.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الوحدة الإسلامية

4011

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم, قضايا دعوية, محاسن الشريعة

عبد العزيز بن محمد القنام

وادي الدواسر

جامع النويعمة القديم

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أهمية الوحدة في حياة الأمة الإسلامية. 2- السبل الكفيلة بتحقيق الوحدة الإسلامية: تعميق الشعور بالأصول الإيمانية، العمل على تأليف القلوب، إحياء الأخوة الحقّة، التسامي فوق الخلافات الشخصية، تحاشي الانقسام في شأن الأعداء. 2- تحذير الشرع من التباغض وهجر المسلمين.

الخطبة الأولى

أما بعد: فبالوحدة الإسلامية والأُخوة الإيمانية سطعتْ شمسُ الإسلامِ على العالم، وامتدتْ فتوحاتُه في الشرق والغرب، وخَضَعتْ له دولٌ وممالك قرونًا طويلةً من الزمان. وبغياب الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية انحلَّتْ عُرانا، ووهَنَتْ قُوانا، وتداعتْ علينا الأممُ كما تَداعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها.

والحقُّ أنَّ الأمة الإسلامية تملك من أسباب الوحدة وأواصر الأخوة وقوة الإرادة وإصرار العزيمة ما يجعلها قادرة على تجاوز هذه المحن وتغيير هذا الواقع. وأول خطوة يجب أن نقوم بها في الطريق إلى تحقيق الوحدة والتحقق بها هي تعميق الإحساس والشعور بالأسس والأصول الإيمانية للوحدة الإسلامية من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، قال تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون [الأنبياء:92]، وقال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير [البقرة:285]، وقال رسول الله في تعريف الإيمان: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)). إنَّ هذه الأسس والأصول أوثق وأكبر ضمان للوحدة المنشودة إلى آخر الدهر، ومن ثَمَّ يجب تعميق الإحساس والشعور بها.

والخطوةُ الثانيةُ ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ التي يجب أن نقوم بها في الطريق إلى تحقيق الوحدة والتحقق بها هي العمل على ائتلاف القلوب والمشاعر وإذكاء وإنماء عاطفة الحب والتراحم. لقد كان تأليفُ القلوب بابَ الإسلام إلى تحقيق نعمة الوحدة والأخوة بين المؤمنين، ومِنْ ثَمَّ إلى تحقيق النصر المبين، قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون [آل عمران:103]، وقال تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:62، 63].

 والإسلامُ الذي فعل هذا بالأمس وأطفأ نار العداوةِ بين الأوس والخزرج وأنقذ الأمة من شفا حفرة من النار قادرٌ على أن يفعل مثله اليوم؛ لأن ائتلاف القلوب والمشاعر والاصطباغ بصبغة التواد والتراحم والتعاطف سمة من سمات المؤمنين وخصيصة من خصائص الإيمان، وفي الحديث الشريف عن رسول الله : ((مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى))، وقال رسول الله : ((المؤمن يأْلَفُ ويُؤْلَفُ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف))، وقال رسول الله : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه)). بهذا الحب وبهذا التآلف وبهذا التراحم والتعاطف تتحقق الوحدةُ الإسلامية والأخوةُ الإيمانية، وبغير هذا لا تقوم وحدة ولا تتحقق أخوة.

والخطوة الثالثة ـ عبادَ الله ـ التي يجب أن نقوم بها على طريق تحقيق الوحدة الإسلامية والتحقق بها هي إحياءُ الأخوة الحقّة التي تثمر الحب والإيثار والتعاون والتناصر المؤثـر الفَّعـال، قال تعـالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُـونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].

وتعالوْا بنا ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ نتأملْ صورة المجتمع الإسلامي الأول؛ لنرى كيف بَنَى رسولُ الله وحْدَتَهُ الإسلامية وأُخُوَّتَهُ الإيمانية على خُلُق الحب والإيثار. قال تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:8-10].

وقد طالبَنا القرآنُ الكريم ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ بإحكام الوحدة الإسلامية وتأصيلها وتفعيلها بالتآزر والتناصر بين المؤمنين، ولفَتَ أنظارنا إلى أن أعداءنا يوالي بعضُهم بعضًا، وحَذَّرنا من التفريط في هذه الموالاة، وبَصَّرنا بالعواقب الوخيمة والنتائج السيئة المترتبة على ترك التناصر والموالاة، قال تعالى: وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:72-73]، وفي الحديث الشريف عن رسول الله : ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضا))، وقال رسول الله : ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه)).

 والخطوة الرابعة ـ عباد الله ـ التي يجب أن نقوم بها في سبيل تحقيق الوحدة الإسلامية والتحقق بها هي أن نتسامَى فوق خلافاتنا، وأن نضرب بها عرض الحائط، وأن نترفع لصالح الإسلام والوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية عن المصالح الشخصية والمنافع الدنيوية، قال تعالى يعظ المؤمنين في الأنفال التي اختلفوا عليها بعد انتصارهم في غزوة بدر: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأنفال:1].

إنَّ التنازع والاختلاف وفساد ذات البين يُضْعِفُ الأقوياء ويُهْلِكُ الضعفاء، بينما التعاضد والاتحاد وإصلاح ذات البين يَصْنَع النصر المحقق والقوة المرهوبة، قال تعالى: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، وقال رسول الله : ((ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إصلاحُ ذاتِ البيْن، فإنَّ فسادَ ذاتِ البيْن هي الحالقة))، وقال رسول الله : ((دَبَّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: الحسدُ والبغضاءُ، هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشَّعْر، ولكن تحلق الدِّين)).

والخطوةُ الخامسة ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ التي يجب أن نقوم بها في سبيل الوحدة الإسلامية والتحقق بها هي أن نتحاشَى الانقسام في شأن أعدائنا؛ لأن الانقسام في شأنهم يشوه صورتنا، ويضعف قوتنا، ويَصُبُّ في الأخير في مصلحتهم لا في مصلحتنا، ولذلك قال جلَّ شأنه منكرًا على المؤمنين اختلافهم في شأن المنافقين: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [النساء:88] .

أيها الإخوة المؤمنون، إن الوحدة التي يقيمها الإسلام ليستْ عصبيةً من العصبيات، وليس فيها أيُّ تهديد لأي مجتمع من المجتمعات، وإنما هي طريق وسبيل إلى بناء أمة فاضلة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، وتَخْلُفُ نبيها في إيصال الرحمة إلى العالمين، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ. وقد أعلن رسول الله في خطبته العالمية يوم حجة الوداع عن اعتدال الإسلام ووسطيته عندما أكد على أن الإنسانية كلها أسرة واحدة: ربُّها واحد، وأبوها واحد، فقال: ((إنَّ ربكم واحد، وإن أباكم واحد)).

أيها الإخوة المؤمنون، ولزامًا علينا ونحن نتحدث عن الوحدة الإسلامية أن نَعْرِفَ الفضلَ لأهل الفضل، وأنْ نُشِيدَ بتجربة هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين في إقامة الوحدة المنشودة بين الناس.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي قيادتنا الحكيمة عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأن يبارك هذه الوحدة، وأن يحفظ أمن واستقرار هذا البلد، وأن يجعله وسائر بلاد المسلمين سخاءً رخاءً آمنًا مطمئنًا، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً ‏فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ ‏فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ [آل عمران:103].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله أولاً وآخرًا، والشكر له باطنًا وظاهرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الإخوة في الله، ولما للوحدة والتضامن والاجتماع والإخاء من منزلة عظيمة وآثار فريدة، ولما للفرقة ‏والخلاف والتنازع والشقاق من آفات وأمراض كثيرة وشرور مستطيرة، فقد جاء ديننا الحنيف بالحث على ‏التآلف والمودة واجتماع الكلمة ووحدة الصفوف والتحذير الشديد من التنافر والفرقة والشقاق والتنازع، فكان ‏من أهم ما جاء به الإسلام بعد عقيدة التوحيد وكلمة التوحيد توحيد الكلمة ولمّ الشعث وجمع الشمل؛ لأن في ذلك ‏سر بقاء أهل الإسلام، وضمانة انتصارهم على أعدائهم، وصلاح أمورهم في دينهم ودنياهم وأخراهم، روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله قال: ((إن الله يرضى ‏لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تُناصحوا من ولاّه الله ‏أمركم))، وقد ضُمنِت لهم العصمة من الخطأ عند اجتماعهم، وخيف عليهم الافتراق والاختلاف، وقد وقع ذلك في ‏هذه الأمة فافترقت، وستفترق على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلَّمة من عذاب النار، وهم ‏الذين كانوا على ما كان عليه النبي وأصحابه.

فاتقوا الله عباد الله، وأذكوا روابط الإخاء الإسلامي بينكم، وغذّوا وشائج الصدق والمحبة في مجتمعاتكم، واعلموا أنه لا علاج لداء الفرقة والخلاف والتفكك الاجتماعي إلا بتتبع أسبابه وأعراضه، والجد في القضاء عليها، يصحب ذلك نية صالحة وعزيمة صادقة ورغبة وقناعة واحتساب فيما عند الله من الأجر والثواب، وتذكر الله والدار الآخرة، وتحكيم للشرع الحق والعقل الفذ، والاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله ، وليكن كل واحد منكم ـ أيها المسلمون ـ جادًا في علاج هذا الداء العضال، ويكون مفتاحًا للخير والفضيلة، مغلاقًا للشر والفتنة والقطيعة والرذيلة.

وقد جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي أنه نهى أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال، كما نهى عن التدابر والتقاطع والتحاسد والتباغض، وأن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، فعمل على التحريش بينهم، وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53]، وإنه حينما ترفع الأعمال إلى الله في كل يوم اثنين وخميس يغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا.

إن حقًا على كل متشاحنين لا سيما من القرابة والأرحام والإخوة في الله أن يصطلحوا، وأن يجمعوا قلوبهم، وأن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يستعيذوا بالله من نزغات الشيطان الرجيم.

فيا أيها المتشاحنون، اصطلحوا فيما بينكم، فإن متاع الدنيا قليل. ويا أيها المتخاصمون، سطروا على صفحات مجتمعاتكم أحرف الوفاء والإخاء والمحبة والوئام، أريحوا المحاكم ودور الشرطة عن الرفع بالخصومات والمشكلات، وعاهدوا ربكم أن تكونوا إخوة متحابين كما أراد الله لكم، وكما كان سلفكم الصالح رحمهم الله، فحققوا الخير لأنفسكم ومجتمعاتكم.

ألا وإن من أهم أوجه الوحدة والبعد عن الخلاف وحدة العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله وائتلاف قلوبهم والتزامهم بالجماعة، وتفويت الفرص على الأعداء المتربصين، وفقه الخلاف وضوابط الحوار، والتعقل والحكمة وسلامة الصدور؛ ليتحقق لهم الخير الذي يريدون، والأمة جميعها مطالبة ـ قادتها وشعوبها علماؤها وعامتها شبابها وشيبها رجالها ونساؤها صغارها وكبارها ـ أن تجتمع على عقيدة التوحيد الصافية السليمة من لوثات الشرك والبدع وتخصيص بعض الأزمنة، لا هذا الشهر ولا غيره بعبادات لم يشرعها الله عز وجل، ولم يأت بها رسول الهدى ، ولم يسر عليها سلف هذه الأمة.

جمع الله القلوب، ووحد الصفوف، وأغاض الأعداء بتضامن المسلمين بمنه وكرمه.

ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على البشير النذير والسراج المنير، كما أمركم بذلك اللطيف الخبير، فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين...

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً