.

اليوم م الموافق ‏18/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

رمضان شهر التوبة والرجوع إلى الله

4618

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

التوبة, الصوم

أحمد المتوكل

تاونات

مسجد الرميلة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- التواب من أسماء الله الحسنى. 2- سعة رحمة الله وشمول توبته. 3- فرح الله بتوبة عبده. 4- الصيام فرصة سانحة للتوبة. 5- رمضان شهر التوبة والغفران. 6- التوبة الحقيقية التي نريد.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون، إن مِن أسماء الله الحسنى وصفات جماله وكماله ونواله التوابَ الغفار، ولا شك أن مَن هذه أسماؤه ومَن هذه صفاته ـ لا شك ـ يحب التوابين الراجعين إليه في كل حين المتطهرين من ذنوبهم.

نداءاتُ الله سبحانه لعباده بالتوبة وصلت كل أذن واعية: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، ومغفرته جل في علاه شملت كل مذنب أسرف على نفسه بالمعاصي فندم حتى ضاقت عليه نفسه، وأبواب رحمته وسعت كل تائب هارب إليه، ويده مبسوطة في كل حين من ليل ونهار ليتوب المسيئون، وليؤوب إلى سبيل الرحمان من أبعدهم عنه الشيطان، وأوقعتهم أنفسهم في دَرَكات البعد عن الله، لا يَكَلُّ ولا يمل سبحانه، ولا تغلق أبوابه، ولا ينتهي حلمه وإحسانه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام عن اللطيف بعباده الرؤوف بهم: ((إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)) رواه مسلم وغيره عن أبي موسى الأشعري.

وإن الله سبحانه قد فتح باب التوبة، ويسَّر طُرق الأَوْبَة، ورغَّب فيها، وشوَّق إليها، ووعد من تاب وأناب بقبوله وتبديل سيئاته حسنات: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وقال سبحانه: مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70]، ومن أجل التوبة إليه سبحانه رغَّب في الجنة وما فيها، ورهَّب من النار وما فيها، ولغايةِ الخضوع والرجوع إليه جل في علاه أرسل الرسل، وأنزل الكتب، فأقام الحجة، وأوضح المحَجَّة، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى مَن حيَّ عن بينة.

ومن الدلائل على صفحه وحلمه جل سبحانه أنه لا يُنْزِل العقوبة على من أذنب إثر ذنبه مباشرة، بل يُمْهل ويستر ويُنْظِر، لعل المذنب يتوب، ولعل الآبق يؤوب، قال سبحانه: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ [الكهف:58]؛ لأن الله يريد للناس المتاب لا العذاب، والله عز وجل ما فرض الفرائض وشرع العبادات إلا للاعتراف بنعمه والثناء عليه والدخول في سلك التائبين المنيبين السائرين في طريقه السالكين إليه.

والصيام ما فرضه الله على عباده إلا لمصالحهم المتعددة: ليرجعوا إليه، ويقفوا على بابه، ويطهروا قلوبهم وأرواحهم مما عَلِق بها من أدناس، ويزكوها لتسمو إلى رب الناس، وينعموا بما عند خالقهم من فضل ورحمة وخير لا يقاس، وعطاء عظيم لا ينفد، ونعيم مقيم في جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136].

رمضان يُلهم الله فيه النفوس الآثمة والقلوب الهائمة، لترجع إلى مولاها، وتصحح المسار، وتصحب الأخيار، وتترك طرق الغاوين الفجّار، وتتطهّر من الأقذار والأكدار، وتتخفّف من الذنوب والأوزار، لتسْلَم من الأخطار يوم العرض على الجبّار، وتدخل جنات تجري من تحتها الأنهار، وتنظر إلى وجه الرحيم الكريم الغفار.

عباد الله، إن الصيام أهم شعيرة سنوية تحل بالمسلمين كمحطة للمراجعة والتوبة والإنابة وطلب الغفران، أراده الله ليكون مناسبة لمراجعة النفس ومواجهتها، وردِّها إلى فطرتها وأصل خِلقتها، والعودة بها إلى رحاب الله، وإلى كنفه وهداه مع أهل الله، ولتتذوق حلاوة الإيمان، ولترقى في مدارج الإحسان، ولتُحِس بعزة العبادة ولذتها، بعد مرارة المعصية وذلة الخضوع للهوى وللشيطان، ويكفي من شرف هذا الشهر المبارك وفضله أن من صامه وقامه بإيمان وإحسان وإتقان مُحِيت صفحاته السوداء، وفُتِحت له صحيفة نقية بيضاء، وسَطَع له في الملأ الأعلى نور وأضَاء، يقول المصطفى الكريم عليه صلوات وتسليمات الله: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه)) رواه مسلم والبخاري عن أبي هريرة، وقال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه)) رواه الترمذي والنسائي والحاكم عن أبي هريرة.

في رمضان ينادي منادي الله بنداء لطيف مُشفِق حانٍ: يا أيتها الأنفس الشاردة، ارجعي إلى ربكِ، وعودي إليه، وادخلي في صف عباده الصالحين، لتدخلي جنته مع الداخلين، ولتنعمي مع من: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69، 70]. والله الكريم المنان ذو فضل على الناس ـ كل الناس ـ وعلى المؤمنين بوجه خاص، ففي رمضان يُغلِّق أبواب جهنم جميعًا، ويُفتِّح أبواب الجنان جميعًا، ويقيّد الشياطين ويسلسلهم، ويحرك الأنفس للطاعات، ويكلف من ينادي: ((يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)) رواه الحاكم عن كعب بن عُجْرَة وقال: "صحيح الإسناد".

عندما يُقبِل رمضان تتدفّق أمواج التائبين على المساجد، ويكثر سواد المتدينين، وتتطهر أرواح المذنبين، وتتعطر بأريج التوبة، وتعلو البسمة والبِشْر وجوههم، وتغمرهم نسائم الإيمان، وتهزُّهم أشواق الإحسان في شهر القرآن، وكم تبكي عيون المذنبين، وتقشعر جلودهم، وتلين قلوبهم، وتطمئن لذكر الله، ويزول عنها الران الذي علاها، وتصفو وتزكو، وتُفتح أبوابُ الأمل في وجوه المذنبين الذين أطاحت بهم الشياطين في فخاخها، وأوقعتهم في شباكها، وأحاطت بهم خطاياهم من كل جانب حتى اشتد قلقهم وتوجسهم منها؛ لأن الله الكريم الحليم هيّأ لهم الأجواء، وقلل عنهم سبل الإغواء، وأخرس ألسنة الشياطين الأعداء، وشَلَّ حركاتهم، وأزال وساوسهم، وجعل أرواح المؤمنين تستجيب لأوامره سبحانه، وأخمد نيرانَ الشهوات، وأضعف حدة الهوى في نفوسهم، وما ذلك إلا ليتوبوا ويسلكوا سبيل التائبين النادمين المقبلين على الله، قال الله الحليم الرحيم: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:26-28].

أيها التائبون الجدد، رمضان يأتي وفيه فُرَص الغفران ومواسم الامتنان ومفاتيح أبواب الجنان، وفيه تتطلع النفوس إلى رحمة الله المبسوطة في أوله، وإلى المغفرة الشاملة في وسطه، وإلى العتق من النار المتاح في آخره، فمن أقبل فيه على الطاعات فاز وسَعِد، ومن أعرض عنها غُبِن ونَكِد، وحرم نفسه من نفحات العفو الإلهي المعروضة في شهر المغفرة، قال الرسول : ((بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يُغفر له)) رواه الترمذي عن أبي هريرة في كتاب الدعوات، أي: أبعده الله عن رحمته وفضله، وقال عليه الصلاة والسلام: ((رَغِم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له)). إنه دعاء من جبريل دعا به على من فرَّط في اغتنام ما يتاح من فرص الخير وما يفتح من أبواب الفضل، وهذا الدعاء أمَّنَ عليه الرسول للزيادة في التأكيد على استجابته وقبوله، ولقد أعذر الله لعبد أدركه رمضانُ فلم يتب، بل بقي كما كان على حاله من الذنوب والآثام، فتَبًّا لمن جاءته مواسم الإنابة مفتوحة أبوابها ولم يغتنمها.

رمضان مناسبة يمنحها الكريم لعباده كي يغتنموها لإصلاح ما فسد من تدينهم، وتجديد ما بَلِي من إيمانهم، وتقويم ما اعوَجَّ من سلوكهم، وتطهير ما ران على قلوبهم، وللإكثار من الصالحات؛ ليكون ذلك رصيدًا يُكمِّل لهم ما يعتري أعمالهم خلال السنة من نقص أو تقصير، فإذا أضاع المسلم هذه الفرص وحُرِم مما يتاح فيها من الخيرات والبركات وأضاع ما يمكن أن يربح فيها من الصفقات فهو محروم مهموم مَغْبون، وأي حرمان بعد هذا؟! وبئس المحروم مَن حُرِم مِن فضل الله الدافق الرائق.

أيها الراغبون في التوبة، ها هو رمضان شهر التوبة قد أقبل، والتوبة افتقار إلى الله وانكسار، واستغفار واعتذار من الذنب والناس هجوع، وتذلل بين يديه وخضوع، وإقلاع عن الذنب ورجوع، وندم على ما فات، وعزم وعهد على الابتعاد عن المعاصي وأسبابها ومقترفيها وأمكنتها فيما هو آت، ورد للمظالم والحقوق المغتصبة بغير حق إلى أصحابها. والتوبة فتح صفحة بيضاء، وسلوك سبيل واضح وضَّاء، وحَذَر من العودة إلى الذنب وبكاء، وتضرع وقت النزول الإلهي ودعاء، وخوف ورجاء. قد أهَلَّ الهلال من رمضان شهر زلفى وتوبة وأذْكار، فاذكروا الله فيه ذكرًا كثيرًا، واستجيروه من عذاب النار، وارجعوا عن ذنوبكم بمتاب صادق، وأقلعوا عن الإصرار، فاعملوا أيها المسيئون، وادعوا ربكم جهرة وفي الإسرار، واحذروا غفلة القنوط وداووا داءها بالرجوع للغفار.

والتوبة خيرُ ما ينبغي أن يستقبل به الناس شهر الصيام، فإذا ظهر هلال رمضان حري أن يلجأ إلى الله المذنبون، ويقف بأبواب رحمته القانطون، ولفضله يرجو المسرفون. قل لأهل الذنوب والآثام: قابلوا بالمتاب شهر الصيام، وأقلوا الكلام فيه نهارًا، واقطعوا ليله بطول القيام، واطلبوا العفو من إله عظيم ليس يخفى عليه فعل الأنام.

إن الله التواب الرحيم العفو الحليم جل جلاله وكرُم نواله يفرح بتوبة التائبين أكثر من فرحة الأم بولدها، ويَقبَل رَجعتهم إليهم، ويغفر لهم ولا يبالي، قال الرسول : ((للَّهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله بأرض فلاة)) رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك، ومعنى الحديث: أن الله يفرح أكثر من الذي فقدَ بعيره في أرض واسعة خالية، ثم وجده ففرح بذلك كثيرًا، الله الله، ما أوسع رحمة الله! وما أجمل عفو الله! وما أكمل إحسان الله! جل الله، ما أعطف حلم الله! سبحان من سبقت رحمتُه غضَبه، سبحان من كتب على نفسه الرحمة، وجعلها تسَعُ كل شيء.

رمضان أجمل فُرَصِ التطهير، وأحسن أوقات التنوير، موسم الغفران المرتجى والعطاء والرضا والقربى والزلفى، شهر الصفح الجميل وعفو الجليل، شهر الهبات وإقالة العثرات ومحو السيئات وتكثير الحسنات وعلو الدرجات وانسكاب البركات.

فإذا كان الله عز وجل قد رغَّبنا في أن نتوب إليه، وإذا كانت نفوس الناس تتطلع إلى التوبة وترجو الغفران فأي توبة مطلوبة؟! وأي رجعة إلى الله مرغوبة؟!

إن التوبة المطلوبة هي التي لا تستقيم الحياة إلا بها، ولا يصحُّ السلوك إلى الله إلا بشروطها، ولا تصلح الأحوال ولا تكتمل سعادة المؤمن إلا معها، ولا تحصل فرحة الأمة وترفع عنها الغُمّة إلا بها، هي التوبة الشاملة الكاملة الفاعلة العميقة المتجدّدة، التي تقلب كل الموازين العقلية القلبية الأخلاقية السلوكية، وتوجِّه التائب وجهة الآخرة، وتستنقذه من عبوديته لهواه وأهواء الناس، وتخلّصه لله عز وجل خالقه ورازقه. توبة صادرة من الفرد المؤمن باعتباره مكلفًا مسؤولاً مُستخلَفًا، وصادرة من جماعة المؤمنين بصفتهم أمة خاتمة شاهدة، ينبغي أن تكون رائدة راشدة قائدة. فتوبة الناس بشكل فردي لا تُغَيِّر من واقع الأمة المُزْرِي شيئًا، وإن ربطت وحسنت علاقة الفرد بربه، وغيرت سلوكه، وصححت مسيره إلى الله.

ألا إن المطلوب هو التوبة الصادقة التي تعُم كل أفراد المجتمع أو أغلبهم، وتشمل مؤسساته وإداراته وهيئاته وحكَّامه ومسؤوليه من أدناهم منزلة إلى أعلاهم مسؤولية، توبة تنقل الفرد إلى الاستقامة على الدين والالتزام به والدعوة إليه وخدمة أفراد المجتمع وإسداء الخير لهم وأداء واجباتهم والسهر على مصالحهم والتألم لآلامهم والتطلع إلى تحقيق آمالهم والإشفاق على ضعيفهم وإغاثة محرومهم واجتناب كل ما يضرُّ بهم ويعطل مصالحهم ويحرمهم من حقوقهم، كالرشوة والاحتكار والسرقة والاستغلال وأكل أموالهم بالباطل، وتنقل الحكام والحكومات من التفرد باتخاذ القرارات والتصرف في الأموال والثروات إلى إشراك أفراد الأمة وأخذ آرائهم بعين الاعتبار، وإعطائهم نصيبهم الذي يستحقون من مال الله، وتوزيعه بعدل وإنصاف، دون ظلم أو نقص أو إجحاف، وتوبة تنقلهم من التزيُّن بالإسلام إلى العمل به في كل مجالات الحياة ونصرته، والانشغال بقضايا المسلمين أينما وجدوا.

وفي الجانب السياسي: توبة من التزوير والتمرد على إرادة الشعوب وانتهاك حقوقهم والضحك عليهم إلى قضاء مصالحهم وتحقيق مطامحهم واحترام توجهاتهم. توبة أصحاب المؤسسات والمشاريع الهدامة الحرام التي تنشر الشر، وتشيع الإجرام والفواحش، وتقوم على استغلال الضعفاء واستنزاف طاقاتهم. توبة تطهر المجتمع من المظاهر المشينة ومن فساد المفسدين كالإجرام والخمر والمخدرات والرشوة والربا والزنا والسرقة والقمار والاحتكار، وتطهر القلوب من سواد المعاصي وأكدارها، وتطهر النفوس من وساوسها وهواجسها. توبة تكون معها قلوب الأغنياء رحيمة، وبالعطاء كريمة. توبة تسود معها قيم التسامح والإحسان والحب، وتهب معها نسائم الخير، وتنتشر أخلاق المجتمع الأخوي الفاضل الطاهر، بدل أوصاف مجتمع التنافر والكراهية والبغض والاستغلال والأنانية والتسلط والاستعلاء.

توبة كل أفراد الأمة حيث تنقلهم من الاهتمامات الشخصية الفردية إلى الاهتمام بكل قضايا أمتهم، والفَتْل في حبل النهوض بها، ورَتْق ما انتُقِض من عُرَاها، بدءًا بما انتقض أولاً، ثم التدرج بحكمة ورحمة وهِمَّة.

وفي الجانب الإعلامي توبة من الكذب والتلفيق والافتراء والتضليل والتسفيه والتمويه والتشويه إلى الإصلاح والإرشاد والتوجيه ونشر الأخلاق والفضائل والحقائق وفضح المفسدين الظالمين المستغلين المستبدين وتوعية الناس بقضاياهم المصيرية، وأولها وأهمها المصير إلى الله اللطيف الحسيب الرقيب، وبما يجب عليهم فعله في كل مرحلة من حياتهم.

فلا بد من التوبة النصوح في كل مجال حتى تصلح الأحوال وتزول المصائب والأزمات والأهوال، وإلا فتوبتنا غير صادقة، وطريقنا خاطئ غير موصل، تحُفُّه المخاطر.

ألا فليكن رمضان بداية لتوبة حقيقية، وبداية انطلاقة راشدة ورجوع صادق إلى الله، توبة تنقلنا من التيه إلى الرشاد، ومن الذلة إلى العزة، ومن التخلف إلى التقدم، توبة تجعل لنا شأنًا عند الله، وذكرًا في الملكوت الأعلى، وموطئ قدم بين الأمم، فلا فرصة أجمل ولا لحظة أتم وأكمل من أيام رمضان ولياليه للراغبين في التوبة والطالبين للعفو والمغفرة.

اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين، واحشرنا مع أهلك وخاصتك، والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً