج من بيته عاريًا كيوم ولدته أمه بحجة الحرية الشخصية، حيث لو فعل فإنه يقبض عليه ويودع في السجن لانتهاكه ما يعرف عندهم بالآداب العامة.
ونحن كمسلمين قد دخلت هذه المفاهيم الخاطئة أذهان الكثيرين منا، فأنت ترى من يترك الصلاة مع المسلمين في المساجد، وترى المرأة السافرة المتبرجة، بل وربما دون عباءة في الأسواق والشوارع والمستشفيات، وترى مَنْ نزع الله الحياء من وجهه يخرج في الطرقات وقد لبس الشورت أو أطال شعره كالفتيات أو قصّه متشبهًا بالفساق أو الكفار، وتدخل المستشفيات والعيادات بل وبعض المحلات فتجد شاشات التلفاز تعرض الأفلام والمسلسلات والأغاني والراقصات، فإن أنت أنكرت عليهم قالوا لك: حرية شخصية، سبحان الله! أيُعصى الله جهارًا نهارًا بحجة الحرية الشخصية؟!
هل لي أن أقابل أولئك بنفس المنطق فأصطحِب معي مسجّلاً ضخمًا فأقعد في غرفة الانتظار بالمستشفى مثلاً وأستمع إلى القرآن الكريم بأعلى صوت ممكن وهم يشاهدون تلفازهم؟! هل لي أن أقبع أمام بيت ذلك الذي أضرّ بالمسلمين بلباسه ومنظره المقزّز ومعي آلة تصوير فأصوّر أهل بيته في خروجهم ودخولهم بحجة أن ذلك من الحرية الشخصية التي كفلها الإسلام لي؟! هل لأحد أن يدخّن سيجارًا أو غليونًا في الطائرة أو المستشفى في أماكن غير المدخنين؟!
إن الحرية الشخصية ـ عباد الله ـ تتوقف عندما يصل الضرر إلى الآخرين، ونحن كمسلمين نحدد الضرر لا بأهوائنا ورغباتنا، بل بما يوافق الشرع من كتاب وسنة مطهرة، فالذي لا يصلي مع المسلمين قد أوشك نبينا أن يحرق عليه بيته لتخلفه عن الصلاة، وكذلك غرف الانتظار في المستشفيات، يجب أن تُغلق فيها شاشات التلفاز، وإلا فأين ينتظر الصالحون وأهلوهم الذين لا يشاهدون هذه المنكرات في بيوتهم؟!
إن المنكرات قد ظهرت وفشا أمرها، فإن لم ينكرها المسلمون أوشك الله أن يعمّهم بعقاب.
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ قبل غرق السفينة، وأنكروا المنكر قبل أن يغرقكم الله.
|