نحن اليوم في السادس والعشرين من شهر شعبان، فالشهر قد انقضى عنكم أكثره، ودنا رحيله، شاهد للمحسنين بما قدَّموا من عمل صالح، وبما أخلصوا فيه من متَّجر رابح، وهو شاهد على المفرِّطين بأوزارهم. أظلكم الموسم الذي هو أعظم منه غنيمة وسعادة، وأوفر منه في طلب الحسنى وادخار الزيادة، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، ويُصَفَّد فيه كل مارد شيطان، فأعدّوا لقدومه عُدَّة، واسألوا الله تعالى التوفيق إلى أن تكملوا العِدَّة، والحذر الحذر من التفريط والإهمال، والتكاسل عن صالح الأعمال، فهمّة الصالحين فيه القيام والصيام، والكف عن فضول الكلام، والسلامة من جميع الآثام، والاشتغال بذكر الملك العلاّم، وهمة الغافلين التلذّذ بألوان الطعام، وتضييع أوقاته بالغفلة والمنام، وسيتبين لكم يوم الفصل الأوضح أي الفريقين أسلم وأربح.
إذا العشرون مِن شعبان ولَّتْ فواصِل شُرْبَ ليلـك بالنهارِ
ولا تشربْ بـأقْدَاح صِغَـار فإن الوقتَ ضاق على الصِّغَارِ
عباد الله، من أراد الله به خيرًا حبَّب إليه الإيمان، وزيّنه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، فصار من الراشدين، ومن أراد به شرًّا خلَّى بينه وبين نفسه، فاتبعه الشيطان، فحبَّب إليه الكفر والفسوق والعصيان، فكان من الغاوين. فالحذر الحذر ـ يا عباد الله ـ من المعاصي، فكم سلبت من نعم، وكم جلبت من نقم، وكم خرّبت من دِيَار، وكم أخلت دَيَّارًا من أهلها فما بقي منهم أحد، كم أخذت من العصاة بالثأر، كم محت لهم من آثار.
عباد الله، أين أحوالنا اليوم من أحوال السلف الصالح؟! كان دهرهم كله رمضان، ليلهم قيام، ونهارهم صيام. باع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهّبون له ويستعدّون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم فقالوا: نتهيّأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان؟! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، ردّوني عليهم.
عباد الله، الدنيا كلها شهر صيام المتقين، يصومون فيه عن الشهوات والمحرمات، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم، واستهلّوا عيد فطرهم. من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجّل ما حرَّم الله عليه قبل وفاته عُوقِب بحرمانه في الآخرة وفواته، اقرؤوا قوله تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20]. وقد ورد في الحديث الشريف قول رسول الله : ((من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة))، وفي حديث آخر: ((لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنّت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها)).
وكان السلف الصالح يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبّل منهم الصيام.
يا ذا الذي ما كفَاهُ الذنبُ في رجب حتى عصى ربَّه في شهر رمضانِ
لقد أظلَّـك شهرُ الصوم بعدهُمـا فلا تصيّره أيضًا شهر عِصْيـانِ
واتْلُ القـرآنَ وسبِّحْ فيه مجتهـدًا فـإنه شهرُ تسبيـحٍ وقـرآنِ
يا معشر التائبين، صوموا عن شهوات الهوى لتدركوا عيد الفطر يوم اللقاء، لا يطولنّ عليكم الأمل باستبطاء الأجل، فإن معظم نهار الصيام قد ذهب، وعيد اللقاء قد اقترب.
إلهنا ومولانا أنت الملك الكريم، وكل معبود سواك باطل، إليك رغب القاصدون، وابتغوا إليك الوسائل، وها نحن ببابك واقفون، وبكرم جودك عارفون، نشكو إليك مرض القلوب، فأنت الشافي والمعافي، نسألك دواء الغفلة، ونستعين بك على إصلاح النفوس، فقد طال تَجَافِيها، ونلتجئ إليك في دفع شرِّها يا رب العالمين.
عباد الله، انظروا إلى قيام السلف الصالح في قيام رمضان، قال السائب بن يزيد: لما جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس لقيام رمضان قدم أبي بن كعب وتميما الداري يصليان بالناس، فكان القارئ يقرأ بالمائتين، وكنا نعتمد على العصي من طول القيام، ولا ننصرف إلا في بزوغ الفجر. وروى عبد الله بن أبي بكر عن أبيه رضي الله عنهم قال: كنا ننصرف من قيام رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة أن يطلع الفجر. وكان الشافعي رضي الله عنه يختم في رمضان ستين ختمة.
تعبوا والله قليلا، واستراحوا كثيرا، وتبوّؤوا من رياض الجنة مقيلا، والبائس المسكين من لم يجد للحاقهم سبيلا، والمغبون من رضي بحظّ العاجل بديلا.
هناك ملاحظات صادرة عن دائرة الأوقاف بمناسبة حلول شهر رمضان:
1- منع التسول والباعة من دخول المسجد الأقصى.
2- منع جمع التبرعات في ساحات المسجد منعا باتا.
3- اتخاذ جانب الحيطة والحذر من أي جسم غريب أو شخص مشبوه.
4- الحذر من السراقين والنشالين وبخاصة وقت الازدحام.
5- عدم استعمال السيارات ووقفها عند أبواب المسجد وفي الطرقات.
6- التعاون مع حرس المسجد الأقصى ولجان حفظ النظام.
7- بالنسبة لصلاة التراويح سوف تقام بعد أذان صلاة العشاء بنصف ساعة إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يجعل هذا الشهر الفضيل شهر عز ونصر وفتح للإسلام والمسلمين.
أيها المسلم، إذا لم تقدر على القيام والصيام فاعلم أنك محروم بذنوبك، فالجاهل يظن أن المؤمنين القائمين عبدوا الله بصحة الأجسام وقوة الأركان، لا والله، ولكن عبدوا الله بصحة القلوب وقوة الإيمان، أكلهم أكل المرضى، ونومهم نوم الغرقى، وكلامهم كلام الخائفين بين يدي ملك جبار، وعزمهم عزم الهارب من سيل مغرق أو نار محرقة.
|