.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

نصرة الحبيب

4727

الإيمان, سيرة وتاريخ

الإيمان بالرسل, الشمائل

سعود بن سعد الهاجري

الدوحة

27/12/1426

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وقفات مع نهاية العام المنصرم. 2- عظمة الإسلام. 3- فضل النبي . 4- حب السلف للنبي . 5- تعرض النبيّ للأذية. 6- الحملات الدانماركية الإجرامية. 7- موقف المسلم تجاه هذه الحملات.

الخطبة الأولى

أما بعد: إخوة الإسلام، ها هو عام هجريّ جديد يطلّ علينا في هذا الأيام، أسأل الله أن يجعله عامًا مباركًا لأمة الإسلام والمسلمين. ومع قدوم هذه السنة الجديدة وانقضاء العام الماضي يجب أن يكون لكل منّا وقفات مع نهاية العام المنصرم؛ لعل الله أن يحيي بها القلوب وأن ينير بها العقول.

أولها: وقفة محاسبة للنفس، يعرف الواحد منا ماذا قدم وماذا أخر، هل أعدّ ليوم الرحيل؟ وهل استعدّ ليوم حرّه شديد؟

أما الوقفة الثانية والتي لا تقل أهمية عن الوقفة السابقة فهي وقفة مع هجرة المصطفى الحبيب ، فنتذكّر أن الرسول هاجر من مكة المكرمة إلى طيبة الطيبة لِما لاقى من عداوة وبغضاء من كفار قريش وغيرهم من أعداء هذه الملّة السمحة، ومن هذا نعلم ـ إخوتي الأفاضل ـ علمًا يقينيًّا أن الهجمة على الإسلام لم تبدأ من زماننا الحاضر، ولا منذ سنة أو سنتين، ولا من قرن أو قرنين، بل كانت هذه الهجمة الشرسة الحقيرة منذ زمن رسولنا الكريم ، ولم تتوقف هذه الهجمات ساعةً واحدة، بل ولا يزال أبناء القردة والخنازير يخططون ويكيدون لهذا الدين بشتى الطرق والوسائل حتى يتحقق لهم ما يتمنون، وقد بين الله تعالى هذه الحقيقة في كتابه العزيز فقال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].

ونحن المسلمون من مبادئنا الأصيلة ومن تعاليمنا الجليلة أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرف بأن جعلنا الله مسلمين ولو حصل ما حصل من أعداء الدين نحو هذا الدين العظيم، فمن لم يتشرف بهذا الدين ومن لم يفتخر بكونه من المسلمين ففي قلبه شكّ وقلة يقين، يقول الله تعالى في محكم التنزيل: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44] أي: شرف لك، وشرف لقومك، وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة.

بشرى لنـا معشر الإسلام أن لنـا      من العناية ركنًا غيـر منهدم

لَمـا دعـا الله داعينـا لطاعتـه       بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم

ولذلك كان لزامًا علينا أن نفخر، وأن نشعر بالشرف والجلالة، يوم أن جعلنا الله مسلمين لا ضالين ولا مضلين.

عباد الله، والله إن ديننا عظيم وجليل، ولا يعرف قدر هذا الدين حق قدره إلا من كان مشركًا ثم دخل تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وإن من أهم مميزات هذا الدين وخصائصه أن رسوله ومبلغه هو المصطفى المختار محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي بأبي هو وأمي ، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين.

إن البريـة يـوم مبعـث أحمـد       نظر الإلـه لَها فبدّل حالَهـا

بل كرّم الإنسانَ حين اختـار من        خيْر البرية نجمهـا وهلالَهـا

لبـس المرقـع وهو قـائد أمـة       جبت الكنوز فكسّرت أغلالها

لَمـا رآهـا الله تَمشـي نحـوه         لا تبتغي إلا سواه سعـى لَها

هذا النبي العظيم كان عطوفًا بأصحابه، حليمًا بأعدائه، كان أجمل الخلائق وأصفى البشائر، لا تحصى فضائله، ولا تعد مزاياه، فهو خير خلق الله إنسانا، كان متواضعًا زاهدًا شجاعًا مقدامًا، تجمعت فيه جميع الأخلاق والصفات الحميدة والنبيلة، بل وأقسم الله تعالى بالنجم إذا هوى على تزكية المصطفى ، فزكى عقله: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]، وزكى لسانه: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى [النجم:3]، وزكى شرعه: إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، وزكى معلِّمه: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:5، 6]، وزكى قلبه: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]، وزكى بصره: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكاه كله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]. نعته بالرسالة: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29]، وناداه بالنبوة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الممتحنة:12]، وشرفه بالعبودية: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، وشهد له بالقيام بها: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19] .

به قامت دعوة الإسلام، وعلى يديه قامت راية الإيمان، وبفضله بعد فضل الله وصلت دعوته إلى جميع أقطار العالم من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ولو جلسنا ـ يا إخواني الكرام ـ نحكي ونتحدّث عن رسولنا الكريم أيامًا وأياما لما وفّينا حقّه، ولما ذكرنا شيئًا ولو يسيرًا في سيرته وفضله وعظيم قدره.

ذكريات مع الرسول وشوق    ستثير الشجون منه الأجـلا

كلمـا مر ذكره فِي فؤادي    قال قلب المحب: أهلاً وسهلاً

حبه عبادة، حبه طاعة مفروضة، حبه إيمان وتصديق يتقرب العبد به إلى الواحد الأحد.

فالصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح أحبوه عليه الصلاة والسلام، وقالوا: عبد الله ورسوله، يبلغ عن الله، وهو أفضل الخلق وأصفى البشر، أحبوه لأنّ حبه كحلٌ للعينين وبلسم للأرواح وتشنيف للآذان وتضويع للمجالس وطيب للأنوف، يقول : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبه إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) رواه البخاري ومسلم.

والقصص الدالة على محبة الصحابة والسلف رضوان الله عليهم كثيرة وعجيبة، ولا نستطيع أن نذكر منها إلا الشيء اليسير؛ لأن المقام لا يسمح، ولو سمح المقام لذكرها لجلسنا أيامًا وأسابيع حتى نذكر جزءًا يسيرًا من هذه القصص الرائعة.

يقرأ الإمام مالك كتابه الموطأ في أحاديث الرسول ، فتلدغه العقرب ثلاث عشرة مرة، فلا يقطع الحديث، فيقول له الناس: يا إمام، رأينا وجهك تغيّر مرات كثيرة وأنت في المجلس! فقال: لدغتني عقرب وأنا أقرأ الحديث، قالوا: فلم لم تقطع الحديث؟! قال: استحييت أن أقطع حديث رسول الله من أجل نفسي.

وهذا سعيد بن المسيب رحمه الله يسأل عن حديث وهو في سكرات الموت، فيقول: أجلسوني، قالوا: أنت مريض، قال: أجلسوني، كيف أسأل عن كلام الحبيب وأنا مضطجع؟!

هذا هو حبّ الرسول ، حبه عليه الصلاة والسلام طاعته، حبه عليه الصلاة والسلام اتباعه، حبه عليه الصلاة والسلام تعظيم سنته وتحكيم شريعته.

وبعد هذه القصص القصيرة الرائعة لا نعتقد أن الرسول كانت حياته مليئة بالورود، بل كانت حياته ـ بأبي هو وأمي ـ مليئة بالمخاطر والصعاب، ولكنه كان صابرًا جلدًا، لا توقفه الصعاب، ولا تمنعه المواقف العظام؛ لأن في زمنه كان هناك صنف من الناس جفوا عن الرسول وآذوه وشتموه وسبوه بأقبح الأسماء والصفات، فتارةً يقولون: إنه ساحر، ومرة شاعر، ثم مرة مجنون، وعلى هذه الطريقة يستمرّون، ولكن الله تبارك وتعالى انتقم لنبيه ، فأطفأ أبصارهم، وأعمي أفئدتهم؛ لأن هؤلاء القوم جعلوا رسول البرية وإمام البشرية لواءَ الشر في العالم والمسؤول الأوّل عن تخلّف المسلمين، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا [الكهف:5]. يأتي أحدهم وهو رجل معتوه، فيصف الرسول بأنه رجعي، وأنه بدويّ متخلف، أساء إلى العرب، فهو لا يعرف علم الاجتماع، ولا علم النفس، ولا علم التربية، ولكن هذا المعتوه الأحمق لم يعلم بأنّ رسولنا الكريم هو الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الحجر والشجر إلى عبادة الواحد الأحد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

أتطلبون من المختار معجزة      يكفيه شعب من الأموات أحياء

وهذا شاعر الجنس والغرام والضياع عابدُ المرأة والكأس والأغنية، لا رفع الله شامته، ولا قبل حجته، تهكّم بالشريعة، واستهزأ بالدين، وسخِر من الرسالة الخالدة، بينما أتى هذا المجرم إلى أحد الأصنام والطواغيت فقال له:

ملأنا لك الأقداح يـا مـن بحبـه      سكرنا كما الصوفيّ بالله يسكر

فأنت أبـو الثورات أنت وقـودها     وأنت لنا المهدي أنت المُحـرر

وبعد كل هذا نعلم أن هذه الهجمات الشرسة والحقيرة ـ أو ما يسمّى بنهيق الحمار ـ لم تبدأ في وقتنا الراهن، بل كانت منذ بداية الرسالة السماوية، ولكن للأسف يأتي أيضًا في هذا الزمان الحاضر أقوام ما عرفوا الله طرف ساعة، وما أعدوا لقيام الساعة، يعيدون التاريخ بصورة أخرى، فيتّهمون النبي ويصوّرونه على أنه إرهابي ومعه قنابل وأسلحة في كركتير في صحيفة دنماركية أجلّكم الله. فمعذرة يا رسول الله، ما عرفوك حق معرفتك، وما قدروك حق قدرك، وما عرفوا منزلتك ومكانتك. لقد كان الرحيم الشفيق في كل معركة ينهى عن قتل النساء والأطفال، وعن تخريب البيوت وقلع الأشجار، وحتى الطيور في أعشاشها ينهى النبي عن تخويفها وتفزيعها، فلم ينتقم الرسول يومًا لنفسه ولا لذاته وإنما لله ولله فقط، فما أعظمك يا رسول الله! أبعد هذا يتجرأ حقير من الحقراء وأحمق من الحمقى ونكرة من النكرات أن يتهم نبي الإسلام بالإرهاب وغيره؟! أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18].

ولم تصدر الهجمات الجديدة من اليهود والنصارى المجرمين إلا من بعد ما رأى أعداء الإسلام ضعفَ الأمة الإسلامية وضعف عقيدتها وضعف اقتدائها برسولها وقائد رايتها، وهم ينفذون تمامًا ما ذكره الله تعالى في محكم التنزيل: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].

أسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين، ويا نجاة التائبين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

إخوة الإسلام، إخواني الكرام، وبعد ما سمعناه من هجمات شرسة وصيحات حقيرة في هذا الزمن الحاضر تجاه صاحب الرسالة السماوية ينبغي لنا كمسلمين أن نتخذ عددًا من المواقف المهمة والخطوات الفعالة نحو نصرة صاحب الرسالة، لا أن نقف مكتوفي الأيدي نشاهد ما يحدث حولنا ولا نهمس ولا نتحدث ببنت شفة.

فمن أراد أن يكون فعالاً في هذه القضية المهمة يجب عليه أولاً أن يقرأ سيرة المصطفى قراءةً جدّية لتطبيقها عمليًا في الحياة اليومية، لا أن يقرأ أحد من المسلمين أو يطلع على سيرة الحبيب مجرد اطلاع فارغ دون أيّ هدف واضح. ومن الكتب التي تعين المسلم في هذا المجال كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير وكتاب "الرحيق المختوم" لصفي الرحمن المباركفوري.

ثم يجب على المسلم أن يلتزم بالسنة الظاهرة والباطنة ابتداءً بإعفاء اللحية وتقصير الثوب والتزام السنن الرواتب وصيام الأيام الفضيلة حتى نكون متبعين لرسولنا حق الاتباع. بالإضافة إلى أنه يجب على كل مسلم أن يعلّم أبناءه ما استفاده من سيرة الحبيب حتى يتمّ توعية جيل المستقبل وتوسيع آفاقه لإدراك الخطر الذي يحيق بالأمة الإسلامية من كل جانب.

وأخيرًا وليس آخرًا ينبغي لكل مسلم في هذا الوقت الراهن أن يقاطع كل من أظهروا العداوة لرسولنا الكريم وقائدنا العظيم مقاطعة تامة وبصورة شاملة، وأخصّ منهم المنتجات الدنماركية والنرويجية؛ حتى يفيق الغافلون على إدراك أهمية الرسول في قلوبنا وفي أرواحنا، ناهيك على أنه يمكن لكل مسلم أن يساهم في نشر وتوزيع وطباعة الكتب التي تبين فضل الرسول وأثر دعوته على البشرية بأسرها، ولا أظن أن هذه الخطوة صعبة في ظلّ وجود العديد من المؤسسات الخيرية والدعوية في هذا البلد المبارك.

إخوة الإسلام، هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً