.

اليوم م الموافق ‏19/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

خطبة خسوف القمر 14/9/1424هـ

3788

الرقاق والأخلاق والآداب, موضوعات عامة

آثار الذنوب والمعاصي, مخلوقات الله

صالح بن محمد آل طالب

مكة المكرمة

14/9/1424

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- هدي النبي في الكسوف. 2- الشمس والقمر من آيات الله تعالى. 3- ما ذكره النبي في خطبة الكسوف. 4- التحذير من المعاصي. 5- دعوة للتوبة والاستغفار.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: خسفَت الشمس في عهدِ النبيّ ، فصلّى رسول الله بالناس، فقام فأطال القيام، ثمّ وصفَت الصلاةَ إلى أن قالت: ثم انصرفَ رسول الله وقد انجلتِ الشمس، فخطب الناسَ، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزّ وجلّ، يخوّف بهما عبادَه، لا يخسِفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبِّروا وصلّوا وتصدّقوا))، ثم قال: ((أيّها الناس، والله ما مِن أحدٍ أغير من الله أن يزنيَ عبدُه أو تزني أمتُه، والله لو تعلَمون ما أعلم لضحِكتم قليلاً ولبكَيتم كثيرًا))[1]، وفي رواية في الصحيحين أن النبيَّ أمرهم أن يتعوّذوا بالله من عذاب القبر[2].

وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي تقدّم في هذه الصلاة ثم تأخّر، وقال: ((إني رأيتُ الجنة، فتناولتُ عنقودًا لو أصبتُه لأكلتم منه ما بقِيت الدنيا، ورأيتُ النار، فما رأيتُ منظرًا كاليوم قطُّ أفظع، ورأيتُ أكثرَ أهلها النساء))، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: ((بكفرهِنّ))، قيل: يكفرنَ بالله؟! قال: ((يكفرن العشر، ويكفرنَ الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهنّ الدهرَ كلَّه ثم ّرأَت منك شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قطّ))[3].

وفي الصحيحين أيضًا من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ قال في خطبته تلك: ((ما من شيء كنتُ لم أره إلا رأيتُه في صلاتي هذه ـ أو قال: ـ في موقفي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور مثلَ أو قريبًا من فتنة الدجال، يؤتَى أحدُكم فيقال له: ما عِلمُك في هذا الرجل؟ فأما المؤمن ـ أو الموقن ـ فيقول: محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنّا واتبعنا وأجبنا، فيقال: نم صالحًا، قد علِمنا إن كنتَ لموقنًا، وأمّا المنافق ـ أو المرتاب ـ فيقول: لا أدري، سمعتُ الناس يقولون شيئًا فقلته))[4].

أيّها المسلمون، لا شكَّ أنَّ الشمسَ والقمر من أعظمِ آيات الله عزّ وجلّ الدالّةِ على عظيم قدرته الباهرة والباعثةِ على الخوف الحقيقيّ منه سبحانه دونَ أحدٍ سواه، وهذه الآياتُ العظيمة قد اعتاد عليها الناس، فربما غفَل بعضُ الخلق عن التفكُّر فيها، فيُحدِث الله عزّ وجلّ عليها من الطواري والحوادِث والتغيُّرات الكونية ما يبعثُ المسلمَ على التفكُّر والتذكّر، فلو اجتمع الإنسُ والجنّ على أن يُغيِّروا من نظام هذا الكون شيئًا لم يستطيعوا، أو على أن يعيدوا للقمَر ضوءَه لم يفلِحوا. فهذه آيةُ الله عزّ وجلّ الدّالةُ على قدرته سبحانه وتعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ  قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:71-73].

وقد بيّن النبيّ في خطبتِه بعد أن فزع فزعًا شديدًا عندما رأى هذا الخسوفَ للشّمس، حتى أخطأ في الدِّرع ، وذلك الفزعُ بسبب أنَّ الخسوفَ والكسوف من علامات الساعة ومن علامات العذاب، لذلك سُمع النبي يقول في دعائه في سجوده: ((يا ربّ، ألم تعدني أن لا تعذِّبهم وأنا فيهم؟!))[5]، فكان يبتهل إلى الله عز وجلّ أن لا يُنزل العذابَ بأمته رحمةً منه .

وذكر في خطبتِه بعضَ أحوالِ الآخرة ممّا رآه في صلاته تنبيهًا وتذكيرًا للمؤمنين، فمِن ذلك عذابُ القبر أجارنا الله وإياكم منه، وبيّن النبيّ أنه لا ينجو منه إلاّ من كان مؤمنًا موقنًا، عندها يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت. جعلنا الله وإيّاكم من الثابتين في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

كما أخبر النبيّ أنّ الله عز وجل يغضب ويغار عندما تُنتهَك حرماته عزّ وجلّ، وفيه تنبيه على أنّ الخسوفَ والكسوف علامة على الغضَب والعذاب، عافانا الله وإياكم.

ومن هذه المحارم التي نبّه عليها النبي الزنا، فهو موجِبٌ لغضَب الله عزّ وجلّ وأليم عقابه. فالله عز وجل يغار ويغضب من انتهاك هذه الحرمات أو ما أحاط بها عزّ وجلّ من حرمات عندما قال سبحانه: وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ [الإسراء:32] بأيِّ حالٍ من الأحوال، سواء كان الوقوع في الزنا أو قربان الزنا أو أيّ شيء يوصل إلى هذه الفاحشةِ الموجبة لغضب الله عزّ وجلّ وسخطه وأليم عقابه، سواء كانت هذه الأسباب الموصلة إليه الاختلاط أو السفور أو التبرّج أو الدعوة إلى الرذيلة كما ينادي بذلك الذين يحبّون أن تشيعَ الفاحشة في الذين آمنوا، والاستهزاء بما أحاط الله عزّ وجلّ هذه المحارم، أحاطها الله عزّ وجلّ بسياجٍ منيع من الحرمات، فالاستهزاء بذلك وانتهاكُ ذلك موجبٌ لعِقاب الله عزّ وجلّ، وكذلك نقصُ الأرزاق والخوف وغير ذلك من العقوبات، كلُّ هذا بسبب ذنوب العباد.

فهذه أسبابُ العقوبات قد انعقَدت، وعلامات العذاب قد ظهَرت، فعلى المسلمين جميعًا أن يتوبوا إلى الله عزّ وجلّ، وأن يخلِصوا له التوبةَ النصوح، وأن يستغفروه ويتوبوا إليه، فإنّ الله عزّ وجلّ يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيء النّهار، ورحمتُه سبحانه وسِعت كلَّ شيء، وهو يدعوكم إلى جنته، وَٱللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]، وَٱللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ [يونس:25]، قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]، وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء [الأعراف:156].

رحمةُ الله تعالى واسعة، فهو يناديكم، وهو أفرحُ بتوبة عبده من رجلٍ أضلَّ ناقتَه في الصحراء عليها متاعُه وزادُه، ثم فرح بها، فالله عزّ وجلّ أفرح من هذا العبد الذي لقي ناقتَه بعد ضياعها.

فعلينا أن نتوبَ إلى الله عزّ وجلّ، وأن نستغفرَه ونعودَ إليه، وأن نكبِّره ونصلِّي له ونستغفره سبحانه وتعالى.

وقد يقول بعضُ المتحَذلقين: إنّ هذه التغيّرات الكونيةَ لها أسبابٌ طبيعيّة معروفة، وليست بسبب الذنوب، فيجاب عن هؤلاء الغافلين عن آيات الله عزّ وجلّ بأن يقال: إنّ كونَها معروفةً أو أنّ لها أسبابًا طبيعية لا يخرِجُها من كونها مقدَّرةً من عند الله عزّ وجل، فالله سبحانه هو خالق الأشياء والحوادثِ وأسبابها والمسبّبات، فالله تعالى إذا أراد شيئًا بعث سببَه، فيخلق سبحانه الأشياءَ وأسبابَها.

فعلينا أن نتوبَ إلى الله عزّ وجلّ، وأن نعودَ إليه، خصوصًا في هذا الشهرِ الكريم الذي يُعتِق الله تعالى فيه رقابًا من الناس، والذي يغفر الله لجمٍّ غفير من المسلمين في هذا الشهر الكريم.

نسأل الله تعالى أن لا يؤاخذَنا بذنوبنا، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السّفهاء منا، وأن يغفر لنا ويرحمنا، ويتقبّل منا ومنكم صالحَ القول والعمل، والله تعالى أعلى وأجلّ.

وصلّى الله وسلّم على نبيِّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين.



[1] صحيح البخاري: كتاب الكسوف (1044)، صحيح مسلم: كتاب الكسوف (901) نحوه.

[2] صحيح البخاري: كتاب الكسوف (1050)، صحيح مسلم: كتاب الكسوف (903) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[3] صحيح البخاري: كتاب الكسوف (1052)، صحيح مسلم: كتاب الكسوف (907).

[4] صحيح البخاري: كتاب الكسوف (1053)، صحيح مسلم: كتاب الكسوف (905)

[5] أخرجه أحمد (2/188)، وأبو داود في الصلاة (1194)، والنسائي في الكسوف (1482، 1496)، والبيهقي في الكبرى (2/252) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه ابن خزيمة (1392)، وابن حبان (2838)، وهو في صحيح سنن أبي داود (1055).

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً