عباد الله، لماذا ندعو الله ليلا ونهارا، سرا وجهارا، أن يكتب لنا النصر ولا يستجاب لنا؟ نتوجه إليه بقلوب خاشعة وألسنة طاهرة وأيد ضارعة ولا يستجيب لنا؟!.
أيها المؤمنون، لماذا لا تزال أمتنا تحت الحصار؟ لماذا لا تزال تقرب من اليمين ومن اليسار؟ لماذا يظل أعداؤنا يتحكمون فينا تحكم السادة في العبيد؟
أليست أمتنا هي القائمة على الدين الحق؟! أليست هي الشهيدة على الناس؟! ألم يخاطبنا المولى تبارك وتعالى بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]. أو ليست أمتنا الإسلامية هي الأمة الوحيدة التي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر؟!
وقد وصف الله عز وجل سِوَانا بقوله: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79].
إذا لماذا أصبحنا أذلاء نستجدي غيرنا وقد كنا أعزاء؟ ألم تحكم دولتنا الإسلامية العالم لقرون عديدة؟!
فما هو سبب هذا التردي والانحسار؟ ما هو سبب هذا الانكسار؟
تعالوا ـ أيها المؤمنون ـ نعالج هذه الأمور، ونضع النقاط على الحروف، حتى نعرف من أين نبدأ وإلى أين نقف؟
عباد الله، المشكل أننا ندعو الله ونحن بعيدون عن الله، ندعو الله أن ينصر الإسلام وأن يُعِزَّ المسلمين ونحن قعود على جنوبنا، ولا نريد أن نبذل أنفسًا ولا أموالاً، ولا نضحي بغال ولا رخيص، وما هكذا يستجاب الدعاء. إنما يستجاب الدعاء من قوم بذلوا ما يستطيعون وتركوا لله ما لا يستطيعون، فالله تعالى هو الذي يكمل النقص ويسد الثغرات، لأن النصر من عنده وحده، وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:10].
وهذا نصر الله أصحاب طالوت وكانوا قلة، كانوا في عدد أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وحينما رأوا جنود جالوت قال الكثيرون: لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249]، فماذا قال أهل الإيمان ـ اسمعوا أيها المؤمنون، ماذا قالوا ـ: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249].
انظروا ـ يا عباد الله ـ إلى هذه اللفتة الإيمانية في قوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ ، بمجرد ظن الفئة المؤمنة أنهم ملاقوا الله، قد جعل الله لهم هذه العقيدة، وإذا كان هذا حال مجرد الظن فما بالك باليقين؟
هكذا يجب علينا أن نفعل أيها المؤمنون، لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة منعت من ذلك، حتى ينكسر العدد الكبير منا أمام اليسير من العدد كما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا، ومن هنا يقول الصحابي الجليل أبو الدرداء : (إنما تقاتلون بأعمالكم). فالأعمال فاسدة، والضعفاء مهملون، والصبر قليل، والاعتماد ضعيف، والتقوى زائلة، ومشاكلنا كثيرة، وأهل العلم والصلاح نائمون وغافلون.
ألم يقل الله تعالى: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، ألم يقل سبحانه وتعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا [المائدة:23]، ألم يقل عز وجل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]، وقال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، ألم تقرؤا ـ أيها المؤمنون ـ قوله تعالى في سورة الأنفال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:45، 46]؟!.
فهذه أسباب النصر وشروطه، وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، على ما أصابنا وحَلَّ بنا، بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره، ولا من الدِّين إلا رسمه؛ لظهور الفساد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد، حتى استولى العدو شرقا وغربا، برا وبحرا، وعمت الفتن وعظمت المحن ولا عاصم إلا من رحم.
عباد الله، ونظرة أخرى في هذه الآيات مع قوله تعالى: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250]. هذا هو دعاؤهم، توجهوا إلى الله وهم في قلب المعركة، وهم في ساحة القتال، هذه هي الشُحْنَةً الإيمانية لمن يريد أن يواجه عدوه، فهو ينادي قائلاً: (ربنا)؛ لأن الرب هو الذي يتولى التربية والعطاء.
وتأملوا ـ أيها المؤمنون ـ في قوله تعالى: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا أنهم طلبوا أن يملأ الله قلوبهم بالصبر، ويكون أثر الصبر تثبيت الأقدام حتى يواجهوا العدو بإيمان، وعند نهاية الصبر وتثبت الأقدام يأتي نصر الله للمؤمنين على القوم الكافرين، وتأتي النتيجة للعزم الإيماني والقتال في قوله تعالى: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:251].
تلك هي النتيجة التي يتمناها المؤمنون، هزيمة أعدائهم، فهل تتحقق هزيمة أعدائنا أيها المؤمنون؟ نعم سوف تتحقق باذن الله، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله : ((ساعتان تفتح أبواب السماء وقلما ترد على داع دعوته، عند حضور النداء، والصف في سبيل الله)).
واعلموا ـ يا عباد الله ـ علم اليقين أن الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وهذا الانحراف الذي نراه اليوم ـ ونرجو أن يكون عارضا ويزول ـ ولو قام العلماء والأتقياء وأدوا ما عليهم من النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأحيوا روح القرآن، وذكروا المؤمنين بمعانيه الشريفة، واستلفتوهم عهد الله الذي لا يخلف، لرأيتم الحق يسمو والباطل يسفل، ولرأيتم نورا يُبِهِرُ الأبصار، وأعمالا تحار فيها الأفكار، وأن الحركة التي نلمسها ونحس بها الآن في نفوس المسلمين في أغلب الأقطار، تُبشرنا بأن الله تعالى قد أعد النفوس لصيحة حق يجمع بها كلمة المسلمين، ويوحد بها بين جمع الموحدين، وسوف يكون قريبا إن شاء الله. فإن فعل المسلمون وأجمعوا أمرهم للقيام بما أوجب الله عليهم، صحت لهم التوبة وعفا الله عنهم والله ذو فضل على المؤمنين.
فعلى الأمة وعلمائها أن تسارع إلى هذا الخير، وهو الخير كله جمع كلمة المسلمين، والفضل كل الفضل لمن يبدأ منهم بالعمل، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17]، وما يذكر إلا أولوا الألباب، قال رسول الله : ((لا تزال يد الله عز وجل على هذه الأمة وفي كنفه وفي جواره وجناحه، ما لم يمل قراؤهم إلى أمرائهم، وما لم يبر خيارهم أشرارهم، وما لم يعظم أبرارهم فجارهم، فإذا فعلوا ذلك رفعها عنهم، وقذف في قلوبهم الرعب، وأنزل بهم الفاقة، وسلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب)). وقال: ((إذا كان ذلك لا يأتيهم أمر يضجون منه إلا أردفه بآخر يشغلهم عن ذلك)).
|