.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

4368

الإيمان, قضايا في الاعتقاد

الإيمان بالرسل, البدع والمحدثات

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

الرياض

27/3/1426

جامع الإمام تركي بن عبد الله

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الإيمان برسول الله . 2- وجوب محبة النبي . 3- حقيقة محبة النبي . 4- حقوق النبي . 5- حب الصحابة للنبي . 6- مفهوم خاطئ للمحبة. 7- تحذير النبي من الغلو فيه. 8- الحث على الصلاة والسلام على النبي .

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، الإيمانُ بأنَّ محمّدًا عبد الله ورسولُه أحَدُ ركنَيِ التّوحيد، فلا إسلامَ لعبدٍ حتى يحقِّقَ شهادةَ أن لا إله إلا الله وشهادةَ أنَّ محمدًا عبده ورسولُه، فيشهد حقَّ اليقين أنَّ محمّدَ بن عبد الله رسولُ الله إلى الخلق أجمعين، وأنَّ الله ختم به الرسالةَ، كما ختم بشريعتِه جميعَ الشرائع، فلا نبيَّ بعده، بل هو خاتمُ الأنبياء والمرسلينَ، مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].

جعَل الله رسالتَه عامّةً لجميع الخلقِ بعدَ مَبعثه إلى أن يرثَ الله الأرض ومن عليها وهو خيرُ الوارثين، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28].

أخَذ الله الميثاقَ على الأنبياءِ قبلَه أنَّ من أدرك منهم محمّدًا آمن به واتَّبعه، وأخذوا المواثيقَ على أتباعِهم مَن أدرك منهم محمّدًا آمن به واتَّبعه، وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].

بعَثَه الله بشريعةٍ كامِلة، فأكمل الله به الدّينَ، وأتمَّ به النّعمة، ووضع ببِعثتِه عن أمّته الآصارَ والأغلال، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157].

جعل الله طاعتَه طاعةً لله، ومعصيتَه معصية لله، مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]. أمَرَنا أن نمتثِل أمرَه ونجتنبَ نهيَه: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. جعل الله اتِّباعَه عنوانَ الهدى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54].

أيّها المسلم، إنَّ محبّةَ هذا النبيّ أصلٌ من أصول الإسلام، وكمال محبّتِه من كمالِ الإيمان.

أيّها المسلم، إنّ محبّةَ هذا النبيّ الكريم أمرٌ مستقرّ في نفوس أهل الإيمان. ادَّعى قومٌ محبّةَ الله فامتحنَهم الله بقوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فاتِّباعُه محبّةٌ لله، وطاعته طاعةٌ لله، صلوات الله وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يوم الدين.

اختارَه الله فجعله سيّدَ ولد آدم، فهو سيِّد الأنبياء والمرسلين، وله المقام المحمودُ يومَ القيامة الذي يغبطُه فيه الأوَّلون والآخرون، وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].

أيّها المسلم، إنَّ محبّةَ هذا النبيّ الكريم ليس بمجرَّد دعوى تُدَّعَى، ولكنّها حقائق إن حقَّقها المسلم كان حقًّا ما يقول، فقد جعَل الله شرطَ الإيمان محبّةَ هذا النبيّ الكريم، يقول : ((لا يؤمِنُ أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِه ووالدِه والناسِ أجمعين))[1]. وحلاوةُ الإيمان يجدها المسلم في قلبِه عندما يتَّبع هذا الرسولَ ويؤمن به وينقاد لشريعتِه، في الحديث الصحيح: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجد بهنّ حلاوةَ الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبّه إلا لله، وأن يكرَهَ أن يعودَ في الكفر بعد إذ أنقَذَه الله منه كما يكرَه أن يُقذَف في النار))[2].

أيّها المسلم، لهذا النبيِّ الكريم على أمّته حقوقٌ عظيمة، فأعظم الحقِّ الإيمانُ به والتّصديق برسالته واعتقاد أنه خاتمُ أنبياء الله ورسُله، وأنَّ من حادَ عن شريعته فهو كافِرٌ خالِد مخلَّد في النار، ففي الحديث عنه : ((لا يسمع بي يهوديّ ولا نصرانيٌّ ثم لا يؤمِن بي إلا دخَل النار))[3].

أيّها المسلم، ومن حقِّ هذا النبي الكريم عليك أن نسمَعَ له ونطيع، فنسمَع له أمرَه، ونجتنِب نهيَه، يقول : ((فما نهَيتكم عنه فاجتَنِبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم))[4].

ومِن حقِّ هذا النبي الكريم علينا أن نحكِّم سنّتَه ونتحاكم إليها ونقبَلَ حكمَه علينا بطمأنينةِ نفسٍ ورِضا، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

ومِن حقِّه علينا أن لا نختارَ غيرَ سنّتِه، وإذا تعارَضَ أمران: قولُه وقولُ غيره فقوله الحكَم وقوله الحقُّ، يقول الله جلّ وعلا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

ومِن حقِّه علينا أن يكون هوانا تبعًا لما جاء به وإن خَالَف أهواءَنا ومشتهياتِ نفوسنا، يقول : ((لا يؤمِن أحدُكم حتى يكونَ هواه تبعًا لما جِئتُ به))[5].

ومِن حقِّه علينا أن نحرصَ على الاقتداء به والتأسِّي بسنّته واتِّباع شريعته ما وجدنا لذلك سَبيلاً، يقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].

أيّها المسلم، إنَّ أصحابَه الكرام نقَلوا لنا سنّتَه القوليّة والفعليّة، نقلوا لنا كلَّ أحواله وأخلاقِه وسيرتِه في كلِّ شؤون حياته، في حضره وإقامَتِه، في مَسجده وفي سفره، في كلِّ أحواله؛ لأنهم يرونَ أنَّ ذلك قدوتُهم وإمامهم، فنقلوه لمن بعدَهم ليتأسَّوا به ويسيروا على سنَّته، فهو يقول لنا: ((صلُّوا كما رأيتمُوني أصلِّي))[6]، فالمسلم إذًا يحرص على أن تكونَ صلاته مشابهةً لصلاة محمّد ما وجَد لذلك سَبيلاً، ما بلغته مِن سنّةٍ من سنَنِ صلاته إلاّ عمل بها تقرُّبًا إلى الله بذلك، ويقول لنا: ((خذوا عني مناسِكَكم))[7]، فيفعل في حجِّه اتّباعَ هذا النبيّ الكريم ما وجد لذلك سبيلاً حِرصًا على أن يتقرَّبَ إلى الله بالاقتداء بمحمد . إذا بلَغَته عنه أدعيةٌ خاصّة في أيّ شَأن حَرص على هذا الدعاءِ الخاصّ ليعمَل به ويدعو به؛ لأنه على يقينٍ أنه أعطِيَ جوامعَ الكلم وأنَّ ما يقوله هو خير وأفضل مما يقوله غيرُه صلوات الله وسلامه عليه.

ومِن حقِّه علينا أن ندافِعَ عن سنّته ونردَّ على كلِّ المغرضين والحاقدِين والحاسِدين وعلى كلِّ الجاهلين والمعرِضين عنها، فتعظيمُ سنَّتِه والذبُّ عنها جهادٌ في سبيل الله، ولقد كان أصحابُه الكرام على هذا المنهجِ القويم، إذا رأوا من عبدٍ شيئًا من مخالفة السنةِ وإن قلَّ صاحوا به وأنكروا عليه واشتَدَّ عضبُهم عليه؛ لتعظيمهم ذلك النبيّ وسنّته رضي الله عنهم وأرضاهم.

حدَّث عبد الله بنُ عمر بنِ الخطاب رضي الله عنه قائلاً: قال رسول الله : ((إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجد فلا يمنَعها))، فقال ابنه بلال: والله لنمنعهنّ، قاله من باب الغيرةِ، قال الراوي: فسبَّه عبد الله بنُ عمر سبًّا ما سمعتُه سبَّه مثله قطّ، وقال: أقول: قال رسول الله وتقول: لأمنعهن؟![8].

انظُروا، مع أنَّ هذا القائل قد يكون نظَر أو لحظ أمرًا من الأمور غَيرةً أو خوفًا أو رُؤية مِن بعض من خالفَ السنّةَ، لكنَّ ابن عمر لا يريد أن تقابَل هذه السنّةُ بالردِّ والمعارضة، بل السمعُ والطاعة لله ورسوله.

نبيُّنا رأى رَجلاً يأكل بشِماله فقال له: ((كُلْ بيمينِك))، قال: لا أستطيع، قال: ((لا استطعت))، قال الراوي: فما رفعَها إلى فيه قط[9]. عوقِبَ بأن شُلَّت يمينُه لما ردَّ هذه السنّةَ وتكبَّر عليها.

إنَّ المؤمن حقًّا إذا بلَغته سنّةٌ عن محمّد قوليّة أو فعليّة آمن بذلك وصدَّقَه واتَّبعه واقتدَى وحَرِص على تطبيقِ هذه السنّة؛ ليكونَ يومَ القيامة تحت لواء محمّد .

أيّها المسلم، إنَّ أصحابَه الكرام تمكّنَ حبُّه من قلوبهم، فعظَّموا شريعتَه، واستقاموا عليها، وظهَر أثرُ ذلك في أقوالهم وأعمالهِم وسلوكِهم رضي الله عنهم وأرضاهم، محبَّةٌ صادِقة، محبّة تامّة، محبّة مبنيّة عن قناعةٍ ورضا واطمئنان نفوس.

رَبيعةُ الأسلميّ قرَّبَ للنبيّ وضوءَه فقال: ((سَألني يا ربيعة))، قال: أسألك مرافقتَك في الجنّة، قال: ((أوَغيرَ ذلك؟)) قال: هو ذاك، قال: ((يا ربيعة، أعنِّي على نفسك بكثرةِ السجود))[10]. فانظر إلى المحبة الصادقة؛ قال: أسألك مرافقتَك في الجنّة. هكذا حبُّهم لرسولِ الله .

جاء رجلٌ منَ الصحابة إلى النبيِّ فقال: يا رسولَ الله، إني كلَّما تذكَّرتُك لا تطمئنّ نفسي ولا تقرّ عيني حتى أخرجَ من بيتي وأنظرَ إليك، ولكنِّي فكَّرتُ بعد موتي وإِن دخلتُ الجنّةَ فأنت في أعلَى العليِّين، فكيف الوصولُ إليك؟! فأنزل الله: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69][11]، قال أنس رضي الله عنه: قال رجل: يا رسولَ الله، المرءُ يحِبّ القومَ ولمّا يلحق بهم؟ قال: ((من أحبَّ قومًا فهو منهم))[12]، قال أنس: وإنّي لأحِبّ رسولَ الله وأبا بكرٍ وعمر، وأرجو الله أن أكونَ معهم[13].

أيّها المسلم، المحِبُّ لرسول الله مَن يعظِّم سنّتَه ويحمِي شريعته ويبتعِد عن كلِّ ما خالف هذه الشريعةَ على قدرِ استطاعته وطاقَتِه، يبتعد عن مخالفةِ هذه الشريعة، ويسأل الله العونَ والتوفيقَ على تطبيق سنّتِه.

أيّها المسلم، ليس المحِبّ لرسول الله من يغلو فيه، ولا مَن يرفعه فوقَ منزلته، ولا مَن يصرف له حقًّا من حقوقِ الله، فمحمّدٌ بعِثَ ليدلَّ العباد على عبادَةِ الله، وليعرِّفَ العباد بربِّهم ويدعوَهم إلى إخلاصِ الدين له وصرفِ كلّ العبادة لله ربِّ العالمين، بُعِث ليدعوَ الناس لعبادةِ الله، وليعرِّفَهم بربهم ويدلَّهم على ما يقَرِّبهم إلى الله زلفى، ما بعِثَ ليُعبَدَ من دون الله، ولا ليُعَظَّم من دون الله، ولا أن يُغلى فيه من دونِ الله، حاشا وكلاّ، وإنما بعِثَ لدعوة الخلقِ إلى الله.

إنَّ عدوَّ الله إبليسَ زيَّن لقوم الشركَ بالله تحت مِظلَّة محبّةِ النبي ، فصارت تلك المحبّةُ محبّةً شركيّة ضالّة، غلَوا فيه ، ورفعوه عن منزلته التي أنزَله الله إياها، واتَّخذوه معبودًا ومدعوًّا، يدعونه من دون الله، ويتسغِيثونَ به من دون الله، ويؤمِّلون كشفَ الحاجات والضرورات، وكلّ هذا من البدَعِ والضلال، والنبيّ بريءٌ من هؤلاء.

هو حثَّنا على طاعة ربِّنا، وحذَّرنا أن نغلوَ فيه، فيقول لنا : ((إيّاكم والغلوَّ؛ فإنما أهلك من كان قبلَكم الغلوُّ))[14]، ويقول لنا : ((لا تطروني كما أطرَت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله))[15]، أي: فالعِبادَة لا أستحِقُّها، وإنما العبادة لخالق العِبادِ جلّ وعلا. ودعا ربَّه أن لا يجعلَ قبرَه وَثنًا يُطاف به كما يُطافُ بقبورِ كثيرٍ من الأولياء، فقال: ((اللّهمّ لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد، اشتَدَّ غضَب الله على قومٍ اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد))[16]، ويقول أيضًا وهو في كَربِ السّياق في آخر لحَظاتِ حياته، يكشف غطاءً على وجهِه، يكشفه ثم يغتمّ به ويقول: ((لعَن الله اليهودَ والنصارى؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد))، يقول الراوي: ولولا ذلك لأبرزَ الصحابة قبرَه، غير أنهم خَشوا أن يُتَّخَذ مسجدًا[17]، فدفنوه في حُجرته . وهو يقول لمّا قال له رجل: ما شاء الله وشئتَ، قال: ((أجعلتَني لله ندًا؟! بل ما شاء الله وحدَه))[18]. قالت امرأةٌ في كلامٍ لها: وفينا محمّدٌ يعلَم ما في الغد، قال: ((لا، لا يعلَم ما في الغدِ إلا الله))[19]، والله تعالى أمرَه بقوله: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21، 22]، ويقول الله له: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188].

فهو بُعِثَ ليعرِّفَ الناسَ بربهم، ويدلَّهم على عبادةِ ربهم، ويوضح لهم السبيلَ المستقيم والطريقَ الذي يوصلهم إلى الله، فأدّى الأمانة، وبلَّغ الرسالةَ، وجاهد في الله حقَّ الجهاد حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يوم الدين، إنّه على كلّ شيء قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولَكم ولسائِر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.



[1] أخرجه البخاري في الإيمان (15)، ومسلم في الإيمان (44) من حديث أنس رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في الإيمان (16، 21)، ومسلم في الإيمان (43) من حديث أنس رضي الله عنه.

[3] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (153) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.

[4] أخرجه البخاري في الاعتصام (7288)، ومسلم في الحج وفي الفضائل (1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (15)، والخطيب في تاريخه (4/369)، والبغوي في شرح السنة (104)، وصححه النووي في الأربعين، قال ابن رجب: "تصحيح هذا الحديث بعيد جدًا"، ثم ذكر من أوجه ضعفه تفردَ نعيم بن حماد به وهو ضعيف والاختلافَ عليه فيه والانقطاعَ في سنده، وضعفه الألباني في ظلال الجنة (15).

[6] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة (631) من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

[7] أخرجه مسلم في الحج (1297) من حديث جابر رضي الله عنهما بلفظ : ((لتأخذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)).

[8] أخرجه البخاري في كتاب الأذان (865)، ومسلم في الصلاة (442)، وليس عند البخاري القصة التي حصلت بين بلال وأبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

[9] أخرجه مسلم في الأشربة (2021) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

[10] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (489) عن ربيعة رضي الله عنه.

[11] عزاه ابن كثير في التفسير (2/310-311) إلى ابن مردويه في تفسيره والحافظ أبي عبد الله المقدسي في صفة الجنة، ونقل عنه أنه قال: "لا أرى بإسناده بأسًا". وقد أخرج نحوه الطبري في تفسيره (8/534-535) مرسلاً عن سعيد بن جبير ومسروق وقتادة والسدي والربيع بن أنس، قال ابن كثير (2/310) عن مرسل الربيع: "هو من أحسنها سندًا".

[12] أخرجه البخاري في المناقب (6169، 6170)، ومسلم في البر والصلة (2641) عن ابن مسعود وعن أبي موسى رضي الله عنهما مفترقين، ولفظ حديث أبي موسى: قيل للنبي : الرجل يحبّ القوم ولما يلحق بهم؟! قال: ((المرء مع من أحب)). وليس هو من حديث أنس رضي الله عنه.

[13] أخرجه البخاري في المناقب (3688)، ومسلم في البر والصلة (2639) عن أنس بنحوه، وقد قاله أنس رضي الله عنه بعدما روى حديث أن رجلا سأل النبي عن الساعة، قال: ((وماذا أعددت لها؟)) قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله ، فقال : ((أنت مع من أحببت))، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي : ((أنت مع من أحببت))، قال أنس: فأنا أحبّ النبي وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.

[14] أخرجه أحمد (1/215)، والنسائي في المناسك (3057)، وابن ماجه في المناسك (3029)، وابن الجارود في المنتقى (473)، والضياء في المختارة (10/30-31) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه ابن خزيمة (4/274)، وابن حبان (3871)، والحاكم (1/466)، ووافقه الذهبي، وصححه أيضًا ابن عبد البر في التمهيد (24/428)، والنووي في المجموع (8/171)، وابن تيمية في الاقتضاء (1/327)، وابن القيم في إعلام الموقعين (4/334)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (1283).

[15] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3445) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[16] أخرجه مالك في الموطأ: كتاب النداء للصلاة (416) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا، ومن طريقه ابن سعد في الطبقات (2/240-241)، ووصله عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا، أخرجه البزار ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (5/43)، ونقل عن البزار أنه قال: "إن مالكا لم يتابعه أحد على هذا الحديث إلا عمر بن محمد عن زيد بن أسلم، وليس بمحفوظ عن النبي من وجه من الوجوه إلا من هذا الوجه، لا إسناد له غيره، إلا أن عمر بن محمد أسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي ، وعمر بن محمد ثقة روى عنه الثوري وجماعة"، وقد ظنّ ابن عبد البر أن عمر هذا هو عمر بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فصحح الحديث بناء عليه، والظاهر أنه ليس كذلك بل هو عمر بن محمد بن صهبان كما جاء مصرحا به في بعض نسخ البزار، ولذا قال الهيثمي في المجمع (2/28) بعدما عزا هذا الحديث إلى البزار: "وفيه عمر بن صهبان وقد اجتمعوا على ضعفه". وللحديث شاهد مسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه أحمد (2/246)، والحميدي (1025)، وأبو يعلى (6681)، والمفضل الجندي في فضائل المدينة (51)، وصححه الألباني في تحذير الساجد (ص17). وشاهد آخر من حديث عمر رضي الله عنه، قال الدارقطني في العلل (2/220): "يرويه أصحاب الأعمش عنه عن المعرور عن عمر موقوفا، وأسنده عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة عن الأعمش عن المعرور عن عمر عن النبي ، ولم يتابع عليه، والمحفوظ هو الموقوف".

[17] أخرجه البخاري في الجنائز (1330)، ومسلم في كتاب المساجد (529) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[18] أخرجه أحمد (1/214)، وابن ماجه في الكفارات، باب: النهي أن يقال: ما شاء الله وشئت (2117) بدون القصة، والطبراني في الكبير (12/244-6-130) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (139، 1093).

[19] أخرجه البخاري في المغازي (4001) عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها نحوه وليس فيه: ((لا يعلم ما في غد إلا الله))، وهو عند ابن ماجه في النكاح (1897).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحِبّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمّدًا عَبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وصحبِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدّين.

أمّا بَعد: فيا أيّها النّاس، اتَّقوا الله تَعالى حقَّ التّقوَى.

عبادَ الله، يقول الله جلّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

فمن حقِّه علينا أن نصلِّيَ ونسلِّمَ عليه، أن نقول: اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على آل إبراهيمَ إنك حميد مجيد.

فمن صلَّى عليه صلاةً واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا، ومَن مرَّ به ذِكرُ النبيِّ فلم يصلِّ عليه تكبُّرًا وإعراضًا فإنّ ذلك متوعَّد بالوعيد الشديد، قال جبريل للنبيّ : رغِم أنف امرِئٍ ذكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فأبعَدَه الله، فقل: آمين، ((فقلتُ: آمين))[1]، يعني إذا مرَّ بك ذِكر النبيّ فصلِّ عليه، صلوات الله وسلامه عليه، فإنَّ الله بعثَه رحمةً بنا وإحسانًا إلينا، ونِلنا بمبعثِه كلَّ الخير صلوات الله وسلامه عليه، بِعثتُه سَبَبُ خيرنا ورَحمتنا وهِدايتنا وعِزِّنا وشَرفنا، صلوات الله وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يوم الدين، وصدق الله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

امتنَّ الله بمبعَثِه على أهل الإسلام، وذكَّرهم هذه النعمة: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

المصلِّي عليه قرُب عندَ قبرِه أو كان في أقصَى الدنيا فكلُّه سواء، ففي الحديث: ((إنّ لله ملائكةً سيّاحين يبلِّغونني عن أمّتي السلام))[2]، وفيه: ((من سلَّم عليّ ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام))[3]، قال بعض التابعين لرجلٍ رآه يحرِص على الاقترابِ منَ القبر: يا هذا، ما أنتُم ومَن بالأندلُس إلا سواء، من صلّى على النبيِّ من قربٍ أو بُعد بلَّغ الله نبيَّه صلاةَ ذلك المصلّي، فصلوات الله وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يومِ الدين، وجزاه الله عن أمَّته خيرًا، فصلوات الله وسلامه عليه، وإنَّ صلاتنا عليه سؤالنا للهِ أن يثنيَ عليه في الملأ الأعلى، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين.

اعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخيرَ الهديِ هدي محمّدٍ ، وشرّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعَلَيكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجَمَاعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وَصَلّوا ـ رحمكم الله ـ عَلَى محمّد كما أمركم بذلِكَ ربّكم في قوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارك عَلَى عَبدِك ورَسولِكَ محمّد، وَارضَ اللّهمّ عن خلَفائه الرّاشدين...



[1] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (646)، وأبو يعلى (5922)، والطبراني في الأوسط (8131، 8994)، والبيهقي (4/304) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة (1888)، وابن حبان (907)، وهو في صحيح الأدب المفرد (502).

[2] أخرجه أحمد (1/387، 441، 452)، والنسائي في السهو (1282)، والدارمي في الرقاق (2774)، والبزار (1924، 1925)، وأبو يعلى (5213)، والطبراني في الكبير (10/219، 220) وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (914)، والحاكم (3576)، وابن القيم في جلاء الأفهام (120)، وهو في السلسلة الصحيحة (2853).

[3] أخرجه أحمد (2/527)، وأبو داود في المناسك (2041)، والبيهقي في الشعب (3/491) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه: ((ما من أحد يسلّم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أردَّ عليه السلام))، وصححه النووي في المجموع (8/272)، وابن تيمية في الاقتضاء (2/173)، والسخاوي في المقاصد الحسنة (436)، وقال ابن حجر في الفتح (6/488): "رواته ثقات"، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1795).

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً