.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

آداب السوق

4414

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الآداب والحقوق العامة, البيوع, المرأة

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

الرياض

2/6/1426

جامع الإمام تركي بن عبد الله

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- كمال الشريعة الإسلامية. 2- موقف الإسلام من المتاجرة والتكسب. 3- استحباب ذكر الله عند دخول السوق. 4- حال النبي مع السوق وأهله. 5- التحذير من الأيمان الكاذبة في البيع والشراء.6- استحباب إفشاء السلام في الأسواق. 7- من آداب السوق: غض البصر. 8- توجيهات للمتسوّقات. 9- التحذير من تبذير الأموال في الأندية الرياضية.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله، شريعة الإسلام نظّمت شؤون الحياة كلِّها، فما من شأن من شؤون حياة الإنسان إلا وللشريعة فيه التعليمات الطيّبة والتوجيهات القيّمة؛ لتحوّل المجتمع المسلم في كل ميادين حياته لأن يكون مجتمعًا مرتبطًا بدينه الإسلامي الحق.

أيها المسلم، ومن ذلكم شأن الأسواق، شأن أسواق البيع والشراء، فإن شريعة الإسلام جاءت بالضوابط الشرعية والآداب المستحبّة والتوجيهات النافعة لمن يأتوا الأسواق، ومن يشتغلون فيها، ومن مِهْنتُهم البيع والشراء فيها.

لقد كان للعرب في جاهليّتهم أسواق كعُكَاظ ومِجَنّة وذي المَجَاز، فلما جاء الإسلام تحرّجوا: هل يقيمون تلك الأسواق كما كانوا في الجاهلية؟ فأنزل الله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، أي بالتجارة في الحج وغيره.

أيها المسلم، لقد أثنى الله على رجال لم تكن الأسواق صادّة لهم عن ذكر الله، ولا مُلْهِية لهم عن طاعة الله، بل هم يزاولون البيع والشراء، ويؤمون الأسواق ويقيمونها، ولكنها لا تلهي قلوبهم عن ذكر الله، ولا تشغلهم ولا يشغلهم الضرب في الأسواق عن طاعة الله، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36، 37].

مَرّ عبد الله بن مسعود على أهل السوق وقد غطّوا مبيعاتهم وأمّوا المسجد، فقال: إنكم من أهل هذه الآية، وبشّرهم بهذا الثواب العظيم رضي الله عنه وأرضاه[1]، وذلك أن المسلم إذا بُشِّر بالخير كان عونًا له على مواصلة العمل الصالح.

أيها المسلم، إن إتيان الأسواق والبيع والشراء فيها ليس بعيب ولا نقص ولا إثم لمن اتقى الله وبَرّ وصدق، وتخّلَق بأخلاق الإسلام في أحواله كلها.

فمن آداب الإسلام في السوق أنه شَرَعَ ذكرَ الله عندما يدخل المسلم السوق؛ لأن السوق غفلة ولهو، والمسلم يذكر الله ليكون ذكره لله مصاحبًا له في أحواله كلها، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10]، أي ليكن ذكر الله مصاحبًا لكم في بيعكم وعقدكم وعطائكم، ولا تكن الدنيا مُلْهية لكم عن طاعة ربكم، بل سخّروا كل حياتكم في سبيل إعزاز دينكم وقوة ارتباطكم بخالقكم ورازقكم. روى الترمذي بسند فيه ضعف، يُروى أنه قال: ((من أتى السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ كُتِب له ألف ألف حسنة، وحُطّ عنه ألف ألف خطيئة))[2]، وهذا وإن كان فيه ضعف لكنه يبشر بخير، ويحث المسلم على ذكر الله في أحواله كلها.

إن محمدًا كان يأتي الأسواق للتكسّب والبيع، ولذا عابه المشركون، ورأوا ذلك نقصًا في حقّه، فبرَّأه الله بقوله: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [الفرقان:7] الآية، إذن فالنبي كان يأتي السوق، وكان يراقب أسواق المسلمين مراقبة عظيمة، يراقب أسواقهم، ويوجّه لهم النصائح والتوجيهات، ويحثّهم على الصدق والوضوح في بيوعاتهم. أتى السوقَ يومًا فرأى بائع طعام فأدخل يده فنالت أصابعُهُ بللاً في أسفل الطعام، فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟!)) قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: ((ألا وضعته فوق الطعام كي يراه الناس؛ من غشّنا فليس منّا))[3]. وقَفَ على التجّار يومًا فقال: ((التجّار فُجَّار يوم القيامة، إلا من اتقى الله وبَرّ وصدق))[4]. هكذا كانوا يحفظون الأسواق، ويوجّهون النصائح لأهلها؛ ليكونوا على بصيرة في بيعهم وشرائهم.

من أخلاق النبي التي وُصِفَ بها في الكتب السابقة: "ليس بالفَظِّ ولا بالغليظ ولا بالسَّخَّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، بل يجزي بالسيئة الحسنة، ويعفو"، ومعنى سَخَّاب: ليس صاحب لِجَاج ورفع صوت بالباطل، إنما السكينة والوقار والحِلْم خُلُق له ؛ لأن رفع الصوت والمغالاة في القِيل والقال لا تثمر خيرًا ولا تنتج خيرًا.

أيها المسلم، ومن آداب السوق أن النبي حذّر الباعة من الإقدام على الأيمان الكاذبة في بيعهم وشرائهم، بل أصل اليمين في البيع والشراء ينبغي تركه، هذا إن كان حقًا، فكيف إذا كان باطلاً؟! فنبيّنا يقول: ((ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكّيهم، ولهم عذاب أليم: المُسْبِل والمنَّان والمُنفِق سِلْعتَه بالحَلِف الكاذب))[5]، وقال: ((الحَلِف مَنْفَقَة للسِّلْعة، مَمْحَقَة للبركة))[6].

إذن فمن آداب من يأتي السوق أن يَتَوَقَّ اليمين بالله، ولا يحلف ليخدع الناس، فيقول: والله العظيم إن دخول السلعة عليّ بألف، والله يعلم أن دخولها عليه بسبع مائة. هذا لا يجوز أن تحلف بالله فاجرًا لتُروّج سلعتك، وتُحمَّل الآثام والأوزار: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77].

من آداب السوق إفشاء السلام، كان عبد الله بن عمر يأتي السوق، فقال له أحد أصحابه: وما شأنك والسوق، لا تقف على السلع ولا تسوم؟! قال: آتي لأسَلّم، وليُرَدّ السلامُ عليّ[7].

أيها المسلم، من آداب السوق أن تخلَّق بأخلاق الإسلام في غضّ بصرك وصرفه عن النظر إلى ما حرّم الله عليه، ففي الأسواق يختلط الرجال والنساء، فالمسلم حقًّا يغضّ بصره حتى لا ينطلق البصر فيرى ما يُشغِل القلبَ ويلهيه، فإن النظر يأسر القلب، فمتى ما امتلأت العين من النظر أوقع ذلك في القلب مرض الشهوات، وإذا غضّ البصر طفأت نار شهوة القلب: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].

أيتها المرأة المسلمة، وأنت مأمورة بذلك: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31]، في الحديث عنه قال: ((كُتِب على ابن آدم حَظّه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والرِّجْل تزني وزناها الخُطَا، واليد تزني وزناها البطش، واللسان يزني وزناه النُّطق، والنفس تتمنّى وتشتهي، والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه))[8].

ومن آداب السوق أن تتقي المرأة المسلمة ربّها، فإن احتاجت لنزول السوق، واضطرت إليه فلتلزم الحِشْمة في لباسها، ولتمتنع عن الطِّيب أثناء دخول السوق؛ فإن المرأة إذا تعطّرت ومرّت بالرجال فوجدوا رائحة الطِّيب فإنها زانية، تحذيرًا لها من هذا البلاء، فلتتّقي المسلمة ربها، ولتغضّ بصرها، ولتبتعد عن التبرّج وعن اللباس الجميل وعن التعطّر؛ حتى لا تفتح للفسّاق طريقًا عليها، فتكون مساهمة في الإثم.

أيتها المرأة المسلمة، كثير من النساء هداهُنّ الله يؤمون الأسواق في كل يوم، ويا ليت إتيانها للسوق لحاجة، ولكن إتيانٌ من باب التفرّج، فتنتقل من سوق إلى سوق، وربما مضى جزء كبير من الليل ما عادت إلى منزلها، هذا ـ يا أختي ـ في حدّ ذاته خطأ، فالمرأة مسلمة مأمورة بالقرار في بيتها: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]، فإني لا أمنعك من الخروج مطلقًا؛ لأن هذا قد تضطرّ المرأة للخروج، ولكن ليكن بأدب، ليكن بحشمة، ليكن بسكينة، ليكن بأدب الإسلام في كل الأحوال، ومتى انقضى الغرض المطلوب عادت المرأة إلى بيتها، أمّا تَسَكُّع النساء في الأسواق معظم النهار وكثير من الليل، وتضيع البيوت، وتفقد من يقودها ومن ينظّم شأنها فهذا في الحقيقة خطأ منكِ أيتها المرأة المسلمة. فهذه آداب السوق أيها المسلم. آداب السوق هذه: غضّ البصر وعدم التطلّع وتقوى الله في الأمور كلها، فإن المسلم مأمور بلزوم آداب الإسلام.

أيها الشباب المسلم، أيتها الفتيات المسلمات، ليتّق الجميع ربَّهم في أحوالهم كلها، وليراقب كلٌّ ربَّه في أحواله كلها، وليتّق الباعةُ ربَّهم فيلزموا الصدق والأمانة.

أيتها المرأة المسلمة، إياكِ وكثرة القِيل والقال في السوق، إياك والخضوع بالقول، فإن الله يقول: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]، فكثرة تحدّث المرأة مع الرجال بلا موجب ولا سبب يقتضيه، إن ذلك لخطأ، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرَى الدم. فلتكن المرأة المسلمة حريصة على صيانة عِرضها وكرامتها وترفّعها عن الرّذائل في كل أحوالها. ولتكن أسواق المسلمين أسواقًا نظيفة بعيدة عن الربا والغشّ والخداع والخيانة؛ لأن المسلم إذا سَلِمت مكاسبه من هذه الرذائل صار مكسبه مكسبًا مباحًا طيبًا مباركًا عليه في حاضره ومستقبله.

أسأل الله للجميع التوفيق والسداد والعون على كل خير، إنه على كل شيء قدير.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] أخرجه الطبري في جامع البيان (9/329).

[2] أخرجه أحمد (1/47)، والترمذي في الدعوات (3428)، وابن ماجه في التجارات (2235)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال الترمذي: "حديث غريب"، وقال ابن القيم في المنار المنيف (33): "هذا الحديث معلول، أعلّه أئمة الحديث"، وانظر: علل الدارقطني (2/48-50)، وقد صححه الحاكم في المستدرك (1/721)، والألباني في السلسلة الصحيحة (3139).

[3] أخرجه مسلم في الإيمان (101، 102) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] أخرجه الترمذي في البيوع (1210)، وابن ماجه في التجارات (2146)، والدارمي في البيوع (2538) من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه بنحوه، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (4910)، والحاكم (2/6)، وفي إسناده مجهول كما حققه الألباني في غاية المرام (168).

[5] أخرجه مسلم في الإيمان (106) من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه.

[6] أخرجه البخاري في البيوع (2087)، ومسلم في المساقاة (1606) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] أخرجه مالك في الموطأ (1793)، والبخاري في الأدب المفرد (1/348).

[8] أخرجه البخاري في الاستئذان (6243)، ومسلم في القدر (2657) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله، المال بيد المسلم أمانة، هو ماله وملكه الذي خَوّله الله إياه، ولكنه أمانة عنده، تصرّفه في ماله لا يكون تصرفًا سليمًا إلا إذا كان وفق الشرع، فإن تصرّف في المال التصرّف السيئ كان وَبَالاً عليه. سيُسأل كلٌّ منا عن ماله: من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟ تسأل عن طريق الاكتساب: أهي طرق شرعية، أم طرق خبيثة؟ تسأل عن طرق الإنفاق: أأنفقت هذا المال فيما يرضي الله، أم أنفقته في معاصي الله؟ هل كان إنفاقك [في] أعمال صالحة تبقى لك بعد موتك، أو أنفقته في أعمال سوء، تتحمّل الأوزار والآثام يوم القيامة؟ في الحديث عنه قال: ((إن رجالاً يتَخَوّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة))[1]. هو مال الله خَوَّلَك إياه، إن خُضت فيه بالباطل كان عليك وزر وآثام يوم القيامة، فتتمنّى أن لم يكن لك مال عندما ترى الآثام والأوزار التي سُجِّلت عليك في صحائف أعمالك.

أيها الإخوة، لقد نُشِر في هذا الأسبوع وقبله، نُشِر عن تنافس الأندية الرياضية فيما يُسمّى بشراء اللاعبين أو اكتساب اللاعبين ونحو ذلك، نُشِر هذا المقال للأسف الشديد، وهناك تنافس مَحْمُوم لدى الأندية أو لدى من يمدّهم ويعينهم، إلى أن ارتقوا أحيانًا بما يسمى بالمنافسة بينهم، أن هذا يرتقي من عشرين مليونًا إلى تسع وأربعين مليونًا تدفع للاعب واحد مقابل اشتراكه في نادٍ ما من الأندية، والتنافس يجري بينهم في هذا، وتُنفَق هذه الملايين الطائلة بلا مُبرّر شرعي ولا مُوجِب شرعي. إن أولئك الذين ينفقون سواء كان في الأندية أو من يُعدّ منهم ويعينهم، إن هذه نفقات ما أُرِيد بها وجهُ الله، وإنها إنفاق في الباطل، وإنها تبذير: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء:27].

إن الواجب على هذه الأندية وعلى المسؤولين فيها أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يحوّلوا هذه الأندية إلى أندية خير وتنافس، رياضةً بدنيةً وعقليةً وأخلاقًا وتربيةً إسلامية ومنتدى خير يؤمّه الناس فيستفيدون، ويقضون أوقاتهم في خير، أما أن يكون التنافس في الأموال لكسب هذا وكسب هذا بهذه النفقات الجائرة فهذا أمر منكر، والذي ينفق هذا المال من أولئك المشجّعين لهم، الذي ينفقه ليعلم أنه مأزور غير مأجور، وليعلم أنه آثم وليس بِمُثاب، وليعلم أنه مخطئ وليس بمصيب، وليعلم أن نفقاته تلك ستكون وَبَالاً عليه يوم القيامة وحسرة وندامة؛ لأنه لم ينفقها في وجه شرعي يحبه الله ورسوله.

هذه الأموال لو أُنفِقت في خير، وأُنفِقت في معروف، وسُوهِمَ فيها في خير، وأُعِين بها مُعْتاز، وأُنفِق في طرق الخير لكان لها النفع والفائدة الدائمة، لكن هذا التنافس السيئ إنما يدل على أن هذه الأندية ـ هدى الله القائمين عليها ـ لم يقصدوا بذلك المنفعة، إننا نريد منهم أن يحوّلوها إلى تربية بدنية وعقلية وأخلاقية لتؤدّي واجبها، وتساهم في المعروف، أما أن تُنفَق هذه الأموال في سبيل كسب هذا أو هذا فهذا في الحقيقة أمر مَشِين.

والصحف تنشر هذه الأسماء وهذه المقالات كل يوم، ولا شك أن هذا خطأ واضح، وإنفاق مال في غير حقّه، والله يقول: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].

أسأل الله أن يهدي إخواننا لطاعته، وأن يمنّ على الجميع بالرجوع للحق، وأن يجعلنا وإياكم ممن يسعى في الخير بقوله وعمله، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ...



[1] أخرجه البخاري في فرض الخمس (3118) من حديث خولة الأنصارية رضي الله عنها.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً