.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

حسن الخلق

4501

الرقاق والأخلاق والآداب

مكارم الأخلاق

علي أبو مازن

غير محددة

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نصوص في الحثّ على حسن الخلق. 2- تعريف حسن الخلق. 3- ركائز حسن الخلق. 4- ركائز سوء الخلق. 5- هل يمكن تغيير الأخلاق؟ 6- وسائل اكتساب حسن الخلق. 7- صور من صبر السلف على تحمّل الأذى.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن شأن الأخلاق عظيم، وإن منزلتها لعالية، فالدين هو الخلق، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا، وأحسنهم أخلاقًا أقربهم من النبي يوم القيامة.

ولقد تظاهرت نصوص الشرع في الحديث عن الأخلاق، فحثّت وحضّت ورغّبت في محاسن الأخلاق، وحذّرت ونفّرت ورهّبت من مساوئ الأخلاق، بل إن رسول الله بيّن أن الغاية من بعثته إنما هي لإتمام مكارم الأخلاق، فقال : ((إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق))، وقال الله لنبيه : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، قال ابن عباس ومجاهد: لعلى دين عظيم، وقال الحسن: هو آداب القرآن. وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي فقالت: كان خلقه القرآن. ولما أنزل الله جلّ وعلا على رسوله قوله: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] سأل جبريلَ عن معناها قال: لا أدري حتى أسأل، ثم قال: إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. وقال عن عباده: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63].

وهكذا كان أحسن الناس خلقًا، قال أنس: ما مسست ديباجًا ولا حريرًا ألين من رسول الله ، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله ، ولقد خدمت الرسول عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لِمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟ ولقد أخبر أن البرّ هو حسن الخلق، وقال : ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء))، وقال: ((أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنة لمن ترك المِرَاء وإن كان مُحِقًّا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه))، قال ابن القيم: "وهذه كلها يشملها حسن الخلق". وفي الترمذي عن جابر عن النبي قال: ((إن من أحبّكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا، وإن من أبغضكم إليّ الثَّرْثَارُون والمُتَشَدِّقُون والمُتَفَيْهِقُون)). والمُتَشَدِّق هو المتكلّم بملء فيه تفاصُحًا وتعاظمًا وتطاولاً على غيره، والمُتَفَيْهِقُون هم المتكبّرون.

فما هو حسن الخلق؟ إن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين. وقيل: إن حسن الخلق بذل الندى وكفّ الأذى واحتمال الأذى. وقيل: هو بذل الجميل وكفّ القبيح. وقيل: هو التخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل. وكل هذه المعاني تحمل مقامات سامية وصفات مشرقة.

وحسن الخلق يقوم على أربعة أمور: وهي الصبر والعفّة والشجاعة والعدل، فالصبر يحمل صاحبه على الاحتمال وكظم الغيظ وكفّ الأذى والحلم والأناة والرفق وعدم الطيش والعجلة. والعفة تحمله على اجتناب الرذائل من القول والفعل، وتحمله على الحياء وهو رأس كل خير، وتمنعه من الفحشاء والبخل والكذب والغيبة والنميمة. والشجاعة تحمله على عزّة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشِّيَم وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته، قال أعرابي يصف الرسول : إنه يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وتحمله على كظم الغيظ والحلم؛ فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عِنَانها، ويكبحها بلِجَامِها عن النزغ والبطش، كما أنه ليس الشديد بالصرعة، أي: ليس الشجاع الذي يصرع الناس، إنما الشديد الذي يملك ويمسك نفسه عند الغضب. والعدل يحمله على الإنصاف وعدم الظلم وتوسّطه بين طرفي الإفراط والتفريط، فيحمله على وسطية التصرّف بين التهوّر والجبن والإسراف والإقتار، وبين الغضب والمهانة وسقوط النفس. فهذه الأركان الأربعة هي منشأ الأخلاق الحسنة الفاضلة.

كما أن منشأ الأخلاق السافلة على أربعة أركان: الجهل والظلم والشهوة والغضب. فالجهل يرى صاحبه الحسن في صورة القبيح، والقبيح حسن، والكمال نقصًا، والنقص كمالاً، يقول القائل:

فلا تصحبْ أخـا الجهلِ       وإيــاكَ وإيــاهُ

فكـم من جـاهل أرْدَى       حَلِيمًـا حين آخـاهُ

يُقـاس المـرءُ بالْمـرء        إذا ما الْمـرءُ ماشاهُ

والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه، فيغضب في موضع الرضا، ويرضى في موضع الغضب، ويجهل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل. والشهوة تحمله على الحرص والشحّ والبخل وعدم العفّة والنّهبة والجشع والذل والدناءات. وأما الغضب فيحمله على الكبر والحقد والحسد والعداوة والسَّفَه. فاعلم أن الأخلاق الذميمة يولّد بعضها بعضًا، كما أن الأخلاق الحميدة يولّد بعضها بعضًا.

وهنا سؤال: هل يمكن تغيّر الأخلاق من قبيح إلى حسن؟ وما الطريقة؟

الجواب: إن الناس على رأيين: الأول: أنها لا تتغير، والثاني: أنها تتغيّر، وهذا هو الصحيح؛ لأن الأخلاق على ضربين: منها ما هو جِبِلِّي، ومنها ما هو اكتسابي يأتي بالتدريب والممارسة والمحاكاة، بل كيف يُنكَر عدم تغيّر خلق الإنسان وتغيّر خلق الحيوان البَهِيم ممكن؟! فالبازِيّ يُنقَل من الاستِيحاش إلى الأُنس، والكلب من شَرَهِ الأكل إلى التأدّب والإمساك عن الصيد بعد إمساكه، والفرس من الجِمَاح إلى السلاسة. فإذا كان هذا شأن الحيوان فأجدر بالإنسان أن يغيّر خلقه.

وأما أسباب اكتساب حسن الخلق فهي كثيرة:

وأولها: سلامة العقيدة، فشأن العقيدة عظيم وأمرها جليل، فكل انحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في العقيدة، قال الغزالي: "آداب الظواهر عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، الأعمال نتيجة الأخلاق، وأنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزيّنه، ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية" انتهى كلامه رحمه الله بتصرّف. فالناس إذا صحّت عقائدهم زَكَت نفوسهم، واستقامت أخلاقهم تبعًا لذلك.

ثانيًا: الدعاء، فهذا أعظم الناس أخلاقًا، وأكملهم صفاتًا، يدعو ربه أن يرزق حسن الخلق، فيقول: ((اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّي سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، اللهم جنّبني منكرات الأخلاق والأهواء الأعمال والأدواء)).

ثالثًا: المجاهدة، فمجاهدة النفس على حسن الخلق وكبحها عن سيئها يجعلها تتحلّى بأحسن الأخلاق، ويقرّب عون الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]. والمجاهدة لا تعني أن يجاهد العبد نفسه مرّة أو مرّتين، بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت، قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

ومن ذلك المحاسبة بنقد النفس إذا ارتكبت أخلاقًا ذميمة، وحملها على عدم العودة. ومنه التفكّر في عواقب سوء الخلق بتأمّلٍ فيما يجلبه من الأسف الدائم والهمّ اللازم والحسرة والندامة والبُغض في قلوب الخلق.

ألا وإنّ أعظم سبب لحسن الخلق الترفّع عن السِّباب. واسمع لهذه النماذج العجيبة في تحمّل السِّباب والإعراض عن الجاهلين.

فهذا معاوية يجلس مع قوم فيقول أحدهم: ما أظن معاوية أغضبه شيء، فيقول الآخر: إن ذكرت أمّه غضب، فيقول الثالث واسمه مالك بن أسماء: أنا أغضبه إن جعلتم لي جُعْلاً، ففعلوا، فيقوم إلى معاوية فيقول له: يا أمير المؤمنين، إن عينيك لتشبهان عيني أمك، فماذا يردّ عليه وهو أمير المؤمنين؟! باستطاعته قطع لسانه أو قتله أو إشباعه ضربًا، ولكنّه يترفّع عن الجاهلية، ولا يجاري السفهاء المتهوّرين، ماذا قال بكل بُرُود واطمئنان؟! قال: نعم، كانتا عينين طالما أعجبتا أبا سفيان، أي: أباه. ثم قال له: إذا أتيت عمر بن الزبير فقلت له مثل ما قلت لمعاوية أعطيناك كذا وكذا، ثم دعا مولاه شقران وقال: اعدد لأسماء دية ابنها فإني قتلته وهو لا يدري، فأخذ الرجل الجُعْل الأول، ثم انطلق الرجل إلى عمر بن الزبير فقال له ذلك ليأخذ الجعل الثاني، ولكن هيهات، فقد أمر بضربه حتى مات، فبلغ معاوية فقال: أنا والله قتلته، وبعث بديته إلى أمّه.

وخرج عمر بن عبد العزيز ليلة في السحر فَعَثَر في رجل نائم على الأرض، فقال له الرجل: أمجنون أنت؟! قال عمر: لا، فَهَمَّ الحرسُ به، فقال عمر: اتركوه؛ سألني فأجبته.

وقال الأصمعي: بلغني أن رجلاً قال لآخر: والله لئن قلت واحدة لتسمعنّ عشرًا، فقال الآخر: لكنك إن قلت عشرًا لم تسمع واحدة.

واسمع إلى الشافعي يقول:

إذا سبّنـي نَذْلٌ تزايدت رِفْعَة  وما العَيبُ إلا أن أكون مُسَابِبُه

ولو لم تكن نفسي عليّ عزيزة   لمكّنتهـا من كل نَذْلٍ تحـارِبُه

وآخر يقول:

ولست مُشاتِمًا أحدًا لأني       رأيت الشتم من عِيّ الرجال

إذا جعل اللئيمُ أباه نَصْبًا       لشـاتِمِه فديت أبـي بمالي

اللهم انفعنا بالقرآن الكريم والعمل به يا رب العالمين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً