.

اليوم م الموافق ‏09/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

صنائع المعروف

3909

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

أحاديث مشروحة, فضائل الأعمال, مكارم الأخلاق

حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

المدينة المنورة

10/8/1425

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- المدرسة النبوية الأخلاقية. 2- التأكيد على بذل النفع للمسلمين. 3- فضل قضاء حوائج المسلمين. 4- الحرص على إدخال السرور في قلوب المسلمين. 5- فضل كظم الغيظ. 6- ذمّ سوء الخلق. 7- فضل صيام شعبان. 8- بدع النصف من شعبان.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بوصيّةٍ عظمية ألا وهي تقوَى الله عز وجل ولزومُ طاعته في السرّ والعلَن، فبها تسعَد حياتنا وتزكو آخرتنا.

معاشرَ المسلمين، لقد جاءَت المدرسةُ النبويّة وفي توجيهاتِها المحاسنُ التي لا تتناهى والمبادِئ المثلَى التي لا تُجَارى، كيف وهي مدرسةُ سيّد الثقلين والمبعوثِ رحمةً للخلق أجمعين؟! مدرسةٌ ما أحلَى أن نطيِّبَ الأسماع بتوجيهاتها وأن نطيِّب الأوقاتَ بالعيش معها.

روى ابن عمرَ رضي الله عنهما أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ فقال: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ أحبّ إلى الله؟ وأيّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ فقال رسولُ الله : ((أحبُّ الناسِ إلى الله تعالى أنفعُهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله سرورٌ يدخِله إلى مسلمٍ أو يكشِف عنه كربةً أو تقضِي عنه دينًا أو تطرُد عنه جوعًا، ولأن أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحبّ إليّ مِن أن أعتكِفَ في هذا المسجد ـ يعني مسجدَ المدينة ـ شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ الله عورته، ومن كظمَ غيظَه ولو شاء أن يمضيَه أمضاه ملأَ الله قلبَه رجاءً يومَ القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى تتهيّأ له أثبتَ الله قدمَه يوم تزول الأقدام، وإنَّ سوءَ الخلُق ليفسِد الدّين كما يفسِد الخلُّ العسل)) حديث رواه الطبرانيّ في الكبير وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وغيرهما، وسنده حسن عند المحقّقين من المحدّثين[1].

حديثٌ عظِيم تضمَّن ما يورِث حبَّ الله وحبَّ الخلق وما بِه تشيعُ روحُ الأخوّة بين المسلمين وتقوَى العلاقاتُ معه بين المؤمنين. حديثٌ جليل تضمَّن من مبادئ الأخلاق أعلاها، ومِن قيَم الآداب أرفعَها، ومِن معالي المحاسِن أزكاها، ومِن محاسِنِ الشمائل أرقاها. توجيهاتٌ تزكو بها النفوس وتصلح بها المجتمعاتُ وتسعَد بها الأفراد والجماعات قِيَم اجتماعيّةٌ لم يشهد التأريخُ لها مثيلاً، ومبادِئُ حضاريّة لم تعرف البشريّة لها نظيرًا، ذلكم أنها توجيهاتُ من لا يصدر عن الهوى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4].

إخوةَ الإسلام، وهنا وقَفاتٌ عند هذا الحديثِ الجليل نستمتِع عندها بتوجيهاتِ سيّدنا ونسَرُّ معها بإرشاداتِ رسولنا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

الوقفةُ الأولى: تأكيدُ هذا الحديث على بذلِ النفعِ للمسلمين بوجوهِ النفع المختلِفة وأشكالهِ المتعدِّدة، فذلكم سببٌ عظيم للفَوز بالأجر الكبير والثوابِ الجزيل، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: ((أحبُّ النّاس إلى الله أنفعُهم للناس)).

ومن أعظم النفع لهم قضاءُ حاجاتهم وإعانَتهم في ذلك، أكانت حاجتهم إلى المال أو العمَل أو الوظيفة أو إلى بذل كلمةٍ طيّبة أو إلى دفعِ ظلمٍ أو إلى المشاركة بالمشاعِر في الأتراح والأفراح أو إلى نحوِ ذلك من الحاجات التي تختلِف باختلافِ أسبابها وبتنوُّع أشكالها.

وهذه قاعدةٌ عامّة في الشرع، قاعدةُ مشروعيّة المواساة بين المؤمنين والحِرص على قضاء حاجاتِ المسلمين، ومن هذا المنطلَق جاء في هذا الحديثِ قولُه تمثيلاً لجزئيّات هذه القاعدة: ((ولأن أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجد شهرًا))، وقوله: ((ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى تتهيّأ له أثبتَ الله قدمَه يومَ تزول الأقدام)).

وفي مقامِ التفصيل والبيان يقول : ((وإرشادُك الرّجلَ في أرض الضلالِ لك صدقة، وبصرُك للرجل الرّدِيء البصَر لك صدقة، وإماطتُك الحجر والشوكةَ والعظم عن الطريق لك صدقةٌ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقَة))[2]. ولهذا كلِّه حرص أهلُ الخير والفَضل على إنهاءِ حاجاتِ المؤمنين وإسداءِ النفع للمسلمين، يقول حكيم بنُ حزام رضي الله عنه: (ما أصبحتُ صباحًا قطّ فرأيت بفناءِ داري طالبَ حاجة قد ضاقَ بها ذرعًا فقضيتُها إلاَّ كانت من النِّعَم التي أحمدُ الله عليها، ولا أصبَحتُ صباحًا لم أرَ بفنائي طالبَ حاجة إلاَّ كان ذلك من المصائبِ التي أسأل الله عزّ وجلّ الأجرَ عليها)[3].

الوقفةُ الثانية: أكّد هذا الحديث العظيمُ على صفاتٍ خاصّة من قضاء حوائجِ المسلمين لعظيمِ أجرِها وكبيرِ ثوابها، وهذه الصفاتُ هي الحِرص بقدرِ الإمكان على عونِ المسلم في تنفيسِ كربَتِه أو قضاءِ دينِه أو طَرد جوعِه، قال : ((أطعِموا الجائعَ، وعودوا المريضَ، وفكّوا العاني)) رواه البخاري[4]، ويقول : ((ألا رجلٌ يمنَح أهلَ بيتٍ ناقةً تغدو بعُسّ ـ أي: قدحٍ كبير ـ وتروح بعسٍّ، إنَّ أجرها لعظيم)) متفق عليه[5].

وفي شأنِ ثواب التجاوزِ عن الدَّين أو قضائهِ عن المدِين جاء في الصحيحين أنّ رسول الله قال: ((كان رجلٌ يدايِن الناسَ، فكان يقول لفتاه: إذا أتيتَ معسِرًا فتجاوز عنه لعلَّ اللهَ أن يتجاوزَ عنَّا، فلقيَ الله عز وجل فتجاوز عنه))[6]، وعن عبد الله بن أبي قتادة أنّ أبا قتادةَ طلب غريمًا له فتوارى عنه، ثم وجده بعد ذلك فقال ـ أي: المدين ـ: إني معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله، قال: فإني سمعتُ نبيَّ الله صلوات الله وسلامه عليه يقول: ((مَن سرَّه أن ينجيَه الله من كُرَب يومِ القيامة فلينفِّس عن معسرٍ أو يضَع عنه)) رواه مسلم[7].

خصالٌ عظيمَة التزَم بها الصالحون وعمِل بها المتّقون، قال أبو هريرة رضي الله عنه: كنَّا نسمِّي جعفرَ أبا المساكين؛ كان يذهَب إلى بيته، فإن لم يجِد شيئًا أخرج لنا عُكّةً مِن عسلٍ أثرُها عسَل فنشقُّها فنلعَقُها[8]، وكانت لأبي برزَة الأسلميّ جفنةٌ من ثريدٍ في الغدوِّ والعشيّ للأرامِل واليتامَى والمساكين[9]، وكان عليّ بن الحسَين رضي الله عنه وعن أبيه وعن جدّه يحمِل الخبزَ باللّيل على ظهرِه يتتبّع به المساكين في الظلمَة ويقول: "إنّ الصّدقةَ في سوادِ اللّيل تطفِئ غضَبَ الربّ"[10]، قال محمد بن إسحاق رحمه الله: "كان ناسٌ مِن أهل المدينةِ يعيشون لا يدرون من أينَ كان معاشُهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين فقَدوا ذلك الذي كانوا يُؤتَونَ بالليل فعلِموا أنه منه، ولهذا قيل: كان يعول مائةَ أهل بيتٍ من المدينة"[11]، وعن شعبةَ رحمه الله قال: "لما توفِّي الزبير لقِيَ حكيم بنُ حزام عبدَ الله بن الزّبير فقال: كم ترك أخي من الدّين؟ فقال: ألفَ ألفٍ، قال: عليَّ منها خمسمائة ألف.

الوقفة الثالثة: أنَّ من الخصال التي حثَّ عليها هذا الحديثُ ورغَّب فيها الحرصَ على الشديد على إدخالِ السرور والسعادةِ على المسلمين بتطييبِ خواطرهم بكلمةٍ طيّبة أو مساعدةٍ ممكِنة بالمال أو الجاه أو بمشارَكةٍ بمشاعِرَ طيّبةٍ في أوقاتِ الحزن وعند التعرُّض لما يعكِّر الصّفوَ، فقد جاء في هذا الحديث: ((أحبُّ الأعمال إلى الله سرورٌ تدخِله على مسلم))، وفي الحديث عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيّ أنه قال: ((من لقيَ أخاه المسلم بما يحبّ ليَسُرّه بذلك سرَّه الله جلّ وعلا يومَ القيامة)) رواه الطبراني بإسنادٍ حسن[12]. ولهذا ذكَّر نبيُ الرّحمة نبيّ الأخلاق صلوات الله وسلامه عليه ذكَّر أمّتَه بالاتِّصاف بكلِّ مَظهر يوجِب السرورَ وبكلّ مسلَك يدخِل على الآخرين السّعادةَ والحبور، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تحقِرَنّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلق)) رواه مسلم[13]، ويقول أيضًا: ((تبسّمُك في وجه أخيك صدَقة)) رواه الترمذيّ وابن حبّان والبيهقيّ وإسناده حسن[14].

وقد التزَمَ سلَف هذه الأمّة وهم خِيارها بتِلك الأخلاقِ الفاضلة والقِيَم العظيمة، فكان بكر بن عبد الله المزني يلبَس كسوتَه وهو يعيش عيشَ الأغنياء، يلبس كسوتَه ثم يجيء إلى المساكين يجلِس معهم ويحدّثهم ويقول: "لعلّهم يفرحون بذلك"[15].

الوقفة الرابعة: مِنَ القيَم العالية التي حثَّ عليها هذا الحديثُ وبيَّن عظيمَ أجرِها التحلِّي بالصبر عند الغضَب وعند ثورانِه والاتِّصاف بكظمِ الغيظِ عند اشتداده، فالصبر عند الغضب وكظمُ الغيظ عند وجودِه خَصلة من خصال الصالحين وصفةٌ من صفاتِ المتّقين، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133، 134]. قال الطبريّ: "الكاظِمين الغيظَ يعني: الجارعين الغيظَ عند امتلاء نفوسِهم منه، يقال: كظم فلانٌ غيظَه إذا تجرّعه فحفِظ نفسَه أن تمضِيَ ما هي قادرةٌ على إمضائه باستنكارِها ممن غاظَها وانتِصارها ممن ظلمها"[16]، ويقول القرطبي: "كظم الغيظ ردُّه في الجوف والسّكوت عليه وعدم إظهاره لا بقولٍ ولا بفعل مع قُدرة الكاظمِ على الإيقاع بعدوِّه"[17].

ورسولنا يبيِّن عظيمَ فضل كظم الغيظِ فيقول: ((من كظمَ غيظًا وهو قادِر على أن ينفذَه دعاه الله على رؤوسِ الخلائق حتى يخيِّره من الحورِ ما شاء)) رواه الترمذيّ وأبو داود وسنده حسن[18]، وعند ابن ماجه: ((ما من جُرعَة أعظم أجرًا عند الله من جرعَةِ غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاءَ وجهِ الله))[19]، قال في الزوائد: "إسناده صحيح ورجاله ثقات"[20].

الوقفة الخامسة والأخيرة: أنّ في هذا الحديث ذمًّا لسوء الخلُق وبيانًا لعاقِبتِه الوخيمة، ذلكم أنّ الأخلاقَ السيّئة سمومٌ قاتلة ومُهلكات واقِعة ورذائل واضحة، روى الطبرانيّ وغيره عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((إنَّ العبدَ ليبلُغ بحُسن خلُقه عظيمَ درجات الآخرة وشرفَ المنازل وإنّه لضعيفٌ في العبادة، وإنَّ العبدَ ليبلُغ مِن سوءِ خلُقه أسفَلَ درَك جهنّم))[21]، قال الحافظ العراقيّ: "سنده جيد"[22]، وعند الترمذيّ وقال: "حديث حسن صحيح": ((ما مِن شيءٍ أثقَلُ في ميزانِ المؤمِن يومَ القيامة من خلُق حسَن، وإنَّ الله يبغِض الفاحشَ البذيء)) صحيحٌ عند المحقِّقين[23].

قال بعضُ السّلف: "سوءُ الخلُق سيّئةٌ لا تنفَع معها كثرةُ الحسنات، وحُسن الخلق حَسنةٌ لا تضرّ معها كثرةُ السيّئات"، كيف وقد روى أحمدُ والبزّار وابن حبان في صحيحِه بسندٍ صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسولَ الله، إن فلانة تكثِر من صلاتها وصيامِها وصدقتها غيرَ أنها تؤذِي جيرانها بلِسانها، قال: ((هي في النار))، قال: يا رسول الله، إنّ فلانة تذكُر من قِلّةِ صلاتها وصِيامها وإنها تتصدّق بالأثوارِ مِن الأقِط[24] ولا تؤذي جيرانها، قال: ((هي في الجنة))[25].

فاتّقوا الله عباد الله، واستجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم. فالتزِموا بتلك الأخلاقِ الكريمة، واحرِصوا على الاتّصاف بها؛ تسعَدوا وتفوزوا وتظفَروا.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة، ونفعنا بما فيهما من البيان، أقول هذا القول، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] معجم الطبراني الكبير (12/453)، قضاء الحوائج (36) ولم يسمّ الصحابي، وأشار المنذري في الترغيب إلى ضعفه (3،265)، وقال الهيثمي في المجمع (8/191): "فيه سكين بن سراج وهو ضعيف"، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (906).

[2] رواه البخاري في الأدب المفرد (891)، والترمذي في البر (1956)، والبزار (4070)، والطبراني في الأوسط (4840)، والبيهقي في الشعب (3/204) عن أبي ذر رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه ابن حبان (529)، وهو في السلسلة الصحيحة (572).

[3] رواه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (424).

[4] صحيح البخاري: كتاب الأطعمة (5373) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[5] صحيح البخاري: كتاب الهبة (2629)، صحيح مسلم: كتاب الزكاة (1019) واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[6] صحيح البخاري: كتاب البيوع (2078)، صحيح مسلم: كتاب المساقاة (1562) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] صحيح مسلم: كتاب المساقاة (1563).

[8] أخرجه الترمذي في المناقب (3767) وقال: "هذا حديث حسن غريب".

[9] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/299)، وانظر: سير أعلام النبلاء (3/42).

[10] رواه أحمد في الزهد (ص166)، وانظر: تهذيب الكمال (20/392)، وجامع العلوم والحكم (ص272)، وسير أعلام النبلاء (4/393).

[11] رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد (ص166)، وانظر: تهذيب الكمال (20/392).

[12] المعجم الصغير (1178)، ورواه أيضا ابن عدي في الكامل (2/215)، قال ابن عدي: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد"، وحسن إسناده المنذري في الترغيب (3/365)، والهيثمي في المجمع (8/193)، وهو في السلسلة الضعيفة (1286).

[13] صحيح مسلم: كتاب البر (2626) عن أبي ذر رضي الله عنه.

[14] سنن الترمذي: كتاب البر والصلة (1956)، صحيح ابن حبان (474، 529)، شعب الإيمان (3/220) عن أبي ذر رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وأخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد (891)، والبزار (4070)، وله شواهد كثيرة أشار إليها الترمذي، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (572)، وهو جزء من حديث قد تقدم.

[15] انظر: سير أعلام النبلاء (4/534).

[16] جامع البيان (4/93).

[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (4/206).

[18] سنن الترمذي: كتاب البر (2021)، سنن أبي داود: كتاب الأدب (4777) عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (3/440)، وابن ماجه في الزهد (4186)، وأبو يعلى (1497)، والطبراني في الكبير (20/188)، والبيهقي في الشعب (6/313)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2753).

[19] سنن ابن ماجه: كتاب الزهد (4189) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه أيضا أحمد (2/128)، والطبراني في الأوسط (7282)، والبيهقي في الشعب (6/313، 314)، وحسنه العراقي في الإحياء (4/163)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (3377).

[20] مصباح الزجاجة (4/233).

[21] المعجم الكبير (1/260)، وأخرجه أيضا أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (4/237)، والضياء في المختارة (1812)، قال المنذري في الترغيب (3/272): "رواته ثقات سوى شيخه المقدام بن داود وقد وثق"، وقال الهيثمي في المجمع (8/25): "رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف، وقال ابن دقيق العيد في الإمام: إنه وثق، وبقية رجاله ثقات"، وأورده الألباني في السلسلة الضعيفة (3030).

[22] تخريج الإحياء (3/64).

[23] سنن الترمذي: كتاب البر (2002) عن أبي الدرداء رضي الله عنه،

[24] أي: القطع من الأقِط.

[25] مسند أحمد (2/440)، صحيح ابن حبان (5764)، وأخرجه أيضا ابن راهويه في مسنده (293)، والبخاري في الأدب المفرد (119)، والبيهقي في الشعب (7/78، 79)، وصححه أيضا الحاكم (7304، 7305)، والمنذري في الترغيب (3/242)، وقال الهيثمي في المجمع (8/169): "رجاله ثقات"، وهو في السلسلة الصحيحة (190).

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له في الآخرة والأولى، وأشهد أنّ سيّدنا ونبِيّنا محمّدًا عبده ورسوله النبيّ المصطفى والعبد المجتَبى، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء.

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله عزّ وجلّ، فهي وصيّة الله للأوّلين والآخرين.

عبادَ الله، وردَت أحاديثُ صحيحةٌ في فضيلةِ صيام أكثرِ شَعبان، جاء في الصحيحين عن النبيِّ أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسولَ الله استكملَ صيامَ شهرٍ قطّ إلاَّ رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان، فكان يصوم شعبانَ كلَّه إلاَّ قليلاً[1]. وفيما رواه أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد أنه قال: لم أرك تصومُ من الشهورِ ما تصوم في شعبان! قال: ((ذلك شهرٌ يغفل عنه النّاس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفَع الأعمالُ فيه إلى ربِّ العالمين، وأحِبّ أن يرفَع عمَلي وأنا صائم))[2].

ولكن ممّا نبّه عليه العلماء قديمًا وحديثًا أنّه لم يصحَّ شيء من الأحاديثِ في تخصيصِ ليلةِ النّصف من شعبان بقيام ولا تخصيص يومِها بصِيام، وما يظنّه بعضٌ أنها ـ أي: ليلة النصف من شعبان ـ هي المرادَةُ بقوله جل وعلا: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3] فهو خطَأ واضِح؛ لأنّ المرادَ بالليلة المباركة في صحيحِ التفسير هي ليلةُ القدر كما يشير إليه قوله جلّ وعلا: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1].

وما ورَد في فضلِ تخصيص الصلاة في ليلةِ النصف من شعبان فكلُّه موضوع على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه كما ذكر ذلك المحقِّقون من المحدّثين قديمًا وحديثًا، قال الشوكاني رحمه الله: "حديث صلاةِ نِصف شعبان باطل"، وقال الحافظ العراقيّ رحمه الله: "حديث صلاة ليلةِ النصف من شعبان موضوعٌ على رسول الله وكذب عليه"، وقال النووي في المجموع: "الصلاة المعروفةُ بصلاةِ الرغائب وهي ثِنتَا عشرةَ ركعة بين المغرب والعِشاء ليلةَ أوّل جمعة من رجب وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة هاتان الصّلاتان بِدعتان منكَرتان، ولا يُغتَرّ بذكرهما في كتابِ قوتِ القلوب وإحياء علوم الدين ولا بالحديثِ المذكور فيهما، فإنّ كلَّ ذلك باطل، ولا يغتَرّ ببعضِ من اشتبه عليهِ حكمُهما من الأئمّة، فصنّف ورقاتٍ في استحبابهما، فإنّه غالط في ذلك" انتهى كلامه رحمه الله[3]. ولكن صحّح بعضُ المحدّثين حديثًا واحدًا وهو قوله : ((يطَّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقِه ليلةَ النّصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقِه إلاَّ لمشرك أو مشاحن))[4]، ولكنّ هذا الحديث لا يفيد تخصيصَ ليلة النّصف من شعبانَ بصلاةٍ ولا تخصيصَ يومِها بصيام، فالتزِموا سنة نبيّكم محمّد .

واعلَموا أنّ من أفضلِ الأعمال وأزكاها الصلاةَ والسلام على النبيّ الكريم.

اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الراشدين والأئمّة المهديّين...

 



[1] صحيح البخاري: كتاب الصوم (1969، 1970)، صحيح مسلم: كتاب الصيام (1156).

[2] مسند أحمد (5/201)، سنن النسائي: كتاب الصيام، باب: صوم النبي (2357)، وأبو نعيم في الحلية (9/18)، وصححه ابن خزيمة كما في الفتح (4/215)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1022).

[3] المجموع شرح المهذب (4/ 61).

[4] أخرجه ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان (1390) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل (2/561)، قال البوصيري في الزوائد: "إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة، وتدليس الوليد بن مسلم"، وله شواهد كثيرة لا يخلو كلّ واحد منها من ضعف، قال ابن رجب في لطائف المعارف (ص143): "وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعددة، وقد اختُلف فيها، فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه"، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة بعد أن ساق الشواهد وتكلم عليها: "وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، والصحة تثبت بأقل منها عددا ما دامت سالمة من الضعف الشديد كما هو الشأن في هذا الحديث".

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً