.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

كيف ضعف المسلمون

3026

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

عنيزة

جامع السلام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- بعض صور ذلتنا وبعدنا عن ديننا. 2- أمة الغثاء التي أخبر عنها النبي . 3- أسباب ضعف المسلمين. 4- قوة أمة الإسلام في إيمانها.

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله..

أيها الإخوة المؤمنون، تتعرض الأمم عبر تاريخها إلى كبوات من الضعف والتأخر والهزيمة.. لكنها لا تلبث أن تنهض من كبوتها هذه متى مارجعت إلى نفسها ونظرت في أحوالها فعالجت القصور وسدت النقص ورتقت الخلل.

أما إن أهملت نفسها وبعثرت جهودها فإنها تذهب في ركام الأمم الغابرة في التاريخ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم [محمد:38].

أيها الإخوة المؤمنون، لننظر في بعض أحوالنا:

- بعدٌ عن شرع الله وإبعاده عن مواطن الحكم والثقافة والأخلاق.

- هدم للمساجد وانتهاك للمقدسات واحتلال للأراضي ونهب للثروات.

- إراقة للدماء وهدم للبيوت وحرق للأحياء وهتك للأعراض.

- اقتصاديات مبنية على الحرام.. وإعلام يبث غالبه السيء من الأخلاق.

- تضييق على الخير ومجالاته، وفتح لباب الشر والفسق وخياناته.

إنها كلها مظاهر تدل على ضعف الأمة، وهي داعية إلى البحث عن أسباب هذا الضعف.. والبحث عن إصلاح حال الأمة.. لتستعيد عزتها ومجدها، إنك حين تقلب النظر في حال المسلمين في القرون الأخيرة ترى أن المسلمين لم يزدادوا إلا ضعفاً، ولم تزدد أخلاقهم على مر الأيام إلا انحطاطاً وتهوراً.. ولا أحوالهم وشؤونهم إلا فساداً.. ترى أمة في غالبها جوفاء.. لاروح فيها ولادم .. وأصبحت بلادهم مالاً سائباً لا مانع له .. وأصبحت دولهم فريسة لكل مفترس؛ حتى صدق فيها ماقاله صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها))، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: ((بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن)) قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)) رواه أبو داود وغيره.

أيها المسلمون، إذاكنا خير الأمم التي أخرجت للناس بمنطوق القران، فما بال أمتنا أصبحت بهذه الحال من الضعف والتردي والهوان حتى أصبحت من أذل الأمم إن لم تكن أذل الأمم في واقعنا المعاصر؟

إذا كنا خير الأمم فكيف عظم فينا البلاء؟ حتى نطق الأخرس .. وتكلم الرويبضة، وأمسى من لا رأي له هو صاحب الرأي المقدم، نفوس صغيرة ذليلة فقدت طعم العزة، وأفئدة غافلة لاهية نسيت ربها واستخفَّت بوعده ووعيده في الدنيا والأخرة. لقد عظم البلاء حتى تدحرجت قضايا الأمة تحت أقدام يهود حاقدين وبدعم نصارى متآمرين، وتحت أنظار مستسلمين متخاذلين.

لقد عظم البلاء حين أصبح ديننا أقوالاً وشعاراتٍ بلا أفعال، وحين أصبح تعليمنا تنظيراً لا تطبيقاً، واقتصادياتنا في غالبها حراماً لا حلالاً. وحين لم تصبح المرأة لدينا مربية للأولاد ولامعلمة للأجيال ولا مهيئة للأبطال وإنما هي سلعة في سوق النخاس؛ للأزياء والجمال، فضاعت وأضاعت الأجيال إلامن رحم الله.

إذا كنا خير الأمم ـ ونحن كذلك بإذن الله ـ فلا بد أن نبحث في أسباب ضعفنا ومن أين أتينا؟ كيف استطاع الأعداء غزونا؟!.

إن المسلمين ـ إخوتي ـ لم يكونوا بحاجة إلى هذه الدماء المهدرة والحقوق المضيعة في فلسطين وغيرها من بقاع المسلمين ليكتشفوا ضعفهم وذلهم شعوباً وحكومات، فلقد مرت أحداث جسام ووقائع عظام عكس مرآها للمسلمين قزامة قاماتهم أمام العالم.. ورأوا تراجعهم وذبول عطائهم وتراجع اقتصادياتهم ونهب مدخراتهم وتدني دخولهم وشيخوخة دولهم .. وانتهاك حقوقهم، وهذه الصورة المحزنة جعلت بعض المسلمين ينحلون عن مبادئهم ويسعون حثيثاً في الجري خلف وعود الكفار وقرارات منظماتهم التي تظلم، وتعد ولا تنجز. مهملين أوثق عرى الدين، الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين.. وكذلك هرب البعض من مواجهة هذه الصورة القاتمة ليلجأ إلى استقدام آمال مشجعة، وإبر مخدرة يقتصر بجهده عليها بدون أن يقدم الحلول الناجحة ويرعى المشكلات القائمة، فأصبحت آمالهم سراباً بقيعة؛ يحسبه الظمآن ماء فإذا ماجاءته الأمة لم تجده شيئاً.

لكن طائفة ثالثة لم تهون من المشكلات ولم تقلل من خطرها على الإسلام حدوداً ووجوداً، وأنظمة وشعوباً، ولم تجابه واقعها المرير باليأس ولا بالهروب بل بالمواجهة المتعقلة واستكشاف سبل العلاج وإصلاح ما فسد من الناس وهذه هي الطائفة المنصورة بإذن الله، استعانت بالله على أسباب الضعف بالعمل بصبر وجلد وإتقان لردم هوة التخلف ونبذ ثقافة الفتنة وسياسة الشرذمة والتجسس والوشاية وتحسس أوجاع الأمة وعلاجها وإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رفعت الطائفة المنصورة النهج الإسلامي راية وسلوكاً .. وطرحت المنهج الإيماني عقيدة ومنهجاً .. عملت كل ذلك مستعينة بالله، فأعانها وسدد خطاها، فظلت في الأمة منصورة قائمة لايضرها من خذلها ولامن خالفها حتى يأتي أمر الله، نسأل الله جل وعلا أن نكون منهم.

أيها المؤمنون، لا بد لنا ونحن نرى هذا الضعف والهوان الذي لا يليق بخير الأمم من وقفة متأنية ونظرات تحليلية لتشخيص أعراض الضعف في المسلمين وكشف أسباب الوهن لنحاول علاجها وبث الحلول لإنهائها.

1– إن من أسباب ضعف المسلمين بعدهم عن دينهم وغياب الإيمان بالدين وتطبيق تعاليمه في كثير من الأمور التي تهمُّ حياة الناس من أنظمة الحكم والسياسة ومراتع الفن والثقافة ومجالات الاقتصاد والأسرة حتى جاهر الناس بالمعاصي واستعلنوا بها، وأصبحت بعض المعاصي غير منكرة في المجتمع المسلم.

لقد أصبح الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة لايعكس عظمة هذا الدين ورسالته بوصفه خير الأديان والمقبول منها عند الله.. لقد أصبح الدين شعاراً ومظهراً وليس دثاراً ومخبراً، هذا الدين حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والقرون المفضلة بعده إلى ذرى المجد وأحلَّهم في مواقع القيادة للعالم، لكن التأخر الحالي للمسلمين دليل خلل في علاقاتهم بدينهم، ولن نخرج من هذا الخلل بتمييع أو اختزال أو بعلمنة الدين أو إقصائه عن الناس وحياتهم، فهذا باطل ثبت أنه يضر الأمة ويضلها. وإن إحياء الدين في نفوس الأمة وعقولها لن يكون ـ بتوفيق الله ـ غلاً يكبلها بتعليم شرعي ودعوة إلى الله وتطبيق لنصوص القرآن والسنة، ونبذ الشرك والمعاصي التي أبعدت الأمة عن دينها.

2– إن من أسباب ضعف المسلمين جهود الأعداء خارجها لصرف هذه الأمة عن دينها.. فغزوا المسلمين عسكرياً وفكرياً وأبعدوهم عن كل طريقة جادة ونفخوا في القوميات الإقليمية والنعرات الجاهلية .. وقطعوا حبال الأخوة وسعوا في إضعاف العقائد والفضائل، وأغرقوا الميادين بالشبهات والشهوات وسفكوا الدماء وغصبوا الأراضي وصادروا الحقوق والحريات لشعوب المسلمين، وقصفوا بلدانهم وحاصروها ومنعوا عنها أبسط سبل العيش من غذاء ودواء.. ثم يدعون بعد كل ذلك حرصهم على إقامة السلام والعدل في العالم، وهو سلام وعدل لا يحقق إلا مصالحهم، ولا يبحث إلا عن إرضائهم وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة:217].

لكن هذا العدل الخارجي أثر على المسلمين حين تسلل من خلال صفوف داخلية منافقة من أصحاب المسالك الملتوية الذين مكن لهم في بلاد المسلمين ـ مع الأسف ـ فجاسوا خلال الديار بشبه وشهوات، وخانوا الأمة وشروا بلادهم بثمن بخس وفتحوها للأعداء، يعبثون فيها بتشجيع من هؤلاء المنافقين المستهزئين المستغلين للأزمات والفتن لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولاَوْضَعُواْ خِلَـٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمِينَ [التوبة:47].

3– إن من أسباب ضعف المسلمين ـ إخوتي ـ أن الأمة إنما ذلت وضعفت حين تراخت وركنت إلى اللهو والترف وتركت عزائم الأمور، ومن أعظمها ذروة سنام الإسلام، ألا وهو الجهاد قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة ـ أي الربا ـ واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لاينزعه عنكم حتى تحدثوا توبة)).

إن المسلمين ضعفوا لما رضي بالقعود أولو الطول والقادرون ممن يملكون وسائل الجهاد والبذل، ضعفوا لما رضوا أن يسمى الجهاد إرهاباً والمقاومة المشروعة عنفاً، والاستسلام والتخاذل سلاماً، لا يذودون عن حرمة، ولا ينتصرون لكرامة، ولا يخشون لصََغَار ولا ذلة، استصغروا أنفسهم، واستعظموا أعداءهم، وتناسوا إيمانهم وجنود ربهم.

3- ماذا جنى المسلمون من ترك التناصر بالإسلام والأخذ بعزائم الأمور؟! ماذا جنوا حين تركوا الجهاد ولجؤوا إلى غربٍ كافر؟ يرجون عنده الحل لأزماتهم التي لا حل لها إلا بالجهاد ؛ وبالجهاد الشرعي، مع إعداد وسائله ومقوماته نرهب أعداء الله فلا ينصرون، وعلى ديار الإسلام لا يعتدون وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60].

أيها المسلمون:

4– ومن أسباب ضعف المسلمين: هذا التفرق والتشرذم والخلاف فيما بينهم، الذي أصاب الأمة في مقتل، فمشكلات المسلمين فيما بينهم تمتد لسنوات طويلة وتطال دماءهم وأعراضهم وأموالهم وحدودهم التي زرعها الكفار فيما بينهم، وأرهق المسلمون واستنزفتهم هذه المشكلات التي أصبحت أسباب تفرقة، وقادتهم إلى حروب داخلية يكون بعضها أضرى من حروب خارجية فسببت العدواة فيما بينهم وزرعت البغضاء والأحقاد محل المحبة والتواد، وهذا من صور الاختلاف الذي نهى الله عنه وحذر عباده منه وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105].

وكان من نتيجة التفرق هذا أن استهان بهم الطغاة ورماهم العدا عن قوس واحدة أصابت الصميم. ففي الوقت الذي نرى فيه أعداءنا يتحِدون في العالم قوة ضاربة يتحكمون فيه كما شاءوا، نرى بلدان المسلمين كل يوم تزداد اختلافاً وتنازعاً وبعداً وتفرقاً، فأصبحوا لقمة سائغة لتداعي الأمم على حربهم، وصدق الله جل وعلا إذ يقول: وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].

5– ومن أسباب ضعف المسلمين أن الأمة فقدت الصلة التاريخية مع جيلها السابق الذي تمسك بالدين فتتحقق لهم الانتصار كما في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والقرون المفضلة بعده .. فأهملت الأمة تاريخها بالرغم من أن القرآن الكريم امتلأ بقصص الأقوام السابقة؛ عظة وعبرة لنا بأحوال الأمم في كفرهم وإيمانهم وشقاوتهم وسعادتهم؛ ومما يفيد الإنسان في حياته؛ المثلات والوقائع السابقة وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلَـٰتُ [الرعد:6]، فهل رجعنا إلى تاريخ أمتنا فعرفنا أسباب قوتها فالتزمناها وأسباب ضعفها فاجتنبناها؟.. هل درسنا تلك الفتوحات العظيمة لبلدان العالم ودوله الكبرى زمن الصحابة والتابعين؟! هل درسنا كيف أثر أعداء الإسلام لاسيما المنافقون وفتنهم على المسلمين عبر العصور؟! هل بحثنا في أسباب حروبنا مع الصلبيين ثم كيف أخرجناهم؟! هل بحثنا في أسباب سقوط الأندلس؟! هل تأملنا كيف أسقطت خلافة المسلمين في تركيا؟! ثم هل بحثنا في أسباب نكبتنا في فلسطين منذ أكثر من خمسين سنة؟!

إننا يجب أن نتأمل التاريخ الماضي لنستلهم منه العبر للحاضر، وإن الأمم التي لا تقرأ تاريخها، وتهمله؛ سيأتيها مستقبل ليس لصالحها.

ليــس بإنسـان ولا عاقل         من لا يعي التاريخ في صدره

ومن روى أخبار من قد مضى         أضاف عمـراً إلى عمـره

6– إن من أسباب ضعف المسلمين ـ إخوتي ـ غياب التخطيط وعدم استشراف المستقبل حتى نحدد مكاننا ونبني قوتها ونعدها عندما نحتاجها، وحتى نجعل الإسلام والمسلمين في جوهر الحياة وتطوراتها بدلاً من هذا الإقصاء الذي نراه في العالم اليوم للإسلام .. فمن التخطيط والإعداد الجيد أن نعرف طاقاتنا التي نملكها ومشكلاتنا التي نعيشها لتعالج الطاقات بعون الله المشكلات.

إن هذا التخبط الذي تعيشه الأمة دليل غياب التخطيط ومعرفة العدو حق المعرفة لقد أصبحت تصرفات كثر من المسلمين تشنجات وردود أفعال للأزمات التي تفاجئهم والأحداث التي تتقاذفهم .. هذه التصرفات التي ضرت الأمة وأضعفتها أكثر مما نفعتها. فإن ردود الفعل لاتحل أزمة ولاتزيل تسلطاً واحتلالاً؛ بل يجب ـ بدون ضعف أو تخاذل ـ أن نفهم الأعداء جيداً كيف يفكرون ويتصرفون وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55].

7– إن من أسباب ضعف المسلمين عدم تطور التعليم في بلدانهم وعدم صياغته علمياً وعملياً بحيث يحقق الأماني في تجاوز الواقع المؤلم، فالأمة تنهض بتوفيق الله ثم بتعليم مبني على كتاب الله وسنة رسوله الكريم، وتعليم يستوعب المفيد من علوم العصر الجديدة.

إننا حين نتأمل نتائج التعليم لدينا نراها متواضعة بما هو مرجو منها وما أنفق عليها .. إن التعليم لن ينجح ـ بإذن الله ـ بمعزل عن التفاعل بين المجتمع والمدرسة، لن ينجح إذا غاب عنه الإخلاص والتخطيط ولن ينجح إذا لازمه تعجل النتائج وتناقض المشارب، إن التعليم يزيل عن الأمة أسباب الجهل بدينها ويعطيها دوافع نمائها ويحقق أسباب وجودها ويساهم في أخلاقها لتتحصن ثقافياً وأخلاقياً وتقوى بعد الضعف؛ فتكون الأمة المسلمة مصدر الأصالة ومنبر التوجيه ومنار التأثير.

أيها الإخوة:

8– إن من الأسباب التي أضعفت المسلمين اختلال الأسس التي تقوم عليها الأسرة في مجتمعنا إما بإهمال أبوي للرعاية والقوامة، أو بسوء معاملة تبغضه لدى أهله وأولاده، أو بضعف دور الأم التي انشغلت عن بيتها وأولادها بالموضات والأسواق والسهرات أو بإغفال مواهب الأولاد من بنبن وبنات وهدر طاقاتهم في المنزل والخارج على ما يعود عليهم بالضرر أو بقلة نفعهم في الأمة، أو ترى قطيعة رحم بين الأقارب أبعدت ما بينهم وغير ذلك من مظاهر غزت الأسرة وهي اللبنة الأمتن في بناء المجتمع وأضعفت بناء الوطن والأمة.

9- إن من أسباب ضعف المسلين تسرب عدد من الأمراض إلى نفوسنا سببت للأمة الذلة والهوان والهزيمة والضعف، فالكثير منا رضي بفشله ولم يحرك ساكناً، وبعض المسلمين يزدري كل مايتصل به من دين وخلق، ويستحي من نفسه وأمته، ويؤمن بفضل الغربيين ويفضلهم وتتسرب ثقافتهم إليهم ويسعى لتغريب الأمة .. وسيطرت المادة وانشغل الناس في تحصيل الرزق فأصبحت المادة همهم وأصيبت الأمة بالتواكل الذي ضيع جهودها وفقدت الحكمة في الدعوة والموعظة وحصل استعجال للنتائج واختصار لمراحل الصراع مع الأعداء بلا إعداد، مما أدخل الأمة في متاهات ضيقة، فتحملت من العبء ما لا تستطيع، ومن العنت والعذاب ما لا تطيق.

10– كما أن من الأسباب التي أضعفت الأمة ركون بعض الأمة إلى الظَّلَمَة وزينوا لهم ظلمهم فاستفحل شرهم وعمّ الطغيان، فظهر جيل من الجلادين قساة القلوب فاقدي المشاعر .. يصبون العذاب والإيذاء فوق المسلمين من بني جلدتهم ويقهرونهم ويذلونهم، يصاحب ذلك إهانة للكلمة ومصادرة لسبب الإبداع وحرية الفكر؛ المضبوط بضابط الشرع والعقل، وهذا ما فقده غالب المسلمين بمصادرة حرياتهم وإهانة كرامتهم وانتهاك أبسط حقوقهم في التعبير والعيش التي كفلتها الشريعة لهم، فأقصي الإنسان المسلم وأشعر بالحصار فحرمت الأمة من عطائه ومشاركته فساهم في إضعافها.

11– إن من أسباب ضعف المسلمين المهمة هذا الإعلام الذي أصبح في غالبه يمثل الأمة شكلاً، لكنه بعيد مضموناً عن رسالة الأمة ونسبتها إلى دينها وتراثها؛ لقد بات إعلامنا في كثير من قنواته وصحفه باطلاً تختنق الفضائل في لُجته وَتنْبَتُّ الأجيال في حمأته، خلَّط ولبَّس، يصبح فيه المجرم ـ الذي باع وطنه وشعبه ـ بطلاً، والخائن أميناً، والغادر مجاهداً، والفنان واللاعب قدوة، إعلام يقدم الربح المادي على الفائدة، ويقلد الغرب الكافر بلا مواربة، إعلام زائف مضلل يعبث بعقول مشاهديه ومستمعيه وقارئيه ويطرح في غالبه ما يضر أو لايجلب النفع.. شعارات كاذبة وبطولات موهومة فضاعت من ورائها الشعوب وضعفت الأمة بإعلامها الذي كان من المفترض أن يقودها.

أيها الإخوة المؤمنون:

12– إن من أسباب ضعف المسلمين تهميش الخيرين الذين يريدون الخير بالأمة والمجتمع، ويسعون لإصلاحه والبحث عما يسعده، ومن ثَمَّ تقديم وإبراز المتلاعبين بمصير الأمة، الذين يسعون لإفسادها، ولا يحققون لها الخير من المنافقين والمتخاذلين.

فعلى مر التاريخ الإسلامي لم يستطع المسلمون أن يحققوا التقدم والنصر على الأعداء وتحرير المقدسات إلا حين أخذ برأي الخيرين الصادقين من العلماء والناصحين على عكس ما بليت به أمتنا به في الوقت الحاضر حين تصدى لقضاياها جيل من المسلمين متنور الذهن، ولكنه مظلم الروح، أجوف القلب، ضعيف اليقين، قليل الدين والصبر والجلد، ضعيف الإرادة والخلق، يبيع دينه بدنياه، ويبيع أمته وبلاده بمنافعه الشخصية وبجاه وعزة وهمية، ضعيف الثقة بنفسه وأمته، متكل على عدوه وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].

13– أن من أسباب ضعف المسلمين التناقض الكبير لدينا بين القول والفعل، والكم والكيف، والجمود المسيطر على بعضنا في الوسائل التي يمكن لنا بها أن نتقدم ونتطور، ولو استفدنا بعضها من الغرب بدون ان نتأثر بعقيدتهم وفكرهم، فأصيبت الأمة بالضمور والتخلف العلمي والتقني. فنحسب كم أنفقنا ولا نحسب ما استفدنا، ونهمل غالباً من نجح، ولا نحاسب من قصر، نهدر طاقتنا التي نسرف فيها من أموال ومياه وغيرها، ونشوه مرافقنا أو نهمل الاستفادة منها ثم نقول كما قال قوم عاد: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15]، وكأننا نتشبع بما لم نعط، نهمل الكثير، ونرضى بالقليل الذي لا ينفعنا، نفرح بما يرضي العاطفة، ولكننا لا نقدر العواقب ونحسب للمستقبل.

واعلموا أن نقد الذت، وتجاوز الأخطاء وتصحيحها من مظاهر الكمال الإنساني ودليل الصدق مع النفس .. كما أن الفشل في بعض المواطن أو الفترات لا يجوز أن يكون مثبطاً للعزائم مؤدياً إلى قتل الهمم.

أيها الإخوة المؤمنون، إنها كلها أسباب يجب أن أن لا تكون معرفتها سبباً لليأس والإحباط بل يجب أن تقوى عزائمنا على المضي في طريق نشر الإسلام والدعوة إليه .. إن ماذكرناه من أسباب ضعف وتأخر المسلمين ليست نصوصاً معصومة لا تقبل النقد، بل هي اجتهاد لم نرد منه إلا دفع الهمم لعلاجها، واستدراج الحوار نحوها لعلنا أن نوفق إلى مايخدم ديننا وأمتنا، إن ماذكرناه من أسباب الضعف لا ينسى أو يتناسى جوانب الخير والعودة إلى الدين ونشاط الأخيار في كل الأقطار الإسلامية، فهي ـ بحمد الله ـ موجودة، نسأل الله أن يكثرها وأن يبارك فيها ويزيدها نمواً وأن يخذل الشرَ وأهله، واليأسَ ومن ينعق من غربانه، والتحللَ ومن ينشره من أعوانه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ [آل عمران:140].

بارك الله لي ولكم...


 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه..

إذا كنا قد عرفنا أسباب الضعف فلا بد أن نعلم إخوتي أن مكمن القوة في المؤمن قوة إيمانه، وجميل صبره وحسن ثباته، غير هياب ولا وجل، ولو تكرر منه الإخفاق والفشل.

إن الأمة تكون عزيزة حين ترى أبناءها على خلق الشجاعة وصرامة العزم وعلو الهمة.. تكون عزيزة حين تلد أبطالاً، وتعد أجيالاً، وتبذل جهوداً لا يُقعِدها بخل، ولا يلهيها غنى .. لا يصنع التاريخ إلا الرجال أصحاب العزة أهل الحق والإيمان، الذين يغيرون مجرى التاريخ بعون الله ثم بكفاحهم المتواصل وعزائمهم التي لا تلين .. وإن أول من يجب أن يتحلى بالعزة .. رجال الأمة الذين وُكِّل إليهم تدبير شؤونها من العلماء والمعلمين والقادة والسياسيين وأولو الأمر وأصحاب النفوذ فيها .. يجلبون للأمة العزة لا الذل والضعف، حين يكونون قيادات صالحة مصلحة قوية راشدة طاهرة مؤمنة فذلك ركن من أركان العزة.

ولتعلموا رحمكم الله أن العزة لأهل الإيمان والحق باقية ما استقاموا على النهج وأصلحوا نفوسهم وأخذوا بدروب الاستقامة؛ فالعزة لا تجتمع مع الدنايا والبعد عن الله ومحاربة الله ورسوله والجرأة على انتهاك حرماته والمجاهرة بالفسوق والمعاصي، تذل الأمة وتضعف وتفقد كرامتها حين تنحرف نفوسها عن غاياتها وتضل أقدامُها طريقَها، حين يتلاشى الدين من مظاهر الحياة، وحين يقدَّم المنافقون العلمانيون ويؤخر الدعاة الصالحون.

أيها المؤمنون، لم تبن أمة مجدها ولم ينل شعب عزته باللهاث خلف الملذات أو بانتشار الفوضى والظلم أو غياب الحق والعدل.

اتقوا الله رحمكم الله، فإن عزة هذه الأمة ورفعة أهل الحق لا تتم ولن تكون إلا بالعضِّ على هذا الدين عقيدة وشريعة، صدقاً وعدلاً، إحلالاً للحلال، وتحريماً للحرام، ثباتاً في المواقف، ثباتاً لا يزعزعه تهديد ولا إغراء.

ومن رضي بالحياة الهينة واستمرأ المعصية واستثقل حمل الشدائد، فلن يحقق مجداً ولن يحوز عزاً، كما لن يحفظ حقاً مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَـئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر:10].

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً