.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

عقبات في طريق العفّة

3771

الأسرة والمجتمع, فقه

النكاح, قضايا المجتمع

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

الرياض

9/4/1425

جامع الإمام تركي بن عبد الله

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الترغيب في النكاح وبيان فوائده. 2- مشكلة غلاء المهور وتكاليف الزواج. 3- ضرورة تعاون المجتمع وتكاتفه. 4- آفة التقليد. 5- ظاهرة الإسراف والمباهاة. 6- مشروعية الصداق وسنية تخفيفه. 7- الزواج الشرعي في الإسلام.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، إنَّ الله جلّ وعلا أمر بالنِّكاح ورغَّب فيه ورتَّب عليه الجزاءَ العظيمَ، قال تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]. وأمَر الفقيرَ العاجز بالعِفّةِ عن محارِم الله رجاءَ أن يسهِّل الله أمره: وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]. وأخبر أنَّ قاصدَ النكاح والجادَّ في طلبِه أحدُ الثلاثةِ الذين يعينُهم الله، ففي الحديث عنه : ((ثلاثةٌ حقّ على الله عونُهم)) ذكر منهم: ((المتزوّج يريد العفاف))[1]. وفي الزواجِ غضٌّ للبصر وتحصينٌ للفَرج وطمأنينة للنفس، ((يا معشر الشباب، منِ استطاع منكم الباءةَ فليتزوّج؛ فإنه أغضّ للبصر وأحصنُ للفرج))[2]، وفيه طمأنينةُ النفس وسكونها، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189]، وفيه حصولُ الولد وامتداد حياةِ بني الإنسان إلى أن يأذنَ الله بآخِر نسمةٍ من صُلب آدم.

أيها المسلم، وهذا النكاحُ الذي رغّب فيه الشرع وحثَّ عليه ورتَّب على حصوله المنافعَ العظيمة، هذا الأمر قد يعرِض له ما يعيقه ويسبّب عدمَ شيوعه ويقلِّله بين بعض أفراد المجتمع المسلم، ذلكم ـ يا إخواني ـ مشكلةُ ما يترتَّب على الزواج من تكاليفَ متعدّدة، أنواع مختلفة، منها: غلاء المهور أوّلاً، فغلاء المهور وكثرتها وتنافُسُ الناس فيما يدفَعون سبَّب عزوفَ بعض الشبابِ المسلم عن الإقدام على هذا الزواج؛ لأنه يرى نفسه عاجزًا وغيرَ قادر مهما بذل، ثم ما يُضاف إلى ذلك من التكاليفِ المتعدِّدة والولائم الكبيرة والتبعات التي بإمكان المجتمع المسلم التخفيف والتيسير فيها.

أيّها المسلم، مشكلةُ غلاءِ المهورِ أو مشكلةُ تكاليفِ الزواج عمومًا هي لا شكَّ مشكلة، ولا شكَّ أنها نازلة، وعلاج هذا لا يكون إلا بتعاونِ أفرادِ المجتمع المسلم فيما بينَهم ليحقِّقوا لمجتمَعهم السعادةَ والهناء. المجتمع المسلم مِن خُلُقه أن يشعر كلٌّ بمصالح الآخرين، وإذا كان كلٌّ إنما ينظر لواقعه وشخصيّته ومحيطِه الخاصِّ به دون أن يكون هناك نظرة للعموم فهناك البلاء والعياذ بالله. الله جلّ وعلا أرشدَنا بقوله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].

إنّ مِن التعاون على البرِّ سعيَ المجتمع المسلم في تخفيضِ التكلفاتِ في الزواج بأيّ أنواعها، إذا شعَر المسلم أن له أبناءً يريد تزويجَهم وأنّ له بناتٍ يريد أن يتزوَّجنَ ويعفّهن الله عن الحرام، إذا شعر المسلم بذلك دعاه إلى التيسير وسَلك طرق التيسير وإشاعة هذا الزواج وانتشاره.

أيّها المسلم، إنَّ المجتمعَ المسلم عندَما يتكاتف على الخيرِ ويشعُر كلّ فرد بمصلحة الآخرين فعند ذلك يقع الخير بتوفيق من الله، أمّا أن يتغاضَى الإنسان عن الآخرين وإنما ينظر لواقعه الخاصّ دون نظر إلى واقع الآخرين فتلك مصيبةٌ عظمى.

أيها المسلم إذا فكَّرت قليلاً ونظرتَ إلى بعض شبابِ من شبابنا وبعض الفتيات، بعضُ الشبابِ يريد الزواج، وبعضُ الفتيات والكل يريد الزواج، كلٌّ يريد الزواج من ذكورٍ أو إناث، علِمتَ أن هذه الفئةَ تحتاج إلى من يعينها ويلفِت النظرَ لها، ويساعد الجميع، فإنّك إذا نظرتَ هذا النظرَ الخاصّ دعاك إلى أن تبذلَ جهدَك وتدلي برأيك وتساهِم في تخفيف هذه التكلفات، لأنَّ إشاعة الزواج في المجتمع عنوان سعادتهِ وسلامتِه، إذ بقاءُ من لم يستطعِ الزواجَ ما بين عفيفٍ يبقى مكبوتًا في حياته، يعيش حسرةً وتألُّما، وما بين منحدر في رذائله، لا يلوي على شيء، وربما استلذَّ المعصية وأنس بالفساد وانتقل هنا وهناك، وأمضى وقته ومضى بعضُ عمره وما تحقَّقت له أمنيته.

أيها المسلم، ليس علاجُ التكلفات بنظامٍ يفرَض على الأفراد لا يتجاوزونه، فتلك الأنظمةُ ربما يتخطّاها الناس سرًّا، ويتغلّبون عليها ولا يبالون بها، لكن إذا كان الأمرُ نابعًا من ضميرِ مسلم حيّ يحبّ الخيَر لأمته ويكره الشرَّ لمجتمعه ويسعى في تحقيق الصلاح والاطمئنان والقضاء على وسائل الجريمة والانحراف، كان هذا الأمر أمرًا نافعًا بتوفيقٍ من الله.

أيّها المسلم، طبيعةُ المجتمعاتِ أن يقلِّد بعضهم بعضًا، ويحاكيَ بعضهم بعضًا، فالطبقةُ الوسطى تريد أن تماثلَ الطبقةَ التي أعلى منها، ومَن دونهم يريدون أن يحاكوا من فوقهم، وأصبحتِ المسألة تقليدًا ومباهاة ومجاراة، كلٌّ عسى أن يكون يظهر بالمظهر اللائق به من هذه التكلفات الزائدة التي لا تهمّ كثيرًا من الناس لكثرةِ ما عنده، ولا يبالي بما ينفق، فيكونُ البعض مقلّدًا للبعض على هذه التّكلفات الزائدة، حتى في الغالبِ لا تكادُ أن تفرِّق بين ولائمِ مَن كان متوسّط الحال وولائمِ مَن فوقه؛ لأنّ المجاراة والمحاكاة حكمت على المجتمع بهذا الأمر الخطير.

أيّها المسلم، يكون البعضُ ذا ثراءٍ وغِنى وجِدة وسَعة، لو ينفق في الليلة الواحدة كذا ألفًا لا يهمّه ولا يكترث به، لأنّ الله قد أعطاه وأغناه، لكن هذه النفقةُ التي لا يبالي بها وتسهُل في يده لأنّ الله أوجد له الخير، هذه النفقة التي ينفِقها لو فكّر قليلاً وتدبّر أنَّ جزءًا منها لو صُرف لزواجِ العاجِز وإعانة العاجز لكان هذا خيرًا له ولشباب الأمة مستقبلاً.

إن مَن ينفق الأموال الطائلة لكون أمواله كثيرةً لا ينقصه أن ينفقَ كذا ألفًا في ليلةٍ واحدة، ولا أن ينفق المئات الألوف في الليلة الواحدة، بينما الآخرون عاجزون لا يستطِيعون ولا يقوَون على هذا الأمر. فمِن واجب المجتمع المسلم أن ينظرَ إلى هذا الأمر نظرةً جدِّية فيها التعاونُ والتكاتف والتساعُد، وأن يكونَ لدى الناس تعاون على الخير وتشجيعٌ لمن يظهر هذا الأمر وإعانته والثناء عليه، حتى تأخذَ الأمّة هذا الطريقَ المستقيم، فتسهل عليهم المهمّة. إنّ الأمر يتعلَّق بالمجتمع المسلم، لا بد أن ينبعَ الأمر من قلوبٍ مستنيرة وقلوب حريصة على الخير، ونفوس يهمّها ما يصيبُ الآخرين من نقصٍ وأذى.

أيها المسلمون، الصَّداق في القرآنِ والسنّة هو عِوَض يدفَع للزوجة، ليس عوضًا أنه قيمة لذاتها، فهي أغلى من ذلك، ولكنّه رمزُ المحبّة والاستئناس، فما يدفعه لها مقابلَ استمتاعه بها وارتباطه بهذا العقد الموثَّق العظيم الذي قال الله فيه: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]. هذا الصداقُ واجب للمرأة بنص القرآن والسنة، قال تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4]، فهو واجبٌ بلا إشكال بنصِّ القرآن وفعلِ النبي وتقريرِه وإجماعِ المسلمين على ذلك، لكن سنّةُ محمّد التي سارَ عليها من جهة نسائِه أو بناتِه كانت سيرةً عادلة وكانت سيرةً نبيلة، إذ هو قدوةُ المسلمين وهو إمامهم، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].

فهو ضَرَب أروعَ الأمثال في ذلك، فزوجاتُه ما كانَ يدفع للواحدةِ منهن إلاّ اثنتي عشرةَ أوقية من الفضة، وما كان يقبّل لصدقات بناتِه إلا اثنتي عشرة أوقيّة من الفضة، أي: ما يقارب خمسمائة درهم بالدرهم الإسلامي، هكذا كان صداقُه لنسائه، وهكذا كان صداقُ بناته . هو ملتزمٌ بذلك، فما واحدة من نسائه أعطاها أكثرَ من ذلك، ولا واحدة من بناتِه أعطِيَت أكثرَ من ذلك، كان ملازمًا لهذا التيسير؛ لأنه قدوةٌ للمسلمين يتأسَّون به في الخير والهدى صلوات الله وسلامه عليه.

بل الأمرُ في السنة جاء بالتيسير بما هو أعظم من ذلك، فإنّ امرأةً في عهد النبيّ طلبت ممن خطبها أن يسلِم، فلمَا أسلم تزوَّجته وجعلت مهرَها منه إسلامَه ودخولَه في الإسلام[3]. وامرأة زوَّجها النبيّ برجلٍ على أن يحفِّظها ما معَه من القرآن[4]. وقال لعبد الرحمن بن عوف: ((ماذا أصدقت امرأتَك؟)) قال: وزنُ نواةٍ من ذهب[5]. ثم يقول عمر رضي الله عنه مخاطبًا للناس يحثُّهم على عدم التغالي في المهور ويقول: (لو كان تقوًى للهِ أو مكرمةً للناس لكان أولى به منكم رسولُ الله )، وذكر أنَّ رسول الله ما أصدق امرأةً من نسائه أكثرَ من اثنتي عشرة أوقية، ولا أُصدِقت أحدٌ من بناته بأكثر من اثنتي عشرة أوقية[6].

كلُّ هذا تيسير للناس وتسهيل، هو لا شكَّ أنه حقٌّ للمرأة، لكن ينبغي للمجتمعِ المسلم أن يترَبى على الخير وروح التعاون والمحبة بين المسلمين، ولذا قال العلماء: إنَّ من يريد الزواجَ إذا كان فقيرًا يعطَى من زكاة المال ما يعينه على مهمَّته. هو فقير أمامَه تكلفاتٌ كثيرة، وأمامَه وأمَامه.. فيصلُح أن يعطَى من الزكاة ما يعينه على هذه المهمّة، ليتخطَّى تلك العقبات الكأداء.

