.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

منع الزكاة

3107

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الزكاة والصدقة, الكبائر والمعاصي

عبد الحليم توميات

رايس حميدو

19/4/1421

عمر بن الخطاب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أهمية أداء الزكاة. 2- وعيد من منع الزكاة. 3- شروط وجوب الزكاة. 4- الزكاة حق الفقراء. 5- عقوبة منع الزكاة في الدنيا والآخرة.

الخطبة الأولى

أما بعد: فقد شرعنا معكم في سلسلة الكبائر منذ مدة، بدأنا بأكبر الكبائر على الإطلاق "الشرك بالله"، وثنينا بذكر كبيرة "عقوق الوالدين"، ثم شرعنا في التحدث عن ترك الصلاة، واليوم ـ إن شاء الله ـ نحدثكم عن كبيرة أخرى من كبائر الذنوب، يجب على كل مسلم اجتنابها والتنبيه على اجتنابها، ألا وهي "ترك إخراج الزكاة".

فلقد بلغ الانحطاط ببعض الناس أن عطّلوا هذا الركن الرّكين وجعلوه من الركام الدفين، ونسوا هذا الواجب الذي من أنكره فقد كفر ومن تهاون في أدائه فسق وفجر.

فلقد ذكرت فريضة الزكاة في القرآن الكريم ثلاثين مرة، واجتمع ذكرها مع الصلاة في سبع وعشرين موضعًا، مما يدل على عظم قدرها وفخامة أمرها، بل جعلها الله في مواضع من كتابه من لوازم الإيمان، وجعل تركها من خصال المشركين المكذبين بيوم الدين.

حدثنا القرآن عن أهل الشقاء والخسران المبين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، كيف يصرخ أحدهم وينوح في أرض الحشر قائلاً: يٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَىٰ عَنّى مَالِيَهْ هَلَكَ عَنّى سُلْطَـٰنِيَهْ [الحاقة:25-29]، فينزل به حكم الواحد الأحد العدل قائلاً: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاْسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32]، ولماذا كان هذا العذاب والهوان والخزي على رؤوس الخلائق؟ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ [الحاقة:33، 34].

هذه الآيات المزلزلة للقلوب هي التي جعلت أبا الدرداء العابد الزاهد يقول لامرأته: (يا أم الدرداء، إن لله سلسلة لم تزل تغلي بها مراجل النار منذ خلق الله جهنم إلى يوم تُلقى في أعناق الناس، وقد نجانا الله من نصفها بإيماننا بالله العظيم، فحُضِّي على طعام المسكين).

كذلك نجد الله يقرن بين الزكاة والإيمان في قوله تعالى: وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156]، وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ [المؤمنون:1-4].

كما قرن ترك الزكاة بالشرك والتكذيب بيوم الدين فقال تعالى: وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ [فصلت:6، 7]، وقال عز وجل: أَرَءيْتَ ٱلَّذِى يُكَذّبُ بِٱلدّينِ فَذَلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ [الماعون:1- 3].

فكأن المانع للزكاة لا يؤمن بالله العظيم ولا باليوم الآخر، إذ لو كان كذلك لبادر إلى امتثال أمر الله العظيم، لذلك قال فيما رواه مسلم: ((والصدقة برهان)) أي: دليل واضح على إيمان العبد، ولذلك قال تعالى: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ [التوبة:11]، فالصلاة والزكاة هما الرابط الأول بين العباد، وهما الحاقن والعاصم لدمائهم.

وكلنا يعلم أن للزكاة سببًا وشرطًا، فالسبب هو بلوغ النصاب وهو مقدار معين من المال لا يتعدى في أيامنا هذه خمسة وتسعين ألف دينار جزائري (تسعة ملايين ونصف)، ما يعادل خمسًا وثمانين غرامًا من الذهب، فهل كل من ملك هذا وجب عليه إخراج الزكاة؟ الجواب: لا، فلا بدّ من تحقيق الشرط وهو أن يحول الحول الهجري على المال، كل ذلك ليخرج المسلم ربع العشر من المال أي: 2.5، مبلغ زهيد لا يضر أحدًا إخراجه، فانظروا ـ عباد الله ـ إلى تيسير الله رب العباد، ثم انظروا إلى استكبار وعناد العباد.

وليس غرضنا اليوم أن نشرح أحكام الزكاة، إنما الغرض هو أن نذكركم بحقيقة قد يغفل عنها الكثيرون، وهي أنه متى حال الحول الهجري على النصاب صارت قيمة الزكاة حقًا للفقراء والمساكين منذ تلكم اللحظة، والذي يمتنع من إخراجها يعتبر لصًّا بل أحقر لصٍّ على الأرض، إذ كيف يسرق الغني الفقير، فأرباب الأموال الذين نسوا الواجب الذي فرضه الله المتعال يستنكرون أن تنسبهم إلى السرقة، لكنه فرّ من السرقة العلنية إلى السرقة الخفية، فالمال حق الفقير، قال تعالى: وَفِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّائِلِ وَٱلْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، وقال في موضع آخر: وَٱلَّذِينَ فِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لّلسَّائِلِ وَٱلْمَحْرُومِ وقال جل جلاله: وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ [الإسراء:26]، وقال في زكاة الثمار: كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141].

الخطبة الثانية

أما بعد: فإن مما كان يتلى من القرآن ثم رفع قوله تعالى: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة رواه أحمد عن أبي واقد الليثي.

فمن عطّل المال عن حكمته حق عليه العقاب في الدنيا والآخرة.

أما العقاب في الدنيا فنوعان: نوع عام لا يدفع عن أحد بسبب الظالمين المانعين للزكاة، وهو ما رواه الحاكم والبيهقي مرفوعًا: ((ما منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر))، وفي رواية لابن ماجه: ((لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا القَطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا)).

ونوع آخر وهو عقاب خاص بمانع الزكاة في الدنيا، وهو أن تؤخذ منه مع شطر ماله، فقد روى أحمد عن معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله في الزكاة: ((من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنّا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا)).

ولم يقف الإسلام عند هذا، أي بالغرامة المالية، بل أوجب سلّ السيوف وإعلان الحرب على كل من تمرّد ولم يبال بأداء الزكاة، فلم يبال الشرع بإزهاق الأرواح لذلك، فقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على قتال مانعي الزكاة حتى يؤدوها، كما جاء في الصحيحين، ولعل الدولة الإسلامية في عهد الصديق هي أول دولة في التاري تقاتل من أجل حقوق الفقراء والمساكين والفئات الضعيفة.

هذا هو العذاب في الدنيا، وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [الزمر:26]. فما هو عذاب الآخرة؟

روى البخاري عن أبي هريرة مرفوعًا: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مُثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهِزِمتيه ـ شجاع أي: الذكر من الحيات. أقرع: لا شعر له لكثرة سمومه وطول عمره. زبيبتان: نقطتان سوداوان فوق عينيه وهو أخبث أنواع الحيات ـ يقول له وهو بين شدقيه: أنا مالك، أنا كنزك))، ثم تلا قوله تعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:180].

وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)).

وإن للزكاة أجرًا عظيمًا وثمرات عظيمة في شتى شؤون الحياة نراها لاحقًا، وما هذه إلا ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.

 

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً