.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

بادروا بالأعمال

4379

الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب

أشراط الساعة, اغتنام الأوقات, الفتن

وليد بن إدريس المنيسي

مينيسوتا

دار الفاروق

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- التعجيل بالأعمال الصالحة قبل حلول الفتن. 2- استدراك ما فات من الزمان بالتوبة النصوح. 3- اغتنام الزمان الحاضر بالعمل الصالح. 4- الفتن الصغار والكبار. 5- سبل الوقاية من الفتن. 6- أشراط الساعة.

الخطبة الأولى

أما بعد: فعن أبي هريرة قال: قال : ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل)) رواه مسلم، وعنه قال: قال : ((بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، ودابة الأرض، والدجال، وخويصة أحدكم، وأمر العامة)) روه مسلم، وعن عابس الغفاري قال: قال : ((بادروا بالأعمال ستا: إمارة السفهاء، وكثرة الشُّرَط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدم، وقطيعة الرحم، ونشوًا يتخذون القرآن مزامير، يقدمون أحدهم ليُغَنِّيَهم وإن كان أقلَّهم فقها)) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (2812)، وعن أبي هريرة قال: قال : ((بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هَرَمًا مُفْنِيا، أو موتا مُجْهِزًا، أو الدجالَ فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعةُ أدهى وأمرّ)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

في هذه الأحاديث الأربعة الشريفة يأمرنا بالمبادرة بالأعمال، أي: الإسراع بالأعمال الصالحة والتعجيل بها قبل أن تأتي هذه الفتن وهذه الصوارف التي تعيق الإنسان عن العمل الصالح.

فأنت ـ أيها الإنسان ـ بين زمن مضى لا تستطيع رده، وبين زمن مستقبل لا تدري هل تدركه أم لا، وإذا أدركته هل ستستطيع فيه العمل الصالح أم ستعجز عنه، وبين زمن حاضر إما أن تستفيد منه وتكثر فيه من العمل الصالح، وإما أن يذهب منك وأنت لا تشعر، فتندم حين لا ينفع الندم.

أيها المسلمون، استدركوا ما فات من زمانكم بالتوبة النصوح مما فرطتم فيه، واغتنموا زمانكم الحاضر بالإكثار من العمل الصالح، كالصلاة والصدقة والصيام وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والذكر والدعاء وحسن الخلق وطلب العلم والدعوة إلى الله وغير ذلك من أبواب الخير، وهي كثيرة بحمد الله، ودلُّوا إخوانكم عليها، فإن الدال على الخير كفاعله، واعزموا على الاستمرار في الطاعة والازدياد منها في مستقبلكم، فإن الإنسان يدرك بنيته ثواب العمل الصالح الذي عزم عليه، ولكن منعه عذر من فعله.

وقد أمرنا الله سبحانه بالمسابقة إلى الخيرات والمسارعة إليها، فقال سبحانه: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21]، وقال سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133، 134].

والمسارعة والمسابقة والمبادرة معناها التعجيل بتحصيل شيء يفوت بالتأخر في طلبه ويندم الإنسان على فواته، فما بالك إذا كان هذا الشيء الفائت هو الجنة والمغفرة؟! ولا بديل لمن فاته ذلك إلا النار والعذاب الأليم، فما أعظم الحسرة وأفدح الخسارة.

أيها المسلمون، إن من فوائد التعجيل بالأعمال الصالحة في زمن الرخاء والراحة والصحة والفراغ والغنى أن من فعل ذلك عرفه الله سبحانه في أوقات الفتن والشدائد، فثبته وسلَّمه في دينه، وكتب له أجر ما كان يعمل وهو صحيح مقيم، كما قال : ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقد بلغ من إسراعه بالخير أنه صلى العصر يوما فسلم فتخطى الرقاب، ودخل البيت بسرعة فأخرج ذهبا فقسمه على الناس، وقال: ((إنه صدقة فكرهت أن أبيته)).

أيها المسلمون، في الحديث الأول يحذر النبي أمته من الفتن التي هي مثل قطع الليل المظلم في التباس أمرها على أكثر الناس وانتشارها وكثرتها وتتابعها، والفتن هي تلك الأمور التي تفتن المؤمن عن دينه، أي: تصرفه عنه وتكون سببا في نقصان إيمانه أو زواله بالكلية والعياذ بالله بسبب الرغبة في شيء من أمور الدنيا؛ كمال أو جاه أو رياسة أو نساء، أو رهبة من شيء من أمور الدنيا يخوَّف به؛ كزوال نعم أو حلول مصائب فيؤثر الدنيا على الدين، وهذه الفتن التي حذر منها النبي سيبلغ من قوتها أن الرجل يصبح مؤمنا ثم يتعرض لهذه الفتنة فلا يصبر فيكفر ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ثم يتعرض لهذه الفتنة فيكفر فيصبح كافرا والعياذ بالله.

والفتن منها صغار وكبار، فالصغار كفتنة الأهل والمال والولد والجار، أي: ما يقع بسبب هذه الأمور من صغائر الذنوب ونقصان الإيمان، وتكفيرها بالصلاة والصيام والصدقة، والفتن الكبار هي التي بدأت بقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وستستمر وتكثر في آخر الزمان.

روى البخاري عن حذيفة بن اليمان أن عمر بن الخطاب قال: أيكم يحفظ قول رسول الله في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هات إنك لجريء، قال: قال رسول الله : ((فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))، قال: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال: يفتح الباب أو يُكسر؟ قال: لا بل يُكسر، قال: ذلك حري أن لا يغلق. فسأل مسروق حذيفة: من الباب؟ قال حذيفة: هو عمر.

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: نادى منادي النبي : الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله فقال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعمله لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء شديد وأمور تنكرونها، وتجيء فتن فيرفق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)).

والمخرج من هذه الفتن كما أرشد هو المبادرة إلى الأعمال الصالحة في أوقات الرخاء والتعوذ بالله من الفتن، فعن زيد بن ثابت قال: قال : ((نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن))، ولزوم جماعة المسلمين أي: الذين يتمسكون بما كان عليه النبي وأصحابه، ولزوم إمام المسلمين إن كان لهم إمام.

في الحديث الثاني: يأمر بالمبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن تأتي ستة أمور، منها أربعة من علامات الساعة الكبرى، وهي:

1- طلوع الشمس من مغربها؛ وذلك أن الشمس تخر ساجدة تحت عرش الله تعالى، وهو مستقرها كل ليلة، وتستأذن ربها أن تطلع فيؤذن لها، حتى إذا كان قرب يوم القيامة استأذنت فلم يؤذن لها، وقيل لها: عودي من حيث أتيت، فتطلع من مغربها، وحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.

2- الدخان، قال تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10، 11]، وهو من علامات الساعة الكبرى، وهو دخان يملأ ما بين السماء والأرض، فيصيب المؤمن منه كالزكمة، وأما الكافر فينتفخ من هذا الدخان حتى يخرج مما معه فيثقبها.

3- الدابة، قال تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82]. وهي حيوان عظيم يدبّ على الأرض ويكلم الناس، ومعها عصا موسى تجلو بها وجه المؤمن حتى يشرق، ومعها خاتم سليمان تخطم به أنف الكافر ـ أي: تكويه أو تجرحه ـ علامة على كفره. جاء ذلك في حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي وصححه أحمد.

4- الدجال، وهو رجل كافر من بني آدم، شاب أحمر قصير، جعد الرأس، ممسوح العين اليمنى كأنها عنبة طافية، وعينه اليسرى عليها لحمة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤها كل مسلم كاتب أو غير كاتب، وهو عقيم لا يولد له، يخرج في آخر الزمان فيدعي الربوبية، ويفتن الناس، وتقع له خوارق. ومن علامات الساعة أن يترك الناس ذكره على المنابر.

5، 6- خويصة نفسك وأمر العامة؛ أي: يكثر الشر والخيانة، فيصبح عامة الناس كذلك، ولا يثق المسلم إلا بأفراد معدودين لرفع الأمانة من الناس.

وفي الحديث الثالث ذكر النبي من أشراط الساعة إمارة السفهاء وكثرة الشُرْطة وانتشار رشوة الحكام وكثرة القتل واستخفاف الناس بحرمة الدماء وقطيعة الرحم ووجود من يقرأ القرآن ولا يعمل به ولا يتدبره، بل يتخذه كالأغاني ليطرب به الناس.

اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً