.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

أهمية الزكاة في حياة المسلم

2955

فقه

الزكاة والصدقة

داود بن أحمد العلواني

جدة

الأمير منصور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- منزلة الزكاة في الإسلام. 2- مقدار الزكاة الواجبة في الأموال والأنعام. 3- حكم مانع الزكاة وجزاؤه. 4- فوائد الزكاة والحكمة منها.

الخطبة الأولى

أما بعد: عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن إيتاء الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (ثلاث مقرونة بثلاث، لا تقبل واحدة منهن إلا بالأخرى: لا تقبل طاعة الله إلا بطاعة رسوله، ولا تقبل الصلاة إلا بأداء الزكاة، ولا يقبل الله شكره إلا بشكر الوالدين).

وإن الزكاة دعامة أساسية من دعائم الإسلام العظيمة، وهي العبادة المالية الاجتماعية الهامة في المجتمع الإسلامي، ولذا فقد قرنها الله سبحانه وتعالى بالصلاة في عشرات المواضع، وذكرها أحيانًا بلفظ الزكاة، وأحيانًا أخرى بلفظ الصدقة، وأحيانًا بلفظ الإنفاق.

ولأهمية الزكاة في الحياة الاجتماعية فرضها الله تعالى على جميع أصحاب الشرائع السماوية، فذكرها الله في وصاياه إلى رسله، وفي وصايا رسله إلى أممهم، فيقول تبارك وتعالى عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلوٰة وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانُواْ لَنَا عَـٰبِدِينَ [الأنبياء:73]، وامتدح بها إسماعيل بقوله: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيًّا [مريم:55].

وذكرها جل ذكره في مواثيقه لبني إسرائيل: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ [البقرة:83]، ويقول على لسان المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في مهده: وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:31].

وكما ذكرنا فهي ركن من أركان الإسلام، وعنوان على الدخول في الإسلام واستحقاق أخوَّة المسلمين كما قال تعالى: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ [التوبة:11]، كما أنها صفة عباد الله المتقين كما قال جل وعلا: ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3].

واعلموا أن الزكاة فريضة لازمة يكفر من جحدها، ويفسق من منعها، ويقاتل من تحدّى جماعة المسلمين بتركها، وحسبنا أن الخليفة الأول أبا بكر رضي الله عنه جهز أحد عشر لواء لمقاتلة قوم امتنعوا عن أداء الزكاة وقال كلمته المشهورة: (والله، لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة. والله، لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)[1].

والزكاة ـ عباد الله ـ ليست تبرّعًا يتفضل به غني على فقير أو كبير على صغير، وإنما هي حق في أموال الأغنياء، لا بد أن يدفع لأصحابه المستحقين على وجه الإلزام.

ومن أجل هذا حدّد الإسلام الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومتى تجب الزكاة على المال، والمقدار الذي يجب إخراجه على كل منها. فهناك مال يجب فيه العشر كالزروع التي يخرجها الله من الأرض بغير جهد يذكر من الإنسان، فإن كانت تسقى بالآلات كان فيها نصف العشر، وهذه الزكاة تجب في كل زرع.

وهناك مال يجب فيه ربع العشر: 2.5 بالمائة، كالنقدين الذهب والفضة, وهذه الزكاة تجب في المال كلما حال عليه الحول، وهناك مال يتمثل في الحيوانات مثل الإبل والبقر والغنم، وقد وضع لها الإسلام نظامًا خاصًا منضبطًا.

فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا لأداء هذه الفريضة طيّبة بها نفوسكم، لتفوزوا برضا ربكم الذي قال في محكم كتابه: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَمَا تُقَدّمُواْ لانْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ [البقرة:110]، وقال نبيكم عليه الصلاة والسلام: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه))[2].

وإياكم ـ إخوة الإسلام ـ من ترك الزكاة؛ فإن تركها مصيبة كبرى وعواقبها وخيمة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لانفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، وحذار من التهاون بها أو التسويف في إخراجها، فإن ذلك قد يكون السبب في إتلاف المال كله، كما ورد عن بعض أهل العلم أنه ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة.

واسمعوا إلى الوعيد حيث يقول الرسول : ((من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مثّل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع[3] له زبيبتان[4] يطوّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك))، ثم تلا: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:180][5].

وفقنا الله لأداء الزكاة طيبة بها نفوسنا، وأعاذنا الله من الشح والبخل امتثالاً لما ورد في السنة والكتاب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



[1] رواه البخاري في الزكاة، باب: وجوب الزكاة (2/108)، ومسلم في الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله (20).

[2] رواه مسلم في البر والصلة، باب: استحباب العقو والتواضع (2588).

[3] هو الحية الذكر الذي انحسر الشعر عن رأسه من كثرة سمه.

[4] هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات.

[5] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: إثم مانع الزكاة (2/110).

الخطبة الثانية

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: عباد الله، فإن لكل عبادة من العبادات حِكَمًا ومزايا حميدة وفوائد جمة في حياة الناس، والزكاة من جملة هذه العبادات، لها حكم متعدّدة وأهداف سامية ومقامات رفيعة تتمثّل في الأمور التالية:

فهي أولاً: تطهر الناس من آفة الشح الخطيرة، كما أنها تطهر المال وتنميه وتزيده بركة، كما قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].

وهي ثانيًا: تحمي المجتمعات من الفساد والجرائم الخلقية التي تتولد عن الفقر والعوز والحاجة، كما أن في الزكاة توطيدًا لدعائم المحبة والمودة بين أبناء المجتمع الفقراء والأغنياء من المسلمين.

وكذلك ـ يا أخي المسلم ـ فإن للزكاة دورًا عظيمًا في نشر الدعوة الإسلامية، فكما أن الإسلام ينتشر بالإقناع والبيان، فهو كذلك ينتشر بالبذل والإحسان والعطاء، ولهذا جعل الله جلت حكمته نصيبًا من أموال الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وهم الذين يرجى تأليف قلوبهم باستمالتهم إلى الإسلام ودخولهم في دين الله عز وجل، أو لتثبيت أقدامهم فيه، أو رجاء نفعهم في الدفاع عن المسلمين، أو كفًا لشرهم عنهم، وعلى كل حال فنفع الزكاة متنوع ومتعدد الفوائد.

وها نحن أولاء نشاهد أعداء الإسلام قد كرّسوا جهودهم واستنفروا جنودهم وأهدروا أموالهم لتنصير أبناء المسلمين مستغلين الفقر وحاجة الشعوب للمال، فما أحرانا نحن المسلمين بالقيام بواجب الدعوة الإسلامية الملقى على عاتقنا وتنفيذ أمر الله بصرف سهم المؤلفة قلوبهم من أموال الزكاة لنفوز بسعادة الدارين الدنيا والآخرة.

ومن أدى زكاة ماله ذهب عنه شرّه، وما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها الإسلام، فالحذر من عدم أدائها أو التسويف في أدائها أو التهاون في إخراجها، فإن من منعها جاحدًا لوجوبها كفر، وعلى ولي الأمر قتال من لم يؤدّ الزكاة، فإن إخراجها نماء للمال وبركة في الرزق، كما أن منعها ممحقة لبركة الرزق ومفسدة للمال وذهاب لدين المسلم عياذًا بالله تعالى. اللهم سلمنا يا رب، اللهم آمين.

فإن الزكاة ـ أخي المسلم ـ أمرها مهم، وكثيرًا ما يأتي ذكرها مقترنًا بالصلاة، وكما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (ثلاث لا تقبل إلا بثلاث: لا تقبل طاعة الله تبارك وتعالى إلا بطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تقبل الصلاة إلا بإخراج الزكاة، ولا يقبل الله شكره إلا بشكر الوالدين)، والنصوص من الآيات والحديث في هذا الموضوع كثيرة ومشهورة.

اللهم وفقنا للالتزام، اللهم آمين.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً