.

اليوم م الموافق ‏09/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والأقلام المسمومة

4499

الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, قضايا المجتمع

عبد العزيز بن عمر القنصل

أبها

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2- نصوص الكتاب والسنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3- أثر القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الفرد والمجتمع. 4- حرمة الدماء المعصومة في الإسلام. 5- مقترحات للقضاء على ظاهرة الانحرافات العقدية والفكرية والتطرف عند الشباب.

الخطبة الأولى

ثمّ أمّا بعد: أمّة الإسلام، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ كما وصّاكم الله بهذا فقال: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ أُوْتُوْا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوْا اللهَ [النساء:131].

عباد الله، إنّ من نعم الله عزّ وجلّ على هذه الأمّة أن جعلها أمّة واحدة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، تأمر بالمعروف بالمعروف، وتنهى عن المنكر بلا منكر، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر عبادةً لله وديانةً لله وخوفًا من لعنة الله لو تَقَاعَسَت أو قصّرت في واجبها تجاه الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، كما لعن الله التّاركين له فقال تعالى: لُعِن الّذِيْنَ كَفَرُوْا مِنْ بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيْسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصُوْا وَكَانُوْا يَعْتَدُوْن كَانُوْا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوْهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوْا يَفْعَلُوْن [المائدة:78، 79].

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأنّ في ذلك سرّ البقاء وأمانًا من العذاب، فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ اْلقُرُوْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوْا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ اْلفَسَادِ فِيْ اْلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيْلاً مِمَّنْ أنَجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِيْنَ ظَلَمُوْا مَا أُتْرِفُوْا فِيْهِ وَكَانُوْا مُجْرِمِيْنَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اْلقُرَىْ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُوْنَ [هود:116، 117]. فالأمّة الّتي يقع فيها الفساد أيًّا كان نوعه وفي أيّ صورة من صوره ثم يوجد في تلك الأمّة من ينهض لدفعه أمّةٌ ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتّدمير، أمّا الأمّة الّتي يظلم فيها الظّالمون ويفسد فيها المفسدون ويَتَبَجَّحُ فيها الرُّويْبِضةُ على المصلحين ثمّ لا ينهضُ من يدفع الظّلم والفساد أو يكون فيها من لا يستنكر إنكارًا يؤثّر في الواقع الفاسد فإنّ سنّة الله تعالى تحقّ عليها، ولعنة الله تَحُلّ عليها، إنْ بهلاك الاستئصال، أو بهلاك الانحلال والاختلال، أو بهما معًا. إنّ البلاد الّتي لا يزال المصلحون ينهون فيها عن الفساد لهي بلاد محميّة مأمونة من بطش الجبّار جلّ جلاله، إنّهم لا يؤدّون واجبهم لربّهم ولدينهم فحسب؛ إنّما هم يَحُولُون بهذا دون أُممهم وغضب ربّهم واستحقاق النّكال عليهم.

فلا بد إذًا من وجود جماعةٍ تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا بدّ من سُلطة في الأرضِ تدفع وتدعم هذه الجماعة الآمرة بالمعروف النّاهية عن المنكر، وهذا ما يدلّ عليه النّصُّ القرآنيّ الكريم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُوْنَ إِلَى اْلخَيْرِ وَيَأْمُرُوْنَ بِاْلمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ اْلمُنْكَرِ وَأُلَئِكَ هُمُ اْلمُفْلِحُوْنَ [آل عمران:104]، فهناك دعوةٌ إلى الخير، وهناك أيضًا أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، والأمر والنّهي لا يقومُ به إلاّ ذو سلطانٍ، سلطة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فتُطاع، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُوْلٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ [النساء:64].

ودينُ الله عزّ وجلّ ليس مجرّد وعظٍ وإرشادٍ وبيانٍ، فهذا شطر، أمّا الشّطر الآخر فهو القيام بسلطة الأمر والنّهي على تحقيق المعروف ونفي المنكر من الحياة البشريّة، وصيانة أخلاق الأمّة المنبثقة من دينها من أن يعبث بها ذو هوى أو شهوة أو مصلحة، وأيضًا ضمانة هذه الأخلاق والمبادئ من أن يقول فيها كلّ امرئٍ برأيه وتصوّره، زاعمًا أن هذا هو الخير والمعروف والصّواب، فلو طُوي بساطُ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لاضْمَحَلّت الدّيانة، وعمّت الفترة، وفشت الضّلالة، وشاعت الجهالة، واسْتَشْرَى الفسادُ، وخربت البلاد، وهلك العباد، عندها يستولي على القلوب مداهنة الخلق، وتنمحي منها مراقبة الحقّ، ويسترسل النّاسُ في اتّباع الهوى والشّهوات استرسال البهائم، ويتعذّر من تأخذه في الله لومة لائم. سوق الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يجب أن تبقى قائمة، وصقورها يجب أن تبقى على رؤوس الفواسق حائمة، فهي الملاذ بعد الله تعالى من انتشار الجريمة والارتكاس في عالم البهيمية.

لأجل هذا وغيره امتلأ القرآن الكريم بنصوص الدّعوة للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وكثر حديث المصطفى في الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن ترك النّهي عن المنكر، ونادى السّلف بذلك، وأجمعت الأمّة على ذلك، فقال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُوْنَ إِلَى اْلخَيْرِ وَيَأْمُرُوْنَ بِالمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ اْلمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ اْلمُفْلِحُوْنَ [آل عمران:104]، وهذا دليلٌ واضحٌ في اختصاص الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر بالفلاح، وحينما وصف الله جل وعلا المؤمنين وصفهم بهذا الوصف، والّذي يلفت أهميّته من المكانة أنّ الله قدّمه على الصّلاة فقال تعالى: وَاْلمُؤْمِنُوْنَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُوْنَ بِاْلمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ اْلمُنْكَرِ وَيُقِيْمُوْنَ اْلْصَّلاَةِ [التوبة:71].

ولم يكتف القرآنُ الكريم بالحثّ على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر حتى جاء التّحذير والتّرويع في حقِّ التاركين له، ولكن بقارعة من القَوَارِع الّتي تَسْحَقُ من وقعت عليه، فقال تعالى: لُعِنَ اْلَّذِيْنَ كََفَرُوْا مِنْ بَنِيْ إِسْرائِيْلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيْسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوْا يَعْتَدُوْنَ كَانُوْا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوْهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوْا يَفْعَلُوْنَ [المائدة:78، 79]. وبيّن جلّ جلاله أن النّجاة عند نزول العذاب هي من حقّ الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر فقط، أمّا من عداهم فهو هالك، سواءٌ فاعل الذنب أو السّاكت عنه، فقال تعالى: فَلَمَّا نَسُوْا مَا ذُكِّرُوْا بِهِ أَنْجَيْنَا اْلَّذِيْنَ يَنْهَوْنَ عَنِ اْلسُّوْءِ وَأَخَذْنَا اْلَّذِيْنَ ظََلَمُوْا بِعَذَابٍ بَئِيْسٍ بِمَا كَانُوْا يَفْسُقُوْنَ [الأعراف:165].

هذه المساحة الواسعة في القرآن الكريم لهذه الشّعيرة الدّينيّة تُعطينا مدلولاً على أهميّتها، وأنّها ركيزةٌ من ركائز الدّين، التّفريط فيها ضياعٌ للديّن وانحلالٌ للمؤمنين واختلالٌ في نظام الآمنين.

ويحذّرنا المعصوم من التّهاون في هذا فيقول: ((كلا واللهِ، لتأمرنّ بالمعروفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكرِ، ولَتَأْخُذُنَّ على يدِ السّفيه، وَلَتَأْطِرُنَّه على الحقِّ أَطْرًا، أو ليضربنّ الله قلوبكم بقلوب بعضٍ، ثمّ ليلعنكم كما لعن بني إسرائيل))، وفي المسندِ وغيره قوله : ((يا أيّها النّاس، إنّ الله يقول: لتأمُرنَّ بالمعروف وَلَتَنْهَوُنَّ عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم)).

فالدّعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر تكليفٌ ليس بالهيّن ولا اليسير إذا نظرنا إلى طبيعته واصطدامه بشهوات النّفس ونزوات النّاس ومصالح بعضهم ومنافعهم وغرور بعضهم وكبريائهم، ففي النّاس الغاشم والمتسلّط، والهابط الّذي يكره الصّعود، والمسترخي الّذي يكره الاشتداد، والمنحلّ الّذي يكره الجدّ، والظّالم الّذي يكره العدل، والمنحرف الّذي يكره الاستقامة، وفيهم الّذين ينكرون المعروف ويعرفون المنكر، ولا تنجُو الأمّةُ ولا تُفلحُ البشريّةُ إلاّ أن يسودَ الخيرُ ويكون المعروف معروفًا والمنكر منكرًا، فإذا ما عُرِف المعروف وأُنكِر المنكر تميّزت السنّة من البدعة، وعُرِف الحلال من الحرام، وأدرك النّاسُ الواجب من المسنون والمباح من المكروه، ونشأت النّاشئةُ على المعروف وأَلِفَتْه، وابتعدت عن المنكر وأنكرته، وصَلَحت البلاد، وأمن العباد، وعمّ الخيرُ والرّزق، وزاد البرّ والرّفق، ولم يجد الأعداءُ في المجتمع من يستهويه أو يستميله، ولم يجد الجهّال مبرّرًا لجنوحهم إلاّ بتأويله.

إذا كانت سوق الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر دائرة وعرباتهم في الطّرقات سائرة وأعراضُهم من الكتّاب المشبوهين مُصَانة اختفت الجريمة أو كادت، وأمن النّاس على أنفسهم ونامت، أمّا إذا جرّ القِيانُ والمشوّهون أقلامهم بالزّور والبهتان على أهل الخير والمعروف وسوّدوا صفحات الصّحف بمدادٍ قاتمٍ نابعٍ من قلوبٍ مُجَخِّيَةٍ قد تلبَّدت بالرّان وتقيّأت القَطِران فإنّ ذلك نذير شؤم وعلامة لؤم، وناقوس خطرٍ يدقُّه أصحاب المشارب البعيدة المُلْتَاثَة الّذين شَرِقوا بالفضيلة، واستماتوا على نشر الرّذيلة، يجرُّون الأمَّة بأقلامهم وأكاذيبهم إلى المهالك، ويُحسِّنون لها بسوئهم سيّئ المسالك، قلوبُهم قلوب الذِّئابِ، وألسنتهم بالخير أشحّةً، وأقلامهم على أهل الخير حِدَاد، استغلّوا الحريّة المُتاحة في البهتان والوقاحة، يتعاوَوْن في الصّحفِ على الفضيلة كما تتعاوى الذِّئابُ في شتّى الشِّعاب على الشّاة العائرة، كأنّهم من دينٍ ونحن من دين، وكأنّهم في سَفِينٍ ونحن في سَفِينٍ، فماذا يريد هؤلاء وقد جعلوا من أقلامهم سِهامًا مسمومةً على هيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وعلى التّعليم الدّعويّ الّذي هو من سياسة هذا البلد المسلم المبارك؟! ألا يتّقون الله عزّ وجلّ ويقولون قولاً سديدًا، ويعلمون أنّهم غدًا مُحاسبون على ما قدّمت أيديهم وكَتَبَتْه وما تلفّظت به ألسنتهم وكَذَبَته؟! فليكتبوا ما شاؤوا؛ فاليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل، فاعمل ما شئت فإنّك به مُدان.

أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِيْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى مَا فِيْ قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِيْ الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيْهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالْنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204، 205].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والّذكر الحكيم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله الدّاعي إلى رضوانه، صلوات ربّي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين.

ثمّ أمّا بعد: أمّة الإسلام، لقد مَنّ الله عزّ وجلّ على هذه البلاد بنعمٍ كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى، أكبرها وأعظمها نعمة الإسلام والأمن والأمان، نسأل الله تعالى أن يُديمها علينا وعلى بلادنا، وأن يمنحها من حُرِمَها من المسلمين. مساجدنا بالخير صَدّاحة، وإعلامنا وتعليمنا لا يرفضُ الدّين ولا يزدري المتديِّنين، فنحن حكومةً وشعبًا ننتمي لهذا الدّين العظيم الّذي عُرِف بالتّسامح ونبذ العنف واحترام الغير وتجريم قتل النّفس بغير حقٍ، فكلٌ منّا يعلمُ في هذا البلد المبارك وعن طريق التّعليم الدّينيّ حُرمة الاعتداء على الآخرين، سواء في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم ونحو ذلك، وقد قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيْهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيْمًا [النساء:93]، والرّسول يقول: ((لا يحلّ دم امرئٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: النّفسُ بالنّفس، والثّيبُ الزّاني، والتّارك لدينه المفارق للجماعة)). وحُرمة المسلم أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة المشرّفة.

معرفة هذه المسائل ونحوها هي الّتي تضبطُ الأمن في المجتمع المؤمن، ونحن في هذا البلد المسلم نعرفُ هذا وندركه، ونعرف أنّ ترويع المؤمن عند الله عظيم، فكيف بقتله؟! ألم يخبرنا النّبيّ أن من أشار إلى أخيه المسلم بحديدة لعنته الملائكة حتّى يضعها ولو كان مازحًا؟! هذه الأمور عرفناها من خلال تعليمنا الدّينيّ الّذي تربّينا عليه منذ نعومة أظفارنا في مراحلنا التّعليميّة الابتدائيّة، وإذا حُرِم غيرنا هذا ونحوه لعدم إدخالهم التّعليم الدّينيّ في المدارس فذاك خطأٌ شنيعٌ يتحمّلون نتيجته ويبوؤون بإثمه. ولهذا نرى النّاس من حولنا يدفعون ثمن التّعليم والإعلام العلمانيّ؛ دماءً تُسفك، وأعراضًا تُهتك، وأموالاً تُنهب، وعجزًا أمنيًا واضحًا في ملاحقة الجاني أو حماية المجني عليه. غير أنّ الانفتاح على ثقافة الآخر وسهولة التّواصل بين الشّعوب وازدحام الفضاء بالإرساليّات الإعلاميّة ووجود المغرضين لهذا البلد من أبنائه ـ بكلّ أسف ـ في الدّاخل بافتعال نقاط ساخنة يثيرونها حول الدّين والتّعليم الدّينيّ والهيئات الخيريّة ورجال الحسبة ونحو ذلك، تجعل بعضًا من الشّباب المتحمّس يُصدّق ما يُقال في الخارج عن هذا البلد وأهله حكّامًا ومحكومين.

ولا شكّ أن التّطاولَ من بعض الكتاب المشبوهين على الرّموز الدّينيّة قد يشكّل جماعات عنفٍ وتكفير يصعبُ احتواؤها وإقناعها، وما هؤلاء التّسعة عشر الّذين ظهرت صورهم وأسماؤهم في الصّحف المحليّة إلاّ دليلاً على ما أقول. يجب علينا ونحن نطارد الجاني الّذي يحمل سلاحًا أن نُطارد الجاني الآخر الّذي يحمل قلمًا مسمومًا، فذاك صنيعة هذا، وهذا ضحيّة ذاك، وكلاهما سفيهٌ يجب أن يؤخذ على يديه ويُؤْطَر على الحقّ أَطْرًا. يجب علينا ونحن نطارد أولئك أن نتلمّس الخللَ، وننظر من أين خرجوا، ولم خرجوا، فإذا عرفنا النّبع المُلْتَاث الّذي تلوّثوا به ردمناه؛ لئلا يلوّث غيرهم. يجب أن نضع النّقاط على الحروف، وأن نتحدّث بوضوح، وأن نستمع بشفافيّة، وأن نتعاون جميعًا، فكلّنا في سفينة واحدة، الرّبان مسؤول، والخادم مسؤول، فكلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته.

وحتّى نقضي على هذه الظّاهرة الخطيرة والغريبة على هذا البلد المبارك علينا ما يلي:

أوّلاً: تكثيف البرامج الدّينيّة إعلاميًا وتعليميًا، فما يُصادُ أمثال هؤلاء إلاّ من خلال جهلهم بالدّين.

ثانيًا: عدم السّماح للكَتَبَة المرتزقة أن يستغلّوا الحريّة الصحفيّة المسموح بها؛ ليوجّهوا نقدهم للدّين وللمتديّنين بحجّة بعض الأخطاء الفرديّة، أو بدعوى حريّة الرّأي. فديننا أعزّ من أرواحنا، وما كلّ واحد يقارع الحجّة بالحجّة، وما كلّ واحد يُحكّم العقل ويستشير أهل العلم والرّأي.

ثالثًا: يجب أن لا ندع فرصةً للأفّاكين في الخارج المتسوّلين على أبواب لندن وواشنطن لينفُذوا داخل عقول شبابنا، نقضي على البطالة والفقر، ونستثمر أموالنا داخل بلادنا، ونحمي علماءنا من همز العَلمانيين وغمزهم.

رابعًا: كما نحمي علماءنا من الهمز والغمز نحمي حكّامنا من ذلك أيضًا، فلهم علينا حقّ السّمع والطّاعة في المعروف، لا نعتقد عصمتهم، ولا نعتقد كفرهم، ليسوا ملائكة ولا شياطين، بل هم مثلنا يجورون ويعدلون، ويُخطئون ويُصيبون، وخير الخطّائين التّوابون.

خامسًا: أن من أحدث في هذا البلد فهو ملعون، ومن آوى محدثًا فهو ملعون أيضًا، وذلك بنص المعصوم .

سادسًا: أن نتعاون جميعًا على الإصلاح، فليس الخطأ عيبًا، ولكن العيب في التّمادي فيه والإصرار عليه.

سابعًا: فتحُ باب الحوار مع مثل هؤلاء الشّباب من قبل علماء متخصّصين يثق فيهم هؤلاء الشّباب؛ لمعرفة ما يدور في أذهانهم، وما ينقمون من غيرهم.

ثامنًا: طرح القضايا المهمّة ومناقشتها بشفافيّةٍ ومصداقيّة، وإظهار رأي الشّرع فيها مُدعّمًا بالدّليل الشّرعيّ والعقليّ؛ لقطع الطّريق على الجهّال أو أنصاف المتعلّمين أن يُفتوا في مثل هذه القضايا فيَضِلوا ويُضلّوا، شريطة أن يكون الحوار في منأى عن الأمن؛ لنأمن من ادّعاء القناعة أو التّدليس في المعلومات.

تاسعًا: يجب أن تُزوّد الهيئات بمجموعة من طلبة العلم المتخصّصين الحكماء العقلاء الّذين يعرفون ما يقولون وما يذرون، ومتى يكون ذلك القول والفعل.

عاشرًا: إبلاغ الخطباء بتجديد الطّرح، والابتعاد في خطب الجمعة عن المواضيع الّتي لا تمسّ حياة النّاس، فالنّاس عمومًا والشّباب على وجه الخصوص يتلقّون كمًّا رهيبًا من المعلومات من شتّى القنوات، منها المكذوب ومنها المبالغ فيه.

حادي عشر: نشر الوعي بين فئات النّاس عمومًا عبر وسائل الاتّصال المتنوّعة، وفضحُ مخطّطات الأعداء الحقيقيين والمقنّعين، انطلاقًا من قوله تعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِيْنَ سَبِيْلُ الْمُجْرِمِيْنَ [الأنعام:55]، ففي استبانة سُبُل المجرمين إيضاحٌ لسُبُل المهتدين، مع الحرص قدر المستطاع على الإصلاح الحقّ وعدم إعطاء الآخر فرصةً للتّخريب بدعوى الإصلاح.

هذه في نظري أسبابٌ مهمّةٌ لا أدّعي كمالها، وإن كنتُ أعتقد أّنها تلامس الواقع وتُشخّص الدّاء وتضع الدّواءَ، آمل أن تُؤخَذ بمحمل الجدِّ، كما آمل أن تُكلّف الجامعات بوضع الحلول المناسبة لهذه الظّاهرة الخطيرة، أعني ظاهرة الكتّاب المتمرّدين والشّباب المتحمّسين الجاهلين، كي نأمن من أولئك أن يستفزّهم هؤلاء، فالكل في سفينة واحدةٍ يجب أن نتشبّث بها؛ لنوصلها بإذن ربّها جلّ وعلا لبرّ الأمان، وجميع الرّكاب عليهم مسؤوليات على قدر أماكنهم، وكلٌّ مسؤولٌ عن موقعة.

أكثروا من الصّلاة على من أمركم الله بالصّلاة والسّلام عليه...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً