وبعد: فاتقوا الله عباد الله، واعبدوه واشكروه وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.
إخوة الدين والعقيدة، لماذا الحرب على العراق؟ وما أهداف حرب الخليج الثالثة التي شرع العدو بإشعالها؟
وماذا وراء هذه الحرب؟ ولماذا بهذا التوقيت؟ وهل هي حرب لنزع أسلحة الدمار الشامل كما هو معلن، أم هي الخدعة والمكيدة من أجل استعمار جديد لأرض الإسلام؟
وما حقيقة أسلحة الدمار الشامل المحرمة على العراق، المشروعة بل الواجبة على الكيان الصهيوني؟
لماذا حرمت هذه الأسلحة على المسلمين وأحلت لليهود؟
وهل هذه الحرب الجديدة خطوة أولى لتمهيد تحقيق الحلم اليهودي الكبير، لتوسع إسرائيل وامتدادها، ليتم الوعد الأمريكي بإيجاد دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات؟
أم هذه الحرب خطوة لتحقيق المشروع الكبير الذي ينتظره نصارى أمريكا قبل يهود إسرائيل، وهو المشروع المؤجل منذ خمسين عامًا، مشروع إعادة بناء هيكل سليمان؟ أم هي حرب جديدة لتغيير خارطة الدول العربية، وتقسيم دول الإسلام وتغريب الشعوب المسلمة، وتتريكها بإلحاقها بتركيا التي طمس فيها أتاتورك معالم الإسلام، ومسخ فيها هوية المسلمين؟
هل الهدف من هذه الحرب، إعادة مشاهد التغريب الذي لعب دوره خائن الأمة أتاتورك، لكن بصياغة جديدة تعتمد على التهديد والوعيد في تغيير الأخلاق والثقافات، والمبادئ الإسلامية؟
أم هي حرب عسكرية اقتصادية من أجل نفط العراق فقط؟
أم هي حرب أرادت فيها أمريكا السيطرة على العالم، ورد كرامتها، واستعادة هيبتها ومجدها، الذي مُرغ في الوحل والتراب على هضاب وسفوح أفغانستان، وقبل ذلك الإهانة الكبرى التي كانت لها في أحداث سبتمبر؟
وهل هذه الحرب على العراق فقط، أم هي حرب شاملة طويلة المدى، بدأت في العراق ولا يُدرى أين تنتهي؟
ثم هل هي وليدة خطة جديدة، أملتها أحداث سبتمبر، أم هي نتيجة دراسة واعية منذ سنوات طويلة؟
وأخيرًا ما موقفنا تجاه هذه الحرب؟
وما الدور المناط بنا في هذه الظروف الحرجة؟
وما واجب الأفراد والمجتمعات المسلمة، وهي ترى الحرب تدار ساحتها في أرضها؟
هذه تساؤلات عديدة ملحة، لابد من معرفتها، كي نكون على مستوى عال في فهم حقيقة المعركة وأهدافها.
أيها الأحبة المؤمنون، وقبل الشروع في إجابة هذه التساؤلات والمطارحات الهامة في هذه الحرب الراهنة، أرغب أن انبه إلى قضيتين هامتين:
الأولى منهما: أن هذه الحرب ليست على العراق، إنما هي على الإسلام وعلى دول الإسلام، و من سنن الله البالغة في كونه، سنة التدافع بين الحق والباطل، وديمومة الصراع بين أهل الحق وبين المبطلين، وسنة الله تعالى في خلقه جارية ماضية قديمًا وحديثًا، لا تتغير ولا تتبدل وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62].
هي سنة و يبتلى فيها أهل الإيمان، لِيُعلم قدر جهادهم وصبرهم، ويملي الله فيها لأهل الباطل ليأخذهم يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ [الأنفال:36، 37].
ومع أن هذه الأحداث تروعنا، وهذه الحرب تزعجنا، إلا أنه لابد أن ندرك أنها حلقة واحدة من حلقات الصراع بين الإسلام والكفر، وأنها معركة طرفاها القرآن الحق، والتوراة والإنجيل المحرفين.
معركة يقصد من وراءها إذلال الشعوب المسلمة، وسحقُ المسلمين.
إن هذه الحرب الصليبية الغازية لبلاد الإسلام، وهذه الأحداث المؤلمة الموجعة للمسلمين، كما تؤكد سنة الابتلاء، فإنها أيضًا تؤكد عظمة هذا الدين على مدى الأزمان والعصور والدهور، وتدل على أن أعداء الدين ينظرون إلى الإسلام في بلاد المسلمين وكأنه صخرة شماء، وجبل راسٍ لا يتزعزع، وقوة ضاربة صلبة الجذور.
وعلى قدر شرف رسالتنا، وعظمة عقيدتنا، تكون شراسة عدونا، ولو لم يكن ديننا بهذه المثابة والعظمة لما اكترثوا له.
ما رأينا جيوش الصليبية يومًا تهاجم وثنية أو بوذية، لقد هاجمت أفغانستان والعراق المسلمتين، ولم يُقدموا على حرب كوريا مع أن الرئيس الأمريكي وصف كوريا من جملة محور الشر، بل لقد تراجعوا كثيرًا عن التحرش بها فكيف بحربها.
أما أفغانستان والعراق فيستحقان الحرب عند الصليبية؛ لأن شعبيهما شعب مسلم، وقد صور القرآن هذه الحقيقة في قول ربنا تعالى وعز: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة:217].
ولن تنتهي الصراعات بيننا وبين أهل الكتاب أبدا وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، والمتتبع للعلاقة بين الغرب وبين شعوب الإسلام، يدرك أنها تسير في دوامة صراع دائم لا يضعف، بل هو في تضاعف وازدياد، وما ذلك إلا لما تحمله قلوبهم من الرعب الشديد من الإسلام، والخوف من المسلمين، والحسد المتجذر في قلوبهم على المسلمين.
وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ [البقرة:109].
ثم القضية الثانية أيها الإخوة، أننا كثيرًا ما نعيش في الظروف الشديدة كهذه الأيام، أزمة الغثائية والسطحية في التفكير والفهم، ونفتقد العمق في إدَراك الأهداف والأبعاد من وراء تجييش العدو للجيوش، وإقامة الحروب، وربما غرر العدو بنا، فانطلت علينا كثير من مخططاته وأهدافه.
إنك لتسمع أحيانًا من يَرُوج عليه أن هدف الحرب تنحية شخص الرئيس العراقي، أو نزع سلاح الدار الشامل.
إننا بهذه السطحية من الفهم، وبهذا التفكير البدائي نكون متخلفين عن الواقع، بعيدين عن معرفة حجم المعركة.
بل ربما برر بعض من السذج حرب العدو، واعتبرها حربًا مقبولة، ما دام يقصد من ورائها هذا.
إن العدو قد جاء بقضه وقضيضه، لمعركة واسعة شاملة بعيدة المدى، معركة حاسمة يراد من وراءها اقتلاع الإسلام من جذوره، ونزع سلاح الإيمان من القلوب، وفصل أمة الإسلام، وإبعادها عن مصدر عزها كتاب الله، الذي لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].
إنها حرب جديدة، جمعت بين الاستعمار في الماضي والتغريب في الحاضر، إنه تطور جديد في أسلوب الحرب على المسلمين، يجمع بين تجربة الماضي والحاضر.
إن أعداء الإسلام جادون غير هازلين، في فتنة المسلمين وصدهم عن دينهم وعما أنزل إليهم، ليتطلعوا إلى مناهج أخرى، ويتعاملوا مع مبادئ غير ملة الإسلام وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49].
ولقد قال رئيس وزراء بريطانيا قبل زمن، في مجلس العموم البريطاني بعدما حمل القرآن بيده:إننا لا نستطيع القضاء على الإسلام والمسلمين، إلا بعد القضاء على ثلاثة أشياء:صلاة الجمعة والحج وهذا الكتاب، فقام أحد الحاضرين ليمزق القرآن فقال: ما هكذا أريد يا أحمق، إني أريد تمزيقه في قلوبهم وتصرفاتهم. هكذا وبكل صراحة ووضوح، يرمون من وراء حملاتهم إلى صرف المسلمين عن دينهم، ويسعون إلى تدمير الإيمان والقرآن ونزعهما من قلوب المسلمين، فكيف بعد هذا الوضوح تصدق أكذوبة العصر المضحكة، أن الهدف من الحرب نزع سلاح الدمار الشامل، أو تنحية رئيس العراق، ولقد صرح الرئيس الأمريكي بتاريخ1/1/2003، أنه لايعلم إذا ماكان الرئيس العراقي يمتلك حاليًا أسلحة دمار شامل، والآن أقبل بجنده وجيشه العرمرم لحرب العراق، بحجة نزع سلاح الدمار الشامل، مع أنه قد صرح أنه لا يعلم هل في العراق سلاح دمار شامل، إنها ألاعيب وأكاذيب وتناقضات لانهاية لها.
وآخر المطاف في مضحكات القوم: أن أحد المسؤولين في الإدارة الأمريكية صرح قبل الحرب بأيام، أن أمريكا عازمة على الحرب، حتى ولو تنحى الرئيس العراقي.
كل هذا ـ أيها الإخوة ـ وغيره كثير مما لا يسع ذكره هاهنا، دليل بين على ما بيته القوم من حرب دامية، يريدون من وراءها زلزلة المنطقة، والسيطرة التامة عليها، من أجل تغيير خارطتها ومسخ شعوبها، وطمس هويتها، واستذلال ونهب خيراتها، والتمكين للصهيونية المتشوقة لأطماع كثيرة في المنطقة.
إنها حرب عقدية سياسية، عسكرية اقتصادية توسعية، ذات أهداف كثيرة، وأبعاد عديدة، قد اخْتُطت مشاهدها، ونُظمت حلقاتُها منذ عشر سنين، إنها حرب أكبر مما نتصور، ومعركة أفظع مما نخمن ونظن، معركة أعد لها كل الإعداد، ورصد لدراستها ملايين الدولارات.
وشاهد القول ـ أيها الإخوة ـ، أن الحجم الكبير لهذه المعركة يملي علينا فهمًا أعمق، ويوجب علينا إدراكاً أكبر لما يُراد بنا، كي نكون على بصيرة من الأمر، ولنحصن نفوسنا ومجتمعاتنا وأجيالنا القادمة، بالإيمان الحق، وامتثال هذا الدين العظيم، وهذا هو الذي يفزع الأعداء، ويُزعج نفوسهم، ويفشل مكائدهم.
إن أول خطوة نضعها في الطريق الصحيح لمواجهة هذه الأزمة: الفهم الصحيح لطبيعة المعركة بيننا وبين الصليب، إذا أدركنا حجم المعركة وطبيعتها ـ بعيدا عن السطحية والغثائية ـ فإنه يمكن لنا حينئذ أن نعد لها إعدادًا سليمًا، ويمكن لنا أن نُنشئ الأجيال تنشئة صالحة متينة، لا تتأثر بالأعاصير ولا تتكدر بالرياح.
هذا هو أول واجب علينا تجاه هذه الحرب الجديدة، التي نسأل الله أن يجعل عاقبتها عزًا للإسلام، وذلاً للصليب وأهله.
ونسأله أن يبطل كيد المعتدين ويردهم خائبين. آمين والحمد لله رب العالمين.
|