أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ولا تكونوا من المصرّين على الإثم والعدوان؛ لأن ضرر الذنب والمعصية في القلب كضرر السمّ في البدن، وما في الدنيا والآخرة شرٌّ ولا داءٌ إلا وسببه الذنوب والمعاصي، وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [النحل:61].
أليست هي سبب طرد إبليس من رحمة ربه؟! أليست هي سبب خروج آدم من الجنة؟! أليست هي سبب إغراقِ قوم نوح وهلاكِ قوم عاد وثمود وهدمِ قرية لوط وأخذِ قوم شعيب بيوم الظلة؟! إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:8، 9]، فما الذي دهى المسلمين اليوم في هذا الزمان حتى أصبحوا في سبات عميق وانهمكوا في الذنوب واللهو والفجور؟! أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]. ألا إن سَبَبَ المصائب والفتن كلِّها هو الذنوب والمعاصي، فإنها ما حلّت في ديار إلا أهلكتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، ولا في نفس إلا أفسدتها عنْ ثَوبَانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ، وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلا الْبِرُّ)).
ثم إنّ للمعاصي آثارا وشؤما تزول بها النعم وتحل النقم، قال عليّ رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
فيا أيها المسلم، إذا كنت في نعمة فارْعَها، وحافظ عليها، واحذر أن تكون مذنبا غير تائب، فتصبح من النادمين، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النفال:53]، قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تُميت القلوب وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وتركُ الذنوب حياةُ القلوب وخيرٌ لنفسك عصيانُها
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأعراف:100].
فاتقوا الله عباد الله، ولا تقترفوا الذنوب، ولا تستهينوا بها، قالت عائشة رضي الله عنها: (أقلوا الذنوب، فإنكم لن تلقوا الله عز وجل بشيء أفضل من قلة الذنوب). لذا فإن المؤمن العاقل يجتهد كلّ الاجتهاد في البعد عن الذنوب والمعاصي؛ لإن شؤمها قد يبلغه وهو لا يدري.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، ويرحم الله عبدا قال: آمين، والحمد لله رب العالمين.
|