.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

خطبة استسقاء 8/1/1426هـ

4225

الرقاق والأخلاق والآداب

آثار الذنوب والمعاصي

علي بن عبد الرحمن الحذيفي

المدينة المنورة

8/1/1426

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فقر العباد إلى الله تعالى. 2- فضل التضرع إلى الله تعالى. 3- فضل الطاعات والعمل الصالح. 4- الأمر بالتوبة والاستغفار. 5- وجوب شكر الله على نعمه.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فإنّكم قد شكَوتم إلى الله عزّ وجلّ جَدبَ دياركم واستئخارَ المطر عن إِبّان زمانه عنكم، وقد وعدَكم الله عز وجل بفضلِه، أمَرَكم الله تعالى أن تَدعوه وأن تتضرّعوا إليه، ووعَدَكم الإجابةَ في قوله تبارك وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

أيّها الناس، أنتم الفقراءُ إلى الله في كلِّ أمرٍ مِن أموركم، في أصلِ نشأتِكم، وأنتم الفقراءُ إلى الله تبارك وتعالى في أرزاقِكم وفي ما تقومون به من أعمالكم، فلولا أنَّ الله تعالى سخَّر لكم وأعانَكم وأعطاكم فإنّه لا يقدِر أحدٌ من الخَلق أن يجلِبَ لنفسه نفعًا أو أن يدفعَ عنها ضرًّا، قال الله تبارك وتعالى لنبيِّه أفضلِ خلقه: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]، وقال تعالى عن نبيِّه : قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21، 22]. فإذا كان هذا في سيِّدِ المرسَلين وأكرمِ مخلوقٍ على الله عزّ وجلّ فكيف بمن هو دونه؟! إنّ الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17].

إنَّ الله تبارك وتعالى يحِبّ مِن عبادِه أن يظهِروا له الفاقَةَ إليه والتضرُّعَ إليه، ويحِبّ منهم أن يسألوه وأن يرغبوا إليه، ففي الحديث عن النبي : ((من لم يسأَل اللهَ يغضَب عليه))[1]؛ لأنّه هو الغنيّ، ولأنه هو القدير والجوادُ الكريم، وفي الحديثِ عن النبيِّ : ((ليسأَل أحدكم ربَّه شِسعَ نَعله))[2]. فاسألوا اللهَ مِن فضله، تضرَّعوا إليه وارغَبوا إليه في أمورِكم كلِّها.

فيا أيّها الناس، إنَّ الله تبارك وتعالى جعَل الطاعة سببًا لكلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرة، وجعل المعصيةَ سببًا لكلِّ شرٍّ في الدنيا والآخرة. وإنَّ ممّا جعله الله من أسبابِ الرحمة والغيث هو الإكثارُ من الاستغفار وبَذل الصدقة والمعروف وكفُّ الأذى والتبرُّؤ من مَظلمَةِ المسلم، قال الله تبارك وتعالى عن نوحٍ عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:11-12]، وقال تعالى: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [هود:52]. فاستغفروا الله عز وجل، استغفروه أيّها الناس، وابذلوا المعروفَ، وكفّوا الأذى، واحذروا ظلمَ أحدٍ منَ المسلمين فإنّ الظلمَ ظلمات يومَ القيامة.

وإنّ ممّا قضاه الله وقدَّره أنَّ الإيمان والعملَ الصالح سببٌ في صلاحِ الفَرد وفي صلاح المجتمَع كلِّه، قال الله تبارك وتعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، وقال تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، وقال تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وقال عزّ وجلّ: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].

ولما نزَل قولُ الله تبارك وتعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65]، لما نزلت قال الرسول : ((أعوذ بوجهك، أعوذ بوجهك))، ولما قرأ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال: ((هذه أهوَن))[3].

فاتّقوا الله أيّها المسلمون، اتقوا الله تعالى فيما تَأتون وما تَذَرون، واعلموا أنّ لكلِّ عملٍ صالح ثوابًا عند الله عزّ وجلّ، واعلموا أنّ لكلّ عمَل سيّئ ولكلّ معصية طالبًا عند الله عز وجل، قال تبارك وتعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7، 8].

وقد خلَق الله بني آدمَ بصفاتٍ ليسوا فيها بمعصومين عن المعصيةِ، ولكن الله تبارك وتعالى أمَرَهم أن يتوبوا إليه وأن يستغفِروه، وفي الحديث عن النبيِّ في مسلِمٍ: ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنِبوا لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقومٍ آخرين يذنبون، فيستغفِرون الله فيغفِر لهم))[4]، وفي الحديث عنه : ((لولا أطفالٌ رُضَّع ولولا شيوخ رُكَّع وبهائمُ رُتَّع لصُبَّ عليكم العذاب صبًّا))[5].

فيا أيّها الناس، اذكروا نِعَم الله عليكم الظاهرة والباطنة التي لا يحصيها غيرُه، ولا يقدِر الخلقُ أن يحصوها، اذكروه واشكروه عليها، واحمدوه تبارك وتعالى على نِعمةِ الأمن، على نعمة الإيمان، على نعمة الصّحَّة في الأبدان وعلى تيسُّر الأرزاق وعلى تيسُّر عبادةِ الله عز وجل وعلى اندفاع الفتن؛ فإنَّ الله تبارك وتعالى أمَرَ أن يشكَرَ، وأمر أن يذكَرَ عزّ وجلّ، ووعد بالثّوابِ لمن عمِل شكرًا، ووَعَد بالزيادة لمن أدَّى شُكرَ هذه النّعَم، فقال تبارك وتعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

فاستديموا ـ عبادَ الله ـ نِعَم الله عليكم بدوام شكرِه والاستغفار من الذنوب؛ فإنّ الله بارك وتعالى يغفِر الذنوبَ جميعًا، وارغبوا إلى اللهِ عزّ وجلّ واسألوه وتضرَّعوا إليه، فإنه تبارك وتعالى يحبّ الملحِّين والسائلين، فإنه جوادٌ كريم.

اللّهمّ إنّا خلق من خلقك، اللّهمّ إنّا نحن الفقراء إليك في أمورِنا كلِّها، ونحن ـ يا ربَّ العالمين ـ نتضرَّع إليك ونتوجَّه إليك، اللّهمّ إنّا نسألك أن تصلحَ لنا شأننا كلَّه، اللهم أصلح لنا شأنَنا كلَّه، وأصلح شأن المسلمين يا ربَّ العالمين، اللّهمّ لا تكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين ولا أقلَّ من ذلك، اللّهمّ تولَّ أمورَنا كلَّها، ويسِّر أمورَنا، واشرَح صدورنا، اللهمّ إنّا نشكو إليك ـ يا ربَّ العالمين ، أحوالنا، ولا يصلح أحوالَنا غيرك، أنت الله لا إلهَ إلا أنت.

اللّهمّ أنزل علينا الغيث ولا تجعَلنا من القانطين، اللّهمّ أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من الآيسين، اللّهمّ أغثنا، اللّهمّ أغثنا، اللهم أغثنا، اللّهمّ إنا نسألك يا ربَّ العالمين يا أرحم الراحمين، نسألك غيثًا مغيثًا عاجِلاً غيرَ رائث، اللّهمّ إنا نسألك غيثًا مغيثًا غَدَقًا سَحًّا عامًّا مجلِّلاً نافعًا، اللهم سُقيا رحمة لا سقيَا عذابٍ ولا هدم ولا غرق، اللهمّ إنّا نسألك ـ يا ربّ العالمين ـ غيثًا تحيي به البلادَ وتنفع به العباد وتجعله نافعًا ـ يا ربّ العالمين ـ للحاضر والباد.

اللّهمّ إنا نسألك من فضلك العظيم، وأنت الله لا إله إلا أنت الجواد الكريم، اللهم لا ترُدَّنا خائبين، اللهم لا تردَّنا خائبين، اللهم إنا خلق من خلقك، لا غنى بنا عن رحمتك، اللهم إنا لا نستغني عن رحمتك طرفةَ عين ولا أقلَّ من ذلك، اللهم لا تحرِمنا خيرَ ما عندك بشرِّ ما عندنا يا أرحم الراحمين، اللهم لا تحرِمنا من رحمتِك ولا تحرِمنا من فضلك ولا تمنَع عنا نعمةً من نعمك بسببٍ منا أو بسببٍ من غيرنا يا أرحم الراحمين.

توجَّهوا إلى الله أيّها المسلمون، وأقلبوا لباسَكم تأسِّيًا بسنّةِ رسول الله [6]، وأخلِصوا لربِّكم الدعاءَ، فإنه تبارك وتعالى يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56]. اللّهمّ هذا دعاؤنا، والإجابة عليك يا أرحم الراحمين.

اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا يا ربَّ العالمين.

سبحانَ ربِّك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

 



[1] رواه أحمد (2/442)، والبخاري في الأدب المفرد (658)، والترمذي في الدعوات (3373)، وابن ماجه في الدعاء (3827)، وأبو يعلى (6655)، والطبراني في الأوسط (2431)، والبيهقي في الشعب (2/35) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم (1807)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2654).

[2] أخرجه الترمذي في آخر الدعوات (3612 – المستدرك في آخر الكتاب)، والطبراني في الدعاء (25)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/289) من طريق قطن بن نسير الصيرفي قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (866)، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن جعفر بن سليمان عن ثابت البناني عن النبي ، ولم يذكروا فيه عن أنس". ثم أورده من طريق صالح بن عبد الله عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن النبي ، وقال: "هذا أصح من حديث قطن عن جعفر بن سليمان". ورواه البزار في مسنده (3135) عن سليمان بن عبد الله الفيلاني عن سيار بن حاتم عن جعفر عن ثابت عن أنس عن النبي ثم قال: "لم يروه عن ثابت سوى جعفر". وذكره الهيثمي في المجمع (10/150) وقال: "رجاله رجال الصحيح، غير سيار بن حاتم وهو ثقة"، وحسنه الحافظ ابن حجر في زوائد البزار، وانظر: السلسلة الضعيفة (1362).

[3] أخرجه البخاري في التفسير (4628) عن جابر رضي الله عنه.

[4] صحيح مسلم: كتاب التوبة (2749) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] أخرجه الطبراني في الكبير (22/309)، والبيهقي في السنن (3/345) من حديث مسافع الديلي رضي الله عنه، وضعفه الذهبي كما في فيض القدير (5/344)، والهيثمي في المجمع (10/227)، وأورده الألباني في ضعيف الجامع (4860). وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه أبو يعلى (6402)، والطبراني في الأوسط (7085)، والبيهقي (3/345)، قال الحافظ في التلخيص (2/97): "في إسناده إبراهيم بن خثيم بن عراك وقد ضعفوه"، وبه أعله الهيثمي في المجمع (10/227). وله شاهد مرسل عن أبي الزاهرية عند أبي نعيم في الحلية (6/100). وله شاهد من حديث ابن مسعود عزاه القرطبي في تفسيره (3/260) إلى الخطيب في السابق واللاحق من طريق الفضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عنه رضي الله عنه.

[6] سنة قلب الرداء أخرجها البخاري في الجمعة (1011)، ومسلم في الاستسقاء (894) من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

 

الخطبة الثانية

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً