أيها المسلمون، تتصدر الانتخابات التشريعية الفلسطينية اهتمامات العالم أجمع، فقد أشادت وسائل الإعلام والمراقبون الدوليون بالعملية الانتخابية التي جرت بكل نزاهة وشفافية، وأسفرت عن فوز كبير للحركة الإسلامية، وقد اعتبرها السياسيون بأنها ثورة خضراء على الذات داخل المجتمع الفلسطيني، فقد أثبتت النتائج رغبة الشارع الفلسطيني في إحداث التغيير نحو الإسلام. وعلى الرغم من تباين الآراء فإنني ـ ومن هنا من رحاب المسجد الأقصى المبارك الأسير ـ أشدد على أمور عدة، وهي جوهرية وحساسة لحماية أمتنا، فالنصيحة أمانة، ومن رفع شعار الإسلام عليه العمل بأحكامه وتعاليمه.
أولاً: تعزيز الوحدة الإيمانية: على شعبنا المسلم المرابط بكل اتجاهاته وميوله أن يرقى إلى مستوى الإيمان بالله ومستوى المسؤولية، وأن لا يتعامل مع الأحداث بردات فعل تؤثر على حاضره ووجوده ومستقبله. ونحن لا نزال نرزح تحت الاحتلال، وأمتنا أمة واحدة، ومأساتنا واحدة، علينا أن نحترم رغبة التغيير، فالعالم الذي أعرب عن نزاهة الانتخابات يجب أن تظل نظرته ذاتها لوحدة شعبنا.
ثانيًا: إعادة ترتيب الصف بما يعزز صمود شعبنا في أرضه، ونضع نصب أعيننا المصلحة العليا فوق كل اعتبار، لتكون كلمة الله هي العليا، بعيدًا عن الغوغائية والفكر المنغلق، وفرض سياسة النظام والقانون الذي لا يخالف تعاليم الإسلام.
عباد الله، إن كشف النقاب عن حالات الفساد وهدر أموال الأمة بملايين الدولارات تعتبر علامة خزي وعار في حقنا، وقد جعل الدول المانحة تنظر إلينا نظرة ريبة وتشاؤم حيال قضايانا المصيرية، فالاختلاسات كبيرة، والمتهمون من أصحاب النفوذ والمراكز القيادية كما ورد على لسان النائب العام. فالمطلوب هو إصلاح الفساد ومحاربة المفسدين، وعلى جميع المستويات لحماية المجتمع وصيانة حقوق الناس.
ثالثًا: أهمية اشتراك القوى الفاعلة في مجتمعنا واستغلال الطاقات وتحمل المسؤولية، ففي الاتحاد قوة، وديننا يدعو لمبدأ الشورى وتطبيق قوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]
عباد الله، لا نريد أن يتكرر المشهد العراقي ولا المشهد الجزائري على الساحة الفلسطينية، وأرضنا لا تزال محتلة وهي أمانة في أعناقنا، فلا تدعوا مجالا للأعداء أن يجهزوا على منجزات شعبنا القوي الصابر المرابط، فالتضحيات كبيرة والدماء تسيل والشهداء يتساقطون والمعتقلون يتزايدون. نسأله تعالى أن يفرج كربنا، ونسأله تعالى أن يكشف الهم والغم عنا. ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون.
رابعًا: التأكيد على أن ديننا الإسلامي هو دين الحق والعدل والتسامح، وأنه لا يظلم أحدًا ولا يعتدي على أحد، ولنا في العهدة العمرية خير دليل وبرهان على حماية غير المسلمين في ظل دولة الإسلام والحفاظ على أماكن عبادتهم.
أيها المسلمون، إن التغيرات على الساحة ستكون بلا شك موضع المزايدات خلال الحملة الانتخابية الإسرائيلية القادمة، وقد يؤدي الأمر إلى تعزيز وصمود اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى سدة الحكم، الأمر الذي سيزيد الأمور تعقيدا، ونعود إلى جذور الصراع العقدي على أساس الدين، وليس على أساس الأرض والوطن. فهل يتعظ المسلمون ويفيقون من سباتهم، فنحن أصحاب الحق وعليه سائرون إن شاء الله.
أيها المسلمون، إن المتتبع لردود الفعل الغربية يرى التناقض الواضع الفاضح بين التصريحات والبيانات التي تدعو لما يسمونه حرية الرأي والديمقراطية وبين ما تفرزه الانتخابات في أي بلد ما، فما كان لصالح أمريكا وأوروبا يلقى الدعم والتأييد، وما كان ضد مصالحهم الاستعمارية يحاربونه، وما أحداث الجزائر عنكم ببعيد، ولو أن أمريكا كانت تدرك أن نتائج الانتخابات ستكون على هذا الحال لما تغنت بالديمقراطية، ولما أصرت على إجراء الانتخابات في موعدها، ولكن الله تعالى أتاهم من حيث لم يحتسبوا.
عباد الله، ما الذي يراه شعبنا من أمريكا سوى المماطلة والتسويف والخداع؟! وها هي اليوم تتصرف وكأنها ربة البيت، وأنها لن تدفع المصروف اللازم إلا بإطاعة الوالدين، أمريكا التي اكتوى المسلمون بنار ديمقراطيتها الزائفة تحاول أن تمارس الابتزاز السياسي على شعبنا، مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية. فهل نعطيها الفرصة ليكون القرار الفلسطيني هو قرار أمريكي؟!
أيها المسلمون، الأيام القادمة حاسمة، وإياكم ثم إياكم من الفرقة والخصام، إياكم من الابتعاد عن منهج الله، وحدوا صفوفكم وتذكروا سيرة نبيكم رغم أنف الحاقدين، تذكروا كيف آخى بين المهاجرين والأنصار بوحدة العقيدة وأخوة الإيمان، تمسكوا بحبل الله ولا تفرقوا، وأنتم تملكون من أسباب القوة ما يؤهلكم لقيادة البشرية، ألستم ـ يا أمة الإسلام ـ أصحاب الثروات الهائلة؟! لماذا تضعون أموالكم في بنوك أعدائكم؟! لماذا لا تسخرونها لمصلحة أمتكم؟!
عباد الله، تذكروا يوما مضى كنا فيه سادة العالم وقادة الدنيا، إذًا فلماذا هذا الضعف الذي نحياه الآن؟!
عباد الله، تيقنوا تمامًا أن لدولة الإسلام ظهورا وإقبالا قبل قيام الساعة، وسوف يأتي اليوم الذي يظهر فيه نور الإسلام، وصدق الحق وهو يقول: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:9]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة على أمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)).
أيها المسلمون، لقد آن الأوان أن نخرج من إطار الهزائم والنكسات، وأن نرجع إلى أيام الانتصارات، وسوف يتحقق ذلك إذا أقمنا دولتنا دولتنا الإسلامية والتي تسير بنا على منهاج الخلافة الراشدة.
|