إنَّ المجتمع المسلم متى شاع فيه هذه الروحُ الطيبة روح التعاون والمحبة والنظر إلى الفقيرِ والمسكينِ والعاجز ورحمتِه والإحسان إليه ومساعدته بكلّ ممكن، هذا الذي يحقِّق للمجتمعِ الخيرَ والصلاح ويقضِي على الجريمة والانحرافِ الخلُقي الذي يبتلَى به من يبتلَى به، فإنَّ هذه الغرائزَ إن لم تكافَح بالخير ويعان أهلُها على الخير يوشك أن يتسلَّط الشيطان على أولئك، فيزيِّن لهم الفواحشَ ويغريهم بالمنكرات، فتمضي أعمارُهم من باطل إلى باطل، تقسى القلوب، وتنفر النفوس عن هذا الأمر العظيم، وتستلذّ الراحةَ بهذه المعصية، فيخسَر المسلمون شبابهم، ويخسروا فتياتهم، تعنس النساء، ويذهَب الشباب، وتبقى الأمّة في نقصٍ عظيم. فلا بدَّ للمجتمع المسلم أن يعالجَ تلك علاجًا شرعيًا؛ تعاوُنًا وتساعدًا وحرصًا على القضاءِ على مظاهر السرَف والبذخ مظاهر السرَف والتجاوز أو التبذير بالإنفاق في الحرامِ مِن جلبِ المغنِّيات ونحو ذلك، فالمسلمون مطلوبٌ منهم أن يكونوا يدًا واحدة متآمرين بالمعروف متناهين عن المنكر، والله يقول: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]. ولا شكّ أن مِن الأمر بالمعروف أن يسعَى المسلمون في تيسير أمر الزواج، وأنّ من المنكر أن يترَك الناس في هذا التنافُس الزائد والمجاراة العظيمة التي كلَّ عام تأتينا بشكلٍ ما كان عليه من قبل؛ إسرافًا ومجاوزة ومبالغة في الحدِّ، فالمسلمون مطلوبٌ منهم أن يتعاوَنوا على الخير والتقوى، أسأل الله للجميع التوفيقَ والسداد، إنه على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] أخرجه أحمد (2/251، 437)، والترمذي في فضائل الجهاد (1655)، والنسائي في الجهاد (3120)، وابن ماجه في الأحكام (2518) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وصححه ابن الجارود (979)، وابن حبان (4030)، والحاكم (2678)، وحسنه الألباني في غاية المرام (210).

[2] أخرجه البخاري في النكاح (5065)، ومسلم في النكاح (1400) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

[3] هذه المرأة هي أم سليم رضي الله عنه، وزوجها الذي أسلم هو أبو طرحة رضي الله عنه، والقصة أخرجها عبد الرزاق في المصنف (6/179)، والنسائي في النكاح (3341)، والطبراني في الكبير (5/90، 25/105)، وأبو نعيم في الحلية (9/59) عن أنس رضي الله عنه، وصححها ابن حبان (7187)، والضياء في المختارة (1607)، وابن حجر في الفتح (9/115)، وهي في صحيح سنن النسائي (3133).

[4] أخرجه البخاري في فضائل القرآن (5029)، ومسلم في النكاح (1425) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

[5] أخرجه البخاري في النكاح (5072، 5148، 5153، 5155، 5167)، ومسلم في النكاح (1427) من حديث أنس رضي الله عنه.

[6] أخرجه أحمد (1/40-41، 48)، وأبو داود في كتاب النكاح (2106)، والترمذي في كتاب النكاح (1114)، والنسائي في كتاب النكاح (3349)، وابن ماجه في كتاب النكاح (1887) ولفظه: (ألا لا تغالوا بصدُق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي ، ما أصدَق رسول الله امرأةً من نسائه ولا أصدِقت امرأة من بناته أكثرَ من ثنتي عشرَة أوقية)، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (4620)، والحاكم (2/175-176)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1852). قال الترمذي: "الأوقية عند أهل العلم أربعون درهما، وثنتا عشرة أوقية أربعمائة وثمانون درهما".

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربُّنا ويرضى، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صَلّى الله عليه وعلى آله وصَحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، الزواجُ في شريعةِ الإسلام تميَّز عن السفاحِ المذمومِ بأمور، ففي الزواجِ الشرعيِّ شُرط أن يحضُرَ الزواجَ وليُّ المرأة أبوها أو من يقوم مقامها، ولا بدَّ من حضور شاهدين، ولا بدَّ من رضا الزوجةِ بالزوج والزوج بالزوجة، وشُرعت الوليمة ودعِي إليها، فقال النبيّ لعبد الرحمن بن عوف: ((أولم ولو بشاة))[1]، وأمر بحضور وليمة الزواج، وقال فيها: ((من لم يجِب الدعوةَ فقد عصى محمدًا ))[2]، كلّ هذا لأنّ النكاح في الإسلام يجِب أن يعلَنَ ويظهَر ويعلَى شأنه، وقال أيضًا: ((أعلِنوا هذا النكاحَ واضرِبوا عليه بالدف))[3]، فالإشهادُ وحضور الوليّ والوليمة والإعلان كلّ هذا مطلوب في النكاح؛ لأنّ ظهورَ هذا العقد وشيوعَه في المجتمع دليل على وجودِ الخير وقصدِ الخير في المجتمع المسلم، فكلما كثر الزواج وشاع وكلّما انتشر وعُلِم دلّ ذلك على وجودِ خيرٍ في المجتمع المسلم، لكن ينبغِي أن يكونَ الإعلان بقدر، وأن تكونَ الولائم بقدر، وأن يكون كلّ الأشياء باعتدالٍ لا إسرافَ ولا تقتير، لا ندعو إلى زواجٍ مكتوم متواصًى بكتمانه وإخفائه، لا، الإعلانُ والوليمة وإظهارُه وحضوره والدعوةُ إليه كلُّها أمور مطلوبة شرعًا، كلما كان الزواج شائعا وكلّما حضر من حصر وكلما أُقيمتِ الوليمة وكلما عُلِم هذا أمر لا يشكّ المسلم في مشروعيته، لكن الكلام أن تكونَ هذه الأمور كلّها باعتدال، فتكون الوليمة باعتدال والمظاهر كلّها باعتدال، أوّلاً: البعدُ عمّا حرّم الله منِ اختلاطِ الرجال والنساء وتصويرِ الرجال الشباب والفتيات في مجتمع الزواج، وإشاعةِ هذه الصوَر ونشرها بين الناس، ثم ما يجلَب من مغنّين ومغنّيات، وينفَق عليهم الأموال الطائلة، ثم ما يحصل من تضخّمٍ في الولائم وكثرتها، ووضع شيءٍ قد لا يحتاج الحاضرون إلى عُشره.

فالمطلوبُ من المسلمين التعاون والوسطيةُ في أمورهم والاعتدالُ في هذه الأمور، وأن لا تكونَ الأمور خاضِعة لطاعةِ النساء أو السفهاء، بل ينبغي لعقلاءِ الأمّة أن يتدبّروا واقعَهم، وأن يكونَ كلّ منا يحرِص على أن يكونَ السبَّاق في الخير والسَّباق في الاعتدال والسَّباق في هذه الأمور الخيِّرة، حتى يكونَ بين الناس تنافسٌ في الخير وتنافس في الاعتدال وبُعد عن المظاهر السيئة.

أسأل الله أن يحفظنا بالإسلام، وأن يحفظ شبابَنا وفتياتنا، وأن يعينَ من أراد الزواج على الزواج، وأن يسهّل لهم أمورهم ويوفِّقهم ويفتحَ لهم أبوابَ رزقه، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبدِ الله ورسولِه محمّد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين...

 



[1] أخرجه البخاري في النكاح (5072، 5153، 5155، 5167)، ومسلم في النكاح (1427) من حديث أنس رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في النكاح (5177)، ومسلم في النكاح (1432) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: ((فقد عصى الله ورسوله )).

[3] أخرجه الترمذي في النكاح (1089)، وابن ماجه في النكاح (1895)، والبيهقي في الكبرى (7/290) عن عائشة رضي الله عنه نحوه، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب في هذا الباب، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث"، وضعفه ابن حجر في الفتح (9/226)، وهو في ضعيف سنن الترمذي (185). ولشطره الأول شواهد تقويه.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً