.

اليوم م الموافق ‏24/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

قبل انقضاء رمضان

4584

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الزكاة والصدقة, فضائل الأزمنة والأمكنة

علي بن عبد الرحمن الحذيفي

المدينة المنورة

25/9/1426

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نعمة رمضان. 2- وجوب شكر الله تعالى على نعمة الهداية. 3- دعوة المقصرين لاغتنام ما بقي. 4- تحرِّي ليلة القدر. 5- فضل ليلة القدر. 6- التحذير من إحباط الأعمال الصالحة. 7- زكاة الفطر.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتقوا الله بلزوم طاعته والبعد عن معصيته، فتقوى الله حصن أمين وعاقبة خير وصلاحٍ وسعادة وفلاح.

عباد الله، لقد منَّ الله علينا بشهر رمضان المبارك، وجعله زمنًا وميدانًا للأعمال الصالحات، يتسابق فيه المتسابقون، ويجتهد فيه بعمل الخير المسلمون، فمن وفَّقه الله فيما خلا من أيامه لفعل الخيرات وترك المنكرات فليحمدِ الله على ذلك؛ بأن أعانه على الطاعة وحفظَه من المعصية، فإنّ الله تعالى يقول: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل:53]، ويقول تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231]، ويقول تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:21]، ويقول تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:83]، وعن سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرجنا إلى خيبر مع النبي قال فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم:

والله لولا الله مـا اهتدينـا    ولا تصدقنا ولا صلينا

ونحن من فضلك ما استغنينا     فثبِّت الأقدامَ إن لاقَينا

وأنزلن سكينة علينا

فقال : ((من هذا؟)) قال: أنا عامر، قال: ((غفر لك ربُّك))، وما استغفر رسول الله لإنسانٍ يخصُّه إلا استُشهِد. رواه مسلم[1].

فالنبيّ سرَّه أن أثنى عامرٌ رضي الله عنه بنِعم الطاعات على الربِّ الواهب النّعمِ بارئ النّسَم، فمن وفَّقه الله في تلك الأيام المنصرمةِ فعليه أن يشكرَ ربَّه، وأن يختمَ بقيّةَ الأيام المنيفةِ والساعات الشريفة بأفضل ما يقدر عليه من الطاعاتِ والحذر من المحرّمات، فإنَّ الأعمالَ بالخواتيم، والجوادُ عند الاقتراب من غاية الميدان يزيد جريه.

ومن قصّر في أيّامه الخالية فعليه أن يستدركَ ما فات، وأن يغتنمَ عمره قبلَ الممات، وأن يتوب إلى الله من العصيان، وأن يكون على ما يحبّ الرحمن فيما يستقبل من الزمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه)) رواه مسلم[2]. فكم من مستقبلٍ يومًا لم يكمله، وكم من مؤمِّلٍ لم يدرك أملَه، والأجل لا يأتي إلا بغتةً، لا يفرِّق بين صغير وكبير، ولا ذكرٍ وأنثى، قال الله تعالى: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10، 11].

فاغتنموا ـ عبادَ الله ـ بقيّةَ شهركم بالتوبة إلى الله من جميع الذنوب، واغتنموه بالأعمال الصالحة، وتحرَّوا ليلة القدر، فقد تكون فيما بقي من الليالي الشريفةِ، فإنَّ الأحاديثَ تدلّ على أنها متنقِّلةٌ في ليالي العشر كلِّها، وما من ليلةٍ من ليالي العشر إلاّ وردتِ الأحاديث بتحرِّي ليلة القدر فيها، وأخفاها الله ولم يعيِّنها ليجتهدَ المسلم في الطاعات في العشر كلِّها، فإذا فعل ذلك أصابها، فمن وُفِّق لتلك الليلة فقد أصاب خيرًا كثيرًا، عن عبادةَ بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((التمسوها في العشر الأواخر، فإنها في وتر؛ في إحدى وعشرين، أو ثلاثٍ وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبعٍ وعشرين، أو تسع وعشرين، أو في آخر ليلة، فمن قامها إيمانًا واحتسابًا ثمّ وفِّقت له غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر)) رواه أحمد والطبراني في الكبير[3].

وليلةُ القدر يلتقي فيها أهلُ السماء بأهل الأرض، ويعمّ الأرضَ أنوار الملائِكة، ويعبدون الربَّ في الأرض كما عبدوه في السماء، وينفِّذون ما أمرهم الله به منَ الأقدار، قال الله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر:3، 4]، فالعبادةُ فيها أفضل من عبادة ثلاثٍ وثمانين سنة وأربعة أشهرٍ ليس فيها ليلة القدر.

يا من صفَت له الأوقات في شهر الخيرات، يا من عمَر شهر رمضان بالطاعات والصالحات، يا من زكّى بدنَه بالصلوات، يا من طهّر مالَه بالزكاة والصدقات، يا من فاضت عينُه بالعبرات، لا تجعلِ الأعمالَ الصالحة بعد رمضانَ هباءً منثورًا؛ فإنّ عدوَّك الشيطانَ يتربّص بك، ولا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.

أيها المسلمون، احذَروا عدوَّكم الشيطانَ الذي يريد أن تكونَ حَياتكم لهوًا ولعبًا وكسَلاً عنِ الطاعات، ويريد أن يَنغمسَ الإنسان في اللّذائذ المحرَّماتِ والشهواتِ، وأن يَغرقَ في بحار الغفلةِ والموبقات، فاعتصموا بربكم، واثبتوا على صراط الله المستقيم، فإنّه الطريق إلى جنّات النعيم.، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:5، 6].

بارك الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم، ونفَعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيِّد المرسلين وبقولِه القويم، أقول قولي هَذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.



[1] صحيح مسلم: كتاب الجهاد (1807).

[2] صحيح مسلم: كتاب الذكر (2703).

[3] مسند أحمد (5/321)، وأورده الألباني في ضعيف الجامع (1152).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ العالمين، الملك الحقّ المبين، أحمده وأشكره حمدًا يوافي نعمَه ويكافئ مزيدَ فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له القويّ المتين، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمدًا عبدُه ورسوله المبعوث بالهدى واليقين؛ لينذرَ من كان حيًّا ويحقّ القول على الكافرين، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمّا بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حقَّ التقوى، وتمسّكوا من الإسلام بالعروة الوثقَى.

أيها المسلمون، إنّ فرائضَ الإسلام كلَّها طهارة للإنسان وتكريمٌ من الربّ تبارك وتعالى لعباده، والمحرَّمات في الإسلام شرورٌ ومهلكات ومفسدات للقلوب والأبدان، قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقال تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6].

وإنَّ مما فرضه الله تعالى زكاةَ الفطر، طُهرةً للصائم وجبرًا لما يقع في الصيام من النقص، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله زكاةَ الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على الحرّ والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى المصلَّى. رواه البخاري ومسلم[1]. وفي حديث أبي سعيد الخدريّ أنهم كانوا يخرجون على عهد رسول الله زكاةَ الفطر صاعًا من برّ، صاعًا من شعير، صاعًا من تمر، صاعًا من أقِط، صاعًا من زبيب[2].

وتُخرَج هذه الزكاة من القوت الذي يقتاته أهل كلِّ بلدٍ، كالذرة والدُّخن والأرز ونحو ذلك. وتجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يومٍ من رمضان. ووقتُ إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، ويجز أن تخرَجَ قبل العيد بيوم أو يومين كما في البخاري[3]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله زكاةَ الفطر طُهرةً للصائم من اللَّغو والرّفث وطُعمةً للمساكين، من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات. رواه أبو داود[4].

عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسِه، فقال تَبارك وتعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، وقد قالَ : ((من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشرًا)).

فصلّوا وسلّموا على سيّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد...



[1] صحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (1503، 1509)، صحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (984).

[2] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: صدقة الفطر صاعا من طعام (1506)، ومسلم في الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (985).

[3] صحيح البخاري: كتاب الزكاة (1511) عن ابن عمر رضي الله عنه.

[4] سنن أبي داود: كتاب الزكاة، باب: زكاة الفطر (1609)، وأخرجه أيضا ابن ماجه في الزكاة، باب: صدقة الفطر (1927)، وصححه الحاكم (1/409)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1420).

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً