.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

رسول الله حقًّا

4733

سيرة وتاريخ

الشمائل

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

القدس

11/1/1427

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- من شمائل المصطفى . 2- حكم من سبّ النبي . 3- مقدار النبي في قلوب أصحابه. 4- نموذج من السياسة النبوية الراشدة. 5- وصايا مهمة بمناسبة الانتخابات التشريعية الفلسطينية.

الخطبة الأولى

عباد الله، رسولنا مرسل من ربه، لا يمثل نفسه، وإنما يمثل الإرادة العليا، إرادة المولى عز وجل في علاه، وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3، 4]. من قرأ سيرته عرف بصدق أنه لا يمكن أن يكون دعيًا ولا دجالاً ولا إرهابيًا. رسالته امتدت طولا حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عرضا حتى انتظمت آفاق الأمم، وامتدت عمقا حتى شؤون الدنيا والآخرة. لقد كان يقطع الليل تسبيحًا وقرآنًا وقيامًا لله تعالى لا يفارقه أحيانا، وبكاء يفيض من خشية الله ألوانًا، لم ينتقم لنفسه مع الندرة، ولا شمت بعدوّ هزِم بعد النصرة، بل يعفو ويصفح عمن اعتدى. إن الدجالين لا يمكن أن يحملوا بين جنوبهم مثل هذا القلب الشاكر، ولا يمكن أن يكون لهم مثل هذا اللسان الذاكر، ولا يمكن أن يكون لهم مثل هذا البدن الصابر على طاعة الله وعبادته.

إن هذا القلب الطاهر قلب رسول الله المحب لربه الخائف من عذابه الراجي لرحمته المقبل عليه بكل همته، إنه دليل على أنه رسول الله، وقد يسأل بعضهم: لماذا ثأر المسلمون؟ وجوابنا واضح: إنما ثأروا لكرامتهم؛ لكرامة دينهم، لكرامة نبيهم، حفاظا على المقدسات. لقد استغضب المسلمون وكان من حقهم بل من واجبهم أن يغضبوا، استغضب المسلمون حينما مست عقائدهم في شخص رسولهم محمد .

عباد الله، جمهور علماء المسلمين يرون أن من شتم رسول الله لا تقبل له توبة وليس له إلا السيف؛ حتى لا يجرؤ الناس على هذا المحرم. هذا ما قرره العلماء من قديم الزمان، وألف فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابه الشهير الصارم المسلول على شاتم الرسول. وقد نتساءل هنا: أين الموقف الرسمي لحكام المسلمين؟! لم نسمع شيئا من حكامنا يا عباد الله، ولا أظن لو أن واحدا منهم وجهت إليه الإساءة سيسكت. أين العظمة الصديقية؟! أين الهمم العلوية؟! أين القوة العمرية؟!

انظروا ـ أيها المؤمنون ـ كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم معه، قال عروة بن مسعود الثقفي: والله، لقد وفدت على الملوك؛ وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدّقون إليه النظر تعظيما له. فهل يوجد ـ يا عباد الله ـ في حكامكم من له هذا المقدار العظيم؟! وصدق الله القائل: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:127، 128].

سيدي يا رسول الله،

خلقت مبرأ من كل عيب       كأنّك خلقتَ كما تشاء

كفاك شرفًا وفخرًا قول الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، لقد جمع الله لك المحاسن كلها.

وإليكم ـ أيها المؤمنون ـ شيئًا من مواقفه، استمعوا ـ أيها المؤمنون ـ إلى كلماته وانظروا إلى سياسته.

عباد الله، والناظر في سيرته في غزواته ومعاملاته لأعدائه يرى مواقف كثيرة تدل على عظيم قيادته وكمال معرفته وخبرته بأساليب الحروب وإدارة الجيوش، مع أنه لم يتعلم الفنون الحربية ولا الهندسة العسكرية في مدرسة أو كلية. لقد انتصر على قلة جيشه في مواقع كثيرة، ودخل مكة مصدر الهجوم ومنبع المؤامرات فاتحًا، وقضى على أعدائه وتتبعهم حتى قضى على نفوذهم، بعدما غدروا كثيرًا بمعاهداته، ولم يكفوا عن المؤامرات والمكائد. ولم تكن سياسته سياسة اعتداء وقهر وظلم، إنما كانت سياسته سياسة دفاع ومقاومة وعدل ومحبة وتسامح. ومن مواقفه السياسية الحكيمة أنه لما نقضت قريش صلح الحديبية أرسلت أبا سفيان إلى المدينة يسأل النبي تجديد العهد وزيادة المدة، فقال: يا محمد، إني كنت غائبًا في صلح الحديبية فجئت لأجدد العهد، فقال : ((فلذلك جئت؟)) قال: نعم، فقال: ((هل من حدث؟)) فقال أبو سفيان: معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا لا نغيره ولا نبدل، فقال : ((فنحن على ذلك)).

فانظروا إلى هذا السياسة النبوية الراشدة، لم يعاقبه على نقض العهد، ولم يتوعد بالحرب حتى لا تتهيأ نفوسهم في التفكير في حرب ولا يعدون العدة لذلك، ولذلك فإنهم ما أحسوا إلا والنبي قريب من مكة مع جيشه.

عباد الله، ورد في الحديث الصحيح عن أبي الوليد عبادة بن الصامت عن النبي قال: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل)).

 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، تتصدر الانتخابات التشريعية الفلسطينية اهتمامات العالم أجمع، فقد أشادت وسائل الإعلام والمراقبون الدوليون بالعملية الانتخابية التي جرت بكل نزاهة وشفافية، وأسفرت عن فوز كبير للحركة الإسلامية، وقد اعتبرها السياسيون بأنها ثورة خضراء على الذات داخل المجتمع الفلسطيني، فقد أثبتت النتائج رغبة الشارع الفلسطيني في إحداث التغيير نحو الإسلام. وعلى الرغم من تباين الآراء فإنني ـ ومن هنا من رحاب المسجد الأقصى المبارك الأسير ـ أشدد على أمور عدة، وهي جوهرية وحساسة لحماية أمتنا، فالنصيحة أمانة، ومن رفع شعار الإسلام عليه العمل بأحكامه وتعاليمه.

أولاً: تعزيز الوحدة الإيمانية: على شعبنا المسلم المرابط بكل اتجاهاته وميوله أن يرقى إلى مستوى الإيمان بالله ومستوى المسؤولية، وأن لا يتعامل مع الأحداث بردات فعل تؤثر على حاضره ووجوده ومستقبله. ونحن لا نزال نرزح تحت الاحتلال، وأمتنا أمة واحدة، ومأساتنا واحدة، علينا أن نحترم رغبة التغيير، فالعالم الذي أعرب عن نزاهة الانتخابات يجب أن تظل نظرته ذاتها لوحدة شعبنا.

ثانيًا: إعادة ترتيب الصف بما يعزز صمود شعبنا في أرضه، ونضع نصب أعيننا المصلحة العليا فوق كل اعتبار، لتكون كلمة الله هي العليا، بعيدًا عن الغوغائية والفكر المنغلق، وفرض سياسة النظام والقانون الذي لا يخالف تعاليم الإسلام.

عباد الله، إن كشف النقاب عن حالات الفساد وهدر أموال الأمة بملايين الدولارات تعتبر علامة خزي وعار في حقنا، وقد جعل الدول المانحة تنظر إلينا نظرة ريبة وتشاؤم حيال قضايانا المصيرية، فالاختلاسات كبيرة، والمتهمون من أصحاب النفوذ والمراكز القيادية كما ورد على لسان النائب العام. فالمطلوب هو إصلاح الفساد ومحاربة المفسدين، وعلى جميع المستويات لحماية المجتمع وصيانة حقوق الناس.

ثالثًا: أهمية اشتراك القوى الفاعلة في مجتمعنا واستغلال الطاقات وتحمل المسؤولية، ففي الاتحاد قوة، وديننا يدعو لمبدأ الشورى وتطبيق قوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]

عباد الله، لا نريد أن يتكرر المشهد العراقي ولا المشهد الجزائري على الساحة الفلسطينية، وأرضنا لا تزال محتلة وهي أمانة في أعناقنا، فلا تدعوا مجالا للأعداء أن يجهزوا على منجزات شعبنا القوي الصابر المرابط، فالتضحيات كبيرة والدماء تسيل والشهداء يتساقطون والمعتقلون يتزايدون. نسأله تعالى أن يفرج كربنا، ونسأله تعالى أن يكشف الهم والغم عنا. ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون.

رابعًا: التأكيد على أن ديننا الإسلامي هو دين الحق والعدل والتسامح، وأنه لا يظلم أحدًا ولا يعتدي على أحد، ولنا في العهدة العمرية خير دليل وبرهان على حماية غير المسلمين في ظل دولة الإسلام والحفاظ على أماكن عبادتهم.

أيها المسلمون، إن التغيرات على الساحة ستكون بلا شك موضع المزايدات خلال الحملة الانتخابية الإسرائيلية القادمة، وقد يؤدي الأمر إلى تعزيز وصمود اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى سدة الحكم، الأمر الذي سيزيد الأمور تعقيدا، ونعود إلى جذور الصراع العقدي على أساس الدين، وليس على أساس الأرض والوطن. فهل يتعظ المسلمون ويفيقون من سباتهم، فنحن أصحاب الحق وعليه سائرون إن شاء الله.

أيها المسلمون، إن المتتبع لردود الفعل الغربية يرى التناقض الواضع الفاضح بين التصريحات والبيانات التي تدعو لما يسمونه حرية الرأي والديمقراطية وبين ما تفرزه الانتخابات في أي بلد ما، فما كان لصالح أمريكا وأوروبا يلقى الدعم والتأييد، وما كان ضد مصالحهم الاستعمارية يحاربونه، وما أحداث الجزائر عنكم ببعيد، ولو أن أمريكا كانت تدرك أن نتائج الانتخابات ستكون على هذا الحال لما تغنت بالديمقراطية، ولما أصرت على إجراء الانتخابات في موعدها، ولكن الله تعالى أتاهم من حيث لم يحتسبوا.

عباد الله، ما الذي يراه شعبنا من أمريكا سوى المماطلة والتسويف والخداع؟! وها هي اليوم تتصرف وكأنها ربة البيت، وأنها لن تدفع المصروف اللازم إلا بإطاعة الوالدين، أمريكا التي اكتوى المسلمون بنار ديمقراطيتها الزائفة تحاول أن تمارس الابتزاز السياسي على شعبنا، مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية. فهل نعطيها الفرصة ليكون القرار الفلسطيني هو قرار أمريكي؟!

أيها المسلمون، الأيام القادمة حاسمة، وإياكم ثم إياكم من الفرقة والخصام، إياكم من الابتعاد عن منهج الله، وحدوا صفوفكم وتذكروا سيرة نبيكم رغم أنف الحاقدين، تذكروا كيف آخى بين المهاجرين والأنصار بوحدة العقيدة وأخوة الإيمان، تمسكوا بحبل الله ولا تفرقوا، وأنتم تملكون من أسباب القوة ما يؤهلكم لقيادة البشرية، ألستم ـ يا أمة الإسلام ـ أصحاب الثروات الهائلة؟! لماذا تضعون أموالكم في بنوك أعدائكم؟! لماذا لا تسخرونها لمصلحة أمتكم؟!

عباد الله، تذكروا يوما مضى كنا فيه سادة العالم وقادة الدنيا، إذًا فلماذا هذا الضعف الذي نحياه الآن؟!

عباد الله، تيقنوا تمامًا أن لدولة الإسلام ظهورا وإقبالا قبل قيام الساعة، وسوف يأتي اليوم الذي يظهر فيه نور الإسلام، وصدق الحق وهو يقول: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:9]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة على أمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)).

أيها المسلمون، لقد آن الأوان أن نخرج من إطار الهزائم والنكسات، وأن نرجع إلى أيام الانتصارات، وسوف يتحقق ذلك إذا أقمنا دولتنا دولتنا الإسلامية والتي تسير بنا على منهاج الخلافة الراشدة.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً