.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

خطبة استسقاء 11/2/1425هـ

3676

الرقاق والأخلاق والآداب

آثار الذنوب والمعاصي, التوبة

علي بن عبد الرحمن الحذيفي

المدينة المنورة

11/2/1425

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أهمية الدعاء وشرط الاستجابة. 2- الافتقار إلى الله تعالى. 3- ضرورة التوبة. 4- سعة رحمة الله تعالى. 5- حاجة الناس إلى المطر. 6- سنة كونية شرعية. 7- دعاء وابتهال.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيّها الناس، إنّكم قد شكوتُم إلى الله تعالى جدْبَ دياركم واستئخارَ المطرِ عن إبَّان زمانه عنكم، وقد أمرَكَم الله عزّ وجلّ بالدعاء، ووعدكم على ذلك الإجابة، فقال تبارك وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]. فاصدُقوا الله تعالى في إخلاص الدعاءِ وإظهار الفاقةِ والتضرُّع إلى الله عزّ وجل، ينجزْ لكم ربكم ما وعدكم، فإنه يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. شرَط الله عز وجلّ إجابةَ الدعاء من عباده إذا دَعوه بأن يكونوا مستجيبين لأمره، طائعين له تبارك وتعالى، ممتثلين أمرَه، مجتنبين نهيَه، فإنه تبارك وتعالى من استجاب له بطاعته استجاب الله له في دعائه.

أيّها الناس، إنَّ ربَّكم تبارك وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17].

إنَّكم مفتقرون إلى الله في كلِّ شيء، بحاجةٍ شديدة إلى ربّكم، فتضرّعوا إليه عزّ وجل، وتوبوا إليه تبارك وتعالى من كلِّ ذنب، فإنَّ التوبةَ أوجبها الله على كلِّ مسلم، ووعد على ذلك الفلاح، فقال تبارك وتعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

التوبة إلى الله في كلِّ وقت، وفي كل حال، التوبة إلى الله أن يداومَ على التوبة، وأن يخلصَ فيها، وأن يتوبَ إلى الله من كلِّ ذنب صغيرًا كان أو كبيرًا، فإنَّ التوبةَ مِن أحبِّ الأعمال إلى الله عز وجل.

عبادَ الله، إنّ اللهَ تبارك وتعالى ما أنزل بلاءً ولا أنزل شِدّة ولا ابتلى عبادَه ببليّة إلاَّ بذنوبٍ عملوها وبآثام اقترفوها، وما يعفو الله تبارك وتعالى عنه ويتجاوز أكثَر، قال تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]. فنسأل الله تبارك وتعالى الذي عفا عن الكثير أن يعفوَ عن القليل منّا ومن المسلمين، وأن يتوب علينا أجمعين.

عبادَ الله، إنَّ ربَّكم تبارك وتعالى يقول في كتابه: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما علِمت ذلك غيرَ المطر)[1].

وإن هذا المطرَ جعل الله عزّ وجلّ الحياةَ متوقّفةً عليه، من جميع مَن خلق الله على وجه هذه الأرض، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يغيثَنا، وأن يتوبَ علينا، والله عز وجل يقول: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، ويقول تبارك وتعالى في سنّة الله التي أجراها في عباده عن نوح عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]، وقال عن هود عليه الصلاة والسلام: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52].

إن ثوابَ الطاعة يعجِّله الله عزّ وجلّ في الدنيا مع ما يدَّخره من عظيمِ الثواب في الآخرة، وإنَّ مِن عقوبة المعصية أن تعجَّل في الدنيا ما يُدَّخر لصاحبها في الآخرة.

وإنّه ما وقع بلاءٌ إلاَّ بذنب، وما رُفع إلا بتوبة، فتوبوا إلى الله أيها الناس. وإنّ الذنبَ قد يصيب صاحبَه، وقد يصيب الناسَ جميعًا، وقد يصيب شرُّه البهائمَ ومَن على وجه الأرض، قال الله تبارك وتعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر:45]، ويقول تبارك وتعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].

وإنَّ من سنّةِ الله تبارك وحكمته أنَّ هذا الإنسانَ إذا صلح عمله فيما بينه وبين الله وقام بحقِّ الله وحقوق العباد أصلحَ الله شأنه كلَّه، قال تبارك وتعالى: وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [الجن:16، 17].

فأصلِحوا ما بينكم وبين ربّكم يا عباد الله، وأدّوا المظالم إلى أهلها، وإيّاكم والظلمَ لأنفسكم أو الظلمَ لغيركم، فإنّ الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وما كان بينَك وبينَ ربِّك ـ أيّها الإنسان ـ فإنّ الله عفوّ كريم إذا كنت على توحيد صادقٍ وإخلاص، فإنّ الله يعفو ويتكرَّم، وما بينك وبين الخلق فإنّه لا يتجاوز الله عنه حتى تؤدَّى المظالم إلى أهلها.

عبادَ الله، إنّه جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: قال رسول الله : ((يا معشرَ المهاجرين، خمسٌ بخمس، وأعوذ بالله أن تدركوهن، ما ظهرتِ الفاحشةُ في قومٍ حتى يُعلنوا بها إلاَّ ظهر فيهم الطاعون والأوجاع والأمراضُ التي لم تكن في أسلافهم، وما نقصُوا المكيالَ والميزان إلاَّ أُخذوا بالسنين وشدّة المؤنة وجَور السلطان، وما منعوا زكاةَ أموالهم إلاَّ حُبس عنهم القطر من السماء، وما لم تحكُم أئمتهم بكتاب الله إلاَّ جعل الله بأسَهم بينهم، وما نقضوا عهدَ الله وعهد رسوله إلاّ سلَّط الله عليهم عدوًّا من سِوى أنفسهم فأخذ بعضَ ما في أيديهم))[2].

عباد الله، توبُوا إلى الله جميعًا، وتوجَّهوا إليه واستغفِروه، وأديموا الدعاءَ لأنفسِكم والدعاءَ للمسلمين، فإنّ الله تبارك وتعالى ذمَّ قومًا ابتلاهم وذمّ قومًا أنزل عليهم الشدائدَ فلم يتضرَّعوا إلى الله ولم يرجِعوا إليه، فقال تبارك وتعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76].

إنّ ربَّنا يريد منا طاعةً لا تَنفعه، وإنما تنفعنا، ويحبّ الله تبارك وتعالى أن نظهرَ إليه الافتقارَ والتضرع فإننا بأشدِّ الاضطرار إلى ربِّنا، لا نستغني عن الله طرفةَ عين ولا أقلَّ من ذلك، ومن استغنى عن الله طرفةَ عين فقد كفر.

أيها الناس، نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبَّل منا ومنكم.

اللهمّ إنا نتوجَّه إليك يا ربَّنا في عليائك وفوقَ سمائك لا إله إلاَّ أنت، اللهمّ إنا نتوجه إليك أنت الذي استويتَ على العرش لا إله إلا أنت، نسألك اللهمّ أن تغيثنا.

اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا غيثًا عاجلاً هنيئًا مريئًا غدَقًا سحًّا عامَّا مطبقا مجلِّلا نافعًا غير ضارّ، اللهمّ سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهمَّ أسقنا غيثًا عاجلاً غير رائث يا ربَّ العالمين، اللهمّ تحيي به البلاد، وتغيث به العباد يا رب العالمين.

اللهمّ أسقِ بلادك وبهائمَك، اللهمّ أسقِ بلادك وبهائمك، وأسقِ عبادك يا رب العالمين، وأسقِ كل دابة إنك يا رب العالمين أرحم الراحمين، ربّ المستضعفين لا إله إلا أنت.

اللهمّ بارك لنا في هذا الغيثِ يا ربّ العالمين، اللهمّ اجعله بركةً وغيثًا نافعًا وبلاغًا لنا للحاضر والباد، وبلاغًا إلى حين يا رب العالمين، اللهم غيثًا مغيثًا.

اللهمّ هذا دعاؤنا، اللهمّ وعليك الإجابة، أنت الله لا إله إلا أنت، وعدتنا بذلك.

توجَّهوا إلى الله ـ أيها المسلمون ـ بإخلاص، وأطيلوا الدعاءَ لله ربّ العالمين، وأقلبُوا لباسكم تأسِّيًا بسنة رسول الله [3].

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والحمد لله رب العالمين.



[1] انظر : تفسير البغوي (7/375).

[2] أخرجه ابن ماجه في الفتن (4019)، والبيهقي في الشعب (3/197)، وصححه الحاكم (4/540)، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (106).

[3] سنة قلب الرداء أخرجها البخاري في الجمعة (6069)، ومسلم في الاستسقاء (1011) من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً