عباد الله، تعالوا نعيش وإياكم مع النفحات الطيبة العطرة، مع الذين تربّوا على مائدة القرآن، وتعلموا من الرسول عليه الصلاة والسلام. وكم نحن بحاجة في هذه الأيام لكي نسير على منهاجهم، كيف لا وهم الذين أيّدوا هذا الدين، ونصروا الإسلام، ونشروه في كل مكان؟! كانوا رضي الله عنهم رسل خير ومحبة، رسل دعوة ورسالة، واجهوا ظلم الظالمين بعدالة الإسلام، وطبّقوا الأحكام، فخلّد الله ذكرهم في كتابه وعلى لسان نبيه ، رسموا للعالم خريطة الطريق السليمة التي توصل الناس إلى رضا ربهم، فيتحقق الأمن والأمان، والعزة والسلطان.
عباد الله، الصحابية الجليلة أم سُلَيم بنت ملحان الأنصارية رضي الله عنها، تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية، فولدت الصحابي أنس بن مالك ، وأسلمت مع السابقين الأولين من الأنصار، وغضب زوجها لإسلامها، وخرج إلى الشام فمات بها، وجاء أبو طلحة يطلب يدها، وكان كافرًا لا يؤمن بالله العظيم، فاشترطت عليه الإسلام. وهنا ـ أيها المؤمنون ـ يتجلّى جانب الإيمان والتوحيد، تتجلى عقيدة المؤمن. العقيدة ـ أيها المؤمنون ـ هي الأمر الذي لا يجوز التفريط فيه أبدًا.
ومن هنا فقد عَلَّمنا رسولنا درسًا في الثبات على العقيدة والتضحية لأجلها عندما جاءه كفار قريش، وشكوه لعمه أبي طالب أعلنها مُدَوّية صريحة بقوله: ((والله لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر ـ وهو توحيد الله والدعوة لدينه ـ ما تركته حتى يُظهِره الله أو أهلك دونه)).
هذا هو الاقتناع بالعقيدة التي هانت على بعض الناس اليوم فهانوا على الله تعالى، فتنازلوا عن أهم مبادئ العقيدة بثمن بخس دراهم معدودة.
عباد الله، الصحابية أم سُلَيم صاحبة عقيدة، تعلمت من رسول الله خير المعلمين، تعلمت في أول مدرسة في الإسلام، في بيت الأرقم بن أبي الرقم.
جاء أبو طلحة يطلب يدها وكان كافرًا، فماذا قالت له؟ قالت: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض؟! قال: بلى، قالت: أفلا تستحي تعبد شجرة؟! إن أسلمت فإني لا أريد منك صَدَاقًا غيره. سبحان الله! هكذا تكون الدعوة إلى الله يا عباد الله، إن أسلم الرجل فهي تقبل بزواجه، ومهرها هبة له، تضحية بالمال، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]. أين نساء اليوم ليتعلمن هذا الدرس من هذه الصحابية المؤمنة الصادقة؟!
عباد الله، اسمعوا هذه القصة جيدًا، أراد شاب أن يتزوج فتاة ظهر له منها أنها صاحبة دين وخلق تطبيقًا لقول الرسول : ((فاظفر بذات الدين تَرِبت يداك))، وتقدّم الشاب لخطبة الفتاة، ثم عقد عليها عقد الزواج حتى يكون دخوله لبيتهم شرعيًا، فماذا حدث؟ جلس الشاب مع الفتاة، أتدرون ـ يا عباد الله ـ ما أول سؤال سألته الفتاة لهذا الشاب؟! كان يتوقع الشاب أن تسأل عن معنى آية من كتاب الله تعالى أو عن حديث نبوي شريف أو عن حكم شرعي أو تسأل عن أحوال المسلمين في فلسطين أو العراق أو كيف يعيش المسلمون في هذه الأيام في دول العالم الغربي وكيف يُحارَبون ليس إلا لأنهم مسلمون، أتدرون ماذا سألت الفتاة أيها المسلمون؟! ويا بئس ما سألت، قالت للشاب: ما رأيك في الرقص الشرقي؟ وبُهِت الشاب أمامها، وقال لها: ما دخل الرقص فيما نحن فيه؟! فقالت له: وكيف لا تجيد الرقص وأنت طالب جامعي؟! اسمح لي أن أقول لك: إنك متأخر، أيوجد في زماننا من لا يجيد الرقص والفن؟!
إن هذا الشيء عجيب! إذا أردت أن يتم الزواج فعليك أن تتعلم فن الرقص. شريحة من شرائح المجتمع الذي يعيش فيه بعض الفتيان، هذا النموذج من فتياتنا هذه الأيام، وأريد أن أقول لكم كلمة، وعليكم أن تحفظوها جيدًا: أخطر ما تُصاب به الأمم هو في دينها وعقيدتها، إذا أصيبت الأمم بهذا البلاء فعليها العفاء.
وطلّق الشابُ الفتاة، وبحث عن امرأة مؤمنة من جديد.
عباد الله، أم سُلَيم رضي الله عنها كانت مثالاً للمرأة المسلمة، في بيتها كان يزورها الرسول ، فتتحفه بالشيء تصنعه له. أم سُلَيم قُتِل أخوها وأبوها في سبيل الله. أم سُلَيم كانت تغزو مع رسول الله، ولها قصص مشهورة، منها أنها اتخذت خنجرًا يوم حُنَين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سُلَيم معها خنجر! فقالت: اتخذته؛ إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه.
ومنها قصتها لما مات ولدها ابن أبي طلحة، فقالت لما دخل: لا أحد يذكر ذلك لأبي طلحة قبلي. فلما جاء وسأل عن ولده قالت: هو أسكن ما كان، فظن أنه عوفي، وقام فأكل، ثم تزيّنت له وتطيّبت، فنام معها، وأصاب منها، فلما أصبح قالت له: احتسب ولدك، فذكر ذلك للنبي فقال: ((بارك الله لكما في ليلتكما)). فجاءت بولد وهو عبد الله بن أبي طلحة، فأنجب ورُزِق أولادًا قرأ القرآن منهم عشرة قراءة كاملة.
عباد الله، نريد أولادًا يقرؤون القرآن يتلونه ويحفظونه ويعملون بما ورد فيه، لا نريد شبابًا يتسكّعون في الشوارع ويلهثون وراء الشهوات والمعاصي، نريد شبابًا يحملون دعوة الإسلام، نريد شبابًا يتخلّقون بأخلاق القرآن، نريد طائفة تعيد للأمة مجدها وعزها وكرامتها، نريد جيلاً يحمل فكرًا سليما وتربية صالحة، استجابة لنداء الله تعالى في سورة التحريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
وجهوا أولادكم إلى المخيمات الإسلامية، فنحن على أبواب العطلة الصيفية، شجعوهم على حفظ القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فالأمر يحتاج لعناية ورعاية ومتابعة، حتى ينشأ جيل صالح يحمل راية الإسلام.
عباد الله، لقد اشترطت أم سُلَيم رضي الله عنها أن يُسلم أبو طلحة، وكان لها ما طلبت، أكرمها الله سبحانه وتعالى بأن يسلم أبو طلحة على يدها فجاء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فقالت: يا أنس، زوّج أبا طلحة. فزوجها، كم تريدين من المهر يا أم سُلَيم؟ فقالت: يكفيني أنك نطقت بالشهادتين.
عباد الله، لماذا أصبح المهر يشكل مشكلة أمام من يريد الزواج؟! لماذا لا تُخفّف عن أولادنا تكاليف وأعباء الزواج؟! من الممكن أن نحصر الشيء الكثير من عاداتنا وتقاليدنا، فدماء شهداء الأمة لم تجف بعد، بحاجة لطاقات وجهود الشباب المؤمن الصادق مع الله في العبادات والمعاملات والدفاع عن حرمات الإسلام والمسلمين.
عباد الله، انظروا إلى هذه المرأة الصالحة، لما حضرت السيدة نفيسة رضي الله عنها الوفاة كانت صائمة في رمضان، فقال لها الطبيب: يا سيدتي أفطري، فقالت: والله لا أفطر إلا عند الله، لقد كنت أدعو الله دائمًا وأقول: اللهم اقبضني إليك وأنا صائمة. نفيسة على فراش الموت صائمة، الطبيب يقول لها: أفطري، فتقول: والله لا أفطر إلا عند الله. وما هو الإفطار عند الله؟ ما هو الإفطار عند الله يا حفيدة رسول الله؟ وعلى أي شيء يكون؟ إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [الإنسان:5، 6]، السيدة نفيسة قرأت القرآن الكريم كله مائة وأربعين مرة، قرأت القرآن، ظَلّت تقرأ وهي على فراش الموت إلى أن وصلت إلى قوله تعالى: لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:127]، ثم فاضت روحها الطاهرة إلى علام الغيوب.
يا عالِم السرّ منّـا لا تكشف السرّ عنّا
وكن لنا حيث كنّا وعافنـا واعف عنّا
نريد نساءً صالحات من طراز أم سُلَيم والسيدة نفيسة، نريد مؤمنات قاتنات كما قال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
وقد ضرب الله لنا القدوة الحسنة منهن في القرآن الكريم: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْن [التحريم:11]، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [التحريم:12].
|