.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

الجنة والنار

4404

الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب

الجنة والنار, اليوم الآخر

علي بن عبد الرحمن الحذيفي

المدينة المنورة

17/5/1426

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الحكمة من خَلق الخليقة. 2- إحصاء الله تعالى لأعمال العباد. 3- الجزاء من جنس العمل. 4- استدامة السلف لذكر الجنة والنار. 5- الحاجة إلى ذكر الجنة والنار. 6- صفة الجنة ونعيمها. 7- صفة النار وعذابها. 8- التحذير من الاغترار بالدنيا. 9- الأمن نعمة عظيمة، والمحافظة عليه مسؤولية الجميع.

الخطبة الأولى

أمّا بَعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ تقواه، وتمسَّكوا بها، فنِعمَ العملُ والذُّخر والفَوز في دنيا العبدِ وأخراه.

أيّها المسلمون، لقَد خلقَ الله الخَلقَ لتنفُذَ فيهم قدرتُه، وتجرِيَ عليهم أحكامُه الشَّرعيّة والقدَريّة، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18]. خلَقَ الكونَ بالحقِّ ليُطاعَ الربُّ، ويُعمَر الكونُ بالصَّلاح والإصلاح، وجعَل الله للمكلَّفين مشيئةً واختِيارًا أناطَ به التّكليفَ، ولا يخرُج العبدُ بتلك المشيئةِ عن قدرةِ الله ومشيئتِه، فمَن وافقَ مرادَ الله المحبوبَ لَه وعمِل بالحقّ الذي لأجلِه خلَقَ الكونَ، وأطاع ربَّه جَزاه الله الجزاءَ الحسَن في الدنيا وفي الآخرة، كمَا قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]. ومَن ضادَّ مُرادَ الله المحبوبَ له، وعارَضَ شريعةَ الإسلام وعصَى ربَّه، عاقبَه الله في الدنيا والآخرة، قال عزّ وجل: فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:123، 124].

وأعمالُ العِباد مُحصاةٌ عليهم صَغيرُها وكبيرُها ليُجازَوا عليها، كما عز وجل: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]. فالجزاءُ الحَقِيقيّ الدّائمُ في الآخِرة، وأمّا الدّنيا وإن كان فيها جَزاءٌ على الخير أو على الشرّ فإنّه جزاءٌ قليل وجزاء منقطِع، تتصرّم أيّامُه وتسرِعُ ساعاتُه، حتّى إنّ عُمرَ الدنيا كلِّها يراه العُصاةُ مِقدارَ ساعةٍ من نهارٍ، قال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ [الروم:55]، وقال تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ [يونس:45]. ولكنَّ الجزاءَ الأبديَّ السّرمديّ الذي لا ينقطِع في الآخرةِ؛ إمّا دارُ نعيم وإمّا دار جحيم.

والجزاءُ بالجنّة على الأعمالِ الصالحة والعقابُ بالنار على الأعمالِ الشّرِّيرة، في غايةِ المناسَبَة والمجانسة والعدل من رب العالمين، فإنّ الجزاءَ من جِنس العمَل، فكلمّا كانَت الأعمالُ صّالحة كان الجزاء أعظم، ولمّا كانَت الأعمالُ الصّالحة تتنوّعُ في حقائقِها ومنافِعِها، كان نعيمُ الجنّة منوَّعًا في حقائقِه ومنافِعه وطُعومِه ولذّاتِه، ولما عَبَد أهلُ الجنّةِ ربَّهم بالغَيب ولم يرَوه تجلَّى الله لهم، فأكرَمهم بلذَّة النظر إلى وجهِه الكريم، وأسمَعهم جلالَ كلامِه العظيم، ولمّا علِم الله مِنهم العَزمَ والتَّصمِيم والإرادةَ الجَازِمة على دَوام عبادةِ الله وطَاعتِه أبدًا، أدامَ الله عليهم النّعيمَ المقيمَ، قالَ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً [الكهف:107، 108]. ولما كانَت الأعمالُ الشرِّيرة تتنوَّع في حقائِقها المُرَّة ومَضارّها وخُبثِها وشَرِّها على الناس وعلى الكون، كانَ عذابُ النار منوَّعًا في شِدَّتِه وألمِه ومَرارتِه بحسَب الأعمال، ولما حجَبوا قلوبَهم عنِ الهدَى والإيمانِ احتجَب الله عن أهل النار فلا يرَونَه، قال تعالى: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]. ولما علِم الله أنّ أهلَ النّار دائمو العَزمِ والإرادة على الكفرِ والمعاصي، وأنهم إِن رُدّوا إلى الدنيا عَادوا إلى الكفرِ والمعَاصي، لما علِم الله منهم ذلك أدامَ عليهم العذابَ الأليمَ، قال عز وجلّ: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:27، 28].

عبادَ الله، إنَّ أصفَى ساعاتِ المسلم وأفضلَها وأرقى درجاتِه أن يستوليَ على قلبه الطمَعُ في الجنةِ والخوفُ من النار، وقد كان السّلفُ الصالح رضي الله عنهم يغلِب على قلوبهم الخوفُ من النّار والطمعُ في الجنّة، فصَلحت أعمَالهم واستنارت سرائرهم.

هذا عبدُ الله بنُ رواحة يودِّع أصحابَه في غزوةِ مؤتَة، فيبكِي ويقال له: ما يبكِيك؟ فقال: والله، ما أبكي صَبابةً بِكم ولاَ جزَعًا على الدّنيا، ولكن ذكَرتُ قولَ الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71]، فكيف لي بالصَّدرِ بعد الورود؟![1]. وعُمير بن الحمام لما قال النّبيّ في غزوةِ بَدر: ((قوموا إلى جنّةٍ عرضُها السموات والأرض)) كان في يدِه تمراتٌ فرمى بهنّ، وقال: لئِن بقيتُ حتى آكلَ تمراتي هذه إنها لحياةٌ طَويلة، فقاتل حتى قُتِل [2]. وأنسُ بن النّضر قال: (إني لأجِدُ ريحَ الجنّةِ مِن دونِ أُحُد)[3].

والكلامُ عنهم في هذا يطول، ونحن بحاجةٍ إلى ذكر الجنة والنّار في قلوبِنا ونوادينا وفي ليلنا ونهارنا لتستقيمَ أحوالنا وتصلح أعمالُنا، ولا سيّما في هذا العصرِ الذي طغت فيه المادّة، وتظاهرت الفتَن، وقلَّ الناصحُ، وضعُف الإيمان، وتزيّنت الدنيا بزُخرفها وزهرَتها، وأثقلتِ الكواهلَ بكثرةِ مطالبها، وأرهقتِ الأعصابَ بتشعُّب حاجاتها، حتى صار التحابُّ من أجلِها والتباغُض من أجلها والتواصُلُ لها والتقاطُع لها إلا من شاء الله تعالى، فكانت أكبرَ ما يصُدُّ عن الآخرة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس:7، 8].

الطّمَع في الجنّة قائِد، والخَوفُ من النّار زاجِرٌ وسائق. الجنّة حُقَّ أن يطلبَها المسلمُ جُهدَه، ففيها ما لا عينٌ رأَت ولا أذُنٌ سمعَت ولا خطَر على قَلبِ بَشَر، عن أسامة بن زيد قال: قالَ رسول الله : ((ألا هَل مشمِّرٌ للجنة، فإنّ الجنةَ لا خَطَر لها، هي ـ ورَبُّ الكعبةِ ـ نورٌ يتلألأ، وريحانَة تهتزّ، وقَصرٌ مَشيد، ونهر مُطَّرِد، وثمرةٌ نضيجَة، وزوجةٌ حسناء جميلة، وحُلَلٌ كثيرة، ومَقامٌ في أبَد في دارٍ سليمَة، وفَاكهةٍ وخُضرة وحَبرة ونِعمَة في محَلَّةٍ عالية بهيَّة))، قالوا: نعَم يا رسولَ الله، نحن المشمِّرون لها، قال: ((قولوا: إن شاءَ الله))، فقال القوم: إن شاء الله. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي[4].

وعن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله : ((بِناءُ الجنة لبنةُ ذهَب ولبنَة فِضّة، وملاطُها المِسك ـ وهو ما يكون بين اللَّبِن ـ، وحصباؤُها اللّؤلؤ والياقوت، وترابُها الزّعفران، ومَن يدخُلها ينعَم ولا يبأس، ويخلُد ولا يموت، ولا تبلَى ثيابُه، ولا يفنى شبابُه))[5].

وعن أبي موسى الأشعري عن النبيِّ قال: ((إنّ للمؤمنِ في الجنّةِ لخيمةً مِن لؤلؤةٍ واحِدة مجوّفة، طُولُها في السّماءِ سِتّون ميلاً، للمؤمِن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمِن، فلا يَرى بعضُهم بعضًا)) رواه البخاري ومسلم[6].

وأمّا شرابُهم فكما قال الله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [محمد:15].

وعن أبي هريرةَ قال: قالَ رَسول الله في أزواجِ أهلِ الجنّة: ((يضَع أحدُهم يدَه بَين كتفَيها، ثم ينظُر إلى يده من صدرِها من وراءِ ثِيابها وجِلدِها ولحمِها، وإنّه لينظُر إلى مُخِّ ساقِها كمَا ينظُر أحدكم إلى السِّلك في قصَبةِ الياقوت، كبِدُه مرآةٌ لها، وكبدُها مِرآة له)) رواه أبو يعلى والبيهقي[7].

وعن أنسِ بنِ مالكٍ يرفعه: ((إنّ أسفلَ أهل الجنّةِ أجمعين مَن يكون على رأسِه عشرةُ آلاف خادِم، معَ كلِّ خادمٍ صحفتان: واحدةٌ من ذهَب وواحدةٌ من فضّة، في كلّ صَحفةٍ لونٌ ليس في الأخرى مثلُها، يأكل من آخرِه كما يأكل من أوَّله، يجِد لآخرِه من اللذَّة والطّعم ما لا يجِد لأوّلِه، ثم يَكونُ فوقَ ذلك رشحُ مِسكٍ وجُشاء مِسك، لا يبولون، ولا يتغَوّطون، ولا يمتخِطون)) رواه الطبراني وابن أبي الدنيا[8].

وقد وصَف الله تعالى ما في الجنّةِ من النعيمِ المقيم في كتابِه بما لم يُوصَف في كتابٍ منزَّل، ووصف ذلك رسولُ الله بما لم يصِفه نبيّ لأمته؛ لنعمَلَ بأعمالِ أهلِ الجنّة ولنسارعَ إلى الخيرات ونطلبَ جنةَ ربِّنا بجُهدَنا، ونَسأل الله تبارك وتعالى أن لا يكلنا إلى أنفسنا، ونَسأل ذلك من ربِّنا.

وأعظمُ مِن نعيم الجنة رضوانُ ربِّ العالمين على العبد، والنّظرُ إلى وجهِهِ الكريم، قال الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72].

وأمّا النّار وما أدرَاك ما النّار، فهي مثوَى الأشرارِ، ومكانُ الخُبث والذِلّة والخزيِ والصّغار، بعيدةُ القَعر، لو أنّ الحَجرَ يُلقى من شَفيرها ما أدرَك لها قَعرًا سبعين خريفًا. رواه مسلم[9].

شديدةُ الحرّ، ((نارُ الدّنيا جزءٌ واحِد مِن سبعين جزءًا مِن نارِ جَهنّم))[10].

طعامُ أهلِها الزّقّوم من شجرةٍ تنبتُ في أصل جهنّم، يأكل منها أهل النار ويشربون عليها من الحميم، وطعامهم الضّريعُ لا يُسمِن ولا يُغني من جوع، خبيثُ الطّعم، مُرُّ المذاق، شديدُ الحرارَة، ينشَبُ في الحَلق فلا يسيغه إلى جوفِه إلاّ بالماءِ البالِغ الحرارة، فإذا وصل إلى الجوف قطَّع الأمعاء والعياذ بالله.

ومِن شَرابهم المُهلُ والغسّاق وهو الصّديد من القيحِ والدّم، ولباسُهم القطِران والحديد، قال الله تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:19-22]. عَن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: (إنّ في النارِ حيّاتٍ ـ أي ثعابين ـ كأمثالِ أعناقِ البُخت تنهَش الرّجل، فيجِد حَرَّ سُمِّها سبعينَ خريفًا) رواه أحمد[11]. وفيها العقارب التي وصفها النبي كأنها الخيل الدهم.

قال عز وجلّ: وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة:105].

بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، ونفَعنا بهديِ سيّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] رواه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية (4/373) عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير به، ومن طريق ابن إسحاق رواه الطبري في تاريخه (2/149)، وأبو نعيم في الحلية (1/118)، وقال الهيثمي في المجمع (6/159): "رواه الطبراني، ورجاله ثقات إلى عروة". ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية (1/118) من طريق موسى بن عقبة عن الزهري قال: زعموا أن عبد الله بن رواحة بكى حين أراد الخروج إلى مؤتة.. وذكر نحو هذه القصة.

[2] رواه مسلم في الإمارة (1901) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

[3] رواه البخاري في الجهاد (2806)، ومسلم في الإمارة (1903).

[4] سنن ابن ماجه: كتاب الزهد (4332)، صحيح ابن حبان (7381)، وأخرجه أيضا البزار (2591)، والطبراني في مسند الشاميين (1421)، وأبو الشيخ في العظمة (602)، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/265): "إسناده فيه مقال؛ الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي في طبقات التهذيب: مجهول، وسليمان بن موسى الأموي مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3358).

[5] أخرجه أحمد (2/304)، والترمذي في صفة الجنة (2525)، والدارمي في الرقاق (2821)، وعبد بن حميد (1420)، والبيهقي في الشعب (5/409)، وقال الترمذي: "هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي مدلة عن أبي هريرة عن النبي "، وصححه ابن حبان (7387)، وهو في صحيح سنن الترمذي (2050).

[6] صحيح البخاري: كتاب التفسير (4880)، صحيح مسلم: كتاب الجنة (2838) واللفظ له.

[7] عزاه المنذري في الترغيب (4/298) لأبي يعلى والبيهقي، قال الألباني في ضعيف الترغيب (2/492): "وهو حديث طويل جدا، في نحو ثمان صفحات، لا أعلم له شبيها... إسناده ظلمات بعضها فوق بعض، مما لا يشك الباحث أنه حديث مركب... وفيه جمل مستنكرة".

[8] المعجم الأوسط (7674)، ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية (6/175)، وقال المنذري في الترغيب (4/279): "رواته ثقات"، وتبعه الهيثمي (10/401)، وقوى إسناده ابن حجر في الفتح (6/324)، وهو مخرج في السلسلة الضعيفة (5303).

[9] صحيح مسلم: كتاب الجنة (2844) عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه.

[10] صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق (3265) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أيضا مسلم في كتاب الجنة (2843).

[11] هذا الحديث في المسند (4/191) مرفوع، وأخرجه أيضا البيهقي في البعث (561)، وصححه ابن حبان (7471)، والحاكم (8754)، وقال الهيثمي في المجمع (10/390): "فيه جماعة قد وثِّقوا"، وهو في السلسلة الصحيحة (3429).

الخطبة الثانية

الحمدُ لله ذي العزّة والإكرام، والعزّة التي لا تُرام، أحمد ربي وأشكره على عظيم الإنعام، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملك القدّوس السلام، وأشهد أن نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله المبعوث رحمةً للأنام، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه الكرام.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى تقوَى من يخشاه سرًّا وجهرًا، فما أفلح أحدٌ إلا بتقوَى ربّه، وما خاب أحدٌ إلا باتِّباع الشهوات وتضييع الطاعات.

أيها المسلمون، لقد دعاكم مولاكم إلى جنّاتِ النعيم، بتقديم الأعمالِ الصالحات ومجانبة السيّئات، فقال عز وجلّ: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133، 134]، وفي الحديث عن النبيّ : ((كلّكُم يدخُل الجنة إلا مَن أبى))، قالوا: ومن يأبى يا رسولَ الله؟! قال: ((من أطاعني دخلَ الجنة، ومن عصاني فقد أبى))[1].

فلا يركننَّ أحدٌ إلى الدّنيا ونعيمِها؛ فإن الركون إليها يَصدُّ عن الآخرة، فما هي إلاّ أضغاثُ أحلام وظِلُّ شجرةٍ زائل ومتاعُ غرور، ففي الحديثِ عن النبيّ : ((يؤتَى بأشدِّ الناس في الدنيا بؤسًا ويغمَس في الجنّة فيقال له: يا ابنَ آدم، هل رأيتَ بؤسًا قطّ؟ فيقول: لا والله، ما رأيتُ بؤسًا قطّ. ويؤتى بأشدّ الناس تنعُّمًا في الدنيا ثم يُغمَس في النار، ويقال له: يا ابنَ آدم، هل رأيتَ نعيمًا في الدنيا قطّ؟ فيقول: لا والله، ما رأيتُ نعيمًا قط)) رواه مسلم[2].

أيها الناس، إن الأمن نعمة كبرى ومنّة عظمى، وإنه تنتظم به مصالح الدنيا والدِّين، وإن من يريد أن يخترق سياجه فإن مسؤولية ذلك على المجتمع كلِّه، وإن الأخذ على يدي المُفَسِّد والعابث بالأمن واجبُ على كل فردِ من أفراد المجتمع، فإن الله تبارك وتعالى قال: وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:142]. وإن من أعظم الإفساد السطو على الأرواح أو الأموال أو الأعراض أو انتهاك الحرمات، إن ذلك كلَّه مسؤولية الجميع، فيجب الأخذ على يدي الظالم، وفي الحديث عن النبي : ((لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يدِ السفيه أو الظالم، ولتأطرُنَّه على الحقِّ أطرًا، أو ليضربنَّ الله قلوبِ بعضكم ببعض))[3].

فاتقوا الله أيها المسلمون، وكونوا على الخير أعوانًا، حاربوا الشرَّ أينما كان وممن كان، وأحبّوا الخير ممن كان وأين كان، فإنكم لن تفلحوا إلا بمحاربة الشرِّ وأهله. فاتقوا الله تعالى.

عبادَ الله، إنّ الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا))[4].

فصلّوا وسلِّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا...

 



[1] أخرجه البخاري في الاعتصام (7280) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] صحيح مسلم كتاب صفة يوم القيامة (2807) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

[3] أخرجه أحمد (1/391)، وأبو داود في الملاحم (4336)، والترمذي في التفسير (3047)، وابن ماجه في الفتن (4006) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وقد اختلف في إرساله ووصله، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1105).

[4] أخرجه مسلم في الصلاة (384)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